- كائنات دقيقة الحجم عظيمة الأثر
- نواحٍ خفية في عالم هذه الديدان وفوائد عظيمة
- طائفة الديدان البحرية
- عديدة الأشواك
- ديدان الإخصاب فيها خارجي
- وقادرة على إنتاج الضوء
- الحشف البحري ظاهرة تضر
- ببعض الأنشطة البحرية
الديدان البحرية عديدة الأشواك
كائنات دقيقة الحجم عظيمة الأثر
إن البحر، من وجهة نظر الدارس الأحيائي، عبارة عن مظاهر وعلاقات حياة بالدرجة الأولى.
إن القانون الأساسي للحياة في البحار والمحيطات، يتلخص في: «ابحث عن شيئ تأكله، وتجنَّب أن تُؤكل!». وهكذا تسير الحياة في البحر، متمثلة في معمار هرمي كبير، أساسه العريض هو العلاقات الغذائية بين الكائنات الحية، التي يحكمها، بدورها، عاملان رئيسيان ، هما: أنماط الإخصاب الوفير جدا، الذي يؤدي إلى التكاثر الضخم لمعظم أنواع الأحياء البحرية، والشراهة المفرطة، التي تدفع الكائنات القوية والكبيرة إلى افتراس الصغيرة عديمة الحيلة، بغير رحمة.
إن تلك القاعدة العريضة للهرم الغذائي في البحر تشمل ملايين البلايين من الكائنات الهائمة النباتية (الفيتوبلانكتون)، وهي نباتات مجهرية، تقوم بعمليات البناء الضوئي، وتنتشر في الطبقة السطحية المضاءة من مياه البحار والمحيطات. وتنتهي قمة هذا الهرم الغذائي البحري عند الحوت الأزرق، أضخم الثدييات البحرية، بل أضخم كائن حي في هذا الكون، إطلاقا، وقد يزيد طوله عن 30 مترا، ووزنه عن 130 طنا. وبين القاعدة والقمة، تتوزع أشكال الحياة البحرية، من أسماك، وقشريات، ورخويات، واسفنجيات، وجلدشوكيات..الخ.
نواحٍ خفية في عالم هذه الديدان وفوائد عظيمة
والديدان البحرية عديدة الأشواك ، التي نتحدث عنها الآن، هي حلقة في هذه السلسلة الغذائية تحتل مكانا ما بين قمة هرم الغذاء في البحر وقاعدته. والحقيقة، أن الديدان بصفة عامة - قد استرعت اهتمام الإنسان منذ زمن بعيد.
إن النظرة العابرة إليها لا يمكن أن تترك انطباعا أكثر من التقزز أو الاستخفاف بهذه الكائنات الواهنة اللزجة، التي تزحف ساعية، بأي اتجاه، ولكن النظرة الفاحصة المدققة يمكن أن تتوقف عند أشياء عديدة، وتلتفت إلى نواحي خفية في عالم هذه الديدان.
ولقد حظيت الديدان الأرضية بالجزء الأعظم من اهتمامات الإنسان، وهذا أمر طبيعي، لأنها تشارك الإنسان بيئته على اليابس، أما الديدان البحرية، أو المائية بصفة عامة، فلم تلق الاهتمام اللائق إلا بعد تقدم دراسات علوم البحار الأحيائية، ولقد كان العالم «داروين» عام 1881م، هو أول من سلط الأضواء على ديدان الأرض، من خلال بعض أبحاثه عليها، وفي هذه الأبحاث المنشورة، أشار داروين إلى أهمية بعض أنواع هذه الديدان في زيادة خصوبة التربة. وللديدان البحرية، أو المائية على وجه العموم، دور ديدان الأرض المخصبة للتربة.
إنها تزيد من خصوبة المياه مما يزيد من إنتاجيتها من الأسماك، فهي الغذاء المفضل لبعض أنواع الأسماك ذات الأهمية الاقتصادية العالية.
