- هل عوليس بطل رغم كل شيء؟
- إن رحلة عوليس تبدأ في
- تبدأ مغامرة عوليس عندما يغادر إيثاكي إلى طروادة لمحاربة الآخيين،
- إن عوليس يمضي أعمق فأعمق. إنه ورفاقه يعبرون عتبة اللذة العادية.
- ليستنزل نقمة أبيه بوسيذون على عاميه ويقضي عليه .
- إذا جاز القول).
- "لكن أثينا "ألقت في روعه أن يرتمي على صخرة ويتشبث بها بكلتا يديه
- فهل عوليس بطل؟ نعم هو كذلك، ولكن…
هل عوليس بطل رغم كل شيء؟
يمثل عوليس بطلاً ميثولوجياً يعاني عذاباً شديداً ويجتاز المهالك، منذ مستهل رحلته حتى يحقق هدفه النهائي، ويؤوب منتصراً إلى المكان الذي انطلق منه. على عوليس، البطل المستعدّ أبداً، أن يكابد طوال رحلته قدراً كبيراً من المعاناة النفسانية والذهنية والجسمانية. لكنه يبلغ بنجاح هدفه النهائي: الخلود.
إن رحلة عوليس تبدأ في
كهف جميل أغبش تقدِّسه الحوريات اللواتي يدعين النيادات. وفي الكهف ثمة آنية كبيرة وجرتان حجريتان ذواتا عراوٍ، فيهما يحتفظ النحل بعسله… وله بابان، باب مفتوح على الشمال يجوز للبشر الفانين أن ينزلوا منه؛ وباب على الجنوب، مخصص بالحري للآلهة، لا يدخل منه البشر، إنما هذا هو طريق المخلَّدين.
سوف يعاني عوليس انطلاقاً من هناك عذاباً عظيماً ويؤدي مهمات صعبة، يرشده هرمس أو أثينا عبر بحر أسود غائم عظيم. وهو في طريقه سوف يقاسي مشقات عديدة يبتليه بها آلهة آخرون مثل بوسيذون. ولسوف يفقد بطلنا اتجاهه من شوط إلى آخر لكنه سوف يُنتشَل بأعجوبة بأمر من زفس. وخطوة خطوة سوف يغوص أعمق فأعمق في البحر المظلم المبهم، طوال الطريق إلى هاذِس، وحتى يبلغ بلاد الشمس، مروراً بسكيلا وخاريبذس. وإذ يحقق عوليس هدفه فإنه يعود أدراجه خطوة خطوة إلى حيث بدأ.
تبدأ مغامرة عوليس عندما يغادر إيثاكي إلى طروادة لمحاربة الآخيين،
ثم بعد سقوط طروادة "من إليون حملتني الريح إلى إسماروس الكيكونيين. هناك دمرت المدينة وقتلت الرجال. ولقد استبقينا النساء والكثير من الماشية والمتاع، اقتسمناها لكي ينال كل رجل حصة عادلة." ثم يهاجم الكيكونيون سفينته ويُقتل أناس كثيرون. تهب عاصفة شديدة فيفقد عوليس ورفاقه الاتجاه في البحر تسعة أيام. لكنهم في اليوم العاشر يبلغون أرض أكلة النَبَق
. على المستوى النفساني، (يكاد) عوليس ورفاقه يجتازون عتبة الوعي.
يسلك عوليس مسلك القيادة وقهر النفس والجسارة. فهو يقهر نفسه عن أكل النبق الحلو كالعسل ويعين رفاقه فعلاً:
عدت بهم إلى السفن قسراً، وهم ساخطون متبرمون وعندما صرت بهم إلى هناك شددت وثاقهم ودكنتهم تحت المقاعد. ثم أمرت الباقين بالإسراع في ركوب السفينة، إذ إنني لم أشأ لهم أن يذوقوا طعم النبق ويودِّعوا الوطن.
إن عوليس يمضي أعمق فأعمق. إنه ورفاقه يعبرون عتبة اللذة العادية.
الشوط التالي هو شوط سَمْل عين ابن بوسيذون، الكِكْلوبوس المارد أوحد العين، والنجاة برفاقه من كهفه. هناك يسلك عوليس بحكمة ومعرفة رفيعة. عندما يسأل الكِكْلوبوس عوليس عن اسمه فإن عوليس الماكر يجيب "لاأحد".
