الفراشة أصبح فتيات Ftayat.com : يتم تحديث الموقع الآن ولذلك تم غلق النشر والمشاركات لحين الانتهاء من اتمام التحديث ترقبوا التحديث الجديد مزايا عديدة وخيارات تفاعلية سهلة وسريعه.
فتيات اكبر موقع وتطبيق نسائي في الخليج والوطن العربي يغطي كافة المجالات و المواضيع النسائية مثل الازياء وصفات الطبخ و الديكور و انظمة الحمية و الدايت و المكياج و العناية بالشعر والبشرة وكل ما يتعلق بصحة المرأة.
بقايا حرف
02-11-2022 - 04:43 pm
  1. تتحدث عبر الهاتف بضيق ..

  2. فكرت بأن تسأل أصحاب هذه المنازل عن المستشفى لربما دلها أحدهم عليه ..

  3. قال بلا مبالاة و هو يلتقط كما من الملفات ..

  4. أعاد السماعة مكانها لينظر مجددا لها ..

  5. بدت نظرته الآن صارمة و هو يقول بشيء من الصلابة ..

  6. هزت أحلام رأسها موافقة ..

  7. فقالت زكية بابتسامة حلوة ..


السلام عليكم
القصة رائعة ومن كتبتها رائعة اتمنى لكم اروع الاوقات مع سطور ليتني غريبة
الرؤيا الأولى
تلتقط حقيبتها بسرعة ..
و مفتاح سيارتها .. و تلقي نظرة أخيرة على صورتها المنعكسة في المرآة ..
تتأكد من الانطباع الجيد الذي ستتركه ..
لتخرج من غرفة نومها متوجهة للصالة ..
تعبر الممر ذو الأرضية الرخامية ليعلو صوت خطواتها عليه ..
وصلت للصالة ..
فارغة ..!!
.
.
هزت رأسها بإدراك ..
في الشرفة إذاً ..
.
.
توجهت للجانب الخلفي من البيت بسرعة ..
ستبلغه بإيجاز عن ذهابها الآن .. و موعد قدومها ..
لا تريد أن تتأخر في يومها الأول ..
.
.
وصلت للشرفة الأرضية الواسعة .. المطلة على الجانب الشرقي من فناء البيت ..
الكثير من المزروعات .. و حديقة أنيقة مشذبة .. و منظر رائع ..
.
.
ترى هذا الجمال ..
باردا .. مجردا من الإحساس ..!!
.
.
رغم أنها متأكدة من أن قرعات حذائها قد وصلت مسامعه ..
إلا أنه لم يلتفت لها ..
بل ظل مستغرقا في شاشة جهاز حاسوبه المحمول ..
يرتشف بهدوء قهوته ..
.
.
أصدرت من حنجرتها صوتا تنبهه لوجودها ..
و لكن بدا أنه مصرا على تجاهلها ..
لذا تقدمت منه بهدوء ..
  • صباح الخير ..

رفع عينه لها ينظر لبرهة فتضيق بحدة ..
كانت قد انتزعت موافقته على الموضوع انتزاعا و لا تريد أن تبدأ أول يوما لها بمحاولة منه لإثنائها عن ذلك ..
لكن سرعان ما أشاح ببصره ليقول بصوت لمست الاستياء فيه ..
  • صباح النور .. شوه بتسرحين ؟!!

.
.
يا رب .. يا رب ..
لا أريده أن يؤخرني ..
.
.
قالت بسرعة ..
  • هيه ..

ما زال ينظر للشاشة ..
  • تدلين المكان و إلا خلي ساجد يوديج ..

أدارت المفتاح بين أصابعها بتوتر ..
  • لا ما يحتاي .. أدله .. وحدة من ربيعاتيه دلتنيه ..

.
.
يدير كرسيه بسرعة نحوها ..
لينظر إليها متأملا .. من رأسها لأخمص قدميها ..
شعرت و كأنها تقيّم الآن ..
نظرت له متسائلة بتوتر ..
  • آآ .. أنا بسير .. لازم ثمان و نص أكون هناك .. و يبالي نص ساعة الين أوصل .. تبا شي ..

تجاهل سؤالها و نظرة غامضة تغشى عينيه .. هذه النظرة دوما تصيبها بالارتباك ..
  • متى بتردين ..
  • ثنتين و نص يخلص الدوام .. يعني ع الساعة ثلاث بكون في البيت ..

.
.
أدار ظهر كرسيّه لها ..
  • برقبج ع الغدا .. و الكحال لي في عيونج سيري غسليه ..

.
.
كانت متأكدة من أنه سيلاحظ ذلك ..
تلك العينان أشبه بعيني صقر ..
لا تغفل عن شيء ..!!
  • * * * *

تتحدث عبر الهاتف بضيق ..

لا تكره غير القيادة قاصدة مكان لا تعرفه .. و لكن كبرياءها لن تجعلها تعترف له بجهلها مكان عملها الأول ..
  • رويض أنا الحين عند الجسر .. قلتيلي أطلع المخرج طلعنااه .. الحين قدامي دوار .. هيه .. أول لفة يمين .. لحظة .. أوكيه الحين شارع ع .... أوه .. رويض لقيته لقيته .. هاذوه .. هيه السور العوود .. بس البوابة من الشارع الثاني .. يا الله برايج الغالية .. أنا بحول .. ما قصرتي .. ههه ما يبالها رمسة أفاا عليج كم روضة عدنا.. سلامة راسج غناتيه .. ما قصرتي .. الله يحفظج ..

و أنهت المكالمة بلهفة .. و هي تتنهد .. تشعر بالإثارة و يراودها القلق و التوتر ..
ماذا تخفي لها هذه الجدران ذات الامتداد الواسع ..؟!!
.
.
وصلت بسيارتها الصغيرة لتتوقف أمام الباب الضخم المفتوح على مصراعيه ..
حين ردد على مسامعها مسمى ( مستشفى الساد ) تخيلت مبنى ضخم أو معقول الطول مجهز و تعمه الحركة النشيطة التي لا تفارق مرفقات الصحة ..
و لكن ما رأته هنا أصابها بالإحباط ..
ماذا هل أخطأت العنوان .. أم أن روضة لم تعرف ما الذي كانت تقصده ..
و لكن تلك اللوحة ذات الطلاء الحائل أكدت لها أنها في المكان المقصود ..
.
.
دخلت بسيارتها الصغيرة تجتاز الشارع ببطء و هي تجيل النظر فيما حولها ..
كان هذا مخيبا للآمال ..
سور واسع ضخم .. نظيف ..
يحوي بداخله .. مبانٍ سكنية للإيجار عتيقة و متواضعة .. أطولها لا يتجاوز الطابقين ..
بدا و كأن السور يضم منطقة سكانية صغيرة ..
بيوت متناثرة على رقعه لا بأس بها .. شوارع صغيرة و ضيقة ..
كانت عيناها تلتهمان كل شيء حولها ..
قد يكون المستشفى مختبئ هنا و سيظهر لها خلف أحد هذه الجدران البائسة التي تأن من القدم ..!!
مرت قربها حافلة مدرسية بلونها الأصفر المميز .. هل هنا أطفال يتوجهون للمدارس الحكومية ..؟!!
استمرت بسيرها البطيء .. تبحث بجد عن شيء يدل على أنه مستشفى .. لكن يبدو أنها أخطأت .. فهي تدور فيما يشبه الحلقة ..
رغم هذه المنازل الغابرة .. القديمة ..
شعرت بألفة تحيط المكان .. هدوء جميل .. و حميمية تفتقدها في ذلك المنزل الذي تسكنه ..
مرت بالقرب من منزل علق أصحابه على أخشاب قوية ارتكزت على الأرض أرجوحة متينة ارتبطت حبالها بعجلة سيارة قديمة .. تجلس عليها طفلة سمراء البشرة ..

فكرت بأن تسأل أصحاب هذه المنازل عن المستشفى لربما دلها أحدهم عليه ..

لذلك أوقفت السيارة في الشارع الضيق .. و ترجلت بهدوء .. رغم المكان الغريب .. و المكان المجهول .. إلا أنها لم تشعر بالقلق .. كان الأمان يغشاها و هي تتقدم من الطفلة التي قفزت من على الأرجوحة لتقف و تنظر إليها بحذر ..
لغة الجسد هي عملها .. لذلك توقفت قريبا منها و رفعت صوتها تقول بلطف ..
  • مرحبا .. وبن ماما ..؟؟!!

نظرت لها الطفلة دون أن تجيب .. ثم اندفعت راكضة لباب خشبي جانبي دخلت منه ..
تأوهت بإحباط .. الوقت يمضي و ستتأخر ..
سمعت الباب يفتح مجددا .. لتلتفت للقادم .. كان رجلا ضخما طويل القامة تبيّنت ملامحه ..
اندست الطفلة خلفه تراقبها بصمت ..
قالت بتوتر ..
  • آآآ .. السلام عليكم ..

رد الرجل بهدوء ..
  • و عليكم السلام و رحمة الله ..

اعتصرت حقيبتها ..
  • خوية لو سمحت وين أحصل مستشفى الساد ..

عقد جبينه متسائلا ..
  • دار العجزة ..؟؟!!

كانت قد نبهت بأن كثيرا من الناس يطلق عليه هذا الاسم .. لذلك هتفت ..
  • هيه .. دلنيه وين أحصله يزاك الله خير ..

قال الرجل بلهجة شمال أفريقية ..
  • طيب أختي .. لو دايره دار العجزة .. اركبي سيارتك و ألحقيني .. أنا أدلك ..

و أشار لسيارة عتيقة انزوت خلف منزله القديم ..
هزت رأسها موافقة لتستقل سيارتها ..
.
.
لحظات و تخرج سيارته الزرقاء و تميز هي رأس طفلته تتقافز بحماس في المقعد الأمامي ..
تجاوزت شارعين قصيرين قبل أن تتوقف سيارة الرجل بهدوء أمام مبنى ذو طابق واحد امتد أمامها على شكل قطعة مربعة ..
لماذا توقف الرجل هنا .. هل من خطب ..؟!!
اقتربت بسيارتها حتى جاورته .. لتنزل زجاج نافذتها .. فيرفع صوته قائلا ..
  • هاذي دار العجزة مدام ..

