- إضاءة
- يقول ابن الجوزي رحمه الله :
في اليوم الذي لملمتُ فيه أشرعتي وحلقت مسافرة من عشّي الكبير المليء بقلوب الأحبة .. وهاجرت معك إليك
إلى عشنا الدافئ .. لم يدر بخلدي لحظة أن أتعرّف على الوحدة في أعمق معانيها ........
كانت الحياة حولي محفوفة بالورود الباسمة .. والطيور المغردة بحبّ على أغصان حياتي
والقلب كان يجد في كل روح سلوى .. ولقاءات حميمة بالأحبة كل يوم تجمعنا ..
على مائدة كبيرة
تتسع لكل قلب .. وتغدق بكرم معهود علينا .. فنمتلئ حباً قبل أن نملأ بطوننا طعاماً وشرابا..
لحظات مرّت .. سطرت ضحكات لا تنسى في حياتي
قبل أن أكتشف الوحدة
وتكتشفني ...........
عندما عندت بحقيبتي الملأى بأوراق الذكريات إلى عشي الجديد
رأيتك ترمقني مودعا ..
لم أدرك السبب
حتى أخبرتني الأيام مواسية بأن العش سيحتويني طيلة ساعات النهار
وسأتعرف عليها تلك الضيفة الغامضة التي لاحت لي بثياب شبح
إنها .......... الوحدة !
لا أنكر ما كان لوسادتي من جميل عليّ حين غمرتني بدفء أثير ولملمت كل دموعي الحائرة
وكأنني سمعتها يوماً تقول لي مواسية
كفى ! بالله عليك كفى .. مازلت صغيرة على الوحدة .........
وكم كانت الظلمة تحتويني لتمدّني بغزير فكر ، وتلهمني قرباً وتسبيحاً ، وحلو مناجاة أتقرب بها إلى خالقي
أبثه شكواي ، ولواعج حزني .. وهمومي التي كانت يافعةً في مثل سنّي .. حين أطرحها بقلب احتوته البراءة على أعتاب العبودية ..
عرفت الوحدة .. وكأنني عرفت حلماً بلون الليل أو شبحاً مريبا ..
عرفت الوحدة .. بوجه قبيح .. وطعم مرّ ورائحة منتنة ..
عرفت أنها سارقة الفرح .. وبأنها الشيء الذي يكدر صفاء كل شيء فكرهتها وأشحت بوجهي عنها كطفلة تائهة أضاعت قلب أمّ يحتويها ..
حتى أتت ليلة ..
واستدعاني بها قلم صغير قابع على منضدة كبيرة .. وشعرت به يناديني ..
كان غارقاً بين أوراق ورود الزينة .. تلك التي نثرتها في كل مكان لتبهج أهل المكان
وتضفي رونقاً وحياة .. على جدران لم تعرف سوى لغة الصمت ولم تدرك لحظة كنه الحياة ..
شعرت بتوأمة تجمعنا معاً .. شعرت به يناديني لنتشارك معاً حياة جديدة نصنعها معاً
كلّ بما يجيد ويدرك ..
أمسكته برفق .. وبدأت أسكب على الأوراق حكاية قلب ..
وبدا منسجماً معي .. لم يتوقف إلا عند السطر الأخير .. ولم أتوقف أنا .......
فأفكاري بدت وكأنها سجينة في ردهات الفكر .. أطلقت في لحظة أطلّت بها الشمس على زنزانة تلك الحياة
فترافعت في محاكمة استثنائية
ليتم العبور إلى ضفاف الحريّة ..
ومنذ تلك اللحظة
والوحدة صديقتي الحميمة
لا يطيب لي مقام دونها
ولا ترتسم البسمة على الشفاه حتى أراها تتصدر مجلس يومي فأحسن استقبالها
وضيافتها .. أكرمها بسخاء فلا ترحل
إلا وقد سكبت في يومي لذة قرب ، أو حلاوة مناجاة ، أو ومضة فكر أو إشراقة قلم !
لله درُّ الوحدة كم تعلمنا حين نعجز أن نجد أرواحنا في لجج الصخب
لله درُّ الوحدة حين تصقلنا وتسكب في أرواحنا معاني الصبر والصفاء والنقاء والسمو والرفعة
لله درُّها – أستاذتي الوحدة – لن أنكر لها جميلاً ما حييت
وسأبقى أخط على جدران الزمن .. كيف صنعتني الوحدة !.
إضاءة
يقول ابن الجوزي رحمه الله :
( ماسمعتُ ولا رأيت كالعزلة ، راحة وعزّاً وشرفاً وبعداً عن السوء وعن الشرّ وصونا للجاه والوقت ، وحفظاً للعمر ، وبعداً عن الحساد والثقلاء والشامتين ، وتفكراً في الآخرة ، واستعداداً للقاء الله عزّ وجل ، واغتناماً في الطاعة ، وجولان الفكر فيما ينفع ، وإخراج كنوز الحكم ، والاستنباط من النصوص . )
تمت
والاروع الاحساس بالموضوع
حبيبتي يعطيك العافيه
ولاتحرمينا من جديدك يالغلا