- فحبيت تشاركوني في قراءتها
- عندما يتجسد الحرمان في أبشع صوره ! )
- * *
- آه ... كم أرّق هذا الهم الأب الرحيم والأم الرؤوم ؟
- * *
- الأب : أكيد يا أم ناصر .
- * *
- * *
- مطلق ( يتصبب عرقا ) : والله يا أمل أخاف أجرحك شويّ !
- أمل ( الخوف يتملكها ) : تكلم ارجوك يا مطلق .
- * *
عزيزاتي
وصلتني هذة القصة عبر الايميل ولما قراءتها حسيت بكل كلمة فيها
فحبيت تشاركوني في قراءتها
عندما يتجسد الحرمان في أبشع صوره ! )
(قصة حقيقية واقعية ممزوجة بالحزن والدموع ، لفتاة تعذبت بسياط الألم والدموع والخيانة والظلم ، قصة فتاة معاقة - بشلل نصفي - سمعتها بنفسي قبل ما يزيد عن ثلاث سنين ولكني لم أطق كتابتها وقد استعصت الحروف والكلمات عن صياغة مأساتها ، ولكن ... الآن وبعد ما خف كثير من حرارة الدموع أكتبها لنعلم كم قلوبنا قاسية)
في حيّ من أحياء الرياض القديمة ، وفي بيت متواضع بسيط ، رنين الهاتف ، أطفال يتراكضون نحوه ، وبعد مداولة سماعة الهاتف بأيدي الأطفال ، تلتقط السماعة ( فاتن ) وهي الأخت الكبرى .
فاتن : نعم مين ؟
تركي ( أب الأسرة ) : كيفك يا بنتي فاتن ، أبشرك أمك جابت بنت حلوة مرة !
فاتن ( تصرخ فرحة ) : صدق يبه ، وأمي وش أخبارها ، عسى صحتها طيبة ؟
الأب : أبشرك يا بنتي أمك طيبة وما عليها خلاف . لبسي أخوانك وأخواتك ، وخلي أخوك ( ناصر) يبجبكم بالوانيت " الددسن " للمستشفى تشوفون أمكم .
وبعد أيام قليلة تخرج الأم ( نورة ) من المستشفى ، وبيدها طفلتها الصغيرة التي ُسميت ( أمل ) تيمنا بهذا الأسم الرائع ، الذي يشرق في النفس معاني التفاؤل والبهجة .
البيت الصغير يعيش أيام سعيدة ، البيوت تنام ، وهذا البيت تظل أنواره مضاءة ، والأطفال محدقين بأمهم وأختهم الرضيعة ، وكل واحد منهم يدللها ويدلعها ، ويلعب معهما ، ويحاول إضحاكها .
وتمر بضعة شهور وبعد عدة مراجعات للمستشفى ، ُيسْر أحد الأطباء للأب ( تركي ) بأنه هناك احتمال كبير أن ابنتهم الرضيعة مصابة بشلل ولكنه يتمنى أن يكون احتمالا ضعيفا ؛ يحزن الأب ولكن نفسه تحادثه بأنه مجرد احتمال وربك لطيف رحيم .
وتمضي بضع سنوات ... فيتأكد الأب والأم من أن الطفلة ذات الأربع سنوات فعلا مصابة بشلل ، وأنه كتب عليها أنها ستبقى هكذا طوال حياتها ، التي يلوح في الأفق أنها ستكتبها بحروف من الدموع والسهر والوحدة !
* *
وتمضي السنوات ... وتنتقل العائلة من الحيّ القديم إلى حيّ جديد ، وتنجب الأم ( نورة ) أخوات بعد ( أمل ) ، وكبرت ( فاتن ) وأصبحت فتاة رائعة ذات طلعة بهية ، وكبر ( ناصر ) وكبر بقية الإخوة والأخوات ، حتى ( أمل ) الفتاة المعاقة صاحبة الكرسي المتحرك كبرت ، وصارت فتاة مملوحة ، ونسي الأهل مع الاعتياد مأساتها ، بل هي نفسها نسيت مأساتها وسارت في دروب الحياة ، دون أن تفكر في المستقبل ، لأنها بصراحة لا تريد أن تفكر به أصلا ، بل تريد أن تتجاهله قدر ما تستطيع ، وماذا يا ترى ستخبئ لها الأقدار أيضا ؟!
