. فهذا الذي
فطر الله الناس عليه ، والمجتمع الإسلامي ينبغي له أن يكون متكافلاً متعاوناً على
البر ، ومن البر تحقيق الصون والعفاف لأفراده ، وإعانتهم على تيسير الزواج ،
وعدم ترك المطلقة ، والأرملة دون زوج ، فهذا من شأنه أن يثير الفتنة في المجتمع
ويشجع على ارتكاب المحرمات ، خاصة وأننا في مجتمعات تكالبت الوسائل فيها
على بث الإباحية والمجون والفساد ، وبالتالي كان لزاماً سد أبواب الفتنة والانحراف،
بالوسائل الشرعية الفاعلة .. فأي عفاف وصون أعظم للمرأة من الزواج والستر ؟!..
قضية دعوية تدعيمية لتحقيق صلاح المجتمع المسلم :
وبيان ذلك في التالي : إذ من الملاحظ قلة عدد من يرتجى فيه الصلاح في
مجتمعاتنا المعاصرة ، وهذا الأمر يمثل خطراً كبيراً إذا لم يتلاف بجميع الوسائل ،
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن أول ما يتبادر إلى ذهن من يهتم بشؤون
المسلمين في زيادة عدد الصالحين هو الدعوة إلى الله بالوسائل المعتادة من إعلامية
وتعليمية وتربوية وغيرها ، وهنا ترد وجهة نظر في عرض وسيلة أخرى مجدية -
إن شاء الله- وهي : وعي الفئة الصالحة من الرجال بفائدة تعدد الزوجات وتطبيق
ذلك ، إذ إن من استبان صلاحه يتوقع منه حسن تطبيق التعدد ، بل وتحقيق سنة
النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته من بعده في التعدد ، فيصحح مفهوماً قد
شاع سوء فهمه بين الناس ، بالإضافة إلى ترقب أن يرزقه الله بالذرية الصالحة
والتي سيتقي الله في تنشئتها النشأة الصالحة الفاعلة في المجتمع بإذنه تعالى ، ولو
مثلنا لذلك بمثل عددي ربما وضح القصد ، وهو أنه لو اكتفى الرجل الصالح بزوجة
واحدة فإن نتاج ذلك -إن شاء الله- من الذرية على أقل تقدير أربعة من البنين
والبنات وسيتوقع أن يكون أغلبهم من الفئة الصالحة الفاعلة لصلاح أبيهم وبركة
تقواه - إذ شرط الصلاح في هذه القضية مهم جداً - ، ومن ثم سيكون مكسب
المجتمع المسلم (زوجة صالحة + فئة من الأولاد الصالحين ) ، ولكن لو عدد هذا
الرجل الصالح وأعانه المجتمع المسلم على ذلك ، فإن مكسب المجتمع المسلم سيكون
أكثر بكثير من البنين والبنات من ذوي الصلاح والفاعلية -إن شاء الله- ، ومن ثم
ستكون هناك زيادة في عدد الصالحين . ويلاحظ أن الزيادة المرتقبة ليست قليلة بل
هي ربما تعادل ثلاثة أضعاف أو أكثر حسب مشيئة الله ، وقد لا يخفى على المسلم
البصير أن هذا النفع الدعوي من التعدد ، ربما كان هو الذي حدا بأعداء الإسلام إلى
محاربته ، وخاصة بين الفئة التي يرجى صلاحها وفاعليتها في المجتمع المسلم ،
كما أنه من واقع تطبيق التعدد في حياة مجتمع القدوة في عهد السيرة والراشدين ، قد
يندر أن يكتفي صحابي بزوجة واحدة ، أفلا يجدر بنا ونحن في هذا الواقع المرير
أن نتدبر أسباب ما آل بمجتمعاتنا الإسلامية وما وصلت إليه من حال بئيس في
جميع المجالات ، وخاصة المجال الاجتماعي الذي أهمل شأنه طويلاً حتى أصبحت
قضاياه ظواهر اجتماعية بارزة للعيان قد يصعب تداركها الآن بعد أن استفحل
خطبها ، فالله المستعان وعليه التكلان ، وعسى أن تثوب هذه الأمة إلى رشدها ،
وتتلمس حقيقة الثغور التي تؤتى من قبلها فتسارع إلى حراستها بالنفس والنفيس .
عزوف أغلب الفتيات عن الارتباط بالرجل المتزوج ،
مما ثنى كثيراً من الرجال عن التفكير في التعدد ، بل والحياء من قضية عرضه ،
سواء في محيط
أسرته أو في محيط المجتمع ؛ إذ معظم الناس في مجتمعاتنا ينظر إلى القضية على
أنها قضية أهواء شخصية محضة .
