- أعيننا..حتى خلت أنها لم تعش معه لحظة سعادة و وفاق..
- سألتها ذات مرة : متى أول مرة غضب منكِ أبي؟
إنه الحب والوفاء!
حكى لي صديق موقفاً طريفاً لاْمه،حيث قال:
كان أبي رحمه الله عصبياً،صعب المراس،حاد التعامل،وكان نصيب أمي من حدته وعصبيته الشيء الكثير مما شهدته و أخوتي أمام
أعيننا..حتى خلت أنها لم تعش معه لحظة سعادة و وفاق..
ذات يوم مرض أبي ..وتوعك بشدة حتى لم يعد يقوى على مغادرة الفراش،وعلى الرغم من أننا أعتدنا على مرضه في الآونة الاْخيرة لكثرة ما عاناه على سرير المرض،إلا أن مرضه في هذه المرة كان مختلفاً،هكذا كان إحساسنا،وبالفعل فبعد إسبوع توفي رحمه الله
فحزنا عليه جميعاً،وكانت أمي أشدنا حزناً و أكثرنا تفجعاً على غيابه..
في الواقع..لم أكن أتوقع أن يكون حزن أمي بهذا الشكل وبهذا القدر،
فعلى الرغم مما قاسته منه ومن عصبيته وقسوة طباعه رحمه الله إلا
أننا لمسنا منها ماذا كان رحمه الله يشكل في حياتها وكيف كان يتربع على قلبها بقوة.
أخذت تقول لنا: المرأة بلا زوج كخيمة بلا عمد...البيت بلا أب كغنم بلا راع..وكانت لا تفتأ في كل مناسبة أن تذكره أو تذكر موقفاً رائعاً له
متناسية خصامه وغضبه و عصبيته..
سألتها ذات مرة : متى أول مرة غضب منكِ أبي؟
قالت : كان بعد مضي شهر من زواجنا..ثم غيرت حديثها بذكر مناقبه وجميل صفاته، وكان هذا دأبها إذا سألتها مثل هذا السؤال حول عصبيته و حدة مزاجه..
بعدما أتمت أمي حدادها ،تلقت دعوات جيرانها و أقاربها على وليمة أو لتناول القهوة والشاي،وكانت كلما عادت من مناسبة ، جلست تحكي لنا عن المناسبة و أحداثها ، وأبرز قصصها و موضوعاتها، وكانت سعيدة كل السعادة..
لكن في يوم من الاْيام جاءت إلينا والصمت يلفها، والبسمة غائبة عن وجهها ، بل وتحولت إلى مخلوق شاحب..ظلت صامتة، تتكلم قليلاً، وتستغرق في أفكارها كثيراً، و عند العشاء، تناولت عشاءاً خفيفاً و صعدت إلى غرفتها .
لم تترك لنا مجالاً لنسألها عما بها ، لكني في الغد ..لا حظت إستمرار شحوب وجهها، فتأكدت أنها لم تنم ليلة البارحه ، فقررت طرد الصمت، وفتح باب الحوار، سألتها:
- أماه ...ماذا حدث؟
- أبوك.
- رحمه الله ..ما به؟
- حكت جارتي موقفاً كدر خاطري..
- وما هو؟
- كما تعرف أن من عادة والدكَ إذا زارتني بعض جاراتي الكبيرات في السن أن يدخل علينا و يتحدث معنا، فهو أعمى و لا يتحرجن منه ، وبعضهن لا يبصرن أيضا.
- هذا صحيح يا أماه ..
- تقول جارتي إن أباكَ قد عرض عليها الزواج منها ذات مرة، فقلت لها إن زوجي و من باب المزاح كان يعرض الزواج على كل امرأة تأتي غندي وليس هذا خاص بكِ وحدكِ..لكنها عادت لتؤكد أنه قد كرر الأمر عليها عدة مرات...وبلهجة جادة...
فأصابني الغضب والحزن ، الغضب من هذه المرأة هداها الله على جرحها لمشاعري ، والحزن فقد يكون أبوكَ مازحاً مع كل النساء الاْ مع تلك المرأة فقد يكون معها صادقاً...!
إبتسمت للموقف.. متعجباً كيف كانت أمي تحب زوجها وهو الذي كان يقسو عليها، و كيف تغار عليه حتى بعد موته! ولم أجد تفسيراً لما حدث سوى ............
( الحب و الوفاء )
أ.عبدالله الداوود
تحياتي