ففي بعض التجارب التي أجريت في المرابي السمكية على تغذية صغار أسماك السالمون (الزريعة)، وجد الباحثون أنه لكي يزداد وزن مليون زريعة من سمك السالمون، من 250 ملليجرام إلى 500 ملليجرام، للواحدة، يلزم إطعامها 900 كجم من بيض سمك الكود لمدة 75 يوماأو 325 كجم من بيض سمك الكود، مع 325 كجم من الديدان، لمدة 50 يوما. أي أن استخدام الديدان في إطعام زريعة السالمون يقلل من كلفة بند التغذية، كما يقلل من الزمن اللازم لإنمائها.
طائفة الديدان البحرية
عديدة الأشواك
تمثل حلقة هامة في السلسلة الغذائية بالبيئة البحرية، إذ تكوِّن نسبة كبيرة من الحيوانات اللافقارية القاعية، التي تمثل مصدرا هاما للمواد العضوية، بعد موتها وتحللها، كما أنها، وهي حية، ضرورية كغذاء للعديد من أنواع الأسماك القاعية والعائمة. وقد قام الباحثون بدراسة محتويات المعدة لبعض أنواع الأسماك، مثل السفوليا (سمك موسى)، والدنيس، والاسكومبر، فوجدوا أن هذه الديدان تمثل نسبة كبيرة من غذائها، كما تبين أن يرقات الديدان عديدة الأشواك مفضلة كغذاء لبعض القشريات البحرية المهمة. كما أثبت التحليل الكيميائي لأجسام هذه الديدان احتواءها على بعض العناصر المشعة، مثل المنجنيز - 54، بنسبة تصل إلى 1151 ميكروجراما في الجرام الواحد من مسحوق هذه الديدان، بعد حرقها.
وتوجد الديدان البحرية عديدة الأشواك في جميع الأنظمة البيئية البحرية، وعلى الأسطح المغمورة ونصف المغمورة، وهي تتخذ في معيشتها أحد نمطين اثنين: إما هائمة، على مدار تاريخ حياتها، تسبح في الطبقةالعليا من الماء، مندرجة في الهائمات الحيوانية (الزوبلانكتون)، وإما جالسة، أو مستقرة، فور انتهاء طورها اليرقي الهائم، فوق أحد الأسطح العائمة، أو الثابتة، في الماء، حيث تتخذ لنفسها بيوتا بهيئة أنابيب تصنعها لنفسها، إما بشكل مؤقت، وإما دائم، تبنيها من ملح كربونات الكالسيوم الذائب في ماء البحر، ويبني بعض الأنواع شعابا رملية، تتكون من طبقات متتالية من تلك البيوت الأنبوبية المتضاغطة، أو من أنابيب مفردة، تبنيها من حبيبات الرمل، أو من فتات الأصداف. وثمة أنواع تدفن نفسها في قاع البحر، الطيني أو الرملي.
ديدان الإخصاب فيها خارجي
وقادرة على إنتاج الضوء
إن أحسن تعريف لهذه المجموعة من الديدان، هو أنها تلك التي طولها أكبر من عرضها، وليس لها عمود فقري، وأجسامها طرية، ولها تركيب داخلي بسيط، كطائفة من اللافقاريات الدنيا، فلجسمها تجويف واحد ممتد، هو التجويف السلومي، الذي يمتلئ بسائل يأخذ اسمه من اسم التجويف: السائل السلومي، الذي يعمل كجهاز دوري، كما يقوم بدور أساسي في عمليات الإخراج والتكاثر. وتتكاثر هذه الديدان لا جنسيا، فتنمو وحدات التناسل بالتبرعم من الطبقة المبطنة لتجويف السيلوم، حيث تجري في السائل السيلومي إلى الخارج. وتتقابل تلك الأمشاج في ماء البحر، حيث يتم التلقيح والإخصاب، خارجيا، لتبدأ دورة الحياة، التي تنتهي بالدودة الكاملة، فتظل سابحة حرة، أو تستقر، بعد الطور اليرقي، في أنابيب.
