- السؤال:
- أين العدالة....
- الفتوى:
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
- ما للعباد عليه حق واجب * كلا ولا سعي لديه ضائع
- إن عذبوا فبعدله أو نعموا * فبفضله وهو الكريم الواسع
السؤال:
أين العدالة....
من الأمور التي تعين الشخص على مواصلة حياته بشكل سليم هو حس العدالة... ومع غياب العدالة فإن الوضع يصبح سيئا جدا... خاصة إذا ظن المرء خيرا بمصدر العدالة فإذ به يجد الحرمان.... حلمت دوما بابن أو ابنة احملهم بين يدي.. أربيهم على عبادة الله وطلب العلم قبل الزواج... سلكت طريق الالتزام... أداوم على الصلاة جماعة... أسبق المؤذن دوما عند صلاة الفجر... حفظت القرآن الكريم... درست علم الحديث... لا تفوتني صلاة الليل... نصف راتبي يذهب إلى الجمعيات الخيرية وأتجه دوما إلى جمعية مختلفة ما إن يبدأ الموظفون يلفتون النظر إلي خوفا من الرياء... لا أتوقف عن الدعاء... أصل الرحم... أعتمر كل شهر ولم يكتب لي الحج.... تزوجت وشرطي الوحيد أن تكون الزوجة ملتزمة.... انتظرت سنة كاملة بعد الزواج... لم يحصل إنجاب... قمت بالفحص فإذا بي أعاني من أعلى درجات العقم... ويخبرني الطبيب بكل برود أن أنسى الإنجاب لأن حالتي مستعصية جدا.... لماذا أنا.... ماذا فعلت.... لم أزن يوما... لم آكل هللة ربا.... دوما أحفظ لساني.... لم أوذ أحدا.... خيري يسبق دوما... أصل الرحم ولا أنقطع عن المسجد.... أقرأ في الجرائد... ابن شارون متهم باختلاس وتلاعب.... لم أنظر للأمر أنه قضية فساد... أو استغلال للسلطة... لكني أحاول فهم السبب الذي جعل المجرم الغني عن التعريف ينعم بما حرمت منه.... أقرأ عن من باع ابنته لكي يشتري حقنة مخدرات.... عجبا... مدمن مخدرات ينعم بالأبوة وأنا محروم منها.... والأمثلة كثيرة.... بحثت وبحثت وسألت... أريد أن أعرف لماذا أنا محروم من الأبوة وقد كنت أدعو كل ليلة أن يرزقني الله الذرية الصالحة... ما ذنب زوجتي التي فجعت بالخبر... عاداتنا تحرمها من طلب الطلاق... فهي محرومة من الأمومة... وها هي تقترب من سن اليأس.... بكيت ودعوت سنينا عديدة... وها أنا ذا محروم.... أردت تربية يتيم أو يتيمة منذ سنين فإذا بدار رعاية الأيتام تضعني على قائمة الانتظار الطويلة بحجة عدم وجود أيتام في الدار التي ذهبت إليها... وحسب النظام لا أستطيع الطلب في منطقة غير منطقتي من أجل أن يستطيع الموظفون تفقد حال اليتيم بشكل دوري..... عجبا عجبا... حرمت من الإنجاب... وحرمت من رعاية اليتيم.... اقتربت من الخمسين ... وزوجتي ستصل سن اليأس قريبا.... أريد إجابة... لماذا لا أجد أي إجابة شافية....
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نهنئك بالاشتغال بدراسة العلم الشرعي، والحفاظ على الصلاة والقيام بأعمال الخير، ونسأل الله تعالى ألا يزيغ قلبك بعد إذ هداك وأن يتقبل منك، وأن يثبتك على الحق ويوفقك للمزيد من فعل أوامره واجتناب نواهيه، والرضى بقدره و أن يفرج عنك، وأن يسهل أمرك، وأن يصلح حالك، إنه سميع مجيب.
ثم إنا نربأ بك وأنت في هذا المستوى المعرفي والتعبدي أن تتهم ربك، الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك وعلمك ما لم تكن تعلم.
ففكر في نفسك وانظر هل حرمك الله من شيء هو لك وأعطاه لغيرك، أم أن الكون كله ملك لله يفعل فيه ما يشاء فيخلق ما يشاء ويهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما.
