- لم يكن الطريق صعبا لرؤية أخيه ، وكان يحدِّثُ نفسه وهو في طريقه :
الأرنب والسلحفاة
غريبةٌ هي هذه الحياة ، كيف تمرُّ مسرعةً مع أنها تمشي ببطء شديد !
إنَّها كالسُّلحفاة في قصّة " الأرنب والسلحفاة " ونحن طبعا الأرنب ..
نتحدَّاها ونسابقها ، ونغفو لنكتشف أنّ الحياة البطيئة قد سبقتنا ...
كانت الشمسُ على وشك الغروب ، وكانا يلعبان أمام المنزل عندما سمعا صوت والدتهما تناديهما ..
وقد كانا طفلين ارتبطا برابط الأخوة - أخوان من نفس الأمّ والأبّ - ولدا في نفس المنزل وفي نفس الوطن ..
سابقا الحياة معا ، اختلفا وتصالحا مرارا وتكرارا ككلَّ الأخوة الصغار ....
وكانت والدتهما تناديهما دائما عند الغروب ليدخلا المنزل ، فيجمعهما عشاء الأهل ، وسمر الصيف ، وبرد الشتاء ، وفراش دافئ وأيّامٌ أسريَّة كثيرة ....
لكنّهما في يوم من أيّام الحياة البطيئة ، كانا يتجادلان حول الميراث بعد موت والديهما ، وبأمور كثيرة ، فاختلفا وتقاتلا ، وشتما ...
وكلٌّ سار في طريق ... لم يتكلما منذ ذلك الوقت ، ولم يتصلا ببعضهما وتمنيَّا أن يختفي كلُّ واحد منهما من حياة الآخر .....
مرّتْ الحياةُ السلحفاة وتجاوزتهما ، وهما ظلّا كلًّا في طريق ، نسيا أو تناسيا وجود الآخر ...
تزوّجا وأصبح عندهما أولادا و بنات يكبرون ...
ابنةُ أحدهما الصغرى كانت تنبش في خزانة والدها ، لتجد صورة جميلة لشابين صغيرين يشبهان بعضهما ، مبتسمين ويد كلّ واحد فيهما على كتف الآخر ...
ركضتْ تحمل الصورة وتريها لوالدها وهي تسأله :
- من هذان الشابان يا أبي ، إنّهما يشبهانك ...
الأب حمل الصورة بيده ، وصفعةٌ قويّة من يد الزمن الصارمة ألهبتْ خدَّه ، وأفقدته القدرة على الكلام ..
لكنَّه تحت إصرار أسئلة الطفلة أجاب :
وسألت الطفلة :
وبُهت لسؤالها ، ولم يعرف أن يرد عليها ، وهي استمرت بالأسئلة البريئة ، حتى أجابها :
- لا أعرف .. إن كان ميتا أو ما زال على قيد الحياة ..
الطفلة :
- كيف لا تعرف ، أليس أخاك ؟؟ أنا أعرف أن أخي أحمد ليس ميتا ...
هو :
- لقد تخاصمنا منذ زمن طويل وافترقنا ولم أعرف عنه شيئا منذ ذلك الوقت ..
الطفلة :
حاول أن يتذكَّر لماذا تخاصما ، ولم يستطع التذكر ، فاغرورقت الدُّموع في عينيه ، وأحسّ بتفاهة شخصه واستصغر قيمته كإنسان ، حتى كاد أن يشمَّ رائحة عفن نفسه الصغيرة ...
وأجاب طفلته وهي تلحُّ بالأسئلة ، وكان يبتسم بمرارة :
- لا أتذكر لمَ تخاصمنا ، أتمنى أن يكون شيئا يستحقُّ أن أفقد أخي من أجله كلّ هذا الوقت ...
الطفلة بكل براءة :
- أتمنى أن يكون أخوك على قيد الحياة يا أبي ، حتى أزوره وأناديه عمي ..
لم يستطع أن يمنع دموعه من الانهمار ، ولم يستطع أن يمنع نفسه من الانهيار أمام صغيرته ، فبكى وأجهش بالبكاء ، وعانق ابنته الصغيرة بقوَّة حتى كاد أن يكسر عظامها ...
وكان يهمس لها بحروف يقطَّعُها بكاؤه :
لم يكن الطريق صعبا لرؤية أخيه ، وكان يحدِّثُ نفسه وهو في طريقه :
" كيف أسدلتُ ستارة نافذتي كلّ هذا الوقت !،ومنعتُ ولوج أشعة الشمس ، وتكوَّرتُ على نفسي ، وغفوتُ كالأرنب الجبان الأحمق المغرور ، وسمحتُ للحياة أن تسبقني ، أن تأخذ أخي مني ، أن تتركني حتى من دون ذكريات أيامنا الجميلة معا ، لربّما كانت أيقظتني...."
صوتُ أخيه يناديه ، ينتشله من أفكاره ، ويبعد الستارة لتلج أشعة الشمس ، أشعة الأخوَّة والمحبة ، إلى عتمة نفسه المتكوِّرةِ على ذاتها ...
تعانقا ، أغرقا قميصَّي بعضهما بالدموع ، وحاولا الإمساك بيد بعضهما علَّهما يركضان معا ليسبقا السلحفاة ..
وكانت الشمس على وشك الغروب ، وصوت أطفالهما يناديهما ، فيدخلا ليتشاركا عشاءً أسريًّا ، وأمسية حميميَّة ....
والغريب في الأمر أنهما معا لم يتذكرا لماذا تخاصما وافترقا ، وفي قرارة كل منهما ودَّا لو كان أمرا يستحقّ ....
النهاية ..
( بقلمي )
كل شيء في لحظة سؤال الأطفال يتبعثر ......يتحطم .....وبعدما نكون أشبعناه نسياناً نراه امام اعيننا يتدهور......وحب الأخوة
آه من تبرعم الحقد في قلوبنا حتى يغطي ذاك الحب.....وعندما يحين اوان المواجهة لا نملك الا ان تفيض العيون دموعاً ...على
لا ندري ...ماذا؟؟؟
غراء حروفك بقصة تحف الروح بأن لا ندع للقسوة مجال أن تنتصر على مشاعر الحب.....
شكراً يا مؤيدة لقصتك المؤثرة
تحياتي ..