رفعت نظرها مجددا للمبنى الأبيض بدهشة ..
شكرته و انطلق تاركا إياها تحملق في مقر عملها الجديد ..
.
.
كانت تقف مشدوهة .. هذا المكان الذي سترتاده لأشهر مقبلة ..
هذا المكان الذي سعت جاهده لتصل إليه .. هنا ستبحث عن تغيير .. عن شيء تفتقده في حياتها ..
سعت للعمل و حطمت الكثير من القواعد .. فقط لتجد نفس خارج نطاق وضعها الحالي ..
انظري جيدا إلى هذا المكان .. هذا هو الحياة التي ستلازمينها لأشهر ... قد يقدر لك أن ترحلي منه .. حاملة في جعبتك الكثير ..
.
.
انتبهت لساعة السيارة التي تفيد بأنه لم يتبقى من موعد وجودها سوى دقائق ..
ترجلت من سيارتها و التوتر يجعل حركاتها ثقيلة للغاية ..!!
تأكدت من أنها أغلقت سيارتها جيدا ..
و خطت نحو المبنى تدفع قدميها متجهة نحو الباب ..
حين سمعت صراخ أحدهم مناديا ..
  • مدام .. مدام ..

التفتت بجزع .. لترى ذلك الرجل الهندي الضئيل الذي ركض نحوها و هو يشير لها بالتوقف ..
وصل لها بسرعة ..
  • مدام .. هذا موقف ممنوع .. - و أشار للشارع الجانبي .. هناك بركن سيارا ..

شعرت بغيظ حقيقي و رغبة بأن تضربه بحقيبة يدها على رأسه .. لم يعد من موعد التزامها سوى دقائق .. و هذا يريدها أن تغير موقف سيارتها ..
قال بهدوء ..
  • انزين أنا في يروح داخل عشر دقايق عقب يحرك سيارة ..

هز رأسه رفضا بعناد ..
  • لا مدام .. لازم حرك سيارة الحين .. انتا يسوي تأخير أنا فيه مشاكل .. إذا انتا ما يريد حرك سيارة عطني سويك أنا يحرك ..

نظرت له بشك .. هل هذه لعبة مدبرة ليسرقها ..؟؟!!
و لكن ابتسامة كبيرة أظهرت صفا من الأسنان البيضاء الناصعة .. و تراكمت التجاعيد عند زوايا عينيه ..
بدا وجهه الداكن لطيفا و هو يقول ..
  • ما في خوف مدام .. أنا حكيم .. مدير مشان موقف مشان مطبخ .. مشان كلش .. أنا معلوم انتا في دوام جديد اليوم ... ما في مشكل عطني سويك أنا حرك سيارا ..

ترددت لبرهة .. لكن ابتسامته المطمئنة .. عكست إنسانية لا تصدق .. إحساس الناس و انطباعاتهم عملها .. شعرت بأن عليها أن تثق به لذلك ناولته المفتاح بهدوء ..
  • انزين أنا داخل مكتب مشان مدير هاا ..

هز رأسه موافقا ..
  • أوكي مدام ..

.
.
التقط مفاتيحها و ركض عائدا للسيارة .. انتزعت بصرها عنه .. لقد ضيعت ما يكفي من الوقت ..
اتجهت بسرعة نحو الباب الزجاجي .. لتدفعه و تدلف للداخل .. فتغمرها موجه من الهواء البارد ..
أول ما وقعت عيناها عليه حين دلفت هو نافذة ضيقة توسطت الجدار المقابل للباب علقت على رأسها لوحة صغيرة كتب عليها
..اقتربت منها كان المقعد الخشبي خلفها خاليا .. لتدق طرفها بخفة .. لحظات قبل أن تطل من خلفها فتاة في مقتبل العشرينات ..
ابتسمت لها تخفي توترها ..
  • السلام عليكم ..

أجابت الفتاة بلطف ..
  • و عليكم السلام .. أي خدمة ..؟
  • مكتب المدير فيصل عبد الرحمن وين ..

نظرت لها الفتاة بتمعن قبل أن تتساءل ..
  • المستشارة النفسية ..؟!!

.
.
هل نُبّئوا بقدومها أم ماذا ..!!
.
.
  • هيه نعم

نظرت لها الفتاة مطولا بتفحص قبل أن تشير بيدها للممر الوحيد المفتوح أمامها ..
  • الحجرة لي قدامج سيده آخر الممر .. بابها عليه لوحة صفرا ..

هزت رأسها بامتنان ..
  • شكرا ..
  • العفو ..

.
.
عبرت الممر حتى توقفت أمام باب علقت عليه لوحه صفراء دلت على صاحب المكتب .. لتمد يدها و تقرع الباب بهدوء ..
.
.
و تتعالى دقات قلبها ..
.
.
  • تفضل ..

.
.
دفعت الباب بهدوء لتدلف الكتب الغارق في أشعة الشمس الذهبية ..
أمامها مباشرة خلف المكتب العريض استقر الرجل بهدوء ينظر إليها بتساؤل ..!!
  • السلام عليكم و الرحمة ..

نظرت له تقيمه هي الأخرى .. منظر الأسد المتحفز هذا .. كان رجلا في أوائل الخمسينات شق الشيب طريقه في اللحية .. و بدت عيناه القويتان الصافيتين متنبهتين ..
  • و عليكم السلام و رحمة الله .. مرحبا ..

رغم التجاعيد التي كست وجهه و قسوة مختفية في زوايا العينين.. كان النظر لهذا الرجل مطمئنا .. و كأنها في حضرة أحد موثوق ..
قالت معرفة عن نفسها بهدوء ..
  • أنا أحلام عبيد ..

لمعت عينا المسن الذكيتين و هو يقول بسرعة ..
  • المستشارة اليديدة ..

هزت رأسها موافقة ..
  • هيه نعم ..

ابتسم بلطف ..
  • تفضلي دكتورة ..

لم تصحح له المعلومة .. فرغم أنها أخصائية في الطب النفسي لكنها اعتادت على الكثيرين إطلاق مسمى ( دكتورة ) عليها .. حسنا ذلك يعجبها جدا ..
جلست على الكرسي المقابل ..
.
.
و في لحظة لاح خاطر بعيد في سرها ..
ماذا سيكون رأيه لو رآها الآن تجلس مع هذا الرجل ..
بغض النظر عن سنه ..
فذاك متملك جدا ..!!
.
.
ابتسمت بسخرية ..
ثم انتشلها صوت المدير يقول بعملية ..
  • شوه تحبين تشربين ..
  • تسلم و لا شي ..

قال بصوت هادئ لا يخلو من الحزم ..
  • خلاص عيل نبدأ في الشغل .. عندنا خمس حالات مستقرة بتكون تحت اشرافج محتايين متابعة نفسية .. و ما ظنيه الموضوع بيطول أكثر عن ست شهور ..

كانت قد نبهت للمدة التي ستقضيها هنا لذلك هزت رأسها بسرعة ..
  • أنا بتم سبع شهور .. هاي المدة المحددة من الوزارة ..

قال بلا مبالاة و هو يلتقط كما من الملفات ..

  • المهم .. دكتورة أحلام .. هاي ملفات كل حالة عدنا .. و لا يغرج اسم دار العجزة .. حالات لجوء المسنين لهنيه نادرة .. تقدر بثلاث حالات فقط .. نحن عدنا الحالات الطبية المستقرة لي مالها أي علاج يمكن يساعد في تقدم الحالة .. بس محتاية رعاية و عناية .. نروم نحن نوفرها لها .. تتحول هالحالات علينا .. و تم تحت اشرافنا الين ما ربج يسهل عليها ..

.
.
لم تدرك أحلام بما عليها أن تئوّل عبارة ( يسهل عليها )
لذلك التقطت الملفات بسرعة و هي تراه يرفع سماعة الهاتف يضعها على أذنه ليضرب زرين متتابعين ..
  • ألووه .. زكية .. تعالي مكتبيه ..

أعاد السماعة مكانها لينظر مجددا لها ..

بدت نظرته الآن صارمة و هو يقول بشيء من الصلابة ..

  • دكتورة أحلام .. قبل كل شي أحب أنبهج إن سبب استغنائنا عن المستشارة الدائمة هي المشاكل لي تواجهها الحالات عدنا وياهم .. و بسبة هالمشاكل اضطرينا للتخلي عن هالخدمة و طلبناها هالفترة بشكل مؤقت .. لي أبا أقوله إن الحالات لي تحت إشرافي أنا مسئول عنها و عن راحتها فيا ليت تحاولين توفرين لهم الجو المناسب قدر الإمكان ما ريد حد منهم يتعرض لأي مضايقات أو ما شابه ..

عقدت حاجبيها ..
ماذا يعني بهذا التحذير المبطن .. لم تأتِ إلى هنا إلا بغية مساعدتهم ..
و قبل أن تفكر بالرد دخلت مع الباب المفتوح امرأة بدينة بالغة القصر ترتدي ملابس التمريض البيضاء و حجابا مشدودا حول رأسها ..
حانت منها التفاته لأحلام قبل أن تعود و تنظر للمدير ..
  • أستاز أبو عبد الرحمن .. عاوز حاقة ؟!!

كان مستغرقا في قراءة بعض الأوراق أمامه فأشار بيده ..
  • هيه .. زكية .. هاي الدكتورة أحلام الاستشارية النفسية لي خبرتكم عنها .. هي بتابع الحالات الموجودة حاليا عدنا .. تفضلي وياها الحين و سويلها جولة في المكان خليها تتعرف الموجودين ..

ثم رفع رأسه لها .. ليقول بهدوء ..
  • دكتورة أحلام .. وجودج هنيه ما تم طلبه إلا عن حاجة .. أتمنى انج تفيدينا و نفيدج ..