الأب الرحيم ( تركي ) والأم الرحيمة ( نورة ) لم يغمض لهما جفن ، إلا وهما يفكران في مستقبل هذه البنت المسكينة !
فمن سيقبلها زوجة ؟
من من الشباب سيرضى أو يتنازل أن تكون شريكة حياته فتاة معاقة بكرسي متحركة ؟
آه ... كم أرّق هذا الهم الأب الرحيم والأم الرؤوم ؟
كم أفزعهما من لذة النوم ، وكم جعلهما يحملان هماً عظيما في كل لحظة ، مسكينة أنت يا أمل ، اسمك ( أمل) ولكن والدك ووالدتك في قلق شديد على مستقبل ، وهما يستفهمان في حيرة : هل لهذه البنت المسكينة مستقبل لأن تكون أماً وربة منزل ، مثلها مثل بقية مثيلاتها من الفتيات ؟
من سيعطف عليها ؟ من سيرحمها لوجه الله ؟
ولكن الأب حينما يرى ابنته ( أمل ) فإنه يخفي دموعه ، ويستبدلها بابتسامة حانية ثم يضم هذه المراهقة الضعيفة إلى صدره ، هذا الصدر الذي يضطرم بنار الأم والشفقة لهذا المخلوق الضعيف ، وهذا الطائر الجريح .
* *
فاتن الأخت الكبيرة لأمل تتزوج ، وتسافر مع زوجها للخارج لإكمال دراساته العليا ، والأخت الأصغر يتقدم لها شاب رائع مثقف ، فتتم الخطبة وسط فرح وبهجة ، وأمل بقيت قابعة في كرسيها المتحركة ، ولكنها فرحة لفرحة أخواتها .
الضغوط تزداد على الأب والأم يوما بعد يوم ، وهم يرون الأخوات الأصغر من أمل تخطب الأخرى تلو الأخرى ، وأمل الفتاة المعاقة لا يلتفت إليها أحد !
أمل تتجاهل كل ما يحيط بها وتتظاهر بالتجلد والصبر وعدم المبالاة ، وتضع أمامها هدفا واحدا فقط ، مستقبلها الدراسي ، ومواصلة دراستها الجامعية بتفوق ، دون أن تتعب نفسيتها بالتفكير بالأمل المشرق الذي قد يطل عليها ، أو قد لا يطل عليها إطلاقا !
وهكذا تمضي أمل بعزيمة وتصميم وقوة ، تثب نحو مستقبل رسمته جيدا ، كلمة واحدة فقط كانت ترددها أمل لصديقاتها في مكالماتها الهاتفية ، وأمام والديها : ( مستقبلي في دراستي ) وكأن تلك الكلمات عزاء وتسلية لنفسها المعذبة .
وبعد الجد والاجتهاد والصبر والتحمل تتخرج أمل من الجامعة بتقدير متفوق ، وسط فرحة أبويها بهذا الانجاز الرائع ، وتتخرج زميلات أمل معها ، وسط احتفالات النجاح والتفوق ، ولكن سرعان ما ذبلت هذه الفرحة ، بتفرق الصديقات بعد الاجتماع الممتع في الجامعة ، فهذه إحدى الصديقات تتزوج وتذهب مع زوجها ، وهذه تسافر لبلدها ، وتلك تختفي وكأنها لم توجد أصلا ، وتعود أمل المسكينة وحيدة مرة أخرى ، ليس في البيت سوى الأب الرحيم والأم الرحيمة والفتاة أمل المعاقة ذات الكرسي المتحرك !
يهمس الأب في أذن الأم ...
الأب : يا أم ناصر إلى متى تبقى أمل هكذا ؟ أمعقولة تبقى معنا إلى الأبد !
الأم : صدقت ... ثم لو قدر الله وحصلنا شيء من سيكون لأمل ؟
( وترتسم دمعات دافئة على خد الأب والأم في صمت رهيب ، ودون أن ينظر أحدهما للآخر... وفي لحظة يحاول الأب فيها استدرار الأمل والتفاؤل فيقول : )
الأب : يا أم ناصر .. ربك رحيم ، وما راح يفرط في أمل ، أمل بنت ديّنة وحبوبة ومؤدبة وألف واحد يتمناها لو ما هي معاقة ، ثم الإعاقة ما هي مشكلة كبيرة !
