الفراشة أصبح فتيات Ftayat.com : يتم تحديث الموقع الآن ولذلك تم غلق النشر والمشاركات لحين الانتهاء من اتمام التحديث ترقبوا التحديث الجديد مزايا عديدة وخيارات تفاعلية سهلة وسريعه.
فتيات اكبر موقع وتطبيق نسائي في الخليج والوطن العربي يغطي كافة المجالات و المواضيع النسائية مثل الازياء وصفات الطبخ و الديكور و انظمة الحمية و الدايت و المكياج و العناية بالشعر والبشرة وكل ما يتعلق بصحة المرأة.
raindrop
08-11-2022 - 07:40 am
  1. الاحتضار ...

  2. الموت (( خروج الروح من الجسد ))

  3. ((الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ))

  4. بعد الألم المضني أصبحت الآن في كامل الراحة والسعادة .

  5. التشييع ...

  6. القبر ...

  7. حل أوان الغربة ...

  8. قلت : لعلك عرفت مايدور في ذهني !

  9. قال : نعم .

  10. قال رومان ذلك وانصرف .

  11. مساءلة القبر ...

  12. الحضور عند الغربة ...

  13. قال : إلا أن يتغلب عليّ ذلك القادم فتبقى أنت وهو !

  14. سألته : ومن ذاك ؟


البرزخ

الاحتضار ...

منذ أيام عمّ الألم جسدي وأخذ يؤذيني .... وبدأت علامات الموت تدنو مني وحلّت بي حالة الاحتضار .
أداروا برجليّ نحو القبلة ، وأحاط بي زوجتي وأبنائي وأقربائي وبعض أصدقائي ، ومنهم من ترقرقت دموع عينيه ، أغمضتُ عينيّ بهدوء وغرقتُ في بحر أفكاري ، وأخذتُ أفكر مع نفسي ، بمَ قضيتُ عمري ، ومن أين لملمت أموالي - رغم قلتها – وأين أنفقتها ؟
لقد كان التفكير بذلك يؤلمني كثيراً ، ومن شدة القلق فتحت عيوني .

الموت (( خروج الروح من الجسد ))

((الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ))

