- ودمتم بحفظ الرحمن
- أقترب ذلك الصبي خطوات تلو خطوات .. وهاهو اللقاء قد حان..
- قالت اليابسة: إنها أنا..!!
- قال ذلك الصبي : كيف ..؟؟!
- وقف الصبي حائراً .. من الذي أفضل مِن مَن ؟؟
أرجو منكنّ رجاءاً حاراً أن تقرأن الموضوع كاملاً وتقيمنني تقييماً صادقاً
فإن كان الموضوع ممتازاً .. سأكنّ الشكر لكن من أعماق قلبي على مساعدتكنّ لي ..
ودمتم بحفظ الرحمن
أشرقت تلك الحسناء ذات الوجه الجليّ.. وقد ارتسمت على محياها تلك الابتسامة الفاتنة .. معلنة بدء نهار جديد ويوم متلألئ .. وفي أثناء تألقها وتفردها في تلك المدينة الجميلة .. وانسدال خيوطها الذهبية على المخلوقات الحية ..
كان هناك شيئان طليّان بدا على ناضر ذلك الصبي الصغير الذي وقف مبهوراً لسنيّ خلق الله وقدرته جلّ وعلا ورفعة شأنه سبحانه..
أقترب ذلك الصبي خطوات تلو خطوات .. وهاهو اللقاء قد حان..
اقترب من ذلك الخضم الغامض .. وقد أبهره ماشاهده فيه من أسرار وخلق.. بديع الصنيع.. سأله ذلك الصبي بكل حنو: لماذا أنت وحدك أيها البحر العظيم ؟؟ ألا تمل ؟؟ ألا تكل ..؟؟
أجابه ذلك البحر وقد علا محياه الفخر والاعتزاز: كيف ياصغيري تسألني إن كنت وحيداً.. أأمل أم لا ؟؟ ألا تعلم أني أنا من بداخله تلك المخلوقات الصغيرة منها والكبيرة تحيا بي بعد الله سبحانه وتأكل من خيراتي ..وتكبر في وسط أحشائي .. وبعد مشوار يدوم أعوام وأعوام تنتهي تلك المخلوقات.. وتموت وهي باقية في أحشائي .. وتدفن في أملاكي دون أن أمنعها .. أو أكفّها .. قدرة الله فوق كل صنيع يا بني..
اهتزت الأرض من تحت قدمي ذلك الصبي .. اعتنق الصبي شجيرة صغيرة كانت بجانبه .. ما أن لبث قليلاً حتى سمع صوت..
صوت من ياترى ..؟؟ إنها اليابسة تلك القشرة الواهية.. أعتقد الصبي أنها أبداً ليست بذلك المقام الذي يُقارن به أمام ذلك البحر العظيم..
تمهلت تلك الأرض قليلاً ثم تابعت وقالت: صغيري.. انظر ماحولك .. أتجد أزهاراً زاهية ..؟؟ أتجد أشجاراً شامخة..؟؟ أتجد رمال حانية ..؟؟
قال : نعم !!
قالت اليابسة: إنها أنا..!!
قال ذلك الصبي : كيف ..؟؟!
قالت تلك الأرض الواسعة: أنا التي أُزهرت الزهور والثمار من خلالي.. أنا التي وقفت تلك الأشجار الشامخة تصارع الزمن على مر السنين .. وأنا التي سارت الدواب عليّ دون أن أكل أو أتعب .. وأنا التي بنى الإنسان من فوقي ناطحات باسقات.. وأنا التي عانقت جبالي سديم الصباح.. ونسيم اليل .. وهذا كله بفضل خالق البرية سبحانه جل وعلا ..
قال البحر في غرور : ولكنك لست من بداخله أسرار .. ولا أعماق لم يصل إليها الإنسان حتى الآن .. أخيتي.. الكل يعرفك ويعرف مابك من خيرات وزّلات ..أما أنا فلا يعرف مابي إلا قلّة القلائل وعلية البشر وإن عرف بعض الناس عني شيئاً فإنهم يعرفون أني من يعيش غذائهم بداخله .. وأني من يفصح المذنب لي بذنبه .. وأنا الذي من عجز القلم عن وصفي ..ومن خنقته العبرة في حقي .. من تكونين بعد كل هذا .. ألا تجد يا بني أني الأفضل ..؟!
وقف الصبي حائراً .. من الذي أفضل مِن مَن ؟؟
بترت اليابسة أفكار الصبي وقالت بابتسامة عابرة : في قديم الزمان كان الرحّالة لايملون من التجوال بي .. والآن لا يمل الإنسان مني.. ويتمنى أن يجد الوقت لكي يختلي بنفسه.. حتى يصارحني عن ما بدواخله .. وحتى يزيح عنه هموم الحياة بكل ما فيها من حلوٍ ومرّ.. وحتى ينّفس عن نفسه ويُعيد لذكراه ماقد مضى .. وحتى يسترجع تلك الأيام الغابرات وتلك اللحظات الطليّات ..