الأم : صدقت والله ... أيش في بنيتي ، والله إنها تهبل ، ويا سعد من ياخذها ، أمه داعية له .
الأب : وبالنسبة لإعاقتها فأنا أتكفل بخادمة تهتم بها وترعها ، ولا نريد الزوج يدفع أي مصروف على تلك الخادمة .
الأم : وأنا بعد أزورهم كل يوم واطمئن على بنيتي ، وأقوم بكل ما تحتاجه ، وما على الزوج إلا يدخل البيت ويشوف قدامه عروس تهبل زي القمر .
( وهنا يضحك الأب والأم .. في محاولة لازاحة الحزن واليأس بأي طريقة عن ابنتهم المتبقية المسكينة المعاقة أمل ) .
ويوفق الله الفتاة الطيبة أمل بوظيفة محترمة ذات دخل جيد ( مدرسة ) في مدارس للتربية الخاصة للمعاقات ، ويلوح في الأفق أمل جديد يبشر بالخير ، ويبعث بالتفاؤل والفرحة للفتاة ولأبيها ولأمها وهما من تكدر فكره فلا ما تمر لحظة إلا وهمّ أمل يتراءى لهما كل حين وفي كل زاوية .
وتمر السنة .. والثلاث ، والخمس ، وأمل مجتهدة في وظيفتها ، مدخرة لراتبها ، والأب والأم في هم شديد ، فالسنوات تمضي ، وابنتهما بدون زواج ، وتخشى الأم أن يفوتها قطار الزواج ، ومن سيفكر بعانس معاقة ؟!!
واشتد اليأس بالأب والأم ، والفتاة أمل تتعذب من الداخل ، وهي ترى زميلاتها في المدرسة وصديقاتها قد أصبحن أمهات ، وأولادهن في المدرسة ، وأخذت تقرّع نفسها بكاية بأسئلة سليطة :
- لماذا أنا هكذا محرومة ومعاقة ؟
- لماذا أنا بالذات ؟
- لماذا احرم من الأطفال ؟
- ماذا عملت يا ربي ؟
وفي لحظات اليأس السوداء ، يدخل الإيمان كملجأ للنفس من الانهيار ، فتكفكف أمل دموعها قائلة :
استغفر الله العظيم ... أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ... يا رب لك الحكمة والتدبير في كل شيء ، وأعلم أنك أرحم الراحمين ، وألطف من ملك ، وأوسع من أعطى ، بيدك الخير ، أعوذ بوجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض إن كان حل عليّ سخطك ... ربي أغفرلي وارحمني ، فإني لم أعد احتمل أكثر من ذلك .
وفي يوم من الأيام .. يخرج الأب إلى المسجد لصلاة العصر ، وتفكيره دائما في مستقبل ابنته المعاقة ( أمل ) وهو يسأل نفسه : هل من بصيص أمل ؟
وبعد صلاة العصر ، يلزم الأب ركنا من أركان المسجد ، ويأخذ مصفحا ، فيفتحه ويقرأ من الآيات ما كتب الله له أن يقرأ ، وبينما هو يقرأ إذا أقبل عليه جاره ( أبو حمدان ) مسلماً عليه ، ثم جلس بجواره .
أبو حمدان : يالله إنك تحييّ هذا الوجه الطيب .
الأب : الله يحييك ويبقيك .
أبو حمدان : وش أخباركم وأخبار الأهل ؟
الأب : طيبين الله يسلمك .
أبو حمدان : يا أبو ناصر .. فيه موضوع ودي أكلمك فيه .
الأب : تفضل !
أبو حمدان : أنت تعرف ( أبو مطلق ) ؟
الأب : لا ؟!!
أبو حمدان : جارنا القديم إلي ساكن شرقي المسجد ، بيتهم تراه بيج على بني فاتح ، وهو إلي كان يجمعنا في الحيّ أيام الأعياد .
الأب : إيه إيه .. تذكرته ، وش فيه ؟!
أبو حمدان : ولده مطلق عمره خمس وثلاثين سنة وده يعرس .
الأب : الله يهنيه ويوفقه !
أبو حمدان : والله يا بو ناصر أبوه مكلمني عليك ، على أساس أفاتحك في خطبة بنتك .
الأب ( وينزل الخبر عليه نزول الصاعقة ) : بنتي أنا !!!!!!!!! ؟
أبو حمدان : إيه بنتك أنت وش فيها ؟!
