- أدفع مائة دينار من أجل طائر ؟!! ..
- يتابع بنظراته المنهكة آخر المتحلقين وهو ينصرف مبتعداً ..
- لم يسعفه لسانه بشيء ..
- مضت الأيام الأربعون ..
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
انقل لكن هذه القصه :::الطائر العجيب
من يشتري الطائر العجيب .. هيا أقبلوا .. تعال يا مشتري .. عش مع غدك ..
- بكم هذا الطائر ؟؟ ..
- بمائة دينار فقط ..
- من أجل ماذا .. طائر ؟ !! ..
أدفع مائة دينار من أجل طائر ؟!! ..
- نعم طائر .. لكنه سيريك غدك ..
- غدي !! ماذا تقول يا رجل ؟ .. أدفع مائة دينار .. لأرى نفسي غداً متسولاً ..
- هيا تعالوا .. فرصة .. فرصة .. بمائة دينار فقط .. تكشف الحجاب .. وتتجاوز الأعتاب ..
يشد صياح البائع انتباه أبي الطيب من بعيد .. لقد أعياه التعب بعد أن برم السوق مرات عدة بحثاً عن طلبه لكنه لم يستطع شراء مراده .. فكل ما في جيبه دينارات خمسة ..
زوجته الحامل أوصته في الصباح أن يشتري ديكاً رومياً أسود اللون ذا عرف أحمر .. هكذا هن بعض الحوامل حين يوحمن .. يسقن أزواجهن إلى حيث يردن ..
اكتشف أن ما في جيبه أقل من نصف ثمن الديك .. مضى إلى حيث تجمهر الناس حول البائع وطائره العجيب وأخذ يستمع إلى الحوارات المتبادلة .. ثم ما لبث أن أعياه الوقوف .. فجلس على حجر بجوار البائع ..
- هيا .. يا صاحب الطموح .. رافق طموحاتك وهي تتحقق ..
هيا .. بخمسين دينار .. بنصف الثمن فقط .. الحق يا مشتري .. الحق يا صاحب الحظ ..
لاحظ أبو الطيب أن الناس يتجمهرون .. ثم يتفرقون .. دون أن يجرؤ أحدهم حتى على مساومة البائع ..
ترى لم عزوفهم هذا ؟!..
أ يخشون معرفة الغد .. أم يشكون من ضيق ذات اليد !!..
يتابع بنظراته المنهكة آخر المتحلقين وهو ينصرف مبتعداً ..
تلفت البائع حوله .. فلم يجد سوى أبي الطيب مسنداً ظهره إلى جذع الشجرة خلفهما يتطلع إلى الأفق وكأنما يقرأ في السماء شيئاً ..
- هيه .. يا رجل ..
- هه .. نعم .. من ؟
- أنا جعفر البائع صاحب هذا الطائر العجيب فمن تكون أنت ؟
- أبو الطيب .. أبو الطيب يا أخي ..
- ما بك .. أراك حزيناً هائماً ..
- الشكوى لغير الله مذله ..
- صدقت يا أبا الطيب .. لكن .. احكي لي .. فرج عن قلبك .. ربما هذا يريحك ..
- آه يا جعفر .. لعنة الله على الوحم .. وعلى اللحم .. وعلى كل ديوك الروم خاصة السوداء منها ذات العرف الأحمر ..
- فهمت يا صاحبي .. نعم فالديوك الرومية مرتفعة أسعارها هذه الأيام ..
- لكن يا جعفر .. ما هي قصة طائرك العجيب هذا ؟!..
- آه يا أبا الطيب .. الناس لا يعرفون قيمة الأشياء الثمينة ..
- بل لا يصدقون يا جعفر.. ومن يصدق منهم لا يقدر على ما تطلب ..
- وأنت ؟..
- أنا .. لا أصدق بالطبع .. مستحيل هذا الذي تقوله يا جعفر ..
- أبا الطيب .. أنا قد تعبت من السوق .. وهذه هي المرة الخامسة التي أعرض فيها هذا الطائر في السوق ولا مشتري .. ما رأيك أن تشتريه أنت .. سأرضى بما معك ..
- لكنني لا أملك من ثمنه شيئاً .. وأرى أنني لا أحتاجه ..فغد مثلنا معروف سلفاً .. ثم قل لي يا جعفر .. طائر بهذه القدرات التي تزعمها .. لم لا تستبقيه معك ؟
- آه يا صاحبي ..لقد عرفت منه كل أيامي السوداء المقبلة .. فلا أريد تذكرها كلما نظرت إليه .. لذا فقد قررت التخلص منه .. خذه يا أبا الطيب بما معك ..
- لكني لا أحمل سوى دنانير خمسة ..
- قبلتها منك .. هو لك يا أبا الطيب .. فقد أقسمت ألا أعود به اليوم ..
وأنصحك ألا تخطئ مثلي .. عليك ألا تجعله يحلق لأزمان بعيدة .. فلا تطلب منه التحليق في المستقبل لأكثر من أيام قليلة .. قد لا يحتمل قلبك الكثير من الأحداث دفعة واحدة ..
حمل أبو الطيب القفص وامتطى دراجته عائداً إلى البيت .. وما أن حط أمام بيته حتى استقبلته زوجته :
- ما هذا يا أبا الطيب ؟ .. أهكذا أصبحت الديوك الرومية ؟!!..
لم يسعفه لسانه بشيء ..
- يا رجل .. أتريدني أن ألد قبل أواني .. لم لا تجبني !! ..
- سأسأل الطائر عن هذا فيما بعد ..
- أتسخر مني يا أبا الطيب !! ..
