- تتحدث عبر الهاتف بضيق ..
- فكرت بأن تسأل أصحاب هذه المنازل عن المستشفى لربما دلها أحدهم عليه ..
- قال بلا مبالاة و هو يلتقط كما من الملفات ..
- أعاد السماعة مكانها لينظر مجددا لها ..
- بدت نظرته الآن صارمة و هو يقول بشيء من الصلابة ..
- هزت أحلام رأسها موافقة ..
- فقالت زكية بابتسامة حلوة ..
السلام عليكم
القصة رائعة ومن كتبتها رائعة اتمنى لكم اروع الاوقات مع سطور ليتني غريبة
الرؤيا الأولى
تلتقط حقيبتها بسرعة ..
و مفتاح سيارتها .. و تلقي نظرة أخيرة على صورتها المنعكسة في المرآة ..
تتأكد من الانطباع الجيد الذي ستتركه ..
لتخرج من غرفة نومها متوجهة للصالة ..
تعبر الممر ذو الأرضية الرخامية ليعلو صوت خطواتها عليه ..
وصلت للصالة ..
فارغة ..!!
.
.
هزت رأسها بإدراك ..
في الشرفة إذاً ..
.
.
توجهت للجانب الخلفي من البيت بسرعة ..
ستبلغه بإيجاز عن ذهابها الآن .. و موعد قدومها ..
لا تريد أن تتأخر في يومها الأول ..
.
.
وصلت للشرفة الأرضية الواسعة .. المطلة على الجانب الشرقي من فناء البيت ..
الكثير من المزروعات .. و حديقة أنيقة مشذبة .. و منظر رائع ..
.
.
ترى هذا الجمال ..
باردا .. مجردا من الإحساس ..!!
.
.
رغم أنها متأكدة من أن قرعات حذائها قد وصلت مسامعه ..
إلا أنه لم يلتفت لها ..
بل ظل مستغرقا في شاشة جهاز حاسوبه المحمول ..
يرتشف بهدوء قهوته ..
.
.
أصدرت من حنجرتها صوتا تنبهه لوجودها ..
و لكن بدا أنه مصرا على تجاهلها ..
لذا تقدمت منه بهدوء ..
رفع عينه لها ينظر لبرهة فتضيق بحدة ..
كانت قد انتزعت موافقته على الموضوع انتزاعا و لا تريد أن تبدأ أول يوما لها بمحاولة منه لإثنائها عن ذلك ..
لكن سرعان ما أشاح ببصره ليقول بصوت لمست الاستياء فيه ..
- صباح النور .. شوه بتسرحين ؟!!
.
.
يا رب .. يا رب ..
لا أريده أن يؤخرني ..
.
.
قالت بسرعة ..
ما زال ينظر للشاشة ..
- تدلين المكان و إلا خلي ساجد يوديج ..
أدارت المفتاح بين أصابعها بتوتر ..
- لا ما يحتاي .. أدله .. وحدة من ربيعاتيه دلتنيه ..
.
.
يدير كرسيه بسرعة نحوها ..
لينظر إليها متأملا .. من رأسها لأخمص قدميها ..
شعرت و كأنها تقيّم الآن ..
نظرت له متسائلة بتوتر ..
- آآ .. أنا بسير .. لازم ثمان و نص أكون هناك .. و يبالي نص ساعة الين أوصل .. تبا شي ..
تجاهل سؤالها و نظرة غامضة تغشى عينيه .. هذه النظرة دوما تصيبها بالارتباك ..
- متى بتردين ..
- ثنتين و نص يخلص الدوام .. يعني ع الساعة ثلاث بكون في البيت ..
.
.
أدار ظهر كرسيّه لها ..
- برقبج ع الغدا .. و الكحال لي في عيونج سيري غسليه ..
.
.
كانت متأكدة من أنه سيلاحظ ذلك ..
تلك العينان أشبه بعيني صقر ..
لا تغفل عن شيء ..!!
تتحدث عبر الهاتف بضيق ..
لا تكره غير القيادة قاصدة مكان لا تعرفه .. و لكن كبرياءها لن تجعلها تعترف له بجهلها مكان عملها الأول ..