في تلك الأثناء انتبهت إلى وجود شبح طويل القامة يرتدي ثياباً بيضاء قد نشب يديه على أطراف أصابع قدميّ وأخذ يتجه نحو الأعلى من جسدي ، ولم أكن أشعر بالألم عندما كان عند قدميّ لكن الألم أخذ يزداد كلما ارتفع نحو الأعلى وكأن الألم بأجمعه أخذ يتحرك إلى الأعلى من جسدي ، حتى وصلت يده إلى حلقومي ، حينها أصبح جسدي بلا شعور ، بيد أن رأسي أصبح ثقيلاً بحيث كنت أشعر بأنه سينفجر من شدة الضغط ، أو أن عينيّ ستخرجان من حدقتيهما .
تقدم عمي الشيخ العجوز نحوي وقد امتلأت عيناه بالدموع وقال لي : ياولدي اقرأ الشهادتين ، أنا أقرأها وأنت رددها معي : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله وأن علياً ولي الله ....
لقد كنت أراه وأسمع صوته ، فتحركت شفتاي ببطء ، وما أن أردت التلفظ بالشهادتين حتى أحاطت بي أشباح سوداء وألحّوا عليّ أن لا أنطق بالشهادتين . لقد كنت سمعت بأن الشياطين تحاول سلب إيمان المرء عند موته ، لكنني لم أكن أتصور أبداً إنهم يفلحون في صدي.
ومرة أخرى أدنى عمي وجهه مني وتلفظ بالشهادتين ، ولما أردت تحريك لساني تحرك الشياطين مرة أخرى ولكن عن طريق التهديد في هذه المرة .
لقد كانت لحظات عجيبة ، فمن ناحية كان الذي يرتدي ثياباً بيضاء يمارس أعمالاً مدهشة . ومن جهة ثانية ، كنت أواجه إصرار عمي على النطق بالشهادتين ، وثالثة محاولات الأشباح الخبيثة في سلب إيماني في آخر لحظات حياتي .
ثقل لساني وكأن شفتي قد خبطت مع بعضها ، لقد اعتراني العجز ، وكنت أريد الخلاص من هذا الوضع المؤلم ولكن كيف ؟ وعن أي طريق ؟ وبواسطة من ؟ في غضون ذلك التجاذب ظهرت من بعيد أنوار ساطعة فقام ذلك الرجل ذو الثياب البيضاء إجلالاً لها ولّت تلك الوجوه القبيحة هاربة ، ورغم عدم معرفتي في تلك اللحظات لتلك الأنوار الطاهرة الفريدة لكنني عرفت فيما بعد أنهم الأئمة الأطهار (ع) قد حضروني في اللحظات الحساسة وببركة وجودهم أشرق وجهي وانفتح لساني فحركت شفتيّ ونطقت بالشهادتين هنا امتدت يد ذلك الرجل ذي الثياب البيضاء لتمسح على وجهي ، وشعرت بالاطمئنان بعد أن كنت أعاني شدة الألم والاضطراب.
لقد أصبحت وكأنني ألقيت الآلام والعذاب بأجمعه على كاهل أهل الدنيا لأنني شعرت بالاستقرار وكأنني لم أرَ حرية واستقراراً كالذي عشته في ذلك اليوم فقد انفتح لساني وأشرح عقلي . كنت أرى الجميع وأسمع أحاديثهم . هنا وقعت عيناي على ذلك الرجل ذي الثياب البيضاء فسألته : من أنت ؟ وماذا تريد مني ؟ فإنني أعرف كل الذين حولي إلا أنت ، فقال : كان عليك أن تعرفني ، أنا ملك الموت ، فاضطربت لسماع اسمه واهتز كياني ، فوقفت أمامه أتخضع وقلت : السلام عليك يا ملك ربي فلطالما سمعت باسمك ومع ذلك لم أستطع معرفتك حين الموت ، هل تريد الإذن مني كي تقبض روحي ؟
فأجاب ملك الموت مبتسماً : إنني لا أحتاج إلى إذنٍ من أي أحد لأنتزع روحه من جسده ، وإذا ما تأملت جيداً سترى إنك قد ودعت الحياة الفانية ، انظر إلى جسدك قد بقي بين أهل الأرض ، فنظرت إلى الأسفل فاستحوذت عليّ الدهشة والحيرة ، إذ أن جسدي مطروح على الأرض بلا حراك بين أقربائي ومعارفي ، فيما كانت زوجتي وأبنائي وكثير من الأقارب يحومون من حولي وهم يبكون وترتفع صرخاتهم إلى عنان السماء وأخذ آخرون بالشكوى والتساؤل : لقد تعجل عليه الموت ، لماذا ؟
أخذت أفكر مع نفسي : لِمَ ينوح هؤلاء ؟ ومن أجل من ؟ أردت دعوتهم لالتزام الهدوء ، وهل يكون ذلك ؟ .... صرخت فيهم : أيها الأعزاء التزموا الهدوء ، أما تريدون راحتي واستقراري ؟ فلماذا هذا التفجع والحزن ؟

بعد الألم المضني أصبحت الآن في كامل الراحة والسعادة .

إنني أخاطبكم أما تسمعون ؟ لِمَ هذا البكاء ؟ ممّ عويلكم وبكاؤكم ؟ نوروا الدار بالدعاء وذكر الحق تعالى .
استمر عويل واستغاثة الحاضرين ، يعلو ويعلو ، هنا سمعت صوت ملك الموت يقول : ما الذي دهى هؤلاء ؟ مم ّصراخهم وعويلهم ؟ ولِمَ هذه الشكوى والتفجع ؟ لِمَ هذا البكاء واللطم على الرؤوس ؟ أقسم بالله إنني لم أرتكب ظلماً بحقه ، فلقد نفذ رزقه في هذه الدنيا ، ولو كنتم مكاني لقبضتم روحي بأمر من الله ، اعلموا أن دوركم سيأتي يوماً ما ، وسأتردد على هذه الدار حتى لا أدع أحداً فيها ، إن عبادتي وطاعتي لله هي أن أقطع كل يوم وليلة أيدي الكثيرين عن هذه الدنيا .
الناس مستمرون بعملهم لا يسمعون هذه الإنذارات . تمنيت لو كنت سمعت هذه الإنذارات ولو مرة واحدة في الحياة الدنيا كي تكون عبرة لي ... لكن واحسرتاه ثم واحسرتاه !!
لفوني بقطعة قماش وبعد ساعة حملوني إلى المغتسل ، إنه مكان معروف لدي فطالما جئت هنا لغسل أمواتنا ، وهنا لفت انتباهي المغسل حيث كان يقلبني كيف شاء ودون عناء ، ونظراً لعنايتي بجسمي فقد صرخت بالمغسل : تمهل قليلاً ! ارفق بي ! فقبل لحظات خرجت الروح من هذه العروق فأضعفتها وأعجزتها ... لكنه واصل عمله دون أدنى عناية بمطالبي المتكررة .
انتهى الغسل ، ثم لفوني بذلك الكفن الذي كنت قد اشتريته بنفسي ... لقد كنت أفكر آنذاك بأن شراء الكفن إنما هو عمل روتيني ، ولكن ما أسرع أن لف جسدي بالبياض. حقاً إن الدنيا دار جواز .
وعند سماعي لنداء الصلاة .. الصلاة .. الصلاة .. دخلني نوع من الطمأنينة .