- اجلسي يا امرأة واهدئي .. سأقص عليك ما حدث ..
دخلت أم الطيب إلى المطبخ .. وعادت لتجلس وبيدها صينية .. فردت عليها كومة من العدس وأخذت في تنقيته من الشوائب قائلة .. أمري إلى الله .. عدس .. عدس ..
مد أبو الطيب يده آخذاً حفنة من العدس .. وضعها في قفص الطائر العجيب ذي الألوان الزاهية .. وأخذ يقص عليها ما حدث ..
- وهل صدقت هذا يا أبا النوادر ؟! ..
- لم أصدق طبعاً يا زوجتي العزيزة .. ولكن ربما يكون كذلك ..
- إذن دعنا نختبره ..
- آه .. لقد نسيت أن أخبرك .. فقد قال لي جعفر البائع أن الطائر يجب أن يمكث معنا أربعين يوماً قبل أن يستطع التحليق لصالحنا في فضاء الزمن ..
- هذا هراء آخر !! ..
مضت الأيام الأربعون ..
وارتفعت بطن أم الطيب عالياً حين جلست تحملق وزوجها وأولادهما في عيني الطائر .
- ماذا تريدين أن نسأله يا أم الطيب ؟؟ ..
- آه .. لقد تعبت من الحمل يا عزيزي اسأله متى سألد ..
- اسمع أيها الطائر الحبيب .. حلق في فضاء الزمن وأخبرني متى ستلد زوجتي وماذا تلد ..
فتح أبو الطيب القفص .. وانطلق الطائر محلقاً في الفضاء .. حلقت أعينهم خلفه تتابعه حتى توارى خلف الغيوم .
وقبل الغروب ..
حط الطائر على نافذة أبي الطيب .. كانت عيونهم وآذانهم تنتظره بشغف كبير ..
تجمعوا أسفل النافذة ..
ونطق الطائر : ستلدين يا سيدتي بعد ليال عشر .. توأمين .. ذكراً وأنثى ..
- اثنان وثمانية .. أصبح المجموع عشرة .. عشرة أطفال يا أم الطيب !!
- رزقهم على الله يا رجل ..
كثرت جولات الطائر العجيب عبر حاجز الزمن .. وأصبح أبو الطيب بفضل طائره العجيب يسبق العالم بأيام ..
فصار مشهوراً في المجالس ..
توسع رزقه ..
فصنع للطائر برجًا عالياً جميلاً فوق سطح بيته الفخم الجديد ..
وذات صباح ..
قرر أبو الطيب أن يسأل طائره سؤالاً طالما دار في خلده منذ البداية وقد كان دوماً يخشى سماع إجابته ..
اقترب من طائره ..
همس له بكلمات ..
انزعج الطائر قليلاً ثم انطلق محلقاً في الفضاء ..
بقي أبو الطيب طوال اليوم .. هائماً .. حائراً .. يقلب بصره في السماء ..
وفي المساء رأى الطائر ينسل إلى برجه رأساً .. دون أن يحط على النافذة كعادته كل يوم ..
توجس أبو الطيب من الأمر ريبة .. فنادى طائره الذي أطل عليه متثاقلاً حزيناً :
- ماذا دهاك أيها الطائر ؟ ..
- سيدي أرجوك دعني أستريح ..
- ارتجف قلب أبي الطيب وقفز صاعداً إلى السطح .. وقف أمام طائره وأردف قائلاً : تكلم أيها الأحمق .. أتستريح وتتركني أسيراً للظنون ..
- حاضر يا سيدي .. سأتكلم .. رأيتك تموت مذبوحاً .. غارقاً في دمائك ..
انقضت أصابع أبي الطيب على عنق الطائر وهو يسأله في حنق شديد :- أين .. كيف .. متى أيها الأحمق ؟..
- لا يا سيدي .. هذا في حدود المحظور .. هذا خارج مقدرتي ..
أصابته حالة هستيرية .. فأخذ ينتف ريش الطائر دون شفقة .. لم يُبق عليه ريشة واحدة ..
ألقاه أرضاً من عل ..
سقط الطائر المسكين ليشق ظهره وتد حديدي مدبب .. سالت دماؤه على الأرض ..
قفز أبو الطيب يرقب طائره الجريح وهو يصارع الموت .. أدار الطائر رأسه ببطء جهة أبي الطيب .. وقال : تذكرت شيئاً يا سيدي ..
لقد رأيتهم يهيلون التراب علينا معاً يا سيدي ..
انتفض أبو الطيب والتقط طائره كالمجنون .. هرع به إلى أقرب طبيب .. تنقل به من طبيب إلى آخر .. الكل كان يهز رأسه قائلاً : لا فائدة .. لا فائدة ..
مات الطائر العجيب ..
وأمر أبو الطيب أن يؤخروا دفن طائره ما أمكن ..
كانت أم الطيب تبدل المنشفة المبللة على جبينه المشتعل بالحمى وهو يردد في هلوسة واضحة .. لا فائدة .. لا فائدة ..
ترد عليه أم الطيب باكية :ألم يكن الديك الرومي أفضل يا أبا الطيب ..
يجيب أبو الطيب بانكسار شديد :لا فائدة .. لا فائدة ..
وفي الجمعة التالية ..
كان أبو الطيب عائداً من السوق ..
نزل من دراجته لتستقبله زوجته وقد حمل في حضنه ديكاً رومياً أسوداً .. ذا عرف أحمر ..
واتمنى انها تعجبكن
واعجب مافيها ذلك الطائر
سلم ذوقك الرفيع ع
لى هذا النقل
دمتي بود