- نساء.. أم دمى متحركة؟!!
نساء.. أم دمى متحركة؟!!
الظاهرة الواضحة على القنوات الفضائية باختلاف انتماءاتها واتجاهاتها أنها تصب ألواناً طيفيه متباينة في قناة واحدة لتصنع من المرأة العربية المسلمة صورة الدمية المزخرفة الساذجة الغبية بما يتناسب مع أذواق الرجال وتفريغ المحتوى الداخلي من شخصيتها وفكرها منذ نعومة أظفارها وحتى الكبر.
أنثى فاقدة الهوية.. لا هي مسلمة ولا هي مسيحية أو يهودية، كيف تعرفها للوهلة الأولى تظنها أوروبية ثم تسمع اسمها فتفاجئ أنها مسلمة بل وعربية.. وتثيرك الدهشة أكثر أن تبرجها بلغ إلى حد الوقاحة حتى أن الأوربيات أنفسهن أكثر حشمة ووقار منها..
مهانة عاطفياً، وعقلياً، معدومة الكيان والشخصية.. لا ترى أماك إلا دقيه متحركة أو أداة لهو مبرمجة لأغراض جمالية لاستقطاب أهواء الرجال وإثارة غرائز الشباب.
ألستم معي أن هناك حركة مقننة ومدروسة بذكاء تهدف إلى تدمير أنوثة المرأة وتجميد كينونتها كإنسان له رأي وشخصية وموقف يتحرك لأهداف أكثر شمولية من حدود الحس والجسد والغرائز، لقد أصبحت سلعة لاتقل عن الماكينات الكهربائية المستهلكة في البيت، علب السجائر، الأحذية.. إن وجهها صار فوق الحقائب، والصناديق وكل الأدوات الاستهلاكية التي تنتهي صلاحيتها ثم ترقى في المزبلة أو تتعطل تستبدل بسلعة أخرى.. أداة يتلهى بجمالها وشبابها الرجال الذين لهم نزوات ونزعات حيوانية وقتية.. إنهم صنف من الرجال الغير محترمين!
فالطفلة تحولت إلى مشروع فني راقص، والمراهقة بهندامها المثير تتمايل وتتغنج متشبه بفتيات الإعلان وراقصات الأغاني وعارضات الأزياء والمتزوجة تنتزع من كيان أسرتها عبر أفكار مسمومة تبثها الأفلام والمسلسلات التي تحثها على الخيانة، تغذي فيها روح الأنا، لتبحث عن أنوثتها الضائعة في دنيا العلاقات الغرامية مبررة لنفسها هذه الأفاعيل الرعناء، وحتى المرأة الكبيرة في السن، والتي وصلت إلى عمر الاستقرار والإتزام صب الإعلام الزائف في أذنيها سموماً قاتلة تفتك بشخصيتها الرزينة ووقار هندامها لتلهث وراء سراب صيحات الجمال عبر عمليات الشد والترقيع.
دخلت علينا عبر العولمة الفكرية والثقافية مفاهيم صارخة، مدمرة، مدروسة دراسة نفسية، تعلن في مضمونها تدمير المجتمعات الإسلامية عن طريق المرأة وهذا الهوس الجنوني العابث الذي حولها إلى دمية باردة المشاعر، ميتة الإحساس، مسمومة الأفكار، وضيعة الاهتمامات.
وقد بلغت بالبنات المراهقات أن تحولت طموحاتهن الفتية إلى تقليد عارضات الأزياء أو راقصات الاستعراض مما أوقعهن بمشاكل صحية وعاطفية ونفسية وخلقت لهن خطاً هجومياً وتحدياً لكل التقاليد التي تحافظ على حيائهن.
وهذه القنوات تضرم النار في نفوس النساء لتسلبهن أدنى مراتب القيم الأخلاقية والعادات المحافظة والتقاليد التي تصونها من أيدي العابثين.. فهي تعرض نفسها بكل جسارة وتحدي متتبعة نهج الممثلات في إغواء الرجال والإيقاع بهم، فكل الفنون والأغاني والأفلام تعرض وعلى مدار الساعة نماذج مزخرفة، مزركشة، ملونة، ومثل ساقطة، تثير اهتمامات البنات وتلهب خيالاتهن، فالموضة الصارخة التي رسمت لهن المقاييس الجسدية وملكت مشاعرهن وسخرت عقولهن لأغراض اقتصادية ينتفع من وراءها أثرياء اليهود الذين هم من يدير بيوت الأزياء من وراء الكواليس.
حتى الخمار الذي ترتديه بعض النساء في مجتمعاتنا بعنوان الحجاب يكتب فوقه وبخط واضح وصريح اسم الماركة العالمية الشهيرة، المسكينة تلبسه وهي متفاخرة متباهية به بينما الواقع هو ضربة أدبية مخجلة تستهدف في الحقيقة تمييع مفهوم الحجاب والسخرية من قيمة الحشمة والعفاف.. فحتى الحجاب الإسلامي تصنعه أصابع مغرضة.