الأب : أنت أنت أنت ... تدري تدري يا بو حمدان أن بنتي معاقة .
أبو حمدان : إيه أدري وأبو مطلق وولده يدرون .
الأب ( وهو مذهول ) : يدرون إنها معاقة ويخطبونها ؟
أبو حمدان : إيه .. وراك يا ابن الحلال منت مصدق ، بس إن كان في بنتك عذروب ( أي عيب ) فترى في الولد مطلق عذيريب صغير ، ما يسلم منه الشباب هاليام يا بو ناصر .
الأب ( !!! ) : يدخن الولد ؟
أبو حمدان : هاهاها ... لا يا بن الحلال ، التدخين مو شيء هاليام ، وأنت الصادق الولد فيه عذيريب إنه يتعاطى بعض الأمور المحقى ( أي السيئة ) ولكنه ناوي يتركها إذا تزوج .
الأب ( وهو غاضب ) : أفا ... أفا ... يا بو حمدان ، ما هقيتها منك ، تخطب لبنتي واحد يتعاطي مخدرات ؟!
أبو حمدان : وسع صدرك يا ابن الحلال ، الهداية بيد الله ، ثم لا تنسى إنه لو تزوج بهديه الله وبيترك هالأمور الشينة ، وبنتك ستبقى طول عمرها معاقة ... وعلى العموم يا بو ناصر ، لا تستعجل فكر واستخر ، وبعدين رد عليّ .
الأب والأم ، في حيرة ، هل يفرطون بهذا الزوج المدمن ، أم يرفضونه وتظل إبنتهم كما هي معاقة وعانسة !
الأب : وش رايك يا أم ناصر ، تراني والله احترت ؟!
الأم : والله يا بو ناصر إني زيك محتارة ما ني دارية إيش اسوي حسبي الله ونعم الوكيل .
الأب : يا أم ناصر ... موهو وقت بكاء ، فكري معي ، واستخيري ، والله يكتب الي فيه خير وصلاح لبنتنا حبيبتنا الغالية .
الأم : يا بو ناصر... هذا أمر لازم نفاتح فيه بنيتي أمل ، وهي الآن كبيرة وعاقلة ومدرسة ، ولازم يكون الرفض أو القبول منها هي ومحض حريتها .
الأب : أكيد يا أم ناصر .
( الأب والأم يفاتحون أمل بحقيقة الموضوع ، فتصدم أمل بعريس المستقبل الذي بدل أن يأتيها في زيّ أبيض كالخيال والسحاب ، وهو راكب فرسا أبيضا ، يحملها نحو جزيرة الأحلام ، وإذا بعريس المستقبل مدمن مخدرات ، ياللشماتة والسخرية !! ) .
الأم : هاه .. يا بنيتي وش قلتي ، ترى العرس مو غصب .
أمل ( صامتة ) : !
الأب : اسمعي يا بنتي ترى أنتي في عيونا ، ولا تحسبي أنّا ملينا منك وأنا أبوك ، بالعكس أنت نور البيت وسراجه ، الله لا يخليك منه ، ولكن ما فيه بنت إلا ومستقبلها في الزواج .
أمل : مستقبلها يبه في مدمن مخدرات !!!
الأب ( يتقطع قلبه ) : خلاص خلاص ... نبطل فكرة الزواج من هذا الرجال .
الأم : وراك يا بو ناصر ... خل بنيتي تفكر ولا تستعجل ، وهي ما تدري وين الله كاتب لها الخير فيه .
* *
أمل ... تفكر وتفكر ، وتتأمل ، وتقيس الأمر ، وتفكر بنظرة الناس لها دون زواج ، وتتساءل :
- هل سأظل هكذا عانسة ؟
- من سيقبل بي بعد هذا الشاب ؟
- من يدري لعله يهتدي على يديك ، ويكون أفضل من الكثير ؟
- أنا صبرت وصبرت ، واجتهدت ، فلماذا لا أصبر هذه المرة لعل الفرج الأخير بعدها ؟
وهكذا أخذت أمل تقلب تفكيرها ، وتتفحص أوراقها ، فوجدت أنه لا خيار أمامها ، والناس والدنيا لا ترحم .
فقررت الموافقة على هذا الشاب العاطل المدمن ، وفعلا تم الزفاف ، على شاب تحوم حول عينيه بقع سوداء من الشراب ، ورائحة الدخان تحيط به من كل صوب ، لا صلاة ، ولا أخلاق .