التشييع ...

(( أنا راحل ، وثقوا إنكم ستلحقون بي ، ولا تتصوروا أن الموت خلق لغيركم ، عجباً لكم تشاهدون الموت ولا زلتم غافلين )) لما انتهت الصلاة حملوا جنازتي على أيديهم ، ومرة أخرى بعثت صرخات الشهادتين الطمأنينة في نفسي ، ولعلاقتي بجسدي أمسكت بأعلى الجنازة وأخذت أسير معها .
لقد كنت أعرف المشيعين جيداً ، مجموعة أمسكت بقاعدة التابوت ، وأخرى تمشي خلفه ، كنت أسمع أصواتهم وأحاديثهم ، حتى أن باطن الكثير منهم قد انكشف لي ، ومن هنا قد اعتراني السرور لحضور البعض ، فيما كان حضور آخرين يؤذيني حيث كانت الرائحة الكريهة المنبعثة منهم تعذبني ، كنت أرى بعضهم على هيئة قردة في حين كنت أحسبهم في الدنيا من الصالحين . من جانب آخر نظرت إلى أحد معارفي فداعبت روحي رائحة العطر المنبعثة منه ، وقد كنت في الدنيا لا أكنّ له الاحترام وذلك للبساطة الطاغية على ظاهره ، وربما أسقطته في عيني غيبة الآخرين له وو .... كان التابوت يسير مرفوعاً على أكتاف الأصدقاء وكنت أرافقهم والقلق من المستقبل يهيمن عليّ .
لوقت الذي كانت ألسنة الكثير من المشيعين تترنم بنداء ( لا إله إلا الله ) كانن اثنان من أصدقائي يتهامسان فيما بينهما فدنوت منهما وأنصت لحديثهما ، واعجباً ! متى تستيقظان من غفلتكما ؟ أتتحدثان عن معاملة وصكوك مرفوضة وأرباح و ... ؟ كان من الأفضل أن تفكرا في هذه اللحظات بآخرتكما ، بذلك اليوم الذي سيحل عليكما وينقض عليكما الموت ! إذ ستنقطع أيديكما عن الأرض والسماء وتغلق صحيفة أعمالكما وتطلبان الفرصة مثلي ، حينها لن تحصلا على الإذن بالعودة وستعضان على أيدي الندامة : يا ليتنا قد فكرنا بهذه الدنيا الباقية في تلك الدنيا الزائلة.
أيها الأصدقاء ! إنني أدعو لكم أن تعمر دنياكم وتكون آخرتكم أكثر عمراناً ، ولكن أقسم عليكم بالله أن تستيقظوا من غفلتكم وفكروا جيداً ، وإذا لم تفكروا بي ففكروا بآخرتكم على أقل تقدير ، فكروا بذلك اليوم حيث ستلتحقون بي . امضوا هذه اللحظات بذكر الموت ، فإذا لم تفكروا بالموت هنا ، فأين ستعودون إلى أنفسكم ؟ كأن الموت لم يخلق لكم ؟ عجباً لكم تنظرون إلى الموت ولا زلتم غافلين .
وهنا توجهت إلى أهلي وعيالي قائلاً :
أيها الأعزاء ! لا تغرنكم الدنيا كما غرتني ، لقد أجبرتموني على جمع الأموال التي لذاتها لكم وتبعاتها علي .

