- الثقافه في خطر
- وقلت في نفسي :
الثقافه في خطر
قلبت اليوم أجزاء قديمه من( المختار) ، هذه هي المجله التي كانت سميرا لمن أعوزه السمير ، ومدرسه لمن فاتته المدرسه ، والتي كان يفهمها العامي ، ويحتاج إليها المتعلم ، لإنها تطلع إليه كل شهر بشيء جديد ، لاتحويه الكتب ،ولا تدرسه المدارس ، وتقدم له ثمرات أفكار المفكرين في أميركه وفي أوروبه شهية ناضجه ، وتخلص له كتبا ، وتجمع له الأدب والعلوم ، والطب والتربيه ، وعلم النفس في طاقه عطريه محببه .. فشعرت بالأسف يملأقلبي على أن فقدها القراء وعدموها .
وقلت في نفسي :
لو أن هذه المجله ربحت لما انقطعت ، ولو أن الناس اشتروا منها العدد الذي قدره اصحابها ، لما جعلوا لها هذا الثمن البخس ، ولما اضطروا إلى وقفها ،فما للناس ينصرفون عن الجيد النافع من المجلات ‘ حتى يضعف أو يموت ‘ ويقبلون على التافه السخيف حتى يقوى ويشتد؟
وماللمجلات الجديه تنحدر وتسف ‘ حتى تتوارى واحده إثر واحده ؟ مال(المقتطف) شيخة المجلات ‘ لايدري أكثر الناس أماتت أم لاتزال حيه باقيه ؟
ومال(الهلال) بدلت طريقها ‘ وحالت عن حالها التي كانت عليها أيام منشئتها ‘ وصارت للتسليه والمتعه ‘ بعد أن كانت للجد وللنفع ؟
وما ل ( الرساله ) المجلة الحبيبه ، التي لم يعرف الأدب مجلة جيرا منها قد هبطت من يفاعها ، وفتحت لكل كاتب بابها ، حتى صار يتصدر فيها من لم يكن يطمع أن يدنو من حماها ؟
وما ل ( الثقافه ) قل قراؤها ، وضعفت انتشارها ؟
وأين ( الكاتب المصري ) وأين من قبلها ( السياسه الأسبوعيه ) ؟
وأين ( الزهراء ) و ( البيان ) ؟
وأين ( الجريده ) وأين ( المقتبس ) ؟
وأين في الشام ( الرابطة الأدبيه ) ؟ وأين من بعدها ( الميزان ) و ( الثقافه ) ؟
لقد كنا ( ونحن طلاب ) نجد التسليه إن ابتغيناها في العقد الفريدة والأناشيد ، وإن نزلنا ، فإنما ننزل إلى كتب الرافعي والعقاد وطه حسين .
فصارت تسلية من بعدنا ، السياسه الأسبوعيه والهلال ، ثم الرساله والروايه .
فما للطلاب اليوم ، وما للقراء لايكادون يقرؤون إلا ( الإثنين ) و ( آخر ساعه ) و (مسامرات الجيب ) وهذه الكتب الخفيفه الضحله التي تباع مع الصحف ؟ هذي مصادر ثقافتهم ، وهذي ينابيع معارفهم ؟!
وإذا كان يشتكي بعد هذا كله من ضعف الطلاب في علومهم المدرسيه ‘ وقصورهم عن درجات إخوانهم قبل عشرين سنه‘ فماذا تكون العاقبه والحال إلى انحلال ؟ ألا نعود مره أخرى إلى مثل ماكنا عليه قبل مائة سنه ؟
ياأيها القراء :إن حياتنا الثقافيه في خطر !
أخواتي الموضوع منقول من كتاب ( مقالات في كلمات ) للمؤلف ( على الطنطاوي )
ودمتي بود