ولكن أمل ، رمت بورقتها الأخيرة في وجه الطوفان ، وهي واثقة بالله أنه لن يضيعها .
أخذت أمل تصرف على نفسها وزوجها من مالها الخالص ، والزوج عاطل باطل ، أحيانا يضربها ويعيرها بألفاظ لا تطاق ( يا مشلولة - يا معاقة - يا قبيحة ) ليحصل على حفنة من المال كي يشري بها أبرة مخدرة ، أو زجاجة خمر قذرة .
وأمل صابرة محتسبة لوجه الله ، فهذا هو قرارها الأخير ، ولن تتراجع عنه مهما كان ، وزوجها بالصبر والإيمان سيفتح الله على قلبه ، ولا أحد يعلم متى تأت الهداية من عند الله .
وتجلس أمل تبكي وتتضرع عند أقدام زوجها ، وتقبل يديه ، وهي تبكي ، وتقول له أرق الكلمات ، وأعذب العبارات ، تترجاه أن يصلح نفسه ، من أجل زوجته التي تحبه ، ومن أجل أولاد المستقبل ، ولأجل عش الزوجية السعيد .
أمل تصلي ، تسجد ، تبكي ، تدعو الله ، أن يصلح زوجها ، ويمن عليه بالهداية ، أمل كلها أمل بالله وثقة بأنه لن يضيعها .
وفي يوم ... يدخل زوجها ( مطلق ) والشماغ على كتفه ، وقد ارتسمت على وجهه تجاعيد الانحراف والضياع ، دخل وأغلق باب الغرفة على نفسه !
طرقت أمل الباب بكرسيها المتحرك ، ثم دخلت إلى الغرفة ، وأخذت يد زوجها تقبلها ، وتقول :
فديتك يا عمري ، إيش فيك ؟
الزوج ( يجهش بالبكاء ) !
أمل ( تبكي لبكاء زوجها وتقبل يديه وتحتضنها ) !!
الزوج ( وهو يبكي ) : يا أمل والله بهذلتك معايّ ، ما تستاهلين واحد حقير مثلي .
أمل ( في إشفاق على زوجها ) : ليش تقول كذا يا عمري ، والله أنا أحبك وضحيت بكل شيء من أجلك .
الزوج ( يزداد بكاءً ) : أنت يا أمل تعذبينني بهذا اللغة التي أن لا استحقها أنا نذل أنا ساقط !!
أمل : لالا ... لا تقول عن نفسك كذا يا حبيبي ، أنت إنسان رائع ، وفيك خصال كثيرة حلوة ، بس تحتاج إن تعالج نفسك من المصيبة التي تعصف بحياتنا .
الزوج : أنا مليت من الحياة ، ودي أموت ، أن لا استحق الحياة .
أمل ( تبكي وهي تشفق على زوجها ) : لالا ... بعيد الشر عنك يا حياتي ، أموت أنا ولا أنت ، أنا من لي غيرك في هذه الدنيا ؟!
الزوج : الله لا يخليني منك .. أنا ما عرفت قيمتك يا أغلى إنسانة في عمري .
أمل ( وهي تقبل يد زوجها ) : يا حبيبي ... ليش ما نبدأ سوى ، أنا ما راح أقصر عليك بأي شيء أملكه كل شيء لي فداك يا عمري ، وأنت لازم تروح للمستشفى تعالج السموم التي أدمن عليها جسمك ، ثم لا تنسى طاعة الله ، الصلاة ، التوبة ، الدعاء ، البكاء ، والله لن يضيعك يا عمري ، الله رحيم ولطيف بعباده .
* *
ويقتنع أخيرا مطلق ( زوج أمل ) بكلامها الحنون ، ويقرر الذهاب لمستشفى الأمل ، وبيده زوجته أمل ، تشجعه ، وتدعو له في صلاتها ، ورويدا رويدا ، وحالة مطلق تتحسن ، فتقوم الزوجة ( أمل ) بشراء سيارة لزوجها ، كي يستقل عن رفاق السوء .