القبر ...

وصل المشيعون إلى المقبرة ، وعند مشاهدتي لها استحوذ على فؤادي الغم ، مروا على العديد من القبور حتى بانت حفرة من بعيد فهيمن علي الاضطراب والرعب .
بقيت مسافة حتى قبري فوضعوا جنازتي على الأرض ، استرحت قليلاً ، وبعد قليل رفعوا التابوت ثانية وساروا به قليلاً ، ثم وضعوه على الأرض ثم رفعوه ساروا به وحطوا به على مقربة من القبر ، ألقيت بنظرة داخل القبر فانتابني الرعب مرة أخرى .
رفعت مجموعة منهم جنازتي من التابوت وما أن أدخلوا رأسي في القبر تصورت من شدة الخوف والرهبة كأنني هويت من السماء إلى الأرض ، وحينما كانوا يدخلون الجسد إلى اللحد ألقيت من خارج القبر بنظرة إلى جسدي وأخرى وجهتها إلى الناس . فاقترب أحدهم من جسدي منادياً باسمي ، فدنوت منه واستمعت لكلامه فقد كان مشغولاً بالتلقين .
كنت أسمع كل ما يقول وأردد معه ، ما أروعه فقد كان يتلفظ بروية وطراوة ، وما إن مضت لحظات حتى بدأوا بوضع الصخور فوق اللحد ، فشعرت بالأذى والأسى لأنهم سجنوا جسدي تحت التراب .
تأملت مع نفسي من الأفضل أن أنسحب ولا أدخل القبر مع الجسد ، ولكن لشدة تعلقي بالجسد جئت إلى جانب الجنازة ، وفي طرفة عين بدأت الأيدي تهيل التراب على الجسد .

حل أوان الغربة ...

انتابني السرور لكثرة الذين جاؤوا لمواراة جثماني الثرى ، وشعرت بالمتعة لحضورهم وتلاوتهم للقرآن والصلوات على النبي وآله ، ثم أخذ الحاضرون بالانصراف شيئاً فشيئاً ولم يبقى منهم إلا نفر يقدرون بعدد الأصابع ، ولكن لم يمض من الوقت إلا القليل حتى تركوني وحيداً – وهذا مالم أصدقه – ربما لا تتصورون ما جرى علي في تلك اللحظات ، فلم أكن أتوقع منهم هذا الجفاء ، أولادي ، بناتي ، زوجتي وكذلك أصدقائي المقربين الذين لم أبخل عليهم بالمودة ، لكنهم سرعان ما انصرفوا وتركوني وحيداً! وددت لو أصرخ فيهم :
أين تذهبون ؟ ابقوا معي ، لا تتركوني وحيداً ... في تلك الأثناء سمعت منادياً ينادي في الناس : توالدوا للموت ، واجمعوا للفناء وابنوا للخراب ، ولكن للأسف فقد كانوا في وادٍ آخر محرومين من الاستماع لهذا النداء ، ولما عرفت أن الناس قد خرجوا من المقبرة ناديتهم : اذهبوا ، ولكن اعلموا بأنكم ستنزلون التراب يوماً صدقتم أم لم تصدقوا ، شئتم أم أبيتم ، اعلموا فوا لله لا يؤخر الأجل .
بعد كل ذلك الصراخ والعويل رجعت إلى نفسي فوجدت أن كل ما بقي لي هو قبر مظلم موحش مهول يثير الغموم ، فاستحوذ علي الرهبة ، أخذت أفكر مع نفسي : وكأنهم قد قذفوا في فؤادي كل ما في أفئدة أهل الأرض من غموم وكل مافي الدنيا من قلق ، وإنه غم ورعب لو نزل على بدن الإنسان لأهلكه ، ونتيجة لذلك الضغط النفسي بكيت وسالت دموعي ساعات وساعات .
أخذت أتذكر أعمالي فأدركت قلة بضاعتي ، فتمنيت لو عدت مع الذين كانوا قد اجتمعوا على قبري ، كي أقضي عمري بالعبادة وإحياء الليل والأعمال الصالحة وأنفق ما كنت جمعته خلال السنوات الأخيرة من عمري على الفقراء ، ليتني ... ليتني
وأنا غارق في بحر أفكاري ارتفع صوت من يسار القبر : إنك تتمنى العودة عبثاً ، أغلقت صحيفة حياتك ! فرعبت ُ لذلك الصوت في تلك الظلمة وكأن أحداً قد دخل القبر ، فسألته بصوت مهزوز : من أنت ؟
فأجاب :
أنا رومان من ملائكة الله (تعالى) .