- رويض أنا الحين عند الجسر .. قلتيلي أطلع المخرج طلعنااه .. الحين قدامي دوار .. هيه .. أول لفة يمين .. لحظة .. أوكيه الحين شارع ع .... أوه .. رويض لقيته لقيته .. هاذوه .. هيه السور العوود .. بس البوابة من الشارع الثاني .. يا الله برايج الغالية .. أنا بحول .. ما قصرتي .. ههه ما يبالها رمسة أفاا عليج كم روضة عدنا.. سلامة راسج غناتيه .. ما قصرتي .. الله يحفظج ..
و أنهت المكالمة بلهفة .. و هي تتنهد .. تشعر بالإثارة و يراودها القلق و التوتر ..
ماذا تخفي لها هذه الجدران ذات الامتداد الواسع ..؟!!
.
.
وصلت بسيارتها الصغيرة لتتوقف أمام الباب الضخم المفتوح على مصراعيه ..
حين ردد على مسامعها مسمى ( مستشفى الساد ) تخيلت مبنى ضخم أو معقول الطول مجهز و تعمه الحركة النشيطة التي لا تفارق مرفقات الصحة ..
و لكن ما رأته هنا أصابها بالإحباط ..
ماذا هل أخطأت العنوان .. أم أن روضة لم تعرف ما الذي كانت تقصده ..
و لكن تلك اللوحة ذات الطلاء الحائل أكدت لها أنها في المكان المقصود ..
.
.
دخلت بسيارتها الصغيرة تجتاز الشارع ببطء و هي تجيل النظر فيما حولها ..
كان هذا مخيبا للآمال ..
سور واسع ضخم .. نظيف ..
يحوي بداخله .. مبانٍ سكنية للإيجار عتيقة و متواضعة .. أطولها لا يتجاوز الطابقين ..
بدا و كأن السور يضم منطقة سكانية صغيرة ..
بيوت متناثرة على رقعه لا بأس بها .. شوارع صغيرة و ضيقة ..
كانت عيناها تلتهمان كل شيء حولها ..
قد يكون المستشفى مختبئ هنا و سيظهر لها خلف أحد هذه الجدران البائسة التي تأن من القدم ..!!
مرت قربها حافلة مدرسية بلونها الأصفر المميز .. هل هنا أطفال يتوجهون للمدارس الحكومية ..؟!!
استمرت بسيرها البطيء .. تبحث بجد عن شيء يدل على أنه مستشفى .. لكن يبدو أنها أخطأت .. فهي تدور فيما يشبه الحلقة ..
رغم هذه المنازل الغابرة .. القديمة ..
شعرت بألفة تحيط المكان .. هدوء جميل .. و حميمية تفتقدها في ذلك المنزل الذي تسكنه ..
مرت بالقرب من منزل علق أصحابه على أخشاب قوية ارتكزت على الأرض أرجوحة متينة ارتبطت حبالها بعجلة سيارة قديمة .. تجلس عليها طفلة سمراء البشرة ..
فكرت بأن تسأل أصحاب هذه المنازل عن المستشفى لربما دلها أحدهم عليه ..
لذلك أوقفت السيارة في الشارع الضيق .. و ترجلت بهدوء .. رغم المكان الغريب .. و المكان المجهول .. إلا أنها لم تشعر بالقلق .. كان الأمان يغشاها و هي تتقدم من الطفلة التي قفزت من على الأرجوحة لتقف و تنظر إليها بحذر ..
لغة الجسد هي عملها .. لذلك توقفت قريبا منها و رفعت صوتها تقول بلطف ..
نظرت لها الطفلة دون أن تجيب .. ثم اندفعت راكضة لباب خشبي جانبي دخلت منه ..
تأوهت بإحباط .. الوقت يمضي و ستتأخر ..
سمعت الباب يفتح مجددا .. لتلتفت للقادم .. كان رجلا ضخما طويل القامة تبيّنت ملامحه ..
اندست الطفلة خلفه تراقبها بصمت ..
قالت بتوتر ..
رد الرجل بهدوء ..
- و عليكم السلام و رحمة الله ..
اعتصرت حقيبتها ..
- خوية لو سمحت وين أحصل مستشفى الساد ..
عقد جبينه متسائلا ..
كانت قد نبهت بأن كثيرا من الناس يطلق عليه هذا الاسم .. لذلك هتفت ..
- هيه .. دلنيه وين أحصله يزاك الله خير ..
قال الرجل بلهجة شمال أفريقية ..
- طيب أختي .. لو دايره دار العجزة .. اركبي سيارتك و ألحقيني .. أنا أدلك ..