وتتابع بنفسها علاجه ، وتسهر على راحته ، ولم تبخل يوما من الأيام عليه بشيء ، حتى لو باعت شيئا من ذهبها له ، وتمر الأيام والليالي ، وأمل الزوجة أمل يتسع ويكاد يشرق ، زوجها يستعيد عافيته ، وجه الأسود الكالح ، بدأ يشرق وتعلوه النضارة ، نشاطه ، نفسيته بدأت تتحسن .
وفي ذلك اليوم الباسم يقررالطيب أن مطلق شوفي بشكل كامل ، وأن جسده تخلص بنسبة 100% من السموم التي خلفتها المخدرات ، وأنه يستطيع الآن أن يبدأ طريقه من جديد ، فهو في هذه اللحظة مولود جديد ، شاب آخر مختلف عن ذلك الشاب المدمن .
والزوجة المخلصة على كرسيها ، تنظر زوجها ، ليبشرها بذلك الخبر ، الذي هو أسعد خبر سمعته في حياتها . أمل تتأمل في وجه زوجها بكل حب وثقة وافتخار ، وتنظر له ، وهي تنتظر أن يكون أبا لأطفالها في المستقل ، ترعاهم هي تحت ظل جناحه وعطف .
أمل تتصل على والدها كي يتوسط لزوجها في وظيفة في العمل الذي يديره ، كي يعتمد زوجها على نفسه ، ثم لم يبق مع أمل مما ادخرته شيئا ، ولا بد أن يفكرا جديا بتوفير وسائل العيش الشريف لأطفال المستقبل .
مطلق ( زوجها ) يدخل البيت وهو مهموم يفكر في أمر ما !!
أمل : ما بك يا عمري ، لقد ذهب الكثير ولم يبق إلا القليل .
مطلق ( صامت ) !
أمل : أبشرك كلمت والدي يدبر لك وظيفة ، والله تستاهل يا حياتي .
مطلق ( شارد الذهن ) !
أمل : إيش فيك يا عمري سارح وما ترد عليّ !؟
مطلق : والله فيه أمر مهم متردد أقوله لك !!!
أمل ( وسط خوف عارم ) : لالا ... لا تقول إنك رجعت للمخدارت !!؟
مطلق ( يبتسم ابتسامة صفراء ) : لالا .... أعوذ بالله .
أمل : طيب إيش فيك يا عمري ... خوفتني !
مطلق ( يتصبب عرقا ) : والله يا أمل أخاف أجرحك شويّ !
أمل ( الخوف يتملكها ) : تكلم ارجوك يا مطلق .
مطلق ( يصمم على الكلام ) : والله يا أمل ، أنت عارفة أنت فتاة طيبة ، ولكنك معاقة ، وتعرفين إنك الآن لست بطموح شاب مثلي المستقبل ينتظره ، صحيح تزوجتك لما كنت مدمن ، وأهلي زوجوني يريدون أن أعقل ، وما لقيت من تقبلني لأني كنت داشر وصايع ، ولكني الأن كل البنات يتمونوني ، ويا أمل مال الواحد إلا بنت عمه ، وأنا بصراحة ما عاد أفكر أنك طموحي أو الطموح
أن تكوني زوجة المستقبل ، وأنت ما قصرتي صحيح الاعتراف بالحق واجب ، أنت ما قصرتي معاي ، وصدقيني الله راح يرزقك بواحد أحسن مني ، وبالنسبة للفلوس الي دفعتيها عليّ راح ارجعها لك بالتقسيط متى ما توفرت فرصة ، أنا أعرف أن كلامي راح يزعلك شويّ ، لكن زي ما أنت عارفة أنت معاقة وما ترضين شاب مثلي يبقى مع معاقة .
..
* *
إلى هنا ما أعرفه شخصيا عن ما حصل للأخت أمل ، طبعا أصيبت بصدمة نفسية عنيفة ، كادت أن تزهق فيها نفسها ، ولم تتصور أن في الدنيا من أولها لأخرها شخص قبيح وحقير ونذل مثل هذا الشاب الساقط عديم الرحمة والإنسانية .
طبعا رجعت لبيتها عند والديها ، وهي كلها يأس ونفسيتها محطمة بشكل كامل ، ولا أعرف بالتحديد ماذا حصل لها هذه السنة ، هل هي حية أم ميتة ، هل .... هل ....
بس النهاية مؤلمة الله يكون بعونها والله يعوض عليها فان عمل الخير ما يضيع عند الله وكثيرا ما نصادف مثل هذه القصص المؤلمة بحياتنا .