قلت : لعلك عرفت مايدور في ذهني !

قال : نعم .

قلت : أقسم لو تركتني أعود إلى ذلك العالم لن أعصي الله أبداً وأعمل على كسب رضاه . اليوم حيث انصرف عني كل من أعرفهم بل وحتى أفراد أسرتي وتركوني ، أدركت غدر الدنيا ، فاطمئن إذا رجعت إلى الدنيا لن أغفل لحظة واحدة عن طاعة خالقي وعبادته !
قال : إنها كلمة أنت قائلها ، لكن اعلم أن الواقع غير ما تتمناه فلا بد أن تمكث في البرزخ من الآن وحتى قيام الساعة .
بعد ذلك باشر بإحصاء أعمالي الصالحة والطالحة تلك الأعمال التي ارتكبتها طيلة حياتي وسجلها الكرام الكاتبين .
عجباً لها من صحيفة تضم حتى أصغر أعمالي صالحها وقبيحها ، وفي تلك اللحظات شاهدت أعمالي أمام عيني .
كنت أفكر بثقل أعمالي وخفتها فبادر( رومان ) إلى تعليق صحيفة أعمالي في رقبتي بحيث شعرت وكأن جبال الدنيا كلها علقت في عنقي .
ولما أردت أن أسأله عن السبب في ذلك ، قال : كل إنسان يطوق بأعماله .
قلت : وإلى متى يجب أن أتحمل ثقل هذا الطوق ؟
قال : لا تقلق ، بعد ذهابي سيأتي منكر ونكير للمساءلة ثم تزول هذه المشكلة عنك .

قال رومان ذلك وانصرف .

مساءلة القبر ...

لم يمض الكثير من الوقت على انصراف رومان تناهت إلى أسماعي أصوات غريبة عجيبة ، وأخذت الأصوات تقترب أكثر فأكثر ويزداد فيّ الرعب والرهبة ، حتى وقف أمام عيني شبحان ضخمان مذهلان وبلغ اضطرابي ذروته لمّا شاهدت في يد كل منهما عموداً ضخماً من حديد يعجز من في الدنيا عن تحريكه ، ثم فهمت أنهما نكير ومنكر .
فتقدم أحدهما مني فصاح صيحة لو سمعها أهل الدنيا لماتوا . وتصورت أن أمري قد انتهى . وبعد لحظات تكلما وباشرا بالسؤال : من ربك ؟ من نبيك ؟ من إمامك ؟ فتلكأ لساني من شدة الخوف والرعب ، وتوقف عقلي ، وبالرغم من أن فهمي وعقلي ازداد عمّا هو في الدنيا مئات المرات لكنه قصُر هنا ... كنت أعلم بنزول أعمدتهم على رأسي إن لم أُجبهم ، ما عساني فاعل ؟ أطرقت برأسي وأخذت بالبكاء وتهيأت لنزول الضربة .
في تلك اللحظات حيث كنت أتصور أن كل شيء قد انتهى ، تعلق فؤادي برحمة الله (تعالى ) وشفاعة المعصومين (عليهم السلام ) .
فأخذت أردد : يا أفضل خلق الله وعباده ، لقد كنت طيلة عمري أطلب منكم أن تدركوني عندما أحل في قبري ، وليس من كرمكم التخلي عني في هذا الحال !
هنا ارتفعت أصوات أولئك بالسؤال . ولم يمض إلا قليل من الوقت حتى استنار قبري ، وأصبح نكير ومنكر أكثر شفقة فسُرّ قلبي واطمأن روحي وانفتح لساني ، فأجبتهم بشجاعة وصوت عالِ: الله ربي ومحمد نبيّ ، وعلي وأولاده أئمتي ، القرآن كتابي ، الكعبة قبلتي .... إلخ ، ولقد وددت لو أعادوا السؤال كي أجيبهم بكل قوة .
وفي الوقت الذي بدا نكير ومنكر رضيا فتحا من تحت قدمي باباً إلى جهنم وقالا : لولا أنك قد أحسنت الجواب لكان مستقرك هناك . ثم أغلقوا ذلك الباب وفتحوا من أعلى رأسي باباً أطلّت على الجنة فبشروني بالسعادة ، ومع هبوب نسيم الجنة امتلأ قبري بالنور واتسع لحدي واسترحت قليلاً .
وهنا انتابتني حالة من السرور العارم والسعادة لخلاصي من ضيق القبر وظلمته