.
.
هزت رأسها غير قادرة على النطق .. فالارتباك يغشاها و لا تدرك سببه ..
نظرت للممرضة التي ابتسمت لها بلطف ..
هل الابتسامة المعلقة على الوجوه واجب لا بد من القيام به هنا .. أم ماذا ..؟؟!!
التقطت ملفاتها و تركت المكتب تتبع الممرضة التي انطلقت متحركة بسرعة و هي تقول ..
  • دكتورة أحلام .. منورانا .. إن شا الله ترتاحي المدة دية .. عاوزة تشربي حاقة أبل ما نبدا ..

هزت رأسها رفضا .. متلهفة للبدء و الانخراط في عملها الأول ..
  • لا .. مشكورة ..
  • متجوزة ..
  • هيه ..
  • طيب مدام أحلام حتمشي ..

هزت أحلام رأسها بابتسامة موافقة ..
كانت تحث الخطى حثا و تلحق بزكية .. و تلك تتنقل بسرعة عجيبة نسبة لوزنها..
المكان عبارة عن أربع ممرات متصلة على شكل مربع و يحوي قلب المربع حديقة عشبية صغيرة جميلة ..
فكرت أحلام ساخرة بأنها لا تقارن بتلك الحديقة المنمقة الباردة في منزلها ..
كل ممر يحوي قسما معينا ..
واحدا للإدارة و الاستقبال و المكاتب المعنية .. و الآخر لغرف المؤن و الإمدادات الطبية و المطبخ و غرفة استراحة العاملين .. و أخرى خاصة للممرضات ..
الممر الثالث كان يحوي قرابة الإحدى عشر غرفة .. أغلبها شاغرة .. و كان هذا المكان خاصة بحالات المستشفى ..
الرابع ضم غرفة ترفيهية و مكتبة بسيطة و غرف أخرى للعلاج تحسبا للازدحام ..
مكان بسيط و متكامل ..
.
.
  • ايه رأيك نمر دلوئتي ع الحالات اللي حتبعيها حضرتك ..

قالتها زكية و هي تتوجه للممر الذي عرفت أحلام مسبقا بأنه يضم غرف الحالات ..
مازالت زكية تتحرك بسرعة كبيرة .. جعلتها تشعر بأنها لا تمشي بل تنزلق على بلاط الأرضية الأبيض ..
لذلك تبعتها باجتهاد نحو أول غرفة ..
و قبل أن تدلف الباب المفتوح .. توقفت زكية لتتساءل ..
  • انتي أكيد لسا ما راجعتيش الملفات اللي إداكي اياها الأستاز ..

هزت أحلام رأسها موافقة ..

فقالت زكية بابتسامة حلوة ..

  • طيب أنا حديكي فكرة بسيطة عن كل حالة .. الغرفة دي بتاعت ابو ساني .. راجل كبير في السن عندو شوية مشاكل مع الشيخوخة .. يعني أجهزة جسموا ضعيفة شوية .. و عاوز من يتابعوا و يراعيه .. و بما إن أولادوا مش فاضيين جابوه هنا .. عشن نحنا نهتم فيه .. الراجل طيب أوي .. و حبيب ..

لم تجد أحلام ما قد تعبر الكلمات به عن إحساسها ..
فقط قالت بشيء من الصدمة ..
  • فروا أبوهم ..

هزت زكية رأسها بعدم رضا ..
  • مش بالزبط يا مدام .. بس همّا حسوا بانوا مافيش حد حيراعيه حتى زوجاتهم .. وكده جابوه هنا ..

لم ترى أحلام اختلافا في الموضوع ..
ارتفع رنين هاتفها فأخرجته من حقيبتها لترفعه و ترى المتصل .. و دون أن تجيب وضعت الهاتف على الوضع الصامت لا تبغي إزعاجا ..
و اعتصرت الهاتف في قبضتها .. سيثير حنقه ذلك ..
تعلم هذا جيدا
قالت زكية ..
  • نِخُش ..؟؟!!

أومأت أحلام موافقة ..
لتدخل الأولى الغرفة و تتبعها هي ..
  • السلام عليكم ..

كانت الغرفة غاية في البساطة فراشا نظيفا استلقى عليه الرجل المسن يطالع التلفاز الذي علق أمامه ..
و خزانة خشبية صغيرة .. طاولة قهوة و أريكة جلدية متواضعة ..
و لكن ما لفت انتباهها هو سجادة صغيرة فرشت على الأرض و وضعت عليها المخدات الثقيلة مسندة للجدار ..
كانت هذه الجلسة البسيطة تعطي طابعا شخصيا للغرفة ..
حال دخولهما ابتسم بوثاني لزكية بترحاب سرعان ما نظر لأحلام بفضول ثم حول نظره المتسائل لزكية ..
  • و عليكم السلام و الرحمة ..

اقتربت زكية من فراشه ترفع صوتها ..
  • ازاايك يا بو سااني النهاردة .. عامل اييه .. دي مدام أحلام .. جاية عندينا .. هنا تشتغل معانا .. و حابة تتعرف عليك ..

تقدمت أحلام و للمرة الأولى تستخدم خبراتها التي درستها على أرض الواقع بعيدا عن الدراسة الميدانية ..
هذا شعور غريب بأنها هنا لمساعدة الغير تعمل بشكل خالص .. و ليس للحصول على شهادة أو غيرها ..
اقتربت ببطء .. و توقفت على بعد مسافة قريبة ترسم على شفتيها ابتسامة هادئة و ترفع صوتها هي الأخرى..
  • شحالك بو ثااني .. ربك بخير ..

نظر المسن لها برهة قبل أن يقول بصوت متحشرج مرتفع جعل أحلام تدرك أنه يعاني ضعفا في سمعه ..
  • بخير و سهاالة شحالج يا بنيتي .. و شحال عربانج و تواليج .. رب ما تشكون من باس .. علومكم ..

كان صوته يأتي من البعيد ..
من زمن سحيق ..
صوت صدئ ..
.
.
أعيته السنون ..!!
.
.
نظرت أحلام للعينين الصغيرتين التي تحيطهما التجاعيد فتكاد تخفيها ..
وجه أسمر كالح ..
من يراه يعلم أن بقايا قوة قديمة تتدفق من نظراته ليست وهما بل إحساسا ملموسا ..
هذا الرجل مر بالكثير في حياته ..
  • يسرك الحال بو ثاني .. علوم الخير و الله مابه علم ..

نظر لها بابتسامة كتلك التي استقبل زكية بها ..
شعرت للحظات أن تلك الثانيتين التي تبادلت فيها معه الأخبار كانت امتحانا لها ..
  • يا الله حييها .. قربي .. قربي ..

شعرت بانشراح شديد .. هذا الترحيب إشارة جيدة كبداية ..
  • يحييك و يبقيك .. قريبة .. بس مرة ثانية عدنا شغل اليوم ..

للحظات لم يكن ينظر لها .. بل مركزا عينيه في يدها ..
نظرت للمكان التي وقعت نظراته عليه .. فأدركت الأمر حين قهقه بصوته العتيق فرحا
إذا شفت فيه لو رد واحد بكمل لكم ...
ترى الرواية مرة روعة ,, أتعب وأنا أقول روعة ..


التعليقات (4)
بقايا حرف
بقايا حرف
معقولة 9 مشاهدات ولا وحده عجبتها
على الاقل ...
قولوا قريناها ...

بــرد
بــرد
يعطيك الف عافيه ....
كملي وانا متحمسه ...ياما تحوي هالاماكن قصص وروايات ...
كلها عبر وحكم ...
ك ملي ...