غير أن لاأحد يصرح باسمه للكِكْلوبوس الأعمى عندما يبلغ ورفاقه عرض البحر غير بعيد عن الجزيرة: "أيها الكِكْلوبوس، إذا ما اتفق لأحدهم أن سألك عمّن سَمَل عينك القبيحة، قل له إن عاميك كان عوليس، غازي طروادة، ابن لايرتس، ساكن إيثاكي." إن تجرد لاأحد الكامل من هويته الواعية لم يتم بعد. إذ إن بوسع الكِكْلوبوس الآن أن يستعمل اسم لاأحد الشخصي
ليستنزل نقمة أبيه بوسيذون على عاميه ويقضي عليه .
في الشوط التالي ينبغي على عوليس أن يُعمِل الكثير من ضبط النفس. فهو يبلغ جزيرة إيولوس، إله الريح. يكرم إيولوس وفادة لاأحد ويقدم له هدايا كثيرة، بما فيها كيساً من الريح يستعين به على عبور البحار العميقة. وقرب الجزيرة يحدث أمر غير متوقَّع. يستسلم عوليس للنوم فيفتح رفاقه كيس الريح، ظانين أنه مليء بالذهب والفضة.
فإذا بالريح تعود بالسفينة إلى جزيرة إيولوس (النكوص إلى الحالة السابقة). ويضطر المسافرون إلى البدء من جديد، من هناك، إلى المجهول. وفي اليوم السابع يبلغ عوليس – الذي ما يزال لاأحد – ورفاقه معقل لاماس، لكن الأهالي يرمون سفنهم بصخور ضخمة. ولاتنجو منها إلا سفينة عوليس.
ثم يحط بهم المقام في إيويا حيث تعيش كيركي، وهي إلهة رهيبة من بنات هيليوس، واهب النور للبشر . إن كيركي هي التي تعطي عوليس سرّ ما تبقى من رحلته. تحوِّل كيركي رفاق لاأحد إلى خنازير. يقرر بطلنا مساعدة رفاقه. وبينما هو في طريقه إلى بيت كيركي، يظهر له هرمس ويعطيه تعويذة تبطل مفعول شراب كيركي السحري. يطلق عوليس رفاقه من إسارهم ثم يتزوج كيركي.
إن كيركي تعلِّم عوليس: "عليك أن تذهب إلى بيت هاذِس وبرسفوني المروِّعة لتستشير تيريسياس الرائي الثيبي الكفيف
وحده يملك البصيرة، بينما الآخرون ظلال طائرة" ويجيب عوليس: "أيا كيركي! لاأحد قُيِّض له يوماً أن يسافر إلى هاذِس في سفينة سوداء" .
يتبع عوليس تعليمات كيركي ويصل أخيراً إلى ضفاف هاذِس. هناك يلتقي بأشباح رفاقه، أبطال معركة طروادة، وذويه، ويتكلم معهم. هناك أيضاً يتكلم مع تيريسياس ويحصِّل المزيد من المعرفة عما سيفعل لاحقاً، ولاسيما مع طالبي الودّ الذين يفسدون بيته ويتحرشون بزوجه النبيلة بنلوبي. يعلِّمه تيريسياس كيف يقدم القرابين للموتى. لكن برسفوني، إلهة هاذِس، هي التي تسرّ إليه بالتعليمات الأخيرة.
يبحر "عوليس المستعد أبداً" إلى جزيرة الشمس
وبذلك حقق لاأحد الخلود (أصبح غناني،
إذا جاز القول).
المهمة الموكولة إلى البطل المولود الجديد هي الآن الإياب إلى حالته الواعية. سوف يعاني عوليس عذاباً شديداً نفسانياً وجسمانياً وذهنياً ،وهو يعود خطوة خطوة إلى حالته الواعية.
المحطة التالية في رحلة عوليس هي جزيرة كاليبسو، حيث سيُحتجَز البطل (الذي مازال لاأحد) مدة ثماني سنوات. إنه يريد العودة لكن الإلهة اصطفته لنفسها بعلاً. هنا تتدخل أثينا تدخلاً عجائبياً فتقنع زفس بإرسال هرمس – مرشد النفس – لإطلاق سراح عوليس
الوقفة التالية الهامة في الرحلة تحل عندما ينتهز رفاق عوليس فرصة قيلولته لكي يتجاهلوا تحذيره ويذبحوا قطيع هيليوس هيبيريون ، ينزل بهم العقاب عندما يرسل بوسيذون الناقم من جراء سَمْل عين ابنه الكِكْلوبوس ريحاً عاتية ليحطم سفينة عوليس . لا ينجو من هذه المصيبة غير عوليس. تعطي إينو بنت قدموس عوليس طلسماً إلهياً يصونه من الغرق في البحر. يبلغ عوليس الشاطئ الفياقي، لكنه يكون قد ضل طريقه تماماً.