الحضور عند الغربة ...

لم يستمر سروري لظفري في أول اختبار وسرعان ما زال ، وبزواله أدخل فيّ حالة من الشعور بالضيق والغربة فأخذت أفكر مع نفسي : لقد كان لي في الدنيا الكثير من الأصدقاء والمعارف والأقارب ، وكانت لي بهم علاقة طيبة وحميمة ، بيد أن يدي أصبحت صفراً منهم .
يا إلهي ! كيف أتحمل الغربة في هذه اللحظات العصيبة القاسية ؟! وهل سيستمر همُّ الغربة مسيطراً عليّ في هذا العالم ؟ أ طرقت برأسي وأخذت أبكي دون اختيار مني ، وما هي إلا لحظات حتى تناهى إلى مشامّي عطر طيب للغاية ، وأخذ يزداد ويزداد
وفي الوقت الذي كان كتابي يثقل كاهلي رفعت رأسي بصعوبة فشاهدت رجلاً يقف أمامي فأدهشني وجوده ، لقد كان شاباً حسن الوجه طيب الأخلاق ، فمسح الدموع من عينيّ بيده وابتسم لي .
فبادرت بالسلام تعبيراً عن تأدبي أمامه وجلست على ركبتي أنظر مدهوشاً إلى عينيه وأردد : تبارك الله أحسن الخالقين . ثم سألته بصوت واضح :
من أنت حتى جئت تسليني وتصحبني في هذه اللحظات المليئة بالغربة والاضطراب؟
فأجاب مبتسماً :
لست غريباً ، وهذه الديار تعرفني حيث أكون قريناً ورفيقاً ومؤنساً في هذا الطريق الخطير .
قلت : إنه الفلاح ، ولكن من أنت ؟ لا شك أنك غريب على أهل ذلك العالم ، فلم أرَ مثلك جمالاً مدى حياتي .
فقال ولم تزل تلك الابتسامة مطبوعة على شفتيه : الحق معك أن لا تعرفني ! فلقد كنت في ذلك العالم قليلاً ما تهتم بي . فأنا ثمرة أعمالك الصالحة وها أنت تراني بهذه الهيئة . اسمي ( حسن ) وأنا الذي آخذك بيدك في هذا الطريق الخطير .
حضور الذنب
ثم أمرني – يعني ( حسن )- أن أسلمه كتابي بيدي اليمنى . فناولته إياه وقلت : لك جزيل شكري وتقديري لأنك أنقذتني من غربتي وسترافقني وتواسيني في رحلتي هذه .
قال : : سوف لن أدعك وحيداً ما استطعت ، إلا ....
تغير لون وجهي فسألته مرعوباً :وماذا ؟

قال : إلا أن يتغلب عليّ ذلك القادم فتبقى أنت وهو !