وتفنيد ذلك يتطلب معطيات إيمانية قوية ، وممارسات شرعية ظاهرة ،
والمقصود بذلك : 1- تصحيح المفاهيم ، ببيان حقيقة التعدد والضوابط العقدية والشرعية فيه من
تقوى الله عز وجل ، وإخلاص التوجه إليه في الإقدام على هذا الأمر ، والحرص
على الذرية الصالحة ، وتكثير الفئة الصالحة في المجتمع ، وتحقيق العفاف لنسائه
والرقي بهن إلى مصاف نساء السلف الصالح فكراً وممارسة ، والأخذ بيد المرأة
المسلمة إلى تقديم دينها على ما سواه في حياتها ، وتحكيمها لشرع الله ورضاها به
وتسليمها لما جاء به ، فسعادتها في تحقيق دين الله في نفسها ومحيط أسرتها ، وإن
وهبها الله فقهاً في الدين فلتكن خير معين لأختها في غرس بذور الإيمان بأحكام
الشرع والرضا بالتسليم بها ، فكراً وممارسة ، وتنقية النفوس مما من شأنه أن يثير
البغضاء والشحناء ، ولتعلم أن خير معين لها في ضبط سلوكياتها وانفعالاتها وتوجيه
أفكارها هو التمسك بدينها والفقه فيه والعمل به ، إذ به تتحقق المقاصد الإيمانية ،
وتتهذب النفوس والطباع ، ولا غرو أن حثّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على
الزواج من ذات الدين وتفضيلها من بين النساء ، بقوله : ( تنكح المرأة لأربع :
لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك ) ، لأن من
جعلت إيمانها نصب عينيها ، وسعت جاهدة في خدمة دينها ، وتيقنت أن الدنيا دار
ابتلاء وفناء ، وأن الآخرة هي دار القرار والبقاء ، فإنها لن توصد أبواب الخير في
سبيل أعراض دنيوية ومصالح ذاتية ، وستحاول أن تجعل نظرتها لما شرع الله من
أحكام ذات أبعاد إيمانية ، تغرس في نفسها الرضا والتسليم بحكم الله ورسوله ، قال
تعالى : فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي
أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً
، وحينئذ يمكنها أن تنظر
إلى قضية التعدد على أنها باب من أبواب الخير والدعوة إلى الله ، فزوجها يمثل
الرابط المشترك بينها وبين أختها في الله الثانية أو الثالثة أو الرابعة ، وأبناؤها
وأبناء أخواتها في الله هم أخوة لأب واحد ، وإن أبناءه هم أبناؤها ، ومن ثم فالعلاقة
وثيقة قريبة ، فلتتعاون هي وأخواتها في الوعي بحقيقة هذا الدين ، والوعي بالتربية
الإسلامية الحقّة التي يُرتجى منها جيلٌ قوي يعيد لهذه الأمة مجدها وعزتها ، ولتعلم
أن هذا الأمر لا يمكن أن تقوم به جهود أفراد ، وأن القضية في حاجة ماسة إلى
جهود جماعية واعية بصيرة ، وأنّى لهذه الأمة بهذه الجهود الجماعية الفاعلة دون
مشاركتك أنت ، أيتها المرأة المسلمة ؟ .. فالرجل الصالح يحتاج لمن يأخذ بيده
ويدفعه للأمام دائماً ، فما بالك إن تعاونت أنت وأخواتك على ذلك ؟ .. وتعاضدتن
على حسن تربية أولاده ومعاونته في ذلك ، فيد الله مع الجماعة أينما كانت ،
والقضية قضية إيمانية في الدرجة الأولى تحتاج منك أيتها المرأة المسلمة تجرداً
ذاتياً لله تعالى ، وتوجهاً خالصاً في خدمة هذا الدين ، وتطلعاً إلى تحقيق واقع جيل
القدوة في حياتنا المعاصرة ، فأمهات المؤمنين الطاهرات خير قدوة ، والصحابيات
العفيفات خير أسوة .. وكوني على يقين أن الله تعالى سيعوضك خيراً ، ولن يضيع
عملك الذي ابتغيت به وجه الله راضية مسلّمة بحكمه ، مقتدية بسنة نبيه - صلى الله
عليه وسلم - وأصحابه من بعده ، قال تعالى : أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن
ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ
..
2- الحرص على الممارسات الشرعية في التعدد من قبل الطرفين الرجل
والمرأة ، ويقصد بذلك ضبط السلوكيات ضمن ضوابط الشريعة ، وتوجيهها في
إطار العقيدة ، أي محاولة أن يكون الهدف من وراء التعدد من قبل الرجل ، وقبول
الزوجة به ، ذا أبعاد إيمانية ، يعلوها صدق التوجه لله في ذلك وطلب مرضاته
بخدمة هذا الدين ، وتحقيق العفاف في صفوف أفراد المجتمع الإسلامي ، وتكثير
الذرية الصالحة ، وضبط الممارسات تبعاً لهذه الوجهة العقدية الشرعية والتي تكفل
انضباط الأخلاقيات ضمنها على قدر رسوخها واليقين بها ، والتي تجعل قبول المرأة
للتعدد يتوجه للتسليم الخالص به ابتغاء مرضاة الله ، وخدمة دينه ، وتجعل شراكة
الزوجات ، شراكة إيمانية قوامها التعاون على البر والتقوى ، ومعينها سعة صدر
المؤمنة لكل ما من شأنه خدمة هذا الدين ، والمساهمة في تربية جيل يرتجى
صلاحه وفاعليته : والْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ويُطِيعُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ أُوْلَئِكَ
سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
.
فعسى الله أن يرحمنا ويعفو عن تقصيرنا في فهم هذا الدين ، والوعي بعظم
مقاصد شريعته ، ونرجو أن يرزقنا الفقه في الدين ، وتمثله فكراً وممارسة في سبيل
واقع أفضل .