بقايا حرف
بقايا حرف
البارت هذا لعيونك يا برد .. الله يحفظك ويسعدك ...
- هذا بو كيمره .. لا .. ما بخليج تصورينيه .. الين ما تحطين مية ربية .. ما تعرفين انتي صوريه غاليات ..
لولهة بسيطة شعرت بالارتباك عندما لم تدرك ما يقصد.. و لكن ابتسامة زكية المرحة أراحتها قليلا ..
نظرت أحلام لهاتفها قبل أن ترفع رأسها .. و تقول بود ..
- ليش ترانيه بتصور وياك .. بعد أحط على عمريه مية ..
كانت ابتسامته البريئة .. تذكرها بالأطفال .. عندما يتقدم المرء في العمر يعود ليتضاءل ..
فيغدو طفلا كبير .. بحاجة لمن يرعاه و يهتم به ..
شعرت باحتقار خفي يتسلل لقلبها لؤلئك ..
كيف استطاع أولاده تركه هنا ..!!
.
.
- لا تحطين مية عن عمرج .. حطي مية لصورتيه ..
ابتسمت لهذا الوجه المتغضن ..
- افاا .. بنتك انا .. ماشي دسكاون ..
عقد جبينه ..
- شوه دكساون ..
ضحكت أحلام بخفة و هي ترفع صوتها ..
- دسكاون .. دسكاون .. خصم ع القيمة يا بو ثاني ..
ضحك مجددا ..
- لا ماشي .. مية ما تنقص ربية ..
قالت زكية و هي تربت على كتفه ..
- معليش يا بو ساني .. مدام أحلام حترقع تاني .. بس لسا عندينا شغل كتير حنروح نخلصو .. عاوز حاقة ..
هز رأسه و هو يقول بسلام ..
- لا ما بغي شي .. الله يحفظكن .. - و نظر لأحلام - لا تقطعين يابنيتي .. خطفي علينا ..
.
.
عندما خرجت أحلام من الغرفة .. كانت تحمل في داخلها حبا فوريا خفيّا لهذا الرجل الذي ذكرها بالأطفال ..
لا خسارة إلا لأبنائه .. أي قلب يفتقدون في غيابه بعيدا عنهم ..!!
.
.
توقفت زكية مجددا أمام باب الحجرة المجاورة ..
- الأوضة دي بتاعت الواد خليفة .. اتنينا و عشرين سنة .. شلل كامل بعد حادث سيارة .. يعني ما فيش حاقة بتتحرك فيه أبدا غير عينيه و بوؤه .. بس بيحس باللي حواليه .. و بيئدم اشارات تفاعل خفيفة أوي .. بس زي ما بيئولو أول الغيس أطرة .. ع العموم المستشفى حول الحالة ديت لنها عاوزة متابعة على مدار الساعه .. يعني الواد مش آدر يعمل لنفسوا حاقة .. على كدا نحنا مسؤولين عن كل حقاتو ..
.
.
لم تتفوه هي بحرف ..
تشعر بالكلمات قد علقت في حلقها الجاف ككرة شوك ..
يديها ترتعشان .. لا .. لا تريد هذه الحالة ..
لديها واحدة ربما ليست مثلها تماما .. لكن تكفيها .. و لم تستطع حتى الآن معالجة أمرها ..
قدميها تثقلان و زكية تشير لها بأن تتبعها .. أغمضت عينيها بقوة و سحبت نفسا عميقا .. هذه حكاية مؤلمة تتكرر كثيرا ..
دفعت نفسها بقوة للدخول .. و تجوزت عتبة الباب .. ليمتد النظر فيعبر الحجرة الصغيرة و يقع على الجسد المسجى على الملاءة البيضاء ..
كان ينظر للفراغ فيما جلست ممرضة على كرسي بجانبه تقرأ كتابا بصوت واضح ..
اقتربت أحلام و هي تجر قدميها جرا .. دنت من فراش هذا الشاب و صور فضيعة قديمة تدور في ذهنها ..
امتدت يد زكية بورقة محارم ناعمة تمسح بها خط لعاب سال على جانب وجهه بعجز ..!!
.
.
بلعت دمعة سدت حلقها و هي تنظر لجسد هذا الشاب المرتخي .. فتيّا .. في مقتبل العمر ..
كان لا يزال أمامه الكثير من السنوات .. الكثير ليعيشه و يتمتع به .. الكثير ليراه ...
.
.
شبح الموت الحديدي الذي يمشي على الإطارات .. يزهق أحلام الكثيرين ببساطة .. و هذا وحد منهم ..!!
مرت دقيقة ثقيلة على نفسها .. تنكأ جروحا لم تلتئم بعد ..
شعرت بالاختناق .. هذه الغرفة تضيق عليها ..
أشاحت بوجهها ..
تحتاج للخروج من هنا ..
نظرت لزكية بنظرة رجاء ..
- خلينا نشوف باقي الحالات ..
هزت الأخيرة رأسها بحماس ..
لتلقي كلمات على مسامع الشاب .. لم تصل لعقل أحلام الذي كان غارقا في بُعد آخر..
.
.
تنفست الصعداء حين تركت الحجرة مع زكية ..
تشعر بثقل في صدرها و ذكرى تلك اللحظات البائسة تراودها حين رأت الشاب ملقى بلا حراك ..
.
.
- مدام أحلام فيه حاقة ..
سألتها زكية و قلق حنون يكسو وجهها المستدير ..
ابتسمت أحلام بسرعة ..
- و لا شي .. بس أفكر في هله .. وينهم عنه ؟!!
هزت زكية رأسها ..
- دول أهلوا دايمن هنا .. بس مافيش مساحه ليه في البيت مع الممرضين يعني .. هم ناس على أد حالهم و البيت صغير .. و فهمك كفاية ..
هزت رأسها بشرود ..
و هي تتقدم معها تعبر الممر .. الغرفتين المجاورتين كانتا شاغرتين ..فتجاوزتاها للغرفة الثالثة ..
و في اللحظة التي فتحت فيها زكية الباب .. شعرت أحلام بسيل متدفق من الكلمات ينهال عليها و ينتشلها من أفكارها تلك ..
.
.
قبل أن تقتحم حدود الغرفة فتتبين ساكنيها ..
صوت حاد يخترق سمعها كصوت مثقاب الجدار ..
- ما شا الله عليج .. اشووه زكية .. ياية بدري الشيخة .. سمحيلنا عاد كان قطعنا عليج شي و إلا شيات .. ندريبج انتي دومج مشغولة .. و نحن غلسين و غثة .. ما قول غير حسبي الله عليكن من سسترات .. أنا لو بمووت ما بموت إلا على ايديكن .. و الله ثم الله لو تدري الحكومة بسواد ويوهكن كنسلتكن اليوم قبل بااكر .. عنبووه خافن ربكن فينيه .. عيووز أنا .. تبن تنفدنيه .. زكيوه .. اشعنه محد يا يعطينيه الابرة .. مستعيلات ع يوميه .. تبن الفكة .. يعل ظروسكن الفك .. قولن آمين ..
.
.
كانت تقف خارج الغرفة و قد تدلى فكها في ذهول .. بالله عليكم ما هذا .. ؟؟!!
.
.
لكن صوت زكية المهدئ وصل لأذنيها رغم تلك الكلمات التي كانت صاحبة الصوت الحاد ترشقها بلا توقف كالحجارة ..
- فيه إيه يام حميد .. بتزعئي ليه ..
عاد الصوت يطن في أرجاء الغرفة التي حاذرت أحلام من دخولها ..
- و لشوه ما زاعج .. عنبوه الساعة هدعش و أنا بعدنيه هب متريقة .. شقا بتريق و محد ظربنيه بالابرة هاا ..
صوت زكية المتسائل ..
- هيا سوما ما جتش بالابرة ..
.
.
كلماتها التالية جعلت الضيق يعترم صدر أحلام و هي ترمي بها كالسهام بلا هوادة ..
البعض منها يخطئ ..
.
.
و البعض يصيب في مقتل ..!!
.
.
- ماباها هاي السمسومة يعلها السم .. ما فيهن خير الهنديات .. ما يندرابها كان بتظربنيه بعوق في الابرة .. ماباها و انا قايلتلج من قبل .. هالسمسومة لا طرشينها عليه .. بس انتي ما تفطنين ..
بدا صوت زكية مهدئا ..
- خلص يا ستي معليش .. انا أروح دلوئتي أجيب الابرة و الفطار .. بس انتي اهدي شوية .. دا مش كويس لصحتك خالص ..
- ما عليه من هذرتج .. دواج عند بو عبدالرحمن .. هو لي بيسنعج ... يالسة ترتدغدين و فارتينيه عند سمسومة هندية .. اصلا أدريبكن انتن .. كلكن ما تبنا .. هم على قلوبكن ..
تنهدت زكية ...
- طيب على رحتك بس أبل ما أخرج .. عاوزة أوريك حاقة .. - ثم رفعت صوتها منادية - مدام أحلام .. وائفة برا ليه .. ما تتفضلي ..
.
.
في الحقيقة لم تحبذ أحلام فكرة الدخول .. ربما قد تتعرض لهجوم يشن من طرف مجهول .. فزكية لم تعطها فكرة مبسطة عن هذه الحالة ..!!
لكنها كرهت هذا التردد في داخلها .. تقدمت بسرعة.. ساحقة أي رغبة في التراجع ..
لترفع صوتها قائلة بقوة ..
- السلام عليكم ..
ساد الصمت المكان .. هدوء لا يسمع فيه إلا توتر الأنفاس ..
للحظات ..
أدركت أحلام أنها تقف الآن مباشرة أمام الحالة الثالثة لهذا اليوم ..!!
.
.
امرأة مسنة قدرت ببساطة أنها في العقد الثامن من العمر ..
ترتدي - البرقع - و تجلس على سجادة تشبه تلك التي رأتها في غرفة بو ثاني ..
عينا المرأة تراقبانها بحدة و صوتها يبدو أعلى و أكثر حدة من هذه المسافة ..
- و عليكم السلام .. خير إن شا الله .. امنوه هاي بعد ..
لم تنتظر أحلام من زكية أن تعرفهما .. بل قالت بوضوح ..
- أنا أحلام عبيد .. مستشارة نفسية ياية أشتغل عندكم ..
سارعت زكية بالخروج .. تاركة أحلام تقف في مواجهة من سمعت زكية تشير إليها بأم حميد ..
عينان حادتين من خلف البرقع الذي شكل حاجزا لا يخترق يخفي الكثير خلفه ..
ظلت المرأة تمرر عيناها طلوعا و نزولا عليها ..
قبل أن تقول بصوت يشق الهواء كالسيف ..
- انتي معرسة ..؟
.
.
فتحت أحلام عيناها بدهشة .. ما هذا السؤال الغريب ..؟!!
رأت أنه لا ضرر من الإجابة .. فقالت ببساطة ..
- هيه نعم ..
سرعان ما ندمت على كلمتها تلك ..
إذ انقضت عليها العجوز بكلماتها الشرسة .. و أصبحت في ثواني هي المستهدفة الجديدة ..
- عيل ما نباج الشيخة .. توكلي .. انتن لمعرسات تيي الوحدة منكن من بيتها مضيقة و متواقعة ويا ريلها ... و تفك حرتاا فينا نحن المسااكين .. تهد عليناا .. و تلعوزنا .. بو عبد الرحمن ليش يابج .. يدريبناا ما نباكن ..
كانت أحلام متفاجئة من ردة فعلها ..
و لكن الأولى لم تتوقف عن التحدث بصوت أقرب للنعيق ..
- شعنه تطالعينيه ها .. لا تسوين عمرج طيبة و مادري شووه .. عليكن علوم انتن ما تسر .. روحن عالجن الميانين أخيرلكن .. و لا عاد وحدة منكن تشبر عدنا ..
ثم أخفضت صوتها .. و لكن الكلمات وصلت لأذني أحلام ..
- مسودات الويه ..
.
.
شعرت أحلام بالغضب يتصاعد في داخلها .. فقد كانت المرأة تشير لها بصيغة الجمع مع من سبقها هنا على ما يبدو .. و لكنها لجمت نفسها .. لتنظر لعيني تلك اللبوة الثائرة بشيء من التحدي ..