و أشار لسيارة عتيقة انزوت خلف منزله القديم ..
هزت رأسها موافقة لتستقل سيارتها ..
.
.
لحظات و تخرج سيارته الزرقاء و تميز هي رأس طفلته تتقافز بحماس في المقعد الأمامي ..
تجاوزت شارعين قصيرين قبل أن تتوقف سيارة الرجل بهدوء أمام مبنى ذو طابق واحد امتد أمامها على شكل قطعة مربعة ..
لماذا توقف الرجل هنا .. هل من خطب ..؟!!
اقتربت بسيارتها حتى جاورته .. لتنزل زجاج نافذتها .. فيرفع صوته قائلا ..
رفعت نظرها مجددا للمبنى الأبيض بدهشة ..
شكرته و انطلق تاركا إياها تحملق في مقر عملها الجديد ..
.
.
كانت تقف مشدوهة .. هذا المكان الذي سترتاده لأشهر مقبلة ..
هذا المكان الذي سعت جاهده لتصل إليه .. هنا ستبحث عن تغيير .. عن شيء تفتقده في حياتها ..
سعت للعمل و حطمت الكثير من القواعد .. فقط لتجد نفس خارج نطاق وضعها الحالي ..
انظري جيدا إلى هذا المكان .. هذا هو الحياة التي ستلازمينها لأشهر ... قد يقدر لك أن ترحلي منه .. حاملة في جعبتك الكثير ..
.
.
انتبهت لساعة السيارة التي تفيد بأنه لم يتبقى من موعد وجودها سوى دقائق ..
ترجلت من سيارتها و التوتر يجعل حركاتها ثقيلة للغاية ..!!
تأكدت من أنها أغلقت سيارتها جيدا ..
و خطت نحو المبنى تدفع قدميها متجهة نحو الباب ..
حين سمعت صراخ أحدهم مناديا ..
التفتت بجزع .. لترى ذلك الرجل الهندي الضئيل الذي ركض نحوها و هو يشير لها بالتوقف ..
وصل لها بسرعة ..
- مدام .. هذا موقف ممنوع .. - و أشار للشارع الجانبي .. هناك بركن سيارا ..
شعرت بغيظ حقيقي و رغبة بأن تضربه بحقيبة يدها على رأسه .. لم يعد من موعد التزامها سوى دقائق .. و هذا يريدها أن تغير موقف سيارتها ..
قال بهدوء ..
- انزين أنا في يروح داخل عشر دقايق عقب يحرك سيارة ..
هز رأسه رفضا بعناد ..
- لا مدام .. لازم حرك سيارة الحين .. انتا يسوي تأخير أنا فيه مشاكل .. إذا انتا ما يريد حرك سيارة عطني سويك أنا يحرك ..
نظرت له بشك .. هل هذه لعبة مدبرة ليسرقها ..؟؟!!
و لكن ابتسامة كبيرة أظهرت صفا من الأسنان البيضاء الناصعة .. و تراكمت التجاعيد عند زوايا عينيه ..
بدا وجهه الداكن لطيفا و هو يقول ..
- ما في خوف مدام .. أنا حكيم .. مدير مشان موقف مشان مطبخ .. مشان كلش .. أنا معلوم انتا في دوام جديد اليوم ... ما في مشكل عطني سويك أنا حرك سيارا ..
ترددت لبرهة .. لكن ابتسامته المطمئنة .. عكست إنسانية لا تصدق .. إحساس الناس و انطباعاتهم عملها .. شعرت بأن عليها أن تثق به لذلك ناولته المفتاح بهدوء ..
- انزين أنا داخل مكتب مشان مدير هاا ..
هز رأسه موافقا ..
.
.
التقط مفاتيحها و ركض عائدا للسيارة .. انتزعت بصرها عنه .. لقد ضيعت ما يكفي من الوقت ..
اتجهت بسرعة نحو الباب الزجاجي .. لتدفعه و تدلف للداخل .. فتغمرها موجه من الهواء البارد ..
أول ما وقعت عيناها عليه حين دلفت هو نافذة ضيقة توسطت الجدار المقابل للباب علقت على رأسها لوحة صغيرة كتب عليها
..اقتربت منها كان المقعد الخشبي خلفها خاليا .. لتدق طرفها بخفة .. لحظات قبل أن تطل من خلفها فتاة في مقتبل العشرينات ..
