رحمك الله يا ابي

في غرفة صغيرة يرقد بها ذلك الجسد الضعيف
الذي انهكه المرض والتعب وبإيمان قوي
وصبر لا يمل بقضاء الله وقدره ودع ذلك
القلب الطاهر تلك الاعين الباكية وسط
تهليل وتكبير وذكر وآيات تتلى في تلك
الجمعة المباركة.
دقات قلب تكاد ان تبطئ في دقاتها وقلوب
اخرى تتسارع دقاتها يكاد الكل يسمعها -
وفجأة!! يتوقف كل شيء تظلم تلك الغرفة لا
تكاد ترى شيئاً سواه فكان كالشمس
الساطعة في وسط النهار.
ذهب ابي الى رحمة الله التي تسع كل شيء.
تركنا وترك كل شيء وراءه ورحل بقلب راض
مستبشر.
ترك لنا اعظم شيء سيرته التي نفخر بها
واخلاقه التي طالما اوصانا بها التي حفرت
في قلوب الناس وزرعت حبه وتقديره في
الكثيرين من حوله.
كان نعم الصديق والرفيق والأب الحنون
الودود.
كان يشارك الكثيرين في همومهم وافراحهم
كان يساعدهم بالنصح والمشورة وبكل ما
يستطيع فعله لتخفيف آلامهم وافراحهم.
“أبي” افتقدك كثيرا ولا انسى تلك
الكلمات الرائعة التي سبق وان ودعتني بها في
يوم زفافي:
غداً ستطرق كفي باب غرفتها
فلا يجيب لطرقي أيُّ ديَّار
هديل قد هجرت داري فوا أسفي
كيف استحلت فراقي دون إشعاري
كانت “هديل” تغنيني وتطربني
طارت هديل وطارت كل أطياري
“تغريد” نرمان” نجوى” قد سبقن إلى
أزواجهن وبات القلب في نار
واليوم آخر أزهاري تودعني
يا ويح روضي خلا من كل أزهاري
وها انا اليوم اقف امام غرفتك ابحر فيها
ابحث عنك هذه نظارتك بجوار مصحفك..
وهذه سجادتك الصغيرة التي كنت اجلس ليلا
بالقرب منك قبل ان تنام..
سريرك بارد الآن.. ولكن ما زال عطرك يفوح
في المكان وما زالت روحك المرحة تجول
في انحاء المنزل اراك في كل ركن فيه هنا
ضحكت وهنا دمعت عيناك من اجلي وهنا كنت
تنظم تلك القصائد الرائعة بسكون وهدوء
لتفجر ذلك النبع الذي ما زال يفيض حتى
الآن لينهل منه الكثيرون..
ابي “اشتقت اليك ما زلت لا اصدق انك رحلت
وتركتنا.. اشعر بوجودك جواري... اراك
دائما امامي ابي هذا قدر من ربي مكتوب
علينا فلا اعتراض على حكم الله الحكيم
وما بيدي حيلة غير الدعاء لك بالرحمة
ليلا ونهارا عسى ربي ان يتقبل دعائي.
اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه
واكرم نزله ووسع مدخله ونقه من الذنوب
والخطايا كما ينقى الثوب الابيض من
الدنس واغسله بالماء والثلج والبرد وآخر
قولي:
(انا لله وانا اليه راجعون)... رحمك الله
يا أبي واسكنك فسيح جناته.
ابتك الصغرى