- أنا هب ياية ألعوزج و الا أأذيج.. ياية عنديه شغل كم شهر و مروحه .. و كان ما تبينيه عندج بو عبد الرحمن خبريه .. خلاف هو يامر عليه كان أتابعج و إلا لا ..
و قبل أن تسنح للعجوز الفرصة لقذف أي كلمة حادة .. تركت أحلام الغرفة بسرعة ..
و هي تلهث .. كانت مواجهة هذه المرأة صعبة .. ما الذي يجعلها نزقة هكذا ..!!
أتت زكية مهرولة من نهاية الممر تحمل في يدها صينية طعام و يبدو الاعتذار على وجهها ..
- معليش يا مدام أحلام حئك عليا .. أنا حشرح لك كل حاقة لما أخلصها .. على كدا امشي انتي للغرفة بتاعت الاستراحة ..
و قبل أن ترد.. دلفت زكية للحجرة ليتعالى نعيق العجوز مجددا .. فابتعدت أحلام بسرعة .. ستصاب بالشقيقة إن أمضت دقيقة إضافية عند باب هذه العجوز ..
اتجهت أحلام نحو غرفة استراحة الممرضات .. تقطع الممر .. و ما زال أمامها حالتين لم تصادفهما ..
.
.
و مع النسائم الصباحية التي تسربت من باب عريض فتح على مصراعيه يطل على الحديقة ..
تسللت صوت ضحكة هادئة .. أصوات أحاديث تنسل برقة مع الهواء الذي حمل معه رائحة العشب الندي ..
لتحين منها التفاته فضولية .. فتقودها قدماها لتتبع الأصوات التي بدت لها في تلك اللحظة غاية في العذوبة .. نظرا لصراخ أم حميد الذي كاد يصيبها بالصمم ..!!
.
.
و ها هن أمام عيناها مباشرة .. في منتصف الحديقة البسيطة .. تجلسان ..
امرأة .. و شابة .. لم تتبين ملامحهما بوضوح .. فقط عرفت أنهن قد استغرقن في التركيز على شيء بين أيديهما لم تره ..
كانت صاحبة الضحكات العالية هي الشابة ..
بينما اكتفت المرأة بابتسامة .. ظلت معلقة على شفتيها و ازدادت اتساعا حين رأت أحلام تقف بالباب المؤدي للحديقة ..
رغم المسافة التي تفصل بينهما .. إلا أنها شعرت بأن ابتسامة المرأة تحمل دعوة لها لتقترب ..
عقدت ذراعيها بهدوء .. و هي تطوّع رجلاها لتتقدم ..
.
.
و تلك خطوة ..
تلو الأخرى ..
قدماها تتعاقبان الوطء على رؤوس الأعشاب الصغيرة .. فتنثني تحتها ..
كانت تمشي الهوينى .. غير متعجلة للوصول ..
و نسائم الصباح المعتدلة تحرك - شيلتها - المثبتة على رأسها بإحكام ..
مع اقترابها .. توقفت الشابة عن الضحك لتنظر لها بشيء من الفضول يخالطه ضحكة مكتومة ..
فيما استمرت المرأة بالابتسام ..
.
.
و ها هي أحلام طوت المسافة القصيرة .. لتبلغ الاثنتين .. اللتين استمرتا في النظر إليها ..
امرأة كان واضحا أن ما مضى عليها يفوق ما هو مقبل .. و قبعت ثنايا جلد رفيعة عند زاوية العينين .. تشكو كم من الدهر قد مر .. جسدها بالغ الصغر .. و حجمها ضئيل .. لذلك لم تستطع الجزم بعمرها ..
و شابة بدت في العشرينات .. تلف رأسها بغطاء مهمل لتنسل بعض الخصلات الناعمة على الجبين بتمرد..
هناك شيء غريب في وجهها ذكرها بطفل يفاجئ بشيء ما ..!!
- السلام عليكم ..
ما زالت الابتسامة على وجه المرأة التي قالت بصوت هادئ .. تدفق بدفء من بين شفتيها ..
- و عليكم السلام و الرحمة ..
.
.
في تلك اللحظة غمر أحلام شعور غريب بالألفة و السلام البادي على وجه المرأة أجبرها على مبادلتها الابتسامة بصدق ..
- رب ما قاطعتكم ..
هزت المرأة رأسها بهدوء .. و عيناه تركزان في عيني الأولى .. فتغرق فيهما تلك بلا قرار ..!!
- لا .. بس كنت أقرأ لهاي الحلوة قصة ..
و أشارت بيدها النحيلة للكتاب الكبير المفتوح أمامها .. لتقع عينا أحلام على قصة مصورة تزخر بالألوان .. كان العجب يسكن عقلها الآن .. هل تقرأ هذه المرأة قصص أطفال للشابة ..
كانت المرأة الآن تبتسم و هي تنظر لشيء ما خلف أحلام .. لتلتفت الأخيرة .. فترى زكية مقبلة و قد بدا بعض الضيق على وجهها ..
و لكن بمجرد أن اقتربت .. بدا وجهها أكثر لينا و هي تقول ..
- السلام عليكم .. - ثم التفتت للشابة التي بدأت تضحك بخفة حين رأت زكية - صباحك إشطة يا جميل ..
صوت المرأة الدافئ .. يتغلغل بهدوء في صدرها .. ليشعرها مجددا بذاك الإحساس الغريب بالألفة ..
- وعليكم السلام و الرحمة .. صباح النور يام حنفي .. شحالج ..
- كويسة انتي عاملة ايه ..
- الحمد الله .. شوه .. شكلج معصبة ..
لم ترى أحلام هذا الشيء في زكية .. لم يكن هناك سوى ابتسامة .. و هذا ما أدهشها هل عملهم هو الابتسام على الدوام ..!!
- ما فيش حاقة خالص .. عارفة انتي أم حميد ازاي بتكون الصبح ..
ضحكت المرأة بخفوت و هي تهز رأسها ..
- هيه أعرفها .. الله يهديها بس ..
نظرت زكية لأحلام .. و قالت بسرعة ..
- مدام أحلام .. دنتي سريعة أوي .. مفكيش صبر ..
عقدت أحلام جبينها بعدم فهم .. فقالت الأولى تفسر ..
- يا ستي دول هم البئية .. دي الست حصة .. ضيفتنا الرابعة .. و الأَمَر الجالس دا سوهيلة .. - ثم التفتت لحصة - يا حجة دي مدام أحلام .. مستشارة جاية تشتغل عندينا ..
نظرت لها المرأة بإمعان و هي تقول ..
- مرحبا الساع يا بنتي .. دختورة ..؟!!
هزت أحلام رأسها بابتسامة ..
- تقريبا ..
عادت حصة للنظر للشابة .. وضعت يدها على كتفها و هي تقول بوضوح و تشير بيدها الأخرى نحو أحلام ..
- سهيلة .. هاي أحلام .. بتم ويانا ..
.
.
رفعت سهيلة عيناها لأحلام .. و ابتسامة كبيرة على وجهها ..بدا أنها لم تفهم ما قالت حصة تماما .. إذ قالت بصوت مرتفع ..
- آحام ..
هزت زكية و حصة رؤوسهن موافقات .. فيما ظلت أحلام في حيرتها ..
قالت زكية بسرعة ..
- طيب مدام خلصنا خلينا نمشي و نضيّفك كوباية شاي .. ايه رأيك ..
هزت أحلام رأسها موافقة و هي تقبض حقيبتها .. ثم التفتت للاثنتين ..
- يا الله أترخص أنا .. بشوفكن قريب ..
حصة بصوتها المسالم ..
- الله يحفظج ..
* * * * *
تتمة
- أعاقة زهنيه بعد حمى صابتها لما كانت صغيرة أثرت على الخلايا الرمادية للدماغ ..
قالتها زكية و هي تمرر فنجان الشاي لها .. أمسكته أحلام بإحكام و رائحة النعناع تعبق في أنفها ..
- و امنوه يايبنها هنيه ..
وضعت زكية صحن بسكويت أمامها و هي تقول ..
- أهلها .. يعني هي بت و كبرت دي الوئتي و عاوزين ليها رعاية .. هي مش محتاقة متابعة طبية خالص دي حالتها مستقرة .. بس عاوزة حد يداريها و يراعيها .. و بعدين هي حركتهاا كتيرة و نشيطة .. و هم ناس معروفين .. مش عاوزين فضايح .. فهمه عليه ..
ثم انكمش أنفها اشمئزازا ..
- دي ناس ما بتخفش من ربها .. و إلا حد يرمي الملاك ده هنا ..
.
.
كيف .. أين أمها .. أبيها .. أحد من العائلة .. كيف استطاعوا الاستغناء عنها و هي فرد منهم عندما كانت في أمس الحاجة لهم ..؟!!
ذلك الوجه البريء يسري في عروقه دم يغذيهم .. أي قلب من جلمود يحوون داخل تلك الأجساد الخاوية ..!!
تساءلت أحلام بخيبة ..
- محد يزورها ..؟؟
قالت زكية بحماس ..
- لا إزاي .. أكيد بيزوروها .. يعني الأب و الأم كل جمعة بيكونا هينا .. أخوها من فترة و فترة يشؤ عليها .. أختها الكبيرة كل إتنين و خميس بنشوفها عنديها .. دي سوهيلة و الله زي العسل .. البت ما تنكرش حد .. دايمن بتضحك و و بتتكلم مع الكل .. هو بس المشكلة يعني الإعاقة اللي عنديها موئفة نمو الدماغ .. يعني البت وائفة عن النمو للعقل و مش حتئدر تنمو أكتر .. و غير تئل اللسان .. بس الجسم عادي ما فيهوش مشاكل خالص .. دي روح الدار هنا .. كلنا بنحبها زي بنتنا .. خصوصا أبو عبدالرحمن .. الراجل دا و النبي ماشوفتيش زيو .. قمة في الانسانية و الأخلاق الله يحرسو ..
حركت كوبها بخفة و هي ترتشف جرعة و تفكر في بعض الكلمات التي انسلت لذهنها ..
- أم حنفي .. ما يوز تحلفين بالنبي يزاج الله خير ..
ثم ابتسمت بلطف
- انزين و حصة .. شوه سالفتاا ..
التقطت زكية حبة بسكويت بيدها الممتلئة و قضمتها و هي تقول ..
- الست حصة جاية بنفسها هنا يعني هيا اللي اختارت انو المستشفى يحولها علينا ..
- المستشفى ..!! .. ليش هي مريظة ..؟
غشي الحزن عيني زكية الحنونتين و هي تقول ..
- آآه يا حبة عيني .. هيا عنديها لوكيميا موتأدمة .. و مش عاوزة تتابع كورسات العلاج ..
هزت أحلام رأسها ..
- ما فهمت ..
- أصل هيا ليها سنة و نص بتتعالج بالكيماوي و مفيش فايدة و بعديها وئفت العلاج و طلبت تحويلها هنا .. هيا عندينا من نص سنة تئريبا ..
اتسعت عينا أحلام ..
- شوه يعني ماشي أمل ..؟
- لأ إزاي .. الأعمار بيد الله .. هي بس مش مهتمة الحالة بتتئدم و إلا إيه .. يعني نحنا هنا ما نعطيهاش أي أدوية بخلاف المسكنات الأوية .. أحيانا تجيها نوبات .. و أحيانا زي النهاردة بتشوفيها عال العال ..
- انزينه و أهلها و إلا عيالها .. وين عربانها عنها .. ليش محد يغصبها على العلاج ..؟؟؟؟!!!
هزت زكية كتفيها إشارة لعدم درايتها .. و لكن أحلام لم تفهم معنى هذه الحركة .. كيف ..؟!! ألا يأتي أحد ليسأل عنها ..؟!!
ظلت صامتة لدقائق تقلب مختلف الأفكار في ذهنها .. قبل أن ترتشف ما تبقى في الكوب و تضعه على الطاولة ..
- كم مستشارة قبليه يتكم هنيه ..
ضيقت زكية عيناها مفكرة ..
- مش كتير .. تنيتين بس ..
- كيف كانن وياكم .. أم حميد قال ....
قاطعتها زكية ..
- ما تخديش بالك من أم حميد دي

