- كريمة الأصل
- كرم وعطاء
- شجاعة
رباها أبوها على عزة النفس والاعتزاز بأنوثتها وعلمها وأدبها وكانت عائشة بنت طلحة إحدى “سيدات” عصرها، تقرأ الشعر وتتذوقه وترويه ولها مجلس أو “ندوة” أدبية يُدعى اليها الشعراء والأدباء وسادة القوم.
وكانت لا تحتجب من الرجال فتجلس وتأذن لهم بالدخول عليها وهي في كامل لباسها.
يروي ابن إسحاق عن أبيه: دخلت على عائشة بنت طلحة بن عبيد الله وكانت تجلس وتأذن كما يأذن الرجل
وقال أنس بن مالك لعائشة بنت طلحة: إن القوم يريدون أن يدخلوا اليك فينظروا إلى حسنك ! قالت: أفلا قلت لي فألبس حسن ثيابي.
ولقد أسهب كتاب السير والمؤرخون في الحديث عن افتتان الرجال بجمال عائشة بنت طلحة وقوة شخصيتها ووضع الملايين والجواهر تحت قدميها كي تقبل بالزواج منهم. ورغم أنها لم تنجب إلا ولداً واحداً طوال حياتها، وهذا كان ينتقص من قدر المرأة وقيمتها في المجتمعات العربية، رغم هذا فإنها كانت لا يرد لها كلمة، بل إن أحد أزواجها أيقظها من نومها كي يهديها عدة جواهر فما كان منها إلا أن صرخت فيه بأن النوم كان أعز عليها من هذه الجواهر التي ألقاها في حجرها.
كريمة الأصل
فالحقيقة إن ترفع عائشة بنت طلحة واحتقارها للمال هو نتاج طبيعي لشخصية الرجل الذي رباها وأدبها فأحسن تأديبها. فهي ابنة لأبوين كريمين: الأب هو الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية الذين رشحهم عمر بن الخطاب للخلافة بعده.
وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم “من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على رجليه فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله”.
وسماه الرسول صلى الله عليه وسلم بطلحة الفياض حين اشترى بئراً ووهبها للمسلمين، ونحر جزوراً وأطعم الناس، وسماه النبي يوم خيبر بطلحة الجواد.
كرم وعطاء
دخلت عائشة على والديها يوماً فوجدت والدها حزيناً شارداً فسألت أمها: ما بال أبي؟ فوجهت الأم السؤال إلى الأب فلم يجبها. فقالت: أرابك شيء من أهلك فتعتب؟ فقال طلحة بن عبيد الله: نعم حليلة المرء أنت، ولكن عندي مال قد أهمني أو أغمني. قالت الزوجة سعدي بنت عوف: أقسمه وتصدق به. فدعا طلحة جاريته وقال لها: ادخلي عليّ قومي..
فدعت الجارية بني تيم قوم طلحة فقسم المال (وكان أربعمائة ألف) بينهم حتى ما بقي منه درهم. ونظرت عائشة الى أبيها وبكت وهي تدعو له بالبركة والجنة.
وباع طلحة أرضاً له إلى عثمان بن عفان بسبعمائة ألف دينار ونظر إلى المال ودمعت عيناه وقال: إن رجلاً تبيت هذه الاموال في داره لا يدري ما يطرقه من أمر الله العزيز لمغرور بالله.
ودعا طلحة أصحابه فحملوا المال ومضوا في شوارع المدينة يوزعون المال حتى أسحر طلحة وما عنده منها درهم.
ويعلق جابر بن عبدالله: ما رأيت أحداً أعطى لجزيل مال من غير مسألة من طلحة بن عبيد الله.
وخطب عمر بن الخطاب والزبير بن العوام وعلي بن أبي طالب أم أبان بنت عتبة بنت ربيعة فرفضتهم جميعاً. ثم خطبها طلحة بن عبيد الله فرضيت وقال: زوجي حقاً. فقيل لها: وكيف ذلك؟ قالت أم أبان بنت عتبة: إني عارفة بخلائقه (أي بطباعه) إن دخل دخل ضاحكاً وإن خرج خرج بساماً، إن سألت أعطى وإن سكت ابتدأ وإن عملت شكر وإن أذنبت غفر.
وبين يدي أب يتمتع بمثل هذه القيم وعلى هذا النحو من الأخلاق الكريمة، خصوصاً فيما يتعلق بمعاملة النساء، نشأت وترعرعت عائشة وأخواتها: أم إسحاق، والصعبة، ومريم.
ونهلت عائشة أيضاً من علم بيت النبوة فهي ابنة أخت السيدة عائشة أم المؤمنين. وتزوجت بابن خالها عبدالله عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق، وأنجبت منه ابنها الوحيد الذي سمي طلحة على اسم أبيها.