ابتسمت لها تخفي توترها ..
أجابت الفتاة بلطف ..
- و عليكم السلام .. أي خدمة ..؟
- مكتب المدير فيصل عبد الرحمن وين ..
نظرت لها الفتاة بتمعن قبل أن تتساءل ..
.
.
هل نُبّئوا بقدومها أم ماذا ..!!
.
.
نظرت لها الفتاة مطولا بتفحص قبل أن تشير بيدها للممر الوحيد المفتوح أمامها ..
- الحجرة لي قدامج سيده آخر الممر .. بابها عليه لوحة صفرا ..
هزت رأسها بامتنان ..
.
.
عبرت الممر حتى توقفت أمام باب علقت عليه لوحه صفراء دلت على صاحب المكتب .. لتمد يدها و تقرع الباب بهدوء ..
.
.
و تتعالى دقات قلبها ..
.
.
.
.
دفعت الباب بهدوء لتدلف الكتب الغارق في أشعة الشمس الذهبية ..
أمامها مباشرة خلف المكتب العريض استقر الرجل بهدوء ينظر إليها بتساؤل ..!!
نظرت له تقيمه هي الأخرى .. منظر الأسد المتحفز هذا .. كان رجلا في أوائل الخمسينات شق الشيب طريقه في اللحية .. و بدت عيناه القويتان الصافيتين متنبهتين ..
- و عليكم السلام و رحمة الله .. مرحبا ..
رغم التجاعيد التي كست وجهه و قسوة مختفية في زوايا العينين.. كان النظر لهذا الرجل مطمئنا .. و كأنها في حضرة أحد موثوق ..
قالت معرفة عن نفسها بهدوء ..
لمعت عينا المسن الذكيتين و هو يقول بسرعة ..
هزت رأسها موافقة ..
ابتسم بلطف ..
لم تصحح له المعلومة .. فرغم أنها أخصائية في الطب النفسي لكنها اعتادت على الكثيرين إطلاق مسمى ( دكتورة ) عليها .. حسنا ذلك يعجبها جدا ..
جلست على الكرسي المقابل ..
.
.
و في لحظة لاح خاطر بعيد في سرها ..
ماذا سيكون رأيه لو رآها الآن تجلس مع هذا الرجل ..
بغض النظر عن سنه ..
فذاك متملك جدا ..!!
.
.
ابتسمت بسخرية ..
ثم انتشلها صوت المدير يقول بعملية ..
- شوه تحبين تشربين ..
- تسلم و لا شي ..
قال بصوت هادئ لا يخلو من الحزم ..
- خلاص عيل نبدأ في الشغل .. عندنا خمس حالات مستقرة بتكون تحت اشرافج محتايين متابعة نفسية .. و ما ظنيه الموضوع بيطول أكثر عن ست شهور ..
كانت قد نبهت للمدة التي ستقضيها هنا لذلك هزت رأسها بسرعة ..
- أنا بتم سبع شهور .. هاي المدة المحددة من الوزارة ..
قال بلا مبالاة و هو يلتقط كما من الملفات ..
- المهم .. دكتورة أحلام .. هاي ملفات كل حالة عدنا .. و لا يغرج اسم دار العجزة .. حالات لجوء المسنين لهنيه نادرة .. تقدر بثلاث حالات فقط .. نحن عدنا الحالات الطبية المستقرة لي مالها أي علاج يمكن يساعد في تقدم الحالة .. بس محتاية رعاية و عناية .. نروم نحن نوفرها لها .. تتحول هالحالات علينا .. و تم تحت اشرافنا الين ما ربج يسهل عليها ..
.
.
لم تدرك أحلام بما عليها أن تئوّل عبارة ( يسهل عليها )
لذلك التقطت الملفات بسرعة و هي تراه يرفع سماعة الهاتف يضعها على أذنه ليضرب زرين متتابعين ..
- ألووه .. زكية .. تعالي مكتبيه ..
أعاد السماعة مكانها لينظر مجددا لها ..
بدت نظرته الآن صارمة و هو يقول بشيء من الصلابة ..
