السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرحبا اخواتي الفراشات
هل تعانين من ادمان حاد ومبالغة في الشراء ؟
لدرجة يصعب عليك السيطرة على ذلك ؟
العلماء يُصورون دماغ الإنسان لتعليل الإسراف في الاستهلاك الشرائي
الجاحظ لم يُبالغ في وصف ألم البخلاء
هل من الممكن أن يكون لدى الأطباء حل للإشكاليات اليومية الجارية في أسواق الأسهم المحلية والعالمية؟
وهل مشاكل الأسواق هذه والخسائر التي يتكبدها البعض يُمكن تفاديها باستخدام وسائل طبية للكشف عن قدرات الإنسان على التعامل السليم مع متغيراتها ومدى استعداده لاتخاذ قرارات مناسبة؟
بعبارة أخرى هل من الأفضل للبعض، والضروري للبعض الآخر، أن يمر على
عيادة الطبيب قبل دخوله أو بدء تعاملاته في أسواق البورصة كي يمنع وقوع الخسائر المادية والأضرار الصحية والنفسية والاجتماعية المترتبة على السلوكيات العشوائية في البيع والشراء؟
الإجابة أقرب ما تكون الى نعم ، لأن ما يجري في هذه الأسواق وتفاعلات المتعاملين فيها ما هي إلا لعبة ذهنية COLOR] تخضع للفهم الدقيق للعقل وطريقة تفكيره. والعلم في هذا الجانب تقدم في إعطاء معلومات عن تركيبة عقل الإنسان وطريقة تفكيره وما يُؤثر عليه في اتخاذ القرارات، خاصة المالية منها، بدرجة يُمكن لمن شاء الاستفادة من العلم، أن يستغلها للكسب بشكل سيئ من أخطاء المستثمرين صغاراً وكباراً، أو أن يُسخرها بشكل مفيد نحو نجاح أدائه في التعامل مع تقلبات أسواق البورصة. والأمر برمته ليس بدعاً وليد اللحظة أو شيئاً جديداً، بل التجارة حرفة بشرية قديمة، والتقلبات تمر بأسواق عالمية شتى بشكل متكرر، ما أتاح الفرصة للكثير من الباحثين، الطبيين وغير الطبيين، تعلم الكثير عنها، وعرض نتائج دراساتهم في المجلات العلمية الطبية والمؤتمرات الطبية.
وثمة اليوم العديد من الهيئات والمجلات العالمية الطبية، التي تُعنى بأبحاث ودراسات الاستثمار المالي في أسواق الأسهم أو غيرها من الميادين الاقتصادية. وعلم الأعصاب الاقتصاديN****economics هو أحد وجوه الاهتمام الطبي بجانب هذا السلوك البشري الطبيعي في الاستثمار المادي.
- آلية تفكير الشراء تمكن مجموعة من العلماء الأميركيين، لأول مرة، من استخدام تقنية متطورة في التصوير الوظيفي للدماغ بالرنين المغناطيسي functional magnetic resonance imaging (fMRI)، بغية الحصول على صور عالية الجودة ترصد للباحثين المناطق التي تنشط في الدماغ أثناء محاولة الإنسان اتخاذ قرار إما بشراء احدى السلع الاستهلاكية، أو عدم ذلك. وقام بالدراسة مجموعة من الباحثين في الولايات المتحدة من جامعة كارنيغي ميلون في بيتسبيرغ، وجامعة ستانفورد بكاليفورنيا وكلية مت سلون مانجمنت في ماساتشوسس. ونُشرت في عدد يناير من مجلة نيورون لعلوم الأعصاب.
وتعتبر الدراسة هذه الأحدث في سلسلة من الدراسات العلمية لما يُعرف اليوم بعلم الأعصاب الاقتصادي. وهو أحد فروع علم الأعصاب التي تُعنى بالبحث في العمليات الذهنية والعصبية في آليات اتخاذ القرارات الاقتصادية. وتتبنى النظريات الاقتصادية تقليدي اً أن الإقدام على شراء سلعة معينة أو عقد الصفقات التجارية محكوم لدى الإنسان بمحصلة الموازنة بين الرغبة في اقتناء السلعة إزاء سعرها. وكانت غاية الباحثين تمحيص مدى سلامة هذا الاعتقاد الشائع بين الاقتصاديين، المعتمد على ترجيح الإنسان للربح والفائدة أمام الخسارة وعدم الجدوى، عبر فهم أفضل ودقيق لمجريات الأحداث داخل أجزاء الدماغ المختلفة عند اتخاذ مثل هذه القرارات.
