- رحلت رهف
كاتبت القصة ( سارة حمود الحارثي )
رحلت رهف
يوم الأربعاء الموافق 16/ 7 / 1425 هجري , الساعة 5:30 مساءاً , في مستشفى الهدى بالطائف
كانت إشراقة ذلك اليوم جميلة.. ليست كأي يوم مضى .. فقد ابتسمت الشمس لنا منذ بداية اليوم .. ومع ابتسامتها تفاءلنا بكل خير .. فقد زفت لنا بشرى .. ليست كأي بشرى .. بشرى ولادت أختي لابنتها وأول حفيدة لنا .. وأول من سينطق ويردد لسانها بخالتي سارة .. ابتسمت ابتسامة عريضة .. كان المبتسم قلبي ليس أنا .. بدأت الصراخ كالأطفال ودون شعور من بدأت الترديد: خالة سارة .. خالة سارة .. بد أ الخيال يصطحبني بعيداً .. سأدللها أنا .. سأعلمها القراءة والكتابة .. سأعلمها كيف تناديني بخالة سارة .. فأنا أريدها أن تحترمني .. لا أريد العبث منذ البداية .. فقوانيني صارمة .. وأريد الجد والحزم .. أنا من سيزفها ليلة العمر .. بدأت التعمق في التفكير إلى ما لا تتوقعونه .. بدأت الركض لا شعورياً داخل أرجاء المستشفى وأنا أصرخ وأضحك .. وبحالة هستيريه .. فسعادتي كانت لا توصف .. فقد غمرت في فرح ونشوة سرور لم يوقضني منها سوى ذلك الصوت الخشن .. صوت كرهته ولا أريد سماعه مدى الحياة .. صوت جعل سعادتي مؤقتة وشقاءي دائم .. صوت جعل نجاتي محتملة وهلاكي مؤكد .. امتزجت دموعي واختلطت دموع فرح وحزن .. صوت جعل قلبي يتحطم كالزجاج .. ويتمزق كالأوراق .. صوت جعلني أسمع داخل قلبي صخور تتهاوى .. ورعد وبرق وأعاصير ورياح قوية .. صوت أشبه بصوت الشبح .. صوت الدكتور يقول وبلا رأفة ورحمة : إنها بحاجة لعملية .. ونسبة نجاحها ضئيلة .. وستجرى لها يوم الثلاثاء 27 / 8 / 1425 هجري . تمام الساعة 9:30 صباحاً في مستشفى الهدى بالطائف . أكرهه. أكرهه .. لا أحبه .. كم تمنيت تلك اللحظة لو الموت بين يدي حتى ألقيه عليه .. رأيت علامات الشر متمثلة أمام عينية .. وكأنه جزار اعتاد رؤيت وهدر الدم وقطع اللحم .. بكيت أردت وبكل صدق أن أكون مكانها .. وليست هي .. كانت في أجمل حله فمنظرها لا زال بمخيلتي إلى الآن .. طفلة تمثلت بها كل ألوان البراءة ..عيناها تلمع وبها طيف أمل علَ الله أن يكتب لها الحياة .. بها بريق ولمعان لا أعلم مصدره .. كانت نظراتها حادة وقوية تنبأنا بخبر لا نعلم ما هو .. ربما كانت نظرات مواساة لنا نظرات شفافيةٍ ورقةٍ وإحساس .. ثغرها كان رائع جداً زادها تألق وجمال .. كانت سمراء .. ولكن سمرة تعلوها حمرة وكأنها عروس ليلة زفافها .. كنت أتأملها ودموعي تجري على خدي .. حاولت أن أتوقف لم أستطع .. نظراتها لي كلها ترجي وجدوى وشفقة .. نظرات اليأس من الحياة .. خرجت لم أعد أحتمل الموقف أكثر من ذلك .. حاولت ليلتها أن أبيت لم أستطع .. أنى وجهت وجهي أراها .. ألمح عيناها تناديني : خالة سارة أنقذيني .. دعوت الله لها ومن كل أعماق قلبي .. خرجت من غرفتي فإذا بي أرى غرفت أختي أنوارها مضاءة .. اتجهت لها علي أخفف من ألمها ومصابها وعندما اقتربت رأيتها قد ضمت رهف إلى صدرها وهي تبكي وتقول : ( عمري أنتِ .. حياتي .. رهف تكفين أنا أحبك لا تروحين وتخلين ماما .. حبي أنتِ ) أردت تخفيف مصابها - لكن الآن أنا بحاجة لمن يخفف مصابي .. أنا بحاجة لمن يحمل خوفي وهمي .. لم تهنأ أختي تلك الليالي بنوم و لا راحة فقد لازمت الدموع عيونها .. والخوف قلبها .. والقلق استوطن فكرها وجسدها .. كنت أقول: عودي يا رهف لن أجبرك على قول خالة ..