- تشكل المذاق في الدماغ
- الفرق بين النكهة والطعم
- دور الاسنان
- ولكن ماذا عن الاسنان ودورها في هذه العملية؟!
- لكل شخص ذوقه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اهلا يالفراشات
حتى اليوم ، يعلم غالبية الناس ان عملية التذوق تبدأ بشكل عام، عند نوع من المستقبلات الحسية التذوقية الكامنة داخل حليمات صغيرة تسمى مجازاً “براعم التذوق”.
وتعمل هذه المستقبلات المرتبطة بخلايا حسية متخصصة، على تحديد الجزيئات الحاملة للنكهة ونقل المعلومة المعنية الى مراكز التذوق في الدماغ. وحتى هذا المستوى لا شيء يبدو معقداً.
تمر الرسالة المكونة من سلسلة من الاشارات العصبية الصغيرة متغيرة الشدة عبر المهاد البصري ثم تكوّن في منطقة القشرة الدماغية التذوقية صورة حيث يعمل الدماغ على مقارنتها مع النكهات المختلفة المخزنة لديه وبهذا يمكن للدماغ التعرف على عدد لا حصر له من النكهات المختلفة وبعد تحليل الرسالة، يطلق الدماغ العنان لسلسلة من التفاعلات التي تظهر على شكل ( ازدارد الطعام، هضم الطعام، تقيؤ الطعام.. الخ)
تتجه اشارة كل خلية تذوقية نحو الاعصاب عند نهاية براعم التذوق ثم تترك الحليمات لتصعد نحو الدماغ عن طريق الأعصاب التذوقية الأولية
عند التعمق والوصول الى مستوى البراعم تصبح الامور اكثر تعقيداً، فخلافاً للقاعدة الشائعة بين الناس، والتي تقول إن قوة الحليمات تنحصر في عملية التمييز بين النكهات الاساسية الاربع ( الحلاوة والملوحة والمرارة والحموضة ) والتي يضاف اليها نكهة خامسة حسب آراء العلماء ويطلق عليها باللغة اليابانية “Umami” اي العَذْب. ويستخدم هذا المذاق الخاص في المطبخ الياباني وهو عبارة عن حمض أميني موجود في اللحم والسمك والخضراوات ويطلق عليه العلماء “ الفلوتامات ”، فخلافاً لما هو شائع، يمكن لحليمات التذوق التعرف على عدد لا حصر له من النكهات وذلك بفضل براعم التذوق الموجودة فيها، فعلى سبيل المثال يكفي ان يسأل أحدنا نفسه عن نكهة السوس، فهذا النوع من السكاكر ليس بمالح ولا بحلو ولا بمر، بل لا تبدو عليه نكهة الحامض وكل ما يمكن قوله عن مذاقه انه بنكهة السوس.
وفي هذا الصدد تقول أنايك فوريون من مختبر بيولوجية الأعصاب الحسية في الكلية العملية للدراسات العليا بباريس “إن المرء قادر على ادراك مجموعة متصلة من المذاقات التي تتكون منها أعداد لا حصر لها من الاغذية الموجودة في الطبيعة، ولكن لسوء الحظ، لا نملك الكلمات التي تعيننا على وصف هذه النكهة أو تلك، وتصنيفها بين المذاقات”. وتضيف الباحثة فوريون، ان الواقع يقول بأن انواع البراعم التذوقية لا تزيد عن الاربعة أو الخمسة، ولكن هذه البراعم ليست متخصصة في إدراك نكهة واحدة فقط بل يمكنها وبشكل يناقض الواقع التمييز بين الطعم المر والطعم الحلو، علماً بأن المستقبلات هي نفسها التي ادركت المذاقين .