قرب شاطئ الجزيرة يصرخ عوليس: "
أخشى أن تمسك بي العاصفة من جديد وتحملني إلى البحر العميق
أو أن يرسل لي الطالع وحشاً من جوف البحر
"لكن أثينا "ألقت في روعه أن يرتمي على صخرة ويتشبث بها بكلتا يديه
"وهذه طريقة رمزية جميلة لوصف عودة المسارَر "لاأحد" شوطاً شوطاً إلى واقعه الواعي.
يتمكن عوليس من الوصول سالماً إلى شاطئ الشعب الفياقي حيث تأخذه ابنة الملك ألكينووُس إلى قصر والدها. هناك يُمتحَن بطلنا (استرداد العقل) فينجح في استهواء الملك بأن يقص عليه قصته. يغالي الملك في تكريم عوليس (الذي مازال لاأحد) ويقدم له هدايا كثيرة ويرسله في سفينة إلى إيثاكي.
فهل عوليس بطل؟ نعم هو كذلك، ولكن…
إن المناقب البطولية التي تخطر ببالنا في عالم البصر والوعي هذا لا تنطبق ببساطة على مثل هذه الرحلة. إن للصفات التي يتخلق بها عوليس ويبديها (كالاستبداد وارتكاب المجازر، وقتل الأبرياء، والتجسس، والكذب، وعدم الصراحة في القول، والخيانة، والجبن، ونقص التورّع، وانعدام المسؤولية، والسلوك مسلك الأطفال، والسلوك مسلك النساء)
إن عدم أخذ هذا بالحسبان لابد أن يقود إلى تشويش كبير. فالقراءة الحرفية تفضي حتماً إلى إغفال القيم الحقيقية لهذه الملحمة العظيمة.
لاريب أن رحلة عوليس هي رحلة المسارَرة في الأسرار الإلفسينية. والدليل على ذلك رائع. إن إشارات هوميروس الحاذقة إلى أشواط شعائر الأسرار بيّنة للقارئ الحصيف.
مع أن عوليس عاد إلى إيثاكي فإن رحلته لم تنته بعد. يلتقي هو وابنه تيليماخوس بعدئذٍ في كوخ راعي الخنازير الذي يشغله الأب.
في النهاية يؤوب بطلنا عوليس، ومايزال لاأحد، إلى بيته في إيثاكي ويقتل طالبي ودّ زوجه (الذين يمثِّلون ماخلّفه المسارَر من حالته السابقة). فعلى عوليس أن يطهِّر كافة المستويات الدنيا للاوعي لأن حالته الطاهرة لاتطيق أية مواحدة مع أدواره وعوائده القديمة. إذ لقد أصبح حقيقياً بالكلية. وبذلك يتم النكاح الروحي، ويعرف عوليس شريكته الروحية.
ومع نهاية الحكاية، يضطلع عوليس بنوع من الألوهية. ويخبرنا هوميروس بأن عوليس وحده من يستطيع أن يوتِر القوس العظيمة ، قوس زفس يؤول إلى عوليس (الإنسان الخالد يدرك الآن كل الإدراك على مرتبة الوعي). وقوس عوليس يصير رامي صواعق زفس. وعلى هذا النحو تكتمل دائرة قصة عوليس، من بطل طروادة المنتصر إلى الناجي المنتصر من رحلة في أعماق وعيه الجوانيّ.
فهل عوليس بطل؟ إذا قُرِئَت قصة عوليس كسرد، فإنها تُظهِر رجلاً كثيراً ما يفتقر طبعه إلى البطولة. أما إذا قرئت على الصعيد الميثولوجي، فإن الأوذيسة تُرينا بطلاً بالمعنى الميثولوجي والنفساني الأعمق.
المصدر:maaber
فعلا كثير استمتع لما اقرا الاساطير هذي
شاكرة لكِ القصة الممتعه
دمتي بخير