بقايا حرف
بقايا حرف
هزت رأسها نفيا ..
- لا .. من ثلاث سنين معرسة ..
- آآه .. معليش ياختي .. اتهني .. دول العيال مسؤولية ..
كادت أن تقهقه ساخرة بصوت عالٍ ..
أي هناء هذا الذي لم تذقه .. منذ ...
منذ متى ..؟!!
.
.
منذ ذلك الوقت الذي أحال حالهم إلى هذا تدريجيا دون أن يشعروا ..!!
.
.
كم ترجو من قلبها أن ترزق بطفل ..
لربما يكون ذلك بمثابة قنبلة تفجر وضعهم البائس هذا ..
تنهدت بقنوط شديد ..
.
.
كم تتمنى من قلبها أن تتغير الأمور ..
لهذا سعت للخروج و العمل ..
قد يكسر هذا روتين مشاعرهم الراكدة .. لا يهمها كم من شجار سينشب بينهم نتيجة هذا الموضوع ..
لقد خضع لرغبتها في لحظة غريبة يراها ضعف من نفسه .. و لكنه فعل .. سمح لها بالعمل .. و هو لا ينقض كلمة له أبدا .. لذلك تجد نفسها هنا ..!!
تعلم جيدا أنه يلوم نفسه الآن لذلك ..
.
.
و تعلم جيدا أي ضجة سيثيرها موضوع عملها هناك ..!!
* * * * *
كانت فتاة الاستقبال التي تعرفتها باسم أمينة قد أعطتها مفتاح سيارتها الذي تركه عندها حكيم ..
ما زال الوقت مبكرا و لكن سمح لها بالخروج الآن نظرا لأنه أول يوم لها هنا .. لذلك حملت ملفاتها و استلمت مفتاح مكتبها الجديد .. و تركت المكان كله ..
و حين راح سور المستشفى الذي يحتضن تلك المنازل يختفي خلفا .. كانت الكثير من المشاعر تختلط عليها و تتضارب في داخلها لتشتتها ببساطة ..
.
.
مؤشر الساعة الألكتروني للسيارة يشير للثانية عشر و النصف .. ما زال هناك وقت .. ستذهب لبيت أهلها لتسلم على زوجة أبيها .. و ستصلي الظهر هناك .. ثم ستعود إلى بيتها ..
و بعد ما يقارب الخمس و عشرين دقيقة أوقفت سيارتها أمام باب منزلهم .. لتترجل منها تاركة فيها ملفاتها و أغراضها ..
قطعت فناء البيت الواسع .. لتدخل الصالة بهدوء .. لتراها كعادتها جالسة في الصالة تطالع برنامجا سياسيا بتركيز .. تشك أحلام أنها قد تفهم منه شيئا ..!!
خلعت حذائها عند الباب .. لتدخل ..
- السلام عليكم ..
انتفضت بغتة .. تلتفت نحوها بابتسامة كبيرة ..
- و عليكم السلام و الرحمة .. مرحبا فديتج ..
ابتسمت أحلام و أقبلت تسلم عليها و تقبل جبينها .. ثم ألقت نفسها على الأريكة الوثيرة ..
- شحالج أمايا ..
نظرة الحنان المعتادة لا تغيب قط عن عيناها ..
- بخير غناتيه .. انتي شحالج .. و شحال ريلج ..
- يسرج حالنا .. شوه تسوين بروحج .. وين القوم عنج ..
- اطالع التلفزيون .. موزان فوق و لطفين و راشد في الجامعة .. هاا لطوف تقول اليوم بتداومين ..
ابتسمت أحلام و هي ترى بريق استياء واهٍ في عينيها ..
- هيه ترانيه رادة من الدوام قلت بخطف عليكم و بصلي الظهر .. خلاف برد البيت ..
و قفزت من مكانها متوجه نحو الدرج الذي يتوسط الصالة ..
- بصلي فحجرتيه .. و بن ....
قطعت عبارتها لتصيح بشوق حين رأت ذاك الذي أخذ ينزل درجات السلم بسرعة ..
- حمدان ..
ابتسمت بسعادة .. فقد مر قرابة الأسبوعين و لم ترى أخوها الأكبر ..
لكن ردة فعله الغريبة لم تدل على أنه اشتاق لها هو الآخر .. إذ واصل نزول الدرج دون أدنى حركة قد تدل على أنه سمعها .. و تجاوزها نحو الباب الخارجي ..
.
.
حتى أنه لم ينظر إليها ..!!
وقفت للحظات في مكانها لا تجد تفسيرا لما حدث للتو .. فالتفتت للأخرى .. و عيناها تنشدها الإجابة ..
بدا الأسف الشديد على تلك .. فتقدمت أحلام منها مرة أخرى ..
- أمايا حمدان زعلان عليه ..؟!! .. ليش يخطف و ما يسلم ..
لحظات ثقيلة من الصمت .. و عيناها تطالبان بالاجابة ..
نظرت تلك إليها ..
- شوه تبينيه أقولج .. إنتي تعرفين الحشرة لي سواها يوم طلعتي ليسن .. و الحين انتي تشتغلين .. أمس قلب البيت ع روسنا .. تم محتشر علينا .. ما يباج تشتغلين ..- ثم لانت ملامحها في رجاء - أحلام فديتج .. هب حمدان روحه لي بيحتشر .. انتي ما فكرتي في أهل ريلج .. امبونهم هاييل يرقبون منج الزلة .. ما بتسكت شريفة عن السالفة و عمج ما ظنتيه درى و الا كان رمسج .. و الله انج هب في حاية الشغل .. شوه تبينبه .. ريلج عنده خير .. و نحن مستدين و الحمد الله .. أحلام يا بنيتي خلي هالشغلة .. و الله ما بيي منها الا المشاكل ..
.
.
لحظات صمت عقبت هذه الكلمات التي لطخت الصمت لترسم لوحة فوضوية لما سيحدث ..
أغمضت عيناها بهدوء شديد .. لطالما كان العمل عندهم من المحظورات .. قانون لا يمكن اختراقه ..
و حين اخترقه ذاك .. كان يعلم أنه فعل شيئا ثوريا في نطاق العائلة .. رغم ذلك هي متأكدة من أن أحدا لن يستطيع أبدا الاعتراض على قراراته .. أبدا ..
ستواجه الكثير من مثبطات الهمّة هذه .. لكن لا بأس أحلام .. هذا ما أردتِه ..
رفعت نظرها لتواجهها ..
- أنا ما عليه من حد .. ريليه موافق .. و محد له كلمه عليه إلا هو .. لي يبا يرمس يرمس .. و لي يزعل يزعل .. و بعدين امنوه قال إنيه هب في حاية الشغل .. أنا اختنقت داخل البيت .. أبا أظهر ..
اتسعت عينا الأخرى بصدمة ..
و بلعت أحلام غصة كادت تخنقها ..
- أنا بسير أصلي ..
* * * * *
شعرت بوهن غريب يغزو روحها و هي توقف سيارتها في كراج بيتها الكبير ..
لم تحطمها كلمات زوجة أبيها .. و لكنها خدشت جدار العزم فيها .. إذا كانت هذه ردة فعل أهلها فماذا عن أهل زوجها .. حقا ستواجه الكثير .. الأيام القادمة ستمتحنها صبرا ..!!
ترجلت من سيارتها تدخل البيت ..
في هذه الأوقات يكون قد انتهى من أداء صلاته .. يجلس أحيانا في الصالة و يطالع التلفاز أو في مكتبه ينهي كتابة الرواية الجديدة التي يعمل عليها ..
و لكن الصالة كانت خالية .. إذا هو في المكتب .. و بما أنها عادت أبكر من الوقت الذي أخبرته به فكرت بأن تبدل ملابسها و تستحم قبل أن تطلب منهم تجهيز سفرة الغداء ..
و توجهت للقسم الخاص بهم في الطابق الأسفل ..
.
.
حين دخلت جناحها لفها الهواء البارد الصادر من مكيف الهواء .. فتقدمت نحوه لتغلقه تخنق تدفق نسائمه ..
و فتحت النوافذ الكبيرة .. ليدخل الهواء الطبيعي ساخنا .. و لكن جديدا .. استنشقته بنهم و هي ترمي بعباءتها و غطاء رأسها مفكرة أن موقف حمدان وحديث زوجة أبيها أنساها أن تسأل عن أختها .. تقدمت بسرعة لحقيبتها التي ألقتها للتو تلتقط هاتفها و تتصل بها ..
.
.
لحظة و صوت متقطع ينبئها ببلوغ الخط ..
و هي تنتظر ..
.
.
لحظات و يصلها الصوت الرقيق متسائلا ..
- مرحبا ..
ابتسمت بهدوء .. يمكن لهذه الفتاة أن تنتشلها من أي مزاج لترمي بها في غمار النعومة التي تخلقها حولها ..
- هلا موزان .. شحالج ..
- بخير فديتج .. انتي علومج و علوم أول يوم وياج ..
- علومي طيبة .. بغيت أشوفج و أخبرج بالتفصيل .. ترانيه كنت في البيت ..
- أونه .. ليش ما خبرتينيه يا السخيفة ..
- شوه أقولج .. لقيت حمدان هناك .. و لبسني .. زعلان الحبيب .. و امايا سدحت ليه محاظرة ع سالفة الشغل .. قلت أشل عمريه و أرد البيت أخيرليه ..