وبشكل عام، يمكن لكل مستقبل حسي مذاقي، التفاعل مع عشرات الجزيئات المختلفة، وكل جزيء يمكنه ان يستقر فوق عدة انواع من المستقبلات وذلك بشكل لا يخلو من التعقيد على الاطلاق. ويمكن للمرء ان يطرح التساؤل التالي: اذا كانت المستقبلات الحسية التذوقية ليست مختصة بنكهة معينة، فكيف يمكنها إذن التمييز بين النكهات المختلفة؟ تشير أنايك فوريون الى انه من اللازم توضيح الامر بتعبيرات علمية بحتة يطلق عليها العلماء “ مجموعة المستقبلات المنشطة ”، فلو افترضنا جدلاً ان الجزيء (M) سيؤثر على (M) من المستقبلات الحسية التذوقية، والجزيء (N) سيؤثر على عدد (M) من هذه المستقبلات، فعندئذ سنجد انه يوجد بين (M وN) عدد معين من المستقبلات المشتركة، لكن دون ان يوجد بينها تراكب أو تطابق كامل.
وتكمن الفائدة في هذا النظام المعقد، في قدرته على ان يضمن للمرء التعرف على عدد لا نهائي من النكهات الموجودة في الطبيعة علماً بأن عدد براعم التذوق لا يتجاوز العشرة آلاف برعم! وتقول فورين في هذا الصدد: “إن هذا هو الإعجاز بعينه” فكيف يمكن لعشرة آلاف برعم تذوقي التعرف على عدد لا حصر له من المذاقات أو النكهات المنتشرة في الطبيعة؟
تشكل المذاق في الدماغ
بقي ان نعرف من خلال هذه العملية المعقدة، الكيفية التي تتشكل من خلالها الصورة الحسية لهذه النكهة أو تلك في اللسان، ثم الكيفية التي تنتقل على اثرها الى الدماغ كي تتم ترجمتها أو إدراكها والتعرف عليها؟!
يقول المتخصصون في علم الأعصاب، انه بعد مرور الرسالة الحسية التي تنشأ في البراعم التذوقية عبر طول الدائرة العصبية الخاصة، فإنها تصل الى مناطق مختلفة في القشرة الدماغية، لكنها تستقر في منطقة تحليل المعلومات المذاقية المعروفة باسم القشرة الدماغية التذوقية. اما عن الطريقة التي تتم من خلالها قراءة هذه الصورة الحسية التذوقية في المراكز العليا المتخصصة بالتذوق في الدماغ، فهي غير مفهومة حتى الآن، وما زال العلماء يبذلون جهوداً كبيرة لتوضيح هذا الامر الذي يبدو للبعض شيئاً بسيطاً!
الفرق بين النكهة والطعم
يمكن القول ان كل ما تقدم ذكره، كان يتعلق بمسألة النكهة، ولكن ماذا عن قضية الطعم؟ يشير بونوا شال، الى انه لا يجب الخلط بين المفهومين، فعندما نتحدث عن الطعم تظهر مشكلة المصطلحات عند العامة، علماً بأن المتخصصين لا يجدون لبساً في امر هذين المصطلحين، ولذا يمكن القول ان نكهة الطعام تعني الإحساس الذي يتولد على مستوى الحليمات الصغيرة عندما يصبح الطعام في فمنا، ويضيف شال: نجد في المعنى العام المشترك، ان الكلمتين “نكهة، ومذاق” قابلتان للتبادل، اي يمكن استعمال إحداهما عوضاً عن الاخرى، بحيث تشير كل منهما الى الإحساس المشترك الذي تثيره نكهة ورائحة الطعام.
ويؤكد شال ان فم الانسان حساس للروائح ايضا، فعندما يبدأ المرء بمضغ الطعام في فمه، فإن الجزيئات العطرية تتحرر من الطعام وتنتقل الى التجويف الأنفي عبر الحلقوم، وهناك تعمل هذه الجريئات على استشارة المستقبلات الشمسية. ويطلق العلماء على هذه العملية “ شذا العنصر الغذائي ” أو بكل بساطة “نكهة الطعام”، كما يطلق عليها بعض المتخصصين “الشم خلف الأنف”. ومن هنا لا يبدو غريباً ان يخلط المرء بين الإدراك التذوقي والشمي، لا سيما عندما نعلم ان 90% مما نسميه “المذاق” يرجع الى الروائح، فعلى سبيل المثال نجد ان مذاق عدد كبير من المشروبات الكحولية مثل النبيذ يعتمد على الشم، ولذا نجد المتخصصين في مذاق النبيذ يقومون بشمه أولاً! وقد تحققت الباحثة أنايك فوريون من هذا الامر، بعد قيامها بتجربة تتمثل في إزالة اللبس أو الخلط الحسي بين حاستي الشم والتذوق، فقد عملت الباحثة على حقن نخرتي أحد الاشخاص بتيار هوائي بسيط للحيلولة دون انتشار الروائح القادمة من الفم عن طريق الحلقوم. وقد عملت بذلك على عزل النكهة المذاقية. ولاحظت الباحثة ان بعض انواع النبيذ المعروفة بقدمها، اصبح مذاقها غريباً، لكن لوحظ ان بعض الاشخاص الذين تذوقوا هذه الانواع، كان لديهم الانطباع بأنهم يشربون “خل”، وتقول الباحثة فوريون ان ذلك يعني بأن انسداد التجاويف الأنفية عند الاصابة بالزكام يكون كافياً في بعض الاحيان لحرماننا من حاسة الشم وجعلنا نعرف حينئذ المعنى الحقيقي لطعم الاغذية والمشروبات.