- دكتورة أحلام .. قبل كل شي أحب أنبهج إن سبب استغنائنا عن المستشارة الدائمة هي المشاكل لي تواجهها الحالات عدنا وياهم .. و بسبة هالمشاكل اضطرينا للتخلي عن هالخدمة و طلبناها هالفترة بشكل مؤقت .. لي أبا أقوله إن الحالات لي تحت إشرافي أنا مسئول عنها و عن راحتها فيا ليت تحاولين توفرين لهم الجو المناسب قدر الإمكان ما ريد حد منهم يتعرض لأي مضايقات أو ما شابه ..
عقدت حاجبيها ..
ماذا يعني بهذا التحذير المبطن .. لم تأتِ إلى هنا إلا بغية مساعدتهم ..
و قبل أن تفكر بالرد دخلت مع الباب المفتوح امرأة بدينة بالغة القصر ترتدي ملابس التمريض البيضاء و حجابا مشدودا حول رأسها ..
حانت منها التفاته لأحلام قبل أن تعود و تنظر للمدير ..
- أستاز أبو عبد الرحمن .. عاوز حاقة ؟!!
كان مستغرقا في قراءة بعض الأوراق أمامه فأشار بيده ..
- هيه .. زكية .. هاي الدكتورة أحلام الاستشارية النفسية لي خبرتكم عنها .. هي بتابع الحالات الموجودة حاليا عدنا .. تفضلي وياها الحين و سويلها جولة في المكان خليها تتعرف الموجودين ..
ثم رفع رأسه لها .. ليقول بهدوء ..
- دكتورة أحلام .. وجودج هنيه ما تم طلبه إلا عن حاجة .. أتمنى انج تفيدينا و نفيدج ..
.
.
هزت رأسها غير قادرة على النطق .. فالارتباك يغشاها و لا تدرك سببه ..
نظرت للممرضة التي ابتسمت لها بلطف ..
هل الابتسامة المعلقة على الوجوه واجب لا بد من القيام به هنا .. أم ماذا ..؟؟!!
التقطت ملفاتها و تركت المكتب تتبع الممرضة التي انطلقت متحركة بسرعة و هي تقول ..
- دكتورة أحلام .. منورانا .. إن شا الله ترتاحي المدة دية .. عاوزة تشربي حاقة أبل ما نبدا ..
هزت رأسها رفضا .. متلهفة للبدء و الانخراط في عملها الأول ..
- لا .. مشكورة ..
- متجوزة ..
- هيه ..
- طيب مدام أحلام حتمشي ..
هزت أحلام رأسها بابتسامة موافقة ..
كانت تحث الخطى حثا و تلحق بزكية .. و تلك تتنقل بسرعة عجيبة نسبة لوزنها..
المكان عبارة عن أربع ممرات متصلة على شكل مربع و يحوي قلب المربع حديقة عشبية صغيرة جميلة ..
فكرت أحلام ساخرة بأنها لا تقارن بتلك الحديقة المنمقة الباردة في منزلها ..
كل ممر يحوي قسما معينا ..
واحدا للإدارة و الاستقبال و المكاتب المعنية .. و الآخر لغرف المؤن و الإمدادات الطبية و المطبخ و غرفة استراحة العاملين .. و أخرى خاصة للممرضات ..
الممر الثالث كان يحوي قرابة الإحدى عشر غرفة .. أغلبها شاغرة .. و كان هذا المكان خاصة بحالات المستشفى ..
الرابع ضم غرفة ترفيهية و مكتبة بسيطة و غرف أخرى للعلاج تحسبا للازدحام ..
مكان بسيط و متكامل ..
.
.
- ايه رأيك نمر دلوئتي ع الحالات اللي حتبعيها حضرتك ..
قالتها زكية و هي تتوجه للممر الذي عرفت أحلام مسبقا بأنه يضم غرف الحالات ..
مازالت زكية تتحرك بسرعة كبيرة .. جعلتها تشعر بأنها لا تمشي بل تنزلق على بلاط الأرضية الأبيض ..
لذلك تبعتها باجتهاد نحو أول غرفة ..
و قبل أن تدلف الباب المفتوح .. توقفت زكية لتتساءل ..
- انتي أكيد لسا ما راجعتيش الملفات اللي إداكي اياها الأستاز ..
هزت أحلام رأسها موافقة ..
فقالت زكية بابتسامة حلوة ..