قال البحر : ولكن هذا لا يمنع أنكِ أنتِ من مات عليك آلالف الآلاف على مر العصور .. وأنا الذي شهد سطحي أعظم معارك التاريخ... ولاتنسي أخيتي أنّي من وصف لونه العلماء بالون الهادئ المريح للأعصاب ..ألا يكفيك ذلك أيتها الهرمة المسنة..؟؟ألا تنظرين إلى نفسك وقد بانت عليك تلك التجاعيد.. ألا تخجلي من نفسك .. أنظري إليّ..!! عشت أزمنة وعصور وها أنا الآن مثلما كنت سابقاً .. الأمواج تزيّنني .. الأسماك تزخرفني .. والخلجان تجمّلني .. وإن خرجت الشمس الصافية تحسّن نفسها عند الظهور بي فتنظر في وجهها الصبوح على سطحي وقد أحتلت أجمل حلّه .. وخيوطها الذهبية تتراقص على سطحي وتلهوا وتلعب إلا أن يأتي الظلام الدامس ليؤذن بانتهاء يوم مضى ..
قاطعت اليابسة كلام البحر وقالت:لقد وهبني الله شرف خلق آدم.. ألم يخلق آدم من تراب ؟؟ ولاتنسى أيها المختال.. أنني أنا من تزعم أنه مات عليّ الآلاف والآلاف.. أخي إنهم شهداء عند ربهم يرزقون قد تشرفوا بالشهادة على أرضي بعد معارك قد صنعت أبطالاً بواسل على مدى التاريخ.. ولا تنسى أخي أني من اكتنزت الكنوز بدواخلي تلك المعادن وذلك النفط وغيرها الكثير غير أن الأموات بداخلي دُفنوا ودُفنت خلفهم أسراراً وأسرار .. ولا تنسى الحضارات العظام التي قامت من على أرضي
قال البحر مقاطعاً لحديث اليابسة : أنا الذي أشغل ثلثي الكرة الأرضية وكذلك جسم الإنسان ..
قالت اليابسة: ولكن البشر لا يستطيعون العيش عليك كما هي أنا..
وقف الصبي حائراً ..وقد ارتدى وشاحاً لكي يقي نفسه من الجو الذي مالبث أن تبدل من جو صافٍ نقي .. إلى جو بارد لطيف يداعب وجناته... ويعبث بشعيراته .. ..
وبينما الاثنان يتبادلان أطراف الحديث والكل منهما يحاول أن يُثبت للآخر أهميته في هذه الحياة ومدى تأثر الزمان به..
أرخى الليل سدوله وبدأت الشمس تغرب لتعلن نهاية يوم وبداية يوم آخر وبينما الشمس تأذن بالمغيب وإذا بالقمر يخرج من الجانب الآخر وقد بدى عليه أثر السرور والفرح لأنه سيقابل البشر الصغير منهم والكبير البريء منهم والمذنب وسيعم نورة ليشق طريقه بين دهاليز الظلام ..
أحس الصبي أنه تأخر كثيراً وأن البر والبحر لم يقتنعوا أنه صنيع الله لا شيء أكمل منه والكمال الدائم لله وأن كل مخلوق حي خُلق على هذه الخليقة لم يُخلق عبثاً بل لحكمة بالغة أوجدها بارئ الكون لايعلمها سواه ..
حاول الصبي أن يهدئ من الموقف المشتد بين البر والبحر ولكن محاولاته باءت بالفشل ..
هاهي الشمس تغرب.. وهاهو القمر قد اقترب ... وهاهي خيوط الشمس الذهبية تغادر مكانها بحزن وأسى .. و هاهو الظلام آت بكل سرعة لكي يحل مكان الشمس المتعبة ..
بدأ الجدال يشتد بين البر والبحر ... هنا البحر يحاول أن يُثبت للبر أفضليته .. وهاهو البر يعيد ويكرر أفضاله ..وهاهو الصبي واقفاً حائراً بين الاثنين .. ما لعمل كل واحد منهما مهم بالنسبة للحياة .. بدأ الصبي يذكر كل منهما بأهميته إلى أن اقتنع كل طرف بأهمية الآخر حتى صفى الجو بينهما ..
وهاهو الظلام أتى راكضاً ليكمل مشواراً قد بدأته الشمس .. ....
وهاهو القمر اتخذ مكانه ليضيء نوراً قد محاه الظلام .....
وهاهو البحر يعتذر لليابسة عما بدر منه من أذية ومن تكبر وخيلاء......
وهاهي اليابسة وقد بدت علامات الخجل على محياها مما اقترفته في حق البحر ..
وهاهو الصبي وقد زالت عنه الحيرة بعدما تأكد من أهمية الاثنين في حياة البشرية وبعدما تأكد من صفاء قلب كل منهما ..
فما أحلى الصفاء والتآخي والتواضع .. استأذن الصبي من البر والبحر ليذهب إلى بيته بعدما قضى نهاراً تعلم فيه الكثير عن مدى عظمة صنيع بارئ الكون ..
ورحل الصبي بصمت تاركاً خلفه خير مثالا للتآخي والتفاهم.. سطرّ مقولته بصمته الذي اقتلع حد الحسام ..على صفحة زرقاء وبكلمات من ذهب .. ارتمت بين طياتها لحون الحياة بإطراق مردي ..تعلمت البرايا منها أحلى المعاني .. واستسقت منها العباد أطيب صورة ..!!
فهل هناك أجلّ من ذلك ..؟؟ ********* أنتظر ردودكنّ بفارغ الصبر
يعني أتوقف عن الكتابة
مو مشكلة
مشكورين على كل حال