دور الاسنان
يحدث احيانا ان نستخدم تعبير “ النكهة ” أو المذاق عندما نريد الحديث عن مذاق الشيء كما أحس به اللسان، وعن الرائحة كما أحس بها الأنف، وعن الشذا “عبير” اي عن الرائحة التي تتحرر لدى عملية المضغ، كما ونتحدث عن احاسيس تثيرها الخاصية اللمسية ونستخدم لذلك تعابير مثل لاذع، قارص، منعش قابض (كانقباض اللسان عند تناول بعض الفاكهة مثلا) اضافة الى الاحساس بالسخونة والبرودة. ويرى شال ان هذه الاحاسيس التذوقية تحدث على مستوى براعم التذوق والمستقبلات الشمية وتلك الحساسة للحرارة، والضغط، والموجودة برمتها في الفم.
ولكن ماذا عن الاسنان ودورها في هذه العملية؟!
في هذا الصدد تقول أنايك فوريون: ان الشيء المثير للغرابة فعلاً، هو اننا اكتشفنا منذ فترة وجيزة، ان حركة السن في “الحيز السنخي السني تولد اشارات عصبية ميكانيكية تنتقل الى الخلايا العصبية التذوقية لتضاعف الاحساس بعملية التذوق” وتضيف فوريون ان الباحثين أثبتوا قبل سنة انه عندما يتم قطع العصب السني، فإن الاحساس بالنكهات يقل بشكل تدريجي. وتعلق الباحثة اخيراً بالقول “انه ليس ثمة شك في ان عملية التذوق هي شعور معقد للغاية، ولذا فإن اسراراً كثيرة لم تزل غائبة عنا بخصوص هذه الآلية العجيبة.
لكل شخص ذوقه
لا شك ان لكل شخص مذاقاته الخاصة به، فالناس ليسوا سواسية في هذا الامر، لان كل شخص يمكن ان يتميز في الواقع بما يمكن ان نسميه “طيف من الاحاسيس التذوقية” وذلك على غرار بصمات الاصابع الخاصة بكل انسان. ويرجع هذا الاختلاف الى جيناتنا الوراثية التي تمنحنا ترسانة من المستقبلات التذوقية المختلفة في طبيعتها وكميتها. وفي هذه الحالة، نجد ان الإحساس بمركب معين (مادة غذائية..) يمكن ان يتباين بمعامل يساوي عشرة، وهذا ما يفسر لنا مثلا قيام بعض الاشخاص بوضع قطعتي سكر في فنجان القهوة دون ان يكون من المحبين للطعم الحلو بدرجة اكبر من شخص آخر يضع نصف قطعة سكر في فنجانه. ولهذا السبب ايضا، نجد ان 25% من الاشخاص يمكنهم ان يكونوا ضمن فئة الاشخاص “الذوّاقة”، اي اولئك الاشخاص الذين يستطيعون الاحساس بالطعم المر لبعض الاطعمة مثل “البروكلي” أو قنبيط الشتاء.
ويعتقد بعض الباحثين ان الوراثة ليست وحدها هي الفاعل الرئيسي في عملية التذوق،
بل للثقافة والوسط الاجتماعي الذي ترعرع فيه الانسان
دور في التأثر الحسي بطعم الاشياء ونكهتها...
دمتن بخير
كعادتك مميزة