- في سن معينة فإن صاحبها لن يستطيع تحقيق تقدم يذكر.
- فالموهبة كالوميض تظهر، ثم لا تلبث أن تنطفئ!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسعد الله اوقاتكم بكل خير
يشيع في موروثنا الاجتماعي والثقافي العربي أن الموهبة إذا لم تستثمر
في سن معينة فإن صاحبها لن يستطيع تحقيق تقدم يذكر.
فالموهبة كالوميض تظهر، ثم لا تلبث أن تنطفئ!
في الحقيقة هذا الأمر (الشائع) غير صحيح تمامًا، فالموهب ة لا تنطفئ وتختفي نهائيًا، لكنها تحتاج إلى مران طويل وثقة كبيرة وإصرار فيما لو اكتشفت في سن متأخرة. وفي قصص حياة كثير من الشخصيات ما يجعلني أؤكد أن من الممكن اكتشاف المواهب وتشجيعها وتطويرها حتى في سني العمر المتأخرة، فهنالك الكثير من الموهوبين الذين لم تتفتق قدراتهم إلا في سنوات متقدمة من العمر، مثل:
- « فينيسينت فان جوخ » اكتشف موهبته في الرسم وولعه الشديد بالفن في الثلاثين من العمر.
- « ماتفرد كونشنز »، وصل لمنصب مدير تجاري بمرتب عال جدًا في الخامسة والثلاثين من عمره، وذلك بعدما استثارته الكثير من الأمور والمسائل المتعلقة بالطب، فترك على إثرها عمله في القطاع الصناعي، وأصبح في 5 سنوات من كبار أساتذة وأطباء ومديري المستشفيات الكبرى.
- الطبيب الشهير « هلمهولتس » اهتم إلى جانب عمله في الطب بحقل الفيزياء. وبعد نجاحه في تزويد علوم الفيزياء والحرارة والاهتزاز بمعارف قيمة، اعتزل الطب وكرس نفسه لعلوم وأبحاث الفيزياء فقط، وقدم اكتشافات وإسهامات كبيرة يعزى لها التقدم الكبير الذي يشهده علم الفيزياء اليوم.
الأديب العالمي « إرنست فيشر »، كان مدير مدرسة وقد اعتزل عمله حينما ذاعت كتبه ولاقت رواجًا كبيرًا في العالم أجمع.
نون دينيسكن، صاحب فندق في سويسرا وغير مشهور إطلاقًا بهر العالم بفرضياته الحديثة حول زيارات لسكان كواكب أخرى إلى كوكبنا.
- « هاينريش شيلمان »، رجل أعمال ناجح تمكن من جمع ثروة كبيرة حتى سن الأربعين من عمره، وبعدها استطاع تحقيق ما كان يحلم به ويصبو إليه، فلقد تمكن من تمويل حملات استشكافية عن الآثار وتسفيرها وخاض بنفسه التجربة ودخل التاريخ كمكتشف للمدينة الشهيرة ذات الطابع التاريخ الأثري التي تدعى« ترويا ».
هؤلاء لم يقتلوا أمانيهم في أعماقهم، إنما صنعوا ما يلزم من وقت لتحقيق أمانيهم. لقد آمنوا بقدرتهم على التميز وأزاحو الشكوك وثاروا على المعتقدات البالية التي تعشش الأذهان وتقتل الطموح.
إن أصحاب القدرات الخارقة والخاصة هم أقدر الناس مقدرة على تحقيق ذواتهم، ولكن هذه القدارات تتعلق بالإصرار وبذل الجهد اللازم وتحطيم دائرة المألوف والحدود الدنيا الضيقة والأنماط الحياتية المؤثرة للراحة.
ومن المؤسف أن معظمنا ليس على دراية بما هو قادر عليه لأننا نقبل (فقط) ما يتوقعه منا الآخرون، ومن ثم نطمس في أعماقنا أفضل ما في دواخلنا من قدرات!
لو فعل دينيسكن ما كان يتوقعه من «الآخرون» فقط لما ذاعت شهرته وشهرة كتبه وفرضياته بين بلايين القراء في العالم.
وكذلك لو كان « شيلمان » يجلس فقط أمام الكتب الروتينية اليومية الخاصة بالمكاتب، ليبحث فقط عن السبيل لنجاح أعماله التجارية (وهذا هو ما يتوقعه منه الناس) به -لما توصل لاكتشاف (ترويا) وما تحويه من آثار وتحف قيمة أبهرت العالم.