ولهذه الديدان القدرة على إنتاج الضوء ، الذي يساعد الأفراد من نفس النوع على التعارف والتقارب. وفي بعض الأنواع، يستخدم هذا الضوء في التمويه على الأعداء وخداعها، أو يساعد في اصطياد الهائمات الحية الدقيقة، التي يجتذبها الضوء، فتلتقمها الدودة. أما الأنواع المختبئة داخل أنابيب، فتحصل على غذائها بأسلوب مختلف. إنها مزودة بما يشبه الأذرع الحساسة، المتحورة من الرأس، تمتد خارج الأنبوب لتلتقط وحدات الغذاء التي تقترب منها في الماء. وثمة أنواع أخرى، تتغذى بأن تخرج بلعومها، الذي يكون مندغما داخل الرأس، كنصفي جورب متداخلين حيث ينطلق البلعوم ليتنص الفريسة، ثم يعود إلى وضعه داخل الرأس.
الحشف البحري ظاهرة تضر
ببعض الأنشطة البحرية
وتساهم الديدان البحرية عديدة الأشواك بدور كبير في تكوين واحدة من الظواهر الأحيائية الخطيرة في البحر، هي ظاهرة (الحشف البحري) ، المتمثلة في التجمعات النباتية والحيوانية النامية بكثافة كبيرة فوق سطح أي جسم مغمور أو شبه مغمور في مياه البحر. إن هذه التجمعات من الكائنات الحية المختلفة تنمو على قيعان المراكب، وعلى الأشياء المثبتة أو العائمة، مثل (الشمندورات) وأعمدة الجسور، وكابلات الاتصالات. وتنمو هذه التجمعات وفق أصول محددة، وفي تتابع ثابت، فتبدأ كائنات البكتيريا البحرية في الترسب على هذه الأسطح أولا، لتعدها كمسرح لظاهرة الحشف، إنها تفرز فوقها طبق لزجة، تكون بمثابة المصيدة للكائنات الهائمة النباتية، التي لا تلبث أن تجتذب الهائمات الحيوانية، فتسارع إلى الموقع مجموعات من الكائنات البحرية الباحثة عن الطعام، من بينها هذه الديدان، موضوع حديثنا، فتلتصق يرقاتها بأسطح الأجسام المغمورة بالماء، حيث وحدات طعامها متوافرة بكثرة، وتبدأ في النمو وتكوين أعشاشها، أو هياكلها الكلسية. وتكون المحصلة، أن ينشأ تزاحم شديد، فهنا سوق، ومطاعم، ومخابئ، وملاعب، وفخاخ منصوبة، وحيوات تبزغ، وموت يعصب. عالم عجيب!.
وللحشف البحري أضراره التي يعرفها المتصلون بالبيئة البحرية. إنه يعمل على تآكل الأسطح التي ينمو فوقها، سواء أكانت خشبية أم معدنية، مما يعني زيادة كلفة الأنشطة البحرية، في صورة مصاريف تنظيف السفن من الحشف، أو زيادة مؤثرة في استهلاك الوقود، نتيجة الثقل الإضافي للحشف، الذي يعمل بالوقت ذاته، على الإقلال من سرعة الوحدات البحرية، ويتضاعف تأثير هذا الضرر في حالة الوحدات البحرية العسكرية، التي ينبغي أن يتوافر لها على الدوام عنصرا خفة الحركة والقدرة على المناورة.
وهذا جانب سيئ في سيرة هذه الديدان، التي ندرسها لنتعرف عليها أكثر، فنعمل على تعظيم أوجه الاستفادة منها، كما أن تدارس سلوكياتها قد يعيننا على إيجاد وسيلة لمقاومة ظاهرة الحشف التي تضر باقتصاديات الأنشطة البحرية. والجدير بالذكر، أن هذه الدراسات قد ساعدت، فعلا، في إيجاد وتطوير أنواع من الطلاءات، أثبتت كفاءