- فابتسمتُ مَدهوشَةً! فتابَعَتْ:
تَبْقى وإن رَحَلوا..!
لاحَظتُ عنايتها الفائقة بكفَّيْها والأصابع، فسألتها على استحياء ذات مساء: ما سرّ هذه العناية؟ هل تعانين مِن "الأكزيما" لا قدَّر الله؟
- لا، الحمد لله! لكن...!
- ماذا؟!
ذات ليل دافئ همس لي: إن أصابعَ كفَّيَّ أجمل مِن أصابع كفَّيّ زوجته الثَّانية ضرَّتي!
فابتسمتُ مَدهوشَةً! فتابَعَتْ:
- لا تستغربي! فزميلتي في العمل أخبرتني بما هو أكثر غرابَة مِن هذا!
- ماذا؟!
- قالت: إنها لا تزال تذكر كيف كان طليقها مُغرمًا بأصابعها، ولا يفتأ "يتغزّل" بها، ومِن أجل ذلك تجد نفسها مدفوعةً بإحساس خفي للعناية بها، رغم المشاكل التي أضرَمَتْ بينهما نار التَّباغض، فلم يستطيعا إخمادها إلا بالانفصال!
هل أصابتكم الدَّهشة كما أصابتني؟!
هل قلتم مثلما قلتُ: يا لِغيرة النِّساء! يالِنقص عقولهن؟!
هذا ما تبادر إلى ذهني لأوَّل وهلة، لكنني عندما تفكَّرتُ في الأمر وجدتُ أنني كنتُ على خطأ، فلا شيء يدعو إلى الدَّهشة هنا!
أليس مِن طبيعة النَّفس الإنسانيَّة أن تَركن إلى الكلمة الطَّيِّبة؟!
وترفرف روحها في دِعة كلما تذكَّرت تلك الكلمة، وإن غَيَّبَ الرَّحيل قائلها!
بلى، بلى..!
فللكلمة الطَّيِّبة أسرار لا يفهمها إلا مَن أنار الله عزَّ وجلَّ بصيرته بنوره، وأجْلا عن قلبه الدَّرَن!
الكلمة الطَّيِّبة صَدَقَة، بهذا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي السَّفير السَّامي للأخلاق الحسَنة، وهي نَبع صاف رقراق لبذور الودِّ والحبِّ المخبوءة بدلال في الفؤاد!
ما تكاد تصل إلى أذُن المُتلقي شَريطة أن تَسْري بصدق حتى تجعل منه إنسانًا مُختلفًا، فإن كان ثائرًا هَدأ، وإن كان حزينًا تبسَّم، وإن كان غاضبًا سَكن، وإن كان هاجِرًا آبَ ورجع، وإن كان عدوًّا انقلب صديقًا، وإن كان صديقًا ازداد قربى، وإن كان حبيبًا أحال حياتك جُنَيْنَة ياسمين، يعبق شذاها في كلِّ حين!
كلمة مُتواضعة، لا تُكلفنا شيئًا سوى أن نؤمن بأهميّتها، وبضرورة سَكبها بإخلاصٍ أثناء أحاديثنا المنطوقة والمكتوبة.
كلمة ودود نثرناها بصفاء، دون أن نُدرك عظيم أثرها، وإذا بها تنتظرنا هناك، مُتهلِّلة الوجه، باسمة الثغر، لتأخذ بيدنا حيث النَّعيم المقيم، بعكس أختها الخبيثة القَبيحة التي تتدافع للخروج من بين شفاهنا كالحِمم، دون أن نُدرك شدَّة إحراقها، فتُردي صاحبها، وتسوقه إلى وادٍ سحيق تنهشه فيه النيران!
قال النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ العبدَ ليتكلمُ بالكلمة من رِضوانِ اللهِ لا يُلقي لها بالاً يرفَعُه اللهُ بها درجات، وإنَّ العبدَ ليتكلمَ بالكلمة من سَخَط اللّه لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم»
فبكلمةٍ من حروف مَعدودة، عَذبة لفظًا ومَعنىً، مَيسورة على صاحب اللِّسان السَّليم النَّاطق، يَزْكو الحبُّ، وتستقرُّ البيوت، وتسمو العقول، فتنمو الأعمال ويكثر الإنتاج، وينهض المجتمع ويتألَّق!
همسة
في شتى الأماكن في بيتكِ، في مكان عملك، في الأسواق، في الطرقات، عبر ممرات تلك المستشفى أو ذاك الفندق ثمَّ شخص ينتظر منكَ تِيك الكلمة!
قد تُحييه كلمتك مِن مَوات، وتُعيد إليه ما فقده مِن قُدرة على التَّواصل والانسجام...
فانْظر ماذا أنت فاعِل؟!
هل ستبخل بها؟ أم أنَّك ستقدِّمها مُعطَّرة بماء الورد، راجيًا ثواب الله عزَّ وجلَّ، راغِبًا بجنَّته، طامِعًا برضاه!
منقول