- طيب أنا حديكي فكرة بسيطة عن كل حالة .. الغرفة دي بتاعت ابو ساني .. راجل كبير في السن عندو شوية مشاكل مع الشيخوخة .. يعني أجهزة جسموا ضعيفة شوية .. و عاوز من يتابعوا و يراعيه .. و بما إن أولادوا مش فاضيين جابوه هنا .. عشن نحنا نهتم فيه .. الراجل طيب أوي .. و حبيب ..
لم تجد أحلام ما قد تعبر الكلمات به عن إحساسها ..
فقط قالت بشيء من الصدمة ..
هزت زكية رأسها بعدم رضا ..
- مش بالزبط يا مدام .. بس همّا حسوا بانوا مافيش حد حيراعيه حتى زوجاتهم .. وكده جابوه هنا ..
لم ترى أحلام اختلافا في الموضوع ..
ارتفع رنين هاتفها فأخرجته من حقيبتها لترفعه و ترى المتصل .. و دون أن تجيب وضعت الهاتف على الوضع الصامت لا تبغي إزعاجا ..
و اعتصرت الهاتف في قبضتها .. سيثير حنقه ذلك ..
تعلم هذا جيدا
قالت زكية ..
أومأت أحلام موافقة ..
لتدخل الأولى الغرفة و تتبعها هي ..
كانت الغرفة غاية في البساطة فراشا نظيفا استلقى عليه الرجل المسن يطالع التلفاز الذي علق أمامه ..
و خزانة خشبية صغيرة .. طاولة قهوة و أريكة جلدية متواضعة ..
و لكن ما لفت انتباهها هو سجادة صغيرة فرشت على الأرض و وضعت عليها المخدات الثقيلة مسندة للجدار ..
كانت هذه الجلسة البسيطة تعطي طابعا شخصيا للغرفة ..
حال دخولهما ابتسم بوثاني لزكية بترحاب سرعان ما نظر لأحلام بفضول ثم حول نظره المتسائل لزكية ..
- و عليكم السلام و الرحمة ..
اقتربت زكية من فراشه ترفع صوتها ..
- ازاايك يا بو سااني النهاردة .. عامل اييه .. دي مدام أحلام .. جاية عندينا .. هنا تشتغل معانا .. و حابة تتعرف عليك ..
تقدمت أحلام و للمرة الأولى تستخدم خبراتها التي درستها على أرض الواقع بعيدا عن الدراسة الميدانية ..
هذا شعور غريب بأنها هنا لمساعدة الغير تعمل بشكل خالص .. و ليس للحصول على شهادة أو غيرها ..
اقتربت ببطء .. و توقفت على بعد مسافة قريبة ترسم على شفتيها ابتسامة هادئة و ترفع صوتها هي الأخرى..
- شحالك بو ثااني .. ربك بخير ..
نظر المسن لها برهة قبل أن يقول بصوت متحشرج مرتفع جعل أحلام تدرك أنه يعاني ضعفا في سمعه ..
- بخير و سهاالة شحالج يا بنيتي .. و شحال عربانج و تواليج .. رب ما تشكون من باس .. علومكم ..
كان صوته يأتي من البعيد ..
من زمن سحيق ..
صوت صدئ ..
.
.
أعيته السنون ..!!
.
.
نظرت أحلام للعينين الصغيرتين التي تحيطهما التجاعيد فتكاد تخفيها ..
وجه أسمر كالح ..
من يراه يعلم أن بقايا قوة قديمة تتدفق من نظراته ليست وهما بل إحساسا ملموسا ..
هذا الرجل مر بالكثير في حياته ..
- يسرك الحال بو ثاني .. علوم الخير و الله مابه علم ..
نظر لها بابتسامة كتلك التي استقبل زكية بها ..
شعرت للحظات أن تلك الثانيتين التي تبادلت فيها معه الأخبار كانت امتحانا لها ..
- يا الله حييها .. قربي .. قربي ..
شعرت بانشراح شديد .. هذا الترحيب إشارة جيدة كبداية ..
- يحييك و يبقيك .. قريبة .. بس مرة ثانية عدنا شغل اليوم ..
للحظات لم يكن ينظر لها .. بل مركزا عينيه في يدها ..
نظرت للمكان التي وقعت نظراته عليه .. فأدركت الأمر حين قهقه بصوته العتيق فرحا
إذا شفت فيه لو رد واحد بكمل لكم ...
ترى الرواية مرة روعة ,, أتعب وأنا أقول روعة ..
على الاقل ...
قولوا قريناها ...