فالمهازل التي وصلت إليها البنات والنساء وهن منجرفات في هذا التيار متأثرات بحمى الموضة والجمال قد حولتهن إلى ظاهرة تتغنى بالشكليات والقشور على حساب المحتوى والجوهر، بؤر فاسدة ينبغي معالجتها وتوجيهها وإصلاح هذا الشرخ القائم في حياة الأنثى والزعزعة النفسية التي أتلفت إدراكها.. تظن أنها في عالم الجمال الساحر ومتمشيه معه في نسق وتناغم بينما الحقيقة أنها بدت كعروس المولد متبرجة بألوان مجنونة، مضحكة، مبكيه لا تمت إلى الجمال بأدنى صلة... الهاجس الذي يحرك فيها هذه النزعات المحرومة هو الإثارة ولفت الأنظار وإشباع فراغاً عاطفياً وعقلياً ونفسياً، لهذا أنت لا ترى في الفتاة الموزونة الشخصية هذا الانسلاخ والانعتاق الجوهري كما تراه في الفتاة التي تعاني من مركبات النقص أو المرأة المهزوزة الشخصية.
المرأة الدمية هنا هشة الشخصية من السهل الإيقاع بها، لأنها تبدو خاوية العقل لا تعتمد في خطواتها على أرض صلبه، ولا تملك الدرع الواقي من الدين والأخلاق والعفة الذاتية التي تصونها من التلاعب والضياع.
فالمرأة العفيفة بوابة المجتمع المتينة تحميه من الهجمات الشرسة والضربات القوية، تقف ثابتة صلبه أمام الهزات العنيفة، لهذا نحن أحوج ما نكون أن نعلم بناتنا وصغيراتنا الناعمات ونساءنا المتزوجات أن العفة قيمة ذاتية تحس بها المرأة وهي الضمير المتحرك في ذاتها قبل قطعة القماش الذي تضعه فوق رأسها، فالعفة الفكرية والنفسية وطهارة النفس هي حجر الأساس الذي تبني عليه شخصيتها حتى تصنع حول نفسها قشره خارجية صلبة تحميها من طوفان مشاعرها وأهوائها، ويحكم عقلها لتحافظ على نفسها كفتاة صغيرة مسؤولة مستقبلاً أمام شريك حياتها وأولادها.. بعد ذلك يأتي الغلاف الخارجي الشكلي المتمثل بالحجاب الذي يحمي المجتمع من النفوس المريضة التي تتبع العورات وتنهش الأعراض، فمن يرضى أن تكون ابنته أو أخته أو زوجته بل حتى خادمته سلعة رخيصة على أرصفة الشوارع، تلاحقها الألسن النابية بألفاظ فاحشة تخدش الحياء.
لهذا يجب أن يتنبه الآباء والرجال على وجه الخصوص إلى هذه القفزة الكبيرة التي أرجعت المرأة إلى الوراء أيام الجاهلية الأولى حينما كانت جارية تعرض في سوق النخاسة للبيع سعرها يتحدد بالمقاييس الشكلية التي تتمتع بها.
كل رجل قائد ينبغي أن يتحكم بإدارة بيته، ليحرس بناته ونسائه بعين ثاقبة وروح وثاجه. ليصون أنوثة المرأة من هذه المثيرات والمؤثرات ويصادر هذه القنوات الفضائية الفاضحة ويراقب بعين ساهرة.. فمن السخف أن يتهاون الأب بالمضرات التي تلحق ابنته المراهقة من جراء الحرية والانحلال في استخدام التلفون الشخصي في حقيبة يدها واقتناء سيارة فارهة ناهيك عن ارتداء الجينز الضيق والتشيرت اللاصق بالجسد، لا تحمل في كيانها حساً داخلياً يوجهها أو رقابة شديدة ترشدها إلى مواطن الزلل والضياع تنطلق في رحاب الدنيا بأحلام وردية وعبث طفولي متفجر.. هذا الأب قد ضيع كرامته لأنه حتماً يستوقع أجل هذه الفتاة في أي لحظة.. ولو كان الموت لاكتفى.. بل الأجل الذي أقصده هنا نهايتها كفتاة ذات قيمة وعفة وكيان.. والشوارع والأسواق والمدارس تصرخ وتضج كل يوم بمئات من القصص المأساوية واسألوا المعلمات والمربيات كيف يعشن هموم بعض الطالبات ممن وقعن أسيرات هذا الضياع.