سأكون خادمتك المطيعة وتلميذتك المهذبة .. فقط أرجوك عودي .. مرت الأيام وحان الموعد .. اقتربت ساعة الصفر ..حان موعد العملية الكل ينتظر ويرتقب .. وبدأ القلق والخوف على الجميع .. والتوتر تمكن من كل أعصابنا .. تم إجراء الفحوصات اللازمة لها .. وأدخلت غرفة العمليات .. كان شكلها مفزع فقد بدت كورقة خريف ذبلت وسقطت من الشجرة منذ سنين لأنها لم تجد قطرة الماء .. كانت ترتدي قميص أخضر .. وبعد مرور ساعتان وكأنها دهران .. خرج ذلك الرجل وهو يقول : الحمد لله نجحت العملية لكن أمر بسيط لا بد أن تجلس تحت المراقبة لمدة ساعة .. انتظرنا داخل الغرفة الكل ينظر لها داخل تلك الزجاجة .. وقد امتلاء جسدها بالأجهزة المخيفة .. التي حولت من شكلها الجميل إلى شكل محزن .. وجهاز دقات القلب كان يدق بانتظام .. وكان مع كل دقة يدقها يعلن ميلاد فرح وسعادة في قلوبنا .. وخاصة قلب أختي ( فوزية ) .. وبينما نحن نتأمل ( رهف ) تلك الطفلة الجميلة التي بدت وكأنها كزهرة داخل بستان .. قطع حبال تفكيرنا وتأملنا ما شل أركاننا .. لقد توقف جهاز ضربات القلب .. رحلت .. رحلت بعيداً .. نعم رحلت إلى حيث عدم العودة .. تجمدت أطراف والدتي وبدأت البكاء والصراخ .. أما أنا كنت أتمايل صامتة وكأني غصن شجرة تلعب به الريح فيذهب الغصن أينما وجهت تلك الرياح .. أما ( سعود ) والدها فقد حبست الدموع بساحل عينية .. وإنخرس لسانه .. وخر على الأرض لأن قلبه كان يبكي ألماً وحسره .. فقد رأى أول أبناءه يموت أمامه .. لم يحتمل الموقف .. حاول النهوض .. لم يستطع .. شلت أطرافه .. ولم يعد يستطيع الحراك .. وظل ممدوداً على الأرض .. أما أختي فلكم أن تتخيلوا ما حدث لها .. لم تستطع أن تحبس مشاعرها ..صرخت رهف أرجوك عودي .. رهف لا أريد الحياة بعدك ..رهف أنت قلبي يا رهف .. بدت كالمجنونة .. انحنت عند أقدام الطبيبة .. أرجوك أعيديها .. أحبها .. سأدفع لك كل ما تريدين .. خذي .. خذي ..وبدأت تخرج ما في جيبها من نقود .. وما في يدها وجسدها من حلي .. وتصرخ .. أرجوكم أعيدوها .. اقتلوني لا أريد الحياة بعدها .. وتضع يدها داخل الزجاج الذي وضعت رهف بداخله وتقول
تأملتها الطبيبة وبإستغراب شديد.. لأنها لاتعلم العربية .. ذهبت وتركتنا .. تركت قلوبنا معلقة .. وتساؤلات بأذهاننا .. لم نسمع سوى صوت أقدامها عندما ذهبت ..وبعد دقائق معدودات .. فإذا بصوت أقدام قادمة نحونا من بعيد .. وكأنة فجر جديد بدأ لنا .. لقد كانت الدكتورة تقول في تصبر لأختي وبصوت يملؤه الحب والحنان والرأفة والشفقة : فوزية .. الجهاز معطل ..رهف ما زالت على قيد الحياة .. هناك خلل بالجهاز فقط .. رهف تحسنت صحتها وبكثير .. وكأن هذا الصوت رحمة من السماء نزلت لنا ..ألجم الكل .. خر ( سعود ) ساجداً لله شكراً .. ضمت أختي الدكتورة وبدأت تقبيلها بحرارة .. وعلامات الشكر بدأت على محياها .. كنت حينها بين المصدق للخبر والمكذب .. وكأني في حلم أو دوامة أريد الاستيقاظ منها ..لكن علمت بأن هذه الحقيقة .. فقلت : سأجبرك على قول خالة .. وصرخت صرخة دوت في أرجاء المستشفى وتردد صداها في مدينة الطائف
عادت رهف
الف مبروك المولوده والحمد الله ع السلامه...
بس ليش العمليه ,,,؟؟