- شوه كنتي تتوقعين حبيبتي .. انتي لي يبتي لعمرج.. بس تعرفين شوه .. انتي فتحتي لنا ابواب المستقبل أول الغيث قطرة .. يمكن يخلونيه أشتغل انا بعد ..
ضحكت أحلام بمرارة و هي تتمدد على الأريكة الضخمة ..
- و الله ضحكتينيه .. موزة حبيبتي لا تحلمين و انتن عند حمدان .. لو درى ان الخيال شطح بج و فكرتي في الموضوع .. و الله ينه ذبحج عنده حلال ..
انساب لها صوت موزه الهادئ تخلخله الحزن ..
- ليته يسويها ع الأقل أفتك من هالحالة الزفت لي أنا عايشتنها ..
أغمضت أحلام عيناها .. ها قد بدأت أختها في موال جلد الذات ..
- موزان استغفري ربج .. حرام تمني الموت ..
قالت موزة بصوتها الهادئ المعتاد ..
- استغفر الله .. ما عليج انا كل مااتذكر شي تضيق بي الوسيعة ..
- فديتج .. انا بحاول باكر العصر اييكم .. و بنرمس أوكيه ..
- خلاص .. يا الله انا بسير اتغدا ..
- برايج حبيبتي ..
.
.
أنهت المكالمة لترمي بالهاتف على الطاولة القريبة .. ستكتفي بتبديل ملابسها و تؤجل الاستحمام إلى ما بعد الغداء ..
هي بحاجة لرؤيته .. هناك رغبة غريبة تدفعها لمعرفة ماذا فعل في غيابها ..!!
لذلك انطلقت نحو مكتبه .. و ها هي الآن تواجه الباب الخشبي الضخم ..
.
.
قسوة و صلادة من الخشب لم ترها في مكان آخر .. هنا مخبأ دوما يلجأ له ..
هذا الباب .. حاجز بينها و بين الكثير ..
ليت تحطيمه سهلا .. لربما سترى حينها ما هو خلفه ..!!
.
.
و تخدش ركب أصابعها طرقاتها للباب بعمق ..!!
.
.
صوته القوي الآمر من خلف هذا السد يأتيها ... يشتتها للحظات ..
- تفضل ..
ألصقت راحت يدها بالخشب المصقول ..
.
.
ستدفع ما تبقى من أيامها ..
كل لحظة منها .. بلا تردد ..
فقط ..
لتدفع هذا الباب و تجد شخصا كانت عرفته في الزمن الغابر ..
قبل أن تقلبه الأقدار لواجهة حجرية تصد الأذى الذي لن يلحقه أبدا منها ..!!
تنهدت قبل أن تدير المقبض بهدوء لتدلف المكتب ..
.
.
هذا المكان الذي يعتكف فيه ..
هذا السكون الذي تسمعه فيخيل لها أنها أصيبت بالصمم ..
هذا البرود الذي يقشعر بدنها له ..
هذا الوجه من جليد يرتفع لها مطالعا بصمت ليعود فينظر للأوراق تلك التي بين يديه ..
.
.
اخترقي قدسية المحراب هذا بهمسك يا أحلام .. فهو جاف كصحراء قاحلة ..
اسكنيه .. اسري فيه .. لونيه بشيء منك .. أحلام أنتِ .. لا يأس معك ..!!
.
.
و لكن كيف ..
لقد أفلتت خيوط البهجة بينهما منذ دهر مضى ..
كيف تعود ..؟!!
ها هو الهدوء يدمدم ضجرا .. فتقطعه بحدة صوتها ..
- السلام عليكم ..
و لا يرتفع ذلك الرأس المكسو بالشعر الغزير عن أوراق تناثرت ..
- و عليكم السلام .. بعدها ما يت ثلاث ..
تحركت من عند الباب تتقدم نحو مكتبه ..
- رخصونيه بدري أول يوم ..
رفع عينه إلى عينيها .. ينظر لها بتركيز شديد ..
- اتصلتبج ..
أخفضت عينيها كاذبة ..
- كان ع الصامت ..
هز رأسه بحركة لم تفهمها .. مدت أناملها بشرود تعبث بوريقات أمامها ..
.
.
- لا تتعبثين بشي ..
أعادت يدها بسرعه لحجرها كطفلة مذنبة ..
و عاد هو لأوراقه يغرق فيها .. قبل أن تهمس ..
- منصور ..
.
.
لا يرد .. لكنه يسمعها ..
- بخليهم يزهبون الغدا ..
و تركت مقعدها متوجهة نحو الباب .. و تخرج من المكتب بسرعة ..
.
.
و بعد لحظات استقرت على طاولة الطعام مقابله تماما .. تلتقط صحنه بهدوء .. لتقدم الغداء له وسط السكون المطبق .. دوما هم هكذا .. لا يتخلخل لقاءهم على الطعام كلمات إلا فيما ندر ..!!
نظرت له بإمعان و هي تحرك ملعقتها في الصحن بشرود ..
رغم جلوسه على الكرسي المتحرك الذي لا يفارقه .. إلا أن طول قامته الفارع واضح جدا ..
كان يتناول طعامه بهدوء .. لا لين في ملامح وجهه الصارم ..
.
.
قيل لها ذات جرح .. أنه قد أخطأ حين اختارها زوجة له .. هل يفكر هو بذلك .. غير مستبعد ..!! .. فهم في دوامة الجفاء منذ وقت طويل .. لكن هذا ليس بيدها ..
و ربما لم يكن خطؤه .. لطالما كان نبيلا .. نبيلا جدا .. و شهما .. لدرجة أنه تزوج من ابنة ال ........
.
.
- سمعتينيه ..
اخترق صوته الصمت لينتشلها من أفكارها .. فتجد نفسها تحدق به بذهول .. كان ينظر لها بطريقة غريبة ..
- ها .. ؟!!
عاد ليواصل تناول الغداء ..
- أقولج الليلة بنسير قدا هليه ..
.
.
ارتعشت أصابعها على الملعقة ..
لا .. أرجوك ..
لا تفعل بي هذا ..!!
.
.
ارتجف صوتها و دون أن ترفع عينها ..
- لا .. الليلة ماروم .. خلها باكر ..
- ليش ما ترومين ..
كان عليها أن تلفق عذرا ..
- تعبانه ..
رفع حاجبيه ساخرا .. لم يصدقها ..!!
- قيلي الظهر و العصر بيخوز التعب .. نحن ما بنسير إلا عقب المغرب ..
وضعت الملعقة جانبا و هي تتنهد ..
- منصور .. أنا ماريد أسير الليلة ..
كان صوته هادئا ..
- ليش ..؟
رفعت نظرها له بصراحة ..
- اليوم خذت لي يكفينيه من أمايا و حمدان .. ما فينيه أسير لبيتكم و يزيدونها هلك عليه ..
الآن كان يبتسم بطريقة أثارت حنقها ..
- هذا انتي لي تبين تشتغلين .. و مستعدة تتحملين كل شي ..
وضع الملعقة جانبا و حرك كرسيه تاركا المائدة ..
- و الليلة بنسير أنا و انتي عندهم .. مابا أرد المغرب الا و انتي زاهبة ..
.
.
كادت الملعقة الحديدية أن تنثني بين أناملها من شدة الغيظ ..!!
* * * * *
انتفضت من غفوتها على صوت المنبه ..
لتجلس مستوية على فراشها .. الساعة تشير للرابعة و الربع ..
نهضت و توضأت لتؤدي صلاة العصر قبل أن يفوتها وقتها ..
.
.
بعدها خرجت للصالة .. و هي ترتدي غطاء رأسها فبعد نصف ساعة سيأتي أخيه لاصطحابه ..
وقفت عند الشرفة الخلفية لتجد الخادمة قد وضعت القهوة هناك ..
استرخت على أحد المقاعد و هي ترتشف فنجانا من الشاي ..
و تنظر للحديقة التي أمامها .. خطر فبالها حديقة الدار التي التقت بحصة و سهيلة فيها ..
شعرت الآن بخمول شديد يمنعها من أن تأتي بالملفات و الإطلاع عليها ..ستجد الوقت لها مساءً حين تعود من بيت عمها ..
تنهدت ببؤس مفكرة بأنها ستواجه الكثير الليلة .. ربما سيكون ضيق عمها أقل وطأة من ضيق زوجته .. فعمها بطبيعته الحنون دائما ما يتعامل مع الأمور بعقلانية ..
و لكن أم منصور ..!! .. فكرت في تلك المرأة المتعلقة بأبنائها .. كان اختيار منصور لها زوجة صفعة لن تنساها .. فهي كانت تفضل أن يختار إحدى أُختيها على اختيارها .. رغم أنه كان واضحا بأنها ستكون له مستقبلا لما يشار لهما معا ..!!
منذ صغرها كان هو القدر الذي رُصد لها .. ابن عمها الأكبر .. هي له و لا يحق لها الاعتراض .. حقيقةً لم تفكر يوما بذلك ..
فقد كان شابا مميزا .. تطمع الأخريات في الوصول إليه .. و لكنه مشى ببساطة على خطة الأهل و تزوجها ..
كان بإمكانه المعاندة .. بإمكانه الرفض .. كان في يده أن يمشي على رأيه ضاربا رغبات العائلة عرض الحائط ..
خصوصا مع رفض أمه الشديد لها .. و إبدائها استياءها بوضوح .. رغم ذلك .. ها هي متزوجة منه منذ ثلاث أعوام تجاوزا فيهما الكثير معا ..