الرجل مسؤول عن كل هذه المصائب، المجتمع بكل مفاهيمه تشحذ هذا الطريق بتلك الأوهام.. أصحاب الفكر والقلم والأساتذة والرجال بجملتهم لابد أن يتحركون من موقع المسؤولية لتحمل هذه التربية وتسخير الطاقات لدفع المرأة في طريق المثل الرفيعة وصنع الأمثلة العظيمة كقدوة للنساء والبنات.. حتى مخرجين الأفلام والمسلسلات مسؤولون عن تمييع المرأة.. حينما تعرض البطلات الجميلات بصورهن الفاسدة ومواقفهن الجسورة حتماً ستقلدهن المراهقات إن لم توجه فكرياً إلى طريق الصواب. فلماذا لا تكون البطلة فتاة صاحبة موقف إنساني أو ذات أخلاق وتشق طريقها في الحياة بجمالها الأخاذ وقوة شخصيتها وسمو فكرها لتصنع لها هدفاً لغرس مفهوم التضحية والصبر وحب الآخرين، وليس سلعة يطارحها الرجال الغرام. الأب أو الزوج الذي يطرب لإحدى الممثلات أو المذيعات أمام زوجته أو ابنته لابد أن يتوقع ردود الفعل فالشيطان سيقرع باباً في نفس هذه الأنثى ستقول في سرها الداخلي أنه الصواب، وإلا ما استحسن أباها أو أخاها أو زوجها هذه المرأة اللعوب الفاضحة الثياب. إذن فهو شئ مسلى يعجب الرجال فلأفعل كما تفعل هذه العارضة وسأرتدي ما ترتديه هذه المذيعة.
إنه النداء الداخلي الصامت في نفس الأنثى يأتيها من هذا الرجل الذي يعيش معها في البيت.
وهذه الزوجة التي يغازل زوجها بحضورها المذيعة في التلفزيون ويستقبح بدانتها ووجهها الباهت متحسراً على مالا يملك ناقماً على ما يملك.. يجن جنون هذه الزوجة، ستنتقم منه، ستحتقره، ستوبخه بعنف، وستعمل على تقليد الجميلات، كارهة سحنتها، محتقرة قيمة الأمومة التي سلبتها رشاقتها، ستفكر بالتقاليد التي تحبس رغباتها، ستفكر بما تتعطش إليه هواجسها، والزوج يضرم فيها نار الحقد كلما استعذب الجميلات في التلفزيون وأهان أنوثتها، فتبحث عن رجل آخر يعزز أنوثتها ويلهم شاعريتها، ويشحذ آمالها المريضة.
وإن سألت تلك الفئة من النساء سيقلن بصوت عال : (( من هو ذلك الرجل الذي يصرخ "لا" بوجه زخارف الدنيا وزينتها؟! من هو ذلك الرجل الذي يتهجن المرأة الدمية المتلونة؟!! لو كان في دنيانا هذا الصنف من الرجال، لعمت الفضيلة أرجاء الكون! من يحترم قيمة الذات والشخصية في المرأة؟! من غرس في ابنته أو زوجته قيمة الثقافة والأدب والكمال وحسن اللباقة والتصرف؟! من توج رأسها بتاج الكرامة.. من علمها أن الجمال الحقيقي يكمن في الأعماق حينما يتسرب ذلك الإشعاع الداخلي إلى الآخرين.. كما يقول الكاتب الكبير توفيق الحكيم : ((إن جمال المرأة الحقيقي ينبغ كنور القنديل المضاء الذي يتوقد من الداخل لا من زينة الأصباغ والألوان)). من حسسها دوماً أنها الأم الحنون والمرأة الشمس المليئة حباً وحناناً والتي تفيض رقة وعذوبة ودفئاً يسكنه الرجل في لحظات البرد والحرمان..
هكذا هي المرأة عطر الطبيعة الأخاذ ورذاذها الناعم الذي يرطب قسوة الحياة والأنوثة لون الأرض الخضراء وسكون القمر وهي الحزن والفرح والنور بمشاعرها المتدفقة. لا كما يريدها سماسرة العصر دمية متحركة أو تمثال من الشمع تصلح لنزوات وقتية طارئة.
لو حرس كل رجل على تعديل سلوك المرأة عبر نظرته الحكيمة وتصوراته الإنسانية وحدد لها القالب الذي يرتاح له لانساقت وراء هذا النداء بعيداً عن ثرثرة الشارع. لحرست أن تتشكل بالشاكلة التي ترضيه لأنها توأمة روحه منذ بدء التكوين، تدور في فلك اهتماماته وتتأثر بضيائه وإشعاعاته. فإن كان شمساً كانت له صحواً، وإن كان شتاءاً مدلهماً كانت له إعصاراً.
الرجل هو الذي يحدد المناخ الذي يريده والأجواء التي تغذي ارتياحه، ومهما بلغت المرأة من قوة وشراسة، يبقى في داخلها طفل صغير يبحث عن الأمان ويحاول أن يشق طريقاً معتدلاً وسط تناقضات العالم، فهو أي الرجل يحتويها بحنانه وعطفه وقوة شخصيته وبإمكانه هنا أن يخلق من هذه الدمية قديسة طاهرة تصنع ما يعجز الرجال عن صنعه وختاماً أضع بين يدي نساءنا هذا الحديث للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي يتضمن هذا المفهوم :
(( خير النساء الذليلة عند زوجها العزيزة في أهلها، الحصان، المنيعة القوية، أمام غيره من الرجال)).