و كانت دراسات تصوير الدماغ السابقة قد وجدت أن ثمة عدة أجزاء، منفصلة وظيفياً وعضوياً، في الدماغ يظهر النشاط والتفاعل فيها حينما يواجه الإنسان ظروفاً أو أوضاعاً تتعلق بالربح أو الخسارة المالية، الأمر الذي دفع الباحثين الى توسيع نطاق المعرفة لما يجري داخل الدماغ أثناء قرارات مماثلة لكنها من النوع الاختياري، كالشراء مثلاً. وبني الباحثون دراستهم الأخيرة على اعتقادهم بأن مناطق دماغية متميزة ستنشط ويظهر فيها التفاعل حينما تُعرض للإنسان سلع مختلفة عليه أن يتخذ قراراً حيال شرائها، ما يُمثل رغبة في تملكها، وأيضاً تفاعل أجزاء دماغية مع الرغبة في شرائها عند معرفة أثمانها، ما يُمثل حسابات الفائدة أو هدر المال بلا جدوى. وأراد الباحثون أن يتمكنوا من معرفة هل بمقدورهم توظيف نتائج بحث هذا الأمر في النجاح بتوقع متى يُقدم الإنسان على شراء السلعة ومتى يُقرر عدم ذلك.
وقام العلماء بإشراك 26 شخصاً بالغاً في الدراسة. حيث تم إعطاء كل منهم 20 دولارا، وطُلب منهم إنفاقها في اختيار شراء احدى السلع التي تم عرض صورتها وثمنها على شاشة تلفزيونية أمامهم، على أن تُشحن الى عناوينهم لاحقاً. وكان كل مُشارك، أثناء عرض السلع عليه، يجلس داخل جهاز التصوير الوظيفي للدماغ بالرنين المغناطيسي، ليتم آنذاك متابعة ما يجري داخل أجزاء دماغه ورصد أي تغيرات في نشاطها خلال عرض السلع واتخاذ القرار حيال اقتناء أي منها. كما وتم إخبار المشاركين أنه في حال لم يشتروا أي شيء فإن بإمكانهم الاحتفاظ بالمبلغ.
- نتائج علمية ووجد الباحثون من تحليل نتائج الصور المتتابعة للدماغ، أن مجرد عرض السلعة على الشاشة يُحفز نشاط وتفاعل منطقة تقع تحت قشرة الدماغ subcortal brain، تُدعى نواة أكمبنس nucleus accumbens وهي منطقة معروف أنها تنشط وتتفاعل عند توقع اللذة أو المتعة المجردة بما لا علاقة لها بإعمال الفكر والتأني في اتخاذ القرارات، لأنها من المناطق الدنيا في دماغ الإنسان التي من طبعها الانسياق وراء أي إغراء، حتى الإغراء الادماني. ولذا تلعب دوراً متساوياً في التعامل مع أنواع شتى من المردودات مثل الحصول على الطعام أو ممارسة الجنس أو لذة ممارسة ألعاب الفيديو بخلاف مناطق قشرة الدماغ، التي يتميز بها الإنسان، وتحتوي ما يُوفر قدرات ذات تأثير في رفع مستوى التفكير. ولا يعني هذا العلو في درجة التفكير أي سمو بالضرورة في معنى ما يُفكر فيه. بل هذه القدرات ربما تكون من صنف وربما أنها فقط تخدم طبائع مختلفة يتميز بها بعض الناس عن غيرهم سواء من الفضائل كالكرم أو من الطبائع غير المحببة كالبخل.
لكن حين عرض سلعة ذات ثمن عال فإن الأمور تتغير، إذْ يحصل أمران مهمان في الدماغ يدلان على مدى تدخل مناطق في الدماغ تمتاز بأنها عالية قدرات التفكير واتخاذ القرارات وفق ما هي طبائع الإنسان أو محصلة خبراته.
ولذا ينشط تفاعل منطقة في قشرة الدماغ تُدعى إنْسيُلا insula. وزيادة نشاط المنطقة هذه يعمل على إلغاء نشاط منطقة قشرة الدماغ الوسطى فيما قبل الناصية medial prefrontal cortex. ومن الناحية الوظيفية، فإن منطقة إنسيلا يُعتقد بأن لها علاقة بالشعور بالألم وبعدد من المشاعر العاطفية الأساسية لدى الإنسان كالغضب أو القرف أو الخوف أو السعادة أو الحزن.
بالإضافة الى تفاعلها مع الاحتياجات الغريزية الواعية للإنسان كالرغبة المُلحة في الأكل أو الالتزام بتناول الأدوية. لذا فإنها منطقة تربط ما بين المعلومات المتعلقة بالجسد وعمليات ذات مستوى عال من التفكير والمشاعر.