أما درست أن من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، أنه لا يجب على الله تعالى لعباده شيء، بل هو سبحانه الفاعل المختار والكبير المتعال، وهو عدل حكيم رحيم بالبشرية، وقد دبر أمورهم بحكمة بالغة وعدل، وقسم بينهم أرزاقهم، وله أن يأمر عباده بما شاء، وينهاهم عما شاء، وأن يختار لهم ما شاء، ويعطيهم ما شاء ويمنعهم مما يشاء، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، ولا ملزم يلزمه برعاية مصالح عباده حكيم في تدبيره لأمور خلقه، ويجب على المسلم الرضى بما قدره الله تعالى في ملكه، وأن يتذكر قول الله تعالى: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}. كما قال أحدهم:
ما للعباد عليه حق واجب * كلا ولا سعي لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله أو نعموا * فبفضله وهو الكريم الواسع
ومع هذا فأحكامه وأفعاله كلها جل جلاله لا تخلو عن حكمة بالغة، وعلم واسع، وتنزه عن الظلم، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ {فصلت:46}، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً {الكهف:49}، إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {يوسف:6}، إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ {البقرة:143}،
واعلم أن الله يبتلي عباده بالمنع كما يبتليهم بالعطاء، هل يشكرون أم لا وهل يصبرون أم لا، كما قال الله تعالى: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الأعراف:168}، وقال: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35}، وقال جل من قائل: فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ {الفجر:15-16}.
أي ما كل من وسعت عليه أكرمته ولا كل من قدرت عليه أكون قد أهنته، بل هذا ابتلاء ليشكر العبد على السراء والضراء، فمن رزق الشكر والصبر فقد رزق الخير كله، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم.
فعليك أخي أن تحسن الظن بالله وترضى بقضائه وتسعى في إصلاح علاقتك به، وننصحك بكثرة تذكر نعم الله وشكرها فإن ذلك سبب المزيد والفلاح، قال الله تعالى: فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {الأعراف:69}، وقال تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ {إبراهيم:7}.
وداوم على اللجوء إلى الله وسؤاله أن يذهب عنك داء العقم، ولا تقنط بسبب قول الأطباء: إن مرضك قد لا يكون قابلا للعلاج، فقد أذهبه الله عن زوج إبراهيم، وعن امرأة زكريا، وكانت كل منهما في ذلك الوقت عجوزا عقيما وكان زوجها شيخا كبيرا.
فزكريا عليه السلام، لم يمنعه كبر سنه ووهن عظمه، وعقر امرأته من أن يتوجه إلى ربه قائلا: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا{ مريم:4}
فاستجاب له ربه قائلا: يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا
.
وأخبر تعالى عنه في سورة آل عمران أنه قال: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى (آل عمران: 38- 39).
وقال تعالى في سورة الأنبياء: وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ
.
فواظب على الدعاء ساعات الإجابة، وادع بالاسم الأعظم ولا تعجل ولا تقنط، بل ثق بوعد الله بالاستجابة، فقد قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}وقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}
وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل يا رسول الله، وما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجب لي فيستحسر ويدع الدعاء.
وفي المسند والسنن عن بريدة قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب.
و الدعاء آخر الليل مظنة للإجابة لما في الحديث: ينزل ربنا سبحانه كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول من يسألني فأعطيه ومن يستغفر لي فأغفر له. متفق عليه.
وبقدر حسن ظن العبد بالله يعامله الله، كما في الحديث القدسي: أنا عند حسن ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيرا فله، وإن ظن بي شرا فله. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني. ولبيان أسباب إجابة الدعاء راجع في ذلك الفتوى رقم: 11571، الفتوى رقم: 71758.
وعليك بالاكثار من الاستغفار، لإخبار الحق عز وجل أنه سبب كبير لتحصيل المال والولد فقال سبحانه حكاية عن نوح عليه السلام أنه قال: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ {نوح: 10-12}.
ومن أعظم الأسباب للشفاء من جميع الأسقام بما فيها العقم قراءة القرآن والرقية به، لأنه شفاء، كما قال ربنا: وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {الإسراء:82} .
وانظر الفتوى رقم: 19900، ولا بأس بقراءة القرآن في الماء ثم الاستحمام به طلبا للشفاء.
هذا ويشرع مع الإكثار من الاستغفار والدعاء، بذل ما تيسر من الأسباب المادية بطلب العلاج ومقابلة واستشارة أهل الاختصاص من الأطباء الآخرين سوى هذا الطبيب الذي قنطك. فإن الله تعالى جعل لكل داء دواء، فقد ثبت في صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل.
وقد ثبت أن الأعراب أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أنتداوي؟ قال: تداووا، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم، وصححه الترمذي والحاكم ووافقهم الذهبي والأرناؤوط والألباني.
وفي الحديث: تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني والأرناؤوط.
ونؤكد الوصية بعدم اليأس من رحمة الله واستجابة الدعاء، ففي صحيح مسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل.
ونوصيك بالذهاب إلى مكة كثيرا للعمرة والحج إن تيسر لك، وأكثر من شراب زمزم واقرأ عليه قبل الشرب فاتحة الكتاب، فإن فيهما نفعا عظيما مجربا، كما ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، واستعمل الحبة السوداء والعسل ففيهما شفاء من الأمراض، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 62318، والفتوى رقم: 34521.
ثم إنا نلفت نظرك إلى أن تصرف الله في جعل هذا عقيما وهذا ولودا لا يخلو من حكم، فقد قال الله تعالى: للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ
.
احببتكم فأهديتكم
منقول