كانت تحب أباها حباً كبيراً فقد جاءها رجل وقال لها: رأيت طلحة في المنام فقال: قل لعائشة تحولني من هذا المكان، فإن التز - الرطوبة - قد آذاني.
فركبت عائشة بنت طلحة في حشمها وأخرجوه من قبره الذي كان مجاوراً للنهر عند البصرة. وقال الراوي: فلم يتغير منه إلا شعيرات في أحد شقي لحيته أو قال رأسه. وكان بين وفاته ونقله أكثر من ثلاثين عاماً.
خلافات مع مصعب
وبعد وفاة عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق تزوجت أمير العراق مصعب بن الزبير وقدم لها مهراً نصف مليون درهم.
ولأنها بنت أبيها فلم تكن ترضى بمعاملة أقل ولا أفضل. لذلك كثرت خلافاتها مع زوجها مصعب حتى انها قالت له ذات يوم غاضبة:: أنت عليّ كظهر أمي، وهجرته في غرفة كانت معدة لهذا.
وحاول مصعب أن يصالحها فأبت. فبعث اليها ابن قيس الرقيات فقالت له: وكيف بيميني أي أنت عليّ كظهر أمي؟! فاستفتى الشعبي فقيه أهل العراق ثم رجع اليها قال: يمينك ليس بشيء..
وعادت إلى مصعب لكنها كانت تمتنع عليه في غالب الأوقات. فقد دخل عليها يوماً وهي نائمة ومعه ثماني لؤلؤات قيمتها عشرون ألف دينار ونثر اللؤلؤ في حجرها فقالت: نومتي كانت أحب اليّ من هذا اللؤلؤ.
ورغم شكواه الدائمة منها فإن مصعباً كان يحب عائشة التي كانت تنتمي إلى أسرة مشهور عنها أن نساءها محببّات إلى أزواجهن.
ولما قتل مصعب بن الزبير تزوجت عمر بن عبيد الله بن معمر بن عثمان التيمي سيد بني تيم في عصره، ومن كبار القادة أيام إمارة مصعب للعراق، وتولى إمارة بلاد فارس سنة 68 ه والبصرة في عهد عبدالملك بن مروان، وقدم لها مهراً ألف الف درهم - أي مليون درهم. وظلت عائشة زوجة لعمر بن عبيد الله ثماني سنوات ثم مات عنها في سنة 82 ه فندبته قائمة ولم تندب أحداً من أزواجها إلا جالسة فقيل لها في ذلك، فقالت: إنه كان أكرمهم عليّ وأمسهم رحماً وأردت ألا أتزوج بعده.
شجاعة
وكانت لا تهاب أحداً. فقد دخلت على الوليد بن عبدالملك وهو في مكة فقالت: يا أمير المؤمنين مُرْ لي بأعوان. فضم اليها قوماً يكونون معها فحجت ومعها ستون بغلاً عليها الهوادج ثم خطبها جماعة ولم تتزوج أبداً. وظلت على هذا الوضع فكانت تقيم في مكة سنة وفي المدينة سنة، وتخرج إلى رعاية مالها في الطائف وقصر كان لها هناك تتنزه فيه وتجلس في العشيات فيتناضل بين يديها الرماة.
وفي إحدى حجاتها أرسلت إلى الحارث بن خالد المخزومي وهو أمير على مكة من قبل عبدالملك بن مروان فقالت: أَخر الصلاة حتى أفرغ من طوافي.
فأمر المؤذنين فأخروا الصلاة حتى فرغت من طوافها ثم أقيمت الصلاة فصلى بالناس. وأنكر أهل الحج فعله ذلك واشتكوه فعزله عبدالملك بن مروان.
وعاشت عائشة بنت طلحة حياتها. كما أرادت مؤمنة قوية حرة، ويصفها الذهبي: كانت أجمل نساء زمانها وأرأسهن وحديثها مخرج في الصحاح.
وروت عائشة بنت طلحة عن خالتها أم المؤمنين. وروى عنها طلحة بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق وحبيب بن أبي عمرو وابن أخيها طلحة بن يحيى وابن أخيها الآخر معاوية بن إسحاق وروى لها الجماعة. وقال عنها يحيى بن معين: ثقة وحجة. وقال العجلي: مدنية تابعية ثقة. وذكرها ابن حبان في الثقات.
وعاشت رضي الله عنها والناس يتحدثون عن فضلها وأدبها وعلمها، فلم ترض بأن تكون جميلة ثرية فقط وإنما كانت أديبة ذات دراية بأخبار العرب وأشعارهم.
وتوفيت عائشة عام 110 ه ودفنت في المدينة المنورة.
منقول
لا تنسوني بخالص الدعاء
لقد اخترتي افضل النساء لتروي قصتها
ولك خالص الشكر والتقدير
ودمتي بخير