- سواء أمر مادي كما هو سبب نزول الآية وسياقها أو نفسي ..
اليأس والقنوط والحزن والتجهم والتشاؤم هذا طبع لبعض النفوس .. وصفات تميل لها بعض الطباع .. كشخص فاقد للأمل .. وقد لا يرى الخير وهو غارق فيه .. ولا يرى الأمل لائحًا .. وهو دائم الشكوى قليل الصبر سريع الجزع .. وهو يطبع من حوله بطابعه السيئ وطالعه النكد.
والمعايش لكتاب الله تعالى لا يجد أن هذه هي الشخصية ولا الحالة النفسية التي يريدها كتاب الله تعالى.
1- فانظر إلى قاعدة عامة وإن كان وردت بخصوص مشكلات شخصية واجتماعية لكنها وردت على وجه العموم والإطلاق: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً
.
يعني: إذا سألت الآن وأنت في مأزق:
ماذا سيحدث؟ ستكون الإجابة الربانية هذه الآية: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً .
وإذا سألت ماذا أنتظر؟ ستكون الإجابة: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً .
ما هي المرحلة القادمة؟ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً .. هكذا بإطلاق ..
سواء أمر مادي كما هو سبب نزول الآية وسياقها أو نفسي ..
ومن تعامل مع ربه هكذا ورجا فيه هذا لا يخيب ربه ظنه أبدًا فهو عند ظن عبده به .. مع أن شأنه تعالى التيسير والتفريج والتنفيث وأن ما يصيبك إما عقوبة لذنب لتطهيرك، مع العفو عن الكثير وإنما تجازى بالأقل، أو رفعًا لدرجات لا تبلغها أعمالك.
2- وانظر إلى هذه الآية: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً
، فهو عسر مُعرَف .. محفوف بيسرين. فالعسر مكرر والألف واللام الثانية راجعة إلى الألف واللام الأولى (لام العهد) .. وأما اليسر فمنكّر للتعظيم وللتنويع فهو كثير وغير محدد .. هكذا جاءت الآيتان أيضًا كقاعدة وليس أمرًا مؤقتًا ولا خاصًا، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (لن يغلب عسر يسرين) من أجل هذا .
3- وانظر إلى الآية التي أوردناها سلفًا: وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ
. فعند الضر ذكر تعالى لنا كشفه يعني: أنه مؤقت ويُنتظر كشفه فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ , ويُتعبد لله بطلب كشفه وفي هذا جاء: «إن الله يحب عبده الذي يحب الفرج»، «أفضل العبادة انتظار الفرج».. وأما عند الخير فذكر لنا تعالى وجه استقراره بجملة اسمية فيها عموم قدرته ودوامها: وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ .
4- وانظر كذلك إلى قوله: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
، فالأمور كلها لها تقدير إلهي .. من ناحية الكتابة والقضاء، ولها قدْر معين في زمانها ورفعها .. وفي هذا جاء: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ
, قال السلف: يفرج كربًا وينفث همًا ويغفر ذنبًا.
5- وانظر إلى قوله تعالى: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ
. وانظر: وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
. قد يخوفك الشيطان أنه قد لا يدركك فضل الله تعالى لكن الله تعالى يقول لك شيئًا أعظم من هذا كله؛ يقول أن هذا الفضل سيلحقك ويدركك بل لن تستطيع لا أنت ولا غيرك رد فضل الله تعالى عليك أو على غيرك!! فسبحان أرحم الراحمين وله المحامد كلها. 6- وانظر إلى الأمل وسط الظلام: فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
، وقد حدث. 8- وانظر إلى شيخ كبير وزوجه عقيم فبشر بغلام وحفيد وكلاهما صالحان وأنبياء وأئمة هدى ..بل ومنهم ذرية عظيمة وأنبياء: فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِك قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ
.
9- وانظر إلى من فقد ابنه .. وبعد زمن يفقد آخر .. وثالثًا يأبي الرجوع .. فكلما زاد البلاء زادت بشارته عكس ما يتوقعه الخلق .. فعندما بدأ البلاء بقولهم: وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ * قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ
، كانت إجابته: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ
.. فلما زاد البلاء بهذه الرسالة: قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقاً مِّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ * ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
، زادت عبادته وبشارته.
ففي يوسف قال: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ
.
وهاهنا زاد مع الصبر حسن الظن: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
.
10- واليائس من ذنبه جعل له نداء كل لحظة: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
.
11- والله يحب البشارة وقدّرها لعباده: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
، فهو يعلم تعالى شوق النفوس للبشرى وارتياحها لهافبشر عباده المؤمنين: فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ
. ثم شرعها لعباده وأمر نبيه بها: وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ
, ووعد الأجر العظيم على بشارة المؤمن وقد روى عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فاجأ من أخيه المسلم فرحة غفر الله له». قال بن المبارك وهو يحاول إدخال الفرحة على أحد إخوانه بعدما ذكر الحديث: فأحببت أن أفاجئه فرحة على فرحة
وفي الحديث: «بشروا ولا تنفروا».
يارب فرج همي واسكت الشامتين عني وارزقني السعاده في الدنيا والآخره
يارب ارزقني زوجا أعزبا صالحا
_______
من أروع ما قرأت ,,, جزاك الله خير
هذا القسم يحتاج لمثل هذه المواضيع
أحبك في الله