حتى أصبحا الآن يعيشان معا كالأغراب .. كل يوم يمر عليهما يزيد المسافة بينهما .. تراه أمام عينها .. تمد أناملها لتلامسه ..
و لكن يفصلها عنه ما هو أكبر من الخطوات ..
.
.
فكرت بأن موزه ستكون ممتنة لحياتها الحالية .. على العيش في هذه الدوامة ..
فالطلاق إذا كان انفصالا تاما .. يمكنهما من الابتعاد كل في طريق .. أفضل من هذا الجحيم الذي تعيشه ..
الجفاء .. فقدان القدرة على التواصل و الكلام .. انعدام الترابط بينهما إلا في حدود معينة ..
.
.
هذا هو الطلاق العاطفي ..!!
وضع يمزق قلبها الحائر إلى أشلاء ..
تنهدت بعجز ..لو كانت علاقتهما متينة قبل الحادث .. لما حولتهما الأيام إلى زوجين يعيش كل منهما عالمه منفصلا عن الآخر ..
و لكن هل حاولت اختراق عالمه قبل أن لومه على وضعهما هذا ..؟!!
لا يكفي سؤالها عن مدى تقدمه في كتاباته ليعيد أواصر الصلة بينهما .. و لكن هو الملام أيضا .. إنه لم يوجه لها سؤالا واحدا عن عملها اليوم ..!!
.
.
و توارد الخواطر ينقطع بفعل بوق سيارة توقفت في الخارج ..هذا مبارك بالتأكيد ..
لحظات و تراه يخرج بلباسه الرياضي يستند على عكازين و رجل ضعيفة ..
لا يستخدم العكاز أبدا إلا فيما ندرا نظرا لعطب إحدى رجليه و هوان الأخرى .. لا يستخدمها إلا حين يذهب للصالة الرياضية التي يرتادها لتمرين قدمه الضعيفة كي لا تلحق بالأخرى ..
فقد حذر كثيرا من أن رمق الحياة في رجله اليسرى سينتهي إذا ما لم تمرن باستمرار .. و بما أنه اكتفى بفقد اليمنى .. ما زال يحافظ على الثانية ..!!
مع مشيته البطيئة يستغرق دقائق ليصل للباب الخارجي .. و ها هي تراقبه و هو يتخطى بحذر ليصل للخارج فيختفي خلف الباب الحديدي ..
.
.
الآن لها أن تأهب نفسها لمواجهة ما بعد المغرب في بيت أهله .. لا بد أن أمه قد شحنت أسلحتها استعدادا لمهاجمتها .. تمنت من قلبها أن يكون عمها حاضرا .. ذلك بالتأكيد سيخفف الأمر عليها .. رغم أنها واثقة من أنه هو الآن معارض لعملها .. فكرت بأنه لو كان منصور على ما يرام لما خشيت مواجهة أحد .. و لكن هي الآن ضعيفة حتى أمام نفسها .. فجزء منها يشعر بالذنب حين تفكر بأنها ستخرج كل صباح تاركة إياه هنا ..
حاولت تخفيف اللوم على نفسها و هي تتذكر بأنه هو الآخر يعمل هنا ..
.
.
شيء واحد تأكدت منه ..
هذه الأمسية لن تكون هادئة إطلاقا ..!!
* * * * *
حين أوقف ساجد السيارة أمام بيت عمها شعرت بقوتها تخذلها .. طوال الطريق و هي تمني نفسها بشجاعة ..
لن ترد على أي من المهاجمات .. لا دخل لأحد بموضوع عملها سوى زوجها .. و هو الذي وافق عليه ..
ستتجاهل أي نغزة أو أي تحرش صريح .. ستتبادل الأحاديث و تتناول العشاء و تودعهم عائدة لبيتها .. و غدا هو يوم جديد ..!!
و لكن الآن و هي تقف أمام باب البيت لم يبدو لها الأمر بهذه السهولة ..
فتح السائق لزوجها الباب بعد أن أنزل كرسيه و قربه ليساعده على الجلوس فيه ..
نزلت مسرعه تلحق به ..
يتحرك دون حاجة لمساعدتها إطلاقا .. و مشت هي بجانبه بهدوء حتى وصلا إلى الباب الداخلي للبيت ..
حين وقع الحادث و أصبح محتجزا لهذا الكرسي .. و ضع أهله عند كل درج مطلعا مسطحا يسهل عليه التنقل في البيت ..
لذلك وصل بسهولة لتقرع الباب بهدوء قبل أن تدفعه و تتنحى جانبا سامحة له بالدخول ..
ثم دلفت خلفه ..
.
.
في بادئ الأمر ظنت أنهما هنا لوحدهما و لكن سرعان ما خيّب حدسها حين ارتفع صوت أمه مرحبة بهما ..
- مرحبا .. مرحبا و سهلا .. حيا الله من يا .. قرب قرب فديتك ..
عقدت أحلام جبينها ( قرب ) و ليس ( قربوا ) ..حرك كرسيه نحوها بسرعة لتستقبله بالأحضان ..
و تقدمت أحلام هي الأخرى منهما .. علاقتها بأمه كانت قد شهدت تغيرات نحو الأفضل بعد الحادث و رعايتها له .. صحيح أنها لم تبذل الكثير بسبب رفضه المساعدة .. و لكن وجودها هناك كان يكفي ..
و ما بين الحين و الآخر كان يعكر صفو الهدنة بعض التلميحات التي لا تصبر حماتها عنها ..
و ها هي نظرة الاستنكار تعلو وجهها و هي تسلم عليها ببرود شديد ..
- مرحبا يا بنيتي .. تفضلوا ..
قدم منصور كرسيه و جلست هي على الأريكة القريبة منه .. شعرت بنفسها بحاجة لدعمه ..
في حين استرسلت أمه تحدثه بحنان فائق .. منصور هو الابن البكر و المفضل لديها .. و إعاقته زادت تعلقها به ..
كبحت ابتسامة حين التفتت إليها لتسألها بشيء من اللوم في صوتها ..
- شحالج يا أحلام .. و عمتج شحالها ..
لن تستطيع مهاجمتها و هو هنا .. و لكنها بالتأكيد لن تفوت فرصة رمي التعليقات المبطنة .
- يسرج الحال عموه .. و أمايا - و تعمدت أن تشدد على الأحرف - بخير ..
التفتت مجددا لابنها ..
- و علومك فديتك .. ليش ما تيينا بدل حكرة البيت - و نظرت شزرا لأحلام و كأنها هي من يحبس إبنها هناك - ما تيينا أخبارك الا من مبارك ..
رد بصوته القوي ..
- و الله مشغول يا الغالية .. عنديه تسليم الكتاب شهر ثنين و أنا عدنيه ما خلصته .. و بعدين البيت تدلونه .. سيّروا علينا لا هنتم ..
.
.
كان الوقت يمر بطيئا ليس بسبب إحساسها بالملل .. بل الترقب .. تنتظر أن يأتي عمها و مبارك ليوضع العشاء و يضطر منصور لتركها هنا .. عندها سيبدأ الكرنفال ..!!
وقفت على قدميها حين أقبلت شقيقته نحوها بحبور ..
- هلا و مرحبا .. اقول البيت منور ... - و قبلت أخيها بحب قبل أن تلتفت لها - أوه أوه .. الدكتورة أحلام هنيه ..
ابتسمت أحلام بصدق حين سلمت عليها بحماس و جلست بجانبها و بعد أن تبادلت الأخبار مع منصور التفتت لها بشيء من اللهفة ..
- واي .. أحلام اشتقتلج يا الدبة .. ليش ما تتصليبيه .. و الله يا بنات عبيد محد فيها الخير إلا لطفين فديتاا ..
- ههه ما يحتاي هاي على مدار الساعة شغالة ع التيلفون ..
نظرت لها شزرا ..
- و الله البنية أصيلة تعرف توجب العرب .. و إلا فيه some body تمر الشهور و ما يقولون بنرفع السماعة نتنشد عن ميثا .. يمكن حية و إلا ميتة .. ما علينا ..- أخفضت صوتها - سمعت إنج داومتي اليوم ..
نظرت أحلام لأمهم و وجدتها مستغرقة في الحديث مع منصور .. فهمست ..
- لطوف خبرتج ..
- لا سمعت أمايا اليوم تتحرطم عند ابووية .. و تخبرت لطووف و قالتلي ..
- هيه .. الله يستر عيل .. اسميها بتخشعنيه اليوم بالرمسة ..
- و الله ما بترحمج .. بس خلج متقبظة بمنصور .. ما ظنتيه بترمس قدامه .. تعرفينه ما يحب حد يكسر رمسته و الا يشارع فيها .. حتى أمايا ..
ابتسمت أحلام بسخرية .. لا تدري لما تشعر بأنه سيكون مستمتعا هذه المرة بالسماح لهم بتحطيم عزيمتها ..
قالت تغير الموضوع ..
- علومها اختج .. من عرست ما سمعنا حسها .. تولهنا عليها ..
- العنود ..؟ .. علومها طيبة .. تقولين ما صدقت عرست .. امررة ما تنشاف ..

رجفة قلوب اسود الصحرا رواية حب بدوية رائعة مميزة مكتملة
روايتي الاولى شياطين تدوس الارواح