أما منطقة قشرة الدماغ الوسطى في ما قبل الناصية، فنشاطها مرتبط بقرارات الموازنة بين حسابات الربح والخسارة، التي تنشط عادة قبيل اتخاذ قرار الإقدام على الشراء. وأهم ما تقوم المنطقة هذه من الدماغ به هو إجراءات التنفيذ، التي يتطلب القيام بها التمييز بين الأفكار المتضاربة لتحديد ما هو الأفضل أو الجيد أو السيئ منها. وكذلك توقع الحسابات المستقبلية لأنشطة الإنسان. والعمل على تحديد الأهداف التي يسعى الإنسان اليها وتوقع المردود منها. ولذا فهي تقوم بضبط القيام بالتصرفات الاجتماعية أو التمادي فيها، التي تترتب عليها عواقب اجتماعية أو قانونية.
- عقلية استثمارية هذه الآليات الممتعة من نتائج الدراسة في فهم كيفية إقدام الإنسان على شراء سلعة ما، تعني أنه في أثناء اتخاذ القرار العقلي، للشراء أو عدمه، تتفاعل ابتداءً من مناطق في الدماغ مرتبطة وظائفها بتوقع اللذة، ثم يتبع نشاطها ذلك نشاط المناطق المعنية بموازنة الربح والخسارة. أما في حال ارتفاع ثمن السلعة فإن مناطق عالية القدرات في التفكير والتمييز، والغنية بالخبرات من الماضي أو غيره، تتدخل وتنشط لتضبط قرار الشراء. بل ويُلغي نشاطها فعلاً تفاعل أي مناطق قد تدفع الإنسان للشراء. ومن الطريف أثناء إجراء الباحثين للدراسة وتحليلهم صور أنشطة أو خمول مناطق الدماغ المختلفة، أنهم قالوا أصبح في مقدورنا توقع ما إذا كان سيُقدم الشخص على شراء السلعة المعروضة أمامه في الشاشة أم لا، إذْ أنه متى ما بدأت بعض مناطق الدماغ، المرتبطة بإجراء الإنسان لعملية الموازنة بين الربح والخسارة، في زيادة نشاطها وتفاعلها فإن ذلك يعني أن الشخص سيُقدم على الشراء، وحصل ذلك كما توقع الباحثون، بعكس ما لو رصد الباحثون من تحليل الصور أن ثمة سيطرة لنشاط مناطق قشرة الدماغ التي تنشط عند الإحساس بأن ثمن السلعة أعلى من فائدتها، وبالتالي لن يُقدم الشخص على الشراء. والنتائج هذه تعيد ترتيب أوراق فهم آليات تفاعل الدماغ أثناء قرارات الشراء. إذْ تُظهر الفارق في تأثير اتخاذ القرار بين إما متعة الاقتناء العاجلة، أو تأخير عيش المتعة تلك بشراء شيء آخر في وقت لاحق. وفي الوقت نفسه أوضحت أن العامل الحاسم في كبح جماح، أو فرملة، عملية الشراء والإسراف فيها هو وقع وتأثير الثمن على العقل وألم فقد المال عند الإقدام على الشراء آنذاك. وهو ما يُبرر اختلاف الناس في الإقدام على الإسراف في الاستهلاك الشرائي في حال الدفع نقداً وفي حال استخدام البطاقات الائتمانية، حيث يخف ألم فقد المال ويقل وقع رقم الثمن عند الشراء بالبطاقات الائتمانية مقارنة بالدفع نقدا كما يُقال. وكذا جوانب آليات النجاح في التوفير المالي ودواعي الالتزام به. وكذلك إما تعجيل المخاطرة من أجل الربح أو تأخيرها في يوميات أنشطة البورصة.
وأيضاً قد تبرر ما كان يصفه الجاحظ في كتابه البخلاء من ألم ومعاناة حقيقية يعيشها البخيل طوال حياته، كلما أنفق شيئاً ولو يسيراً من ماله! لأنه آنذاك تنشط مناطق مرتبطة بالألم لتسيطر على سلوكه حينما يفقد جزءاً من المال الذي يعتقد أن لا ضرورة لأي هدر منه. كما لا يستطيع البخيل ضبط إظهاره البخل أمام الناس لأن المناطق التي نشاطها يضبط التمادي في التصرفات غير المقبولة اجتماعياً تكون خاملة آنذاك أيضاً.
تمنياتي لك بتسوق سعيد
دمتن بخير وعافية
وفقكِ الله وحفظكِ اللهم امين