كثير من معارفنا لديهم قدرات جيدة نعرفها، لكنهم يقتلونها بالكثير من الحجج والأعذار الواهية، بوضعهم قائمة طويلة من الصعوبات التي تنتظرهم حتى قبل بدء التجربة ذاتها. ورغم إيماننا بأن الصعوبات موجودة وكثيرة، لكن يجب ألا نجعلها هي التي تتحكم في مسار حياتنا. فالمعروف عمليًا أن تجاوز العقبات سهل جدًا متى غيرنا الاستراتيجيات والطرق والأساليب التي نسلكها وصولًا للهدف الذي ننشد. وهنا أود تأكيد حقيقة هي أن الأعذار أكثر من أن نعد، وهي أسهل شيء يمكننا تقديمه رغم أنها تستهلك كثيرًا من أوقاتنا الثمينة! أعتقد أن من أكثر الأعذار في مجتمعاتنا تكون من قبيل:« عائلتي أهم من أي أمر آخر وتأخذ الكثير من وقتي، الحظ السيء يلازمني، لا أملك الموهبة، الواسطة هي أقرب الطرق وأنا لا أملكها ».
وهناك أمثلة شهيرة لأناس ناجحين كان لديهم حجج مقنعة للرضا بالواقع، لكنهم تجاهلوها وشطبوا مفردة الفشل من حياتهم وتسلحوا بالصبر والمثابرة والإصرار العجيب، فكان هو ما يميزهم، ومنهم:
- « فيرنارد شو » الذي زار المدرسة خمس سنوات فقط، ثم عمل صرافًا، ثم استلم بعدها أعمالًا في الكتابة رفضت دور النشر الإنكليزية والأمريكية نشر أول خمس روايات له، لم يستسلم ولم يتوقف، وبعد سنوات جاءت النتيجة كما يتمناها وأصبح أديبًا شهيرًا وحاز جائزة نوبل للآداب.
- « ديموستينيس » كان يتلعثم دومًا في كلامه قبل أن يصبح من خلال التدريب الشاق المتواصل الخطيب الأكثر شهرة في اليونان القديمة!
- « يوليوس قيصر » كان ذا مظهر يوحي بالضعف، ومع ذلك أصبح الفارس والمقاتل والسباح الأفضل في جيشه الجرار، والرجل الأول بلا منازع في الجمهورية الرومانية.
- أما « نابليون بونابرت »، أنهى دراسته الأكاديمية وكانت آراء الكثيرين من رؤسائه تتفق على أنه مجرد ضابط عسكري عادي، لكنه عمل بجدية ولم يلتفت كثيرًا لتقارير مسؤوليه، فدرس خطط المعارك لأشهر القادة المحاربين، وكان ينام أربع ساعات فقط، حتى أصبح بعدها من أشهر القادة العسكريين في التاريخ.
- أحد الرسامين ورجال الطباعة الألمانين خسر ذراعيه خلال الحرب العالمية لكن حماسه للرسم كان كبيرًا جدًا فلم يتوقف وأصبح يتعلم الرسم بواسطة فمه. وبعد فترة من العمل الشاق والتدريب أتقن الرسم بالفم، والأعظم من ذلك أن أفضل لوحاته لدى نقاد الرسم تلك التي رسمها بالفم.
لقد كانت أمام معظم المشاهير الناجحين أسباب كافية لتوقفهم عن المضي في رحلة التحدي لكنهم أبوا أن يستسلموا لها، وشقوا طريقهم بنجاح فكان لهم ما أرادوا. فهؤلاء لم يتخذوا من العوائق ذريعة لدعم أعذارهم، بل على العكس تفاعلوا معها وحولوها إلى عامل مساعد نحو النجاح.
قد أكون هنا بائعة أمل في نظر كن ولكن لماذا لا أبيع الأمل إذا كان هو النهج الصحيح والطريقة العظيمة والوصفة السحرية للتسلح بالثقة ورفع الروح المعنوية وعلو الهمة والطموح.
إن المستحيل في قاموس العظماء هو التوقف عن المحاولة، أما الفشل فلا وجود له.
دمتن بحفظ الله