سألته : ومن ذاك ؟

قال : إن كل ما أعرفه هو إنك سلّمتني صحيفة أعمالك اليمنى أما صحيفة أعمالك التي في الشمال فهي ما زالت معلقة في عنقك ولا تدع شيئاً إلا أحصته . وهنالك شخص آخر اسمه ( الذنب ) سيستلمها منك ، فإذا ما تغلب عليّ ستكون رفيقه حينذاك ، وإلا فإنني سأرافقك على مدى هذا الطريق المحفوف بالمخاطر .
قلت : سأعطيه الصحيفة مباشرة حتى يذهب ، قال ( حسن ) : إنه نتيجة أعمالك القبيحة وخطاياك ويحب البقاء عندك .
كنا مسترسلين في الحديث وإذا بي أشعر برائحة كريهة للغاية زعجني . قد ملأت تلك الرائحة الأجواء وقطعت علينا حديثنا ، وبرز في قبري شبح قبيح وكريه .
ومن شدة هلعي التجأت ب ( حسن ) وتعلقت به بقوة ، هنا أمسك - الذنب – بعنقي بيديه القذرتين الوسختين وأخذ يزمجر مقهقهاً : إنني سعيد يا صاحبي .... وواصل قهقهته بصوت عال ، فاستحوذ عليّ الرعب والخوف وعقد لساني عن الكلام واشتدت ضربات قلبي حتى فقدت الوعي ، ولما أفقت وجدت رأسي في أحضان ( حسن ) ولكنني بمجرد رؤيتي لوجه حسن الملطخ بالدماء هيمن على فؤادي الحزن حيث تصورت أن ذلك الشبح القذر – الذنب – قد انتصر عليه وقهره ، لكن ( حسن ) كان يعلم بما يدور في قلبي ، نظر إليّ وقال بهدوء : لا تحزن ، فبعد صراع وجدل شديد أعطيته كتابه وأبعدته عنك حتى حين .
ثم نهضت متكئاً على كتف ( حسن ) والدموع تترقرق في أحدا قي ، وقلت : إنني أود أن تبقى إلى جانبي إلى الأبد ، لقد أزعجني ذلك الشبح الكريه ، والغربة بالنسبة لي أفضل بكثير من المكوث إلى جانبه ، فإذا ما جاورني الذنب سأعيش الاضطراب .
قال ( حسن ) : له الحق في أن يجاورك فهذا ما أردته أنت .
قلت له متعجباً : إنني لم أدعه أبداً .
قال : على أية حال ، أعمالك الطالحة وذنوبك هي التي جعلته يكون هكذا ولابد لك أن تراه مرة أخرى إلى جانبك .
فاعتراني الخجل لما قاله ( حسن ) واضطربت بشدة ، ثم سألته مرتعداً : متى وأين ؟
قال : ربما في الطريق الذي نسلكه .
قلت : أي طريق ، أي مسير ؟
قال : في ضوء ما بشرك به منكر ونكير فإن مستقرك في بقعة تقع في وادي السلام . وعليك الاستعداد للرحيل إلى هناك .
قلت : وأين يقع وادي السلام ؟
قال : هو مكان يتمنى كل مؤمن أن يبلغه ، ولا بد لك من العبور من وادي برهوت كي تتطهر في الطريق من كل درن وخبث : وذلك من خلال المشقات والصعاب التي ستتجرعها حيث تذوب خطاياك ، فتبلغ مقصدك بسلام .
قلت : وما هو برهوت ؟
قال : إنه مكان يستقر فيه الكافرون والظالمون وفيه يذوقون عذاب البرزخ.
وادي برهوت ...
خرجنا من القبر وكان ( حسن ) يتقدمني وأنا أتابعه على بعد مسافة قليلة ، ولم يدع لي الخوف والرهبة لحظة أعيش فيها بأمان ، وكلما تقدمنا يزداد المكان انفتاحاً وتصبح المناظر أكثر دهشة .
ثم طلبت من ( حسن ) أن لا يبتعد عني وأن يكون معي جنباً لجنب وقدماً لقدم وأن ينقل خطواته بهدوء .
فتوقف ( حسن ) وقال : لقد أودعوك عندي كي أؤنسك وأعينك حتى تصل وادي السلام بسلام ، لهذا فإني أسير أمامك قليلاً لتعرف الطريق جيداً .
وتوقف هنيئة ثم واصل كلامه قائلاً : بطبيعة الحال إذا ما استطاع الذنب من خديعتك أو أجبرك على مرافقته فإننا سنصل متأخرين لا محالة .
منذ ذلك الحين ازداد اضطرابي وأخذ يتصاعد عندي احتمال ظهور الذنب من جديد .
لقد قطعنا الطريق رغم ما اعترضنا خلاله من مشاكل حتى وصلنا جبلاً استطعنا بصعوبة بالغة الصعود إلى قمته ، وعلى مرأى منا يبدو وادي مترامي الأطراف وأجواؤه قد ملئت دخاناً ونيراناً .
نظر إليّ ( حسن ) وقال : هذا هو وادي برهوت وأنت ترى الآن مشهدا منه فقط .
فأمسكت ب ( حسن ) وقلت : إنني أخاف هذا الوادي . لنسلك طريقاً أكثر أماناً منه .
توقف ( حسن ) وقال : هذا هو طريق عبورك . ولكن لن أتركك ما استطعت وسأقوم بإعانتك عند مواضع الخطر .
قللت كلمات ( حسن ) من اضطرابي وخوفي نوعاً ما ، ولكن لازلت أشعر بالقلق في داخلي .
خيم الصمت علينا للحظات ، توجهت بعدها ل ( حسن ) وقلت له : ألا يوجد طريق أكثر أماناً من هذا الطريق ؟
أدار بوجهه نحوي وقال : من الأفضل أن تعلم أن الناس جميعاً سواء المؤمنون أو الكافرون لا بد لهم من العبور يوم القيامة على جسر يسمى ( الصراط ) يشرف على النار ، فمن استطاع العبور بسلام دخل الجنة وإلا فإن أدنى زلة ٍ ستؤدي إلى قعر جهنم ، وفي عالم البرزخ صورة من الجنة والنار فقط ولا يمكن مقارنته بيوم القيامة العظيم ، ووادي برهوت يشابه الصراط في يوم القيامة ولا بد من العبور عليه حتى بلوغ وادي السلام بسلام بكل جدارة ، ولكن الويل للمثقلين ومن أحاط بهم العذاب أو التيه على أقل تقدير .
فكرت قليلاً وقلت : لا حيلة أمامي .... علينا المسير على بركة الله . توجهنا نحو تلك الصحراء الشاسعة ، وكلما أمعنا في المسير تأخذ حرارة الجو بالتزايد ولما وصلنا سطح الأرض ضاق نفَسي فطلبت من ( حسن ) التوقف للاستراحة لكنه رفض وواصل الطريق وقال لي : أمامنا طريق طويل وخطير فلا تضيع الوقت ، فكلما أسرعنا في مسيرنا استطعنا الخلاص أسرع .
قلت : أنا لا أستطيع فقد أنهكتني شدة الحرارة ، وفي تلك الحال حيث العرق يتصبب من رأسي ووجهي ، سقطت على الأرض فسقاني ( حسن ) جرعة من الماء الذي كان معه ، وفي الوقت الذي كان لم يزل يئن من جروحه رفعني ووضعني على ظهره وواصل الطريق .
هنا أصابني الخجل والسرور في آن واحد لأنه لم يتركني لوحدي رغم ما به من جروح وأخذ يواسيني كصديق حميم .
ضربة واحدة ...
ونحن نسير في طريقنا لفت انتباهي صوت رهيب ، فنظرت نحو الجانب الأيسر من الصحراء ، فذعرت لما شاهدت مما دفعني إلى أن ألقي بنفسي من أعلى كتف ( حسن ) ودون اختيار مني احتميت به .
كان هناك شخصان عظيمي الجثة أسودين تتطاير من فمهما وأنفيهما النيران والدخان وشعرهما يخط الأرض يحمل كل منهما


التعليقات (8)
$هيماس$
$هيماس$
جزاك الله الف خير بصرااحه حلوة مره اتمنى الكل يقراها ويستفيد منها

raindrop
raindrop
شكرا لكِ لقرائتها
وانا ايضا اتمنى من الجميع قرائتها
لاكن .............
تحياتي لكِ

raindrop
raindrop
؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وين القرآآء
وين الردود
وين التشجيع
11 قارئ ورد واحد بس
افا
والله اني زعلت

raindrop
raindrop
للرررفع

نظرة كبرياء2007
نظرة كبرياء2007
مشكوره اختي ع القصة
سلمت يمناك

raindrop
raindrop
نظرة كبرياء2007
يسلمو عالمرورك الرائع
شكرا لك
تحياتي لكِ

لبنانية متميزة
لبنانية متميزة
الله يجزيك الخير
طويلة كتيير
ان شاء الله لي عودة لتكملة قراتها

raindrop
raindrop
وانتي بألف خيير عزيزتي
بنتظار رأيك فيها
في اي وقت
تحياتي لك اخيتي
اختك
مرح

ولد فضح بنت شوفو وش نهايتة الله لايبلانا
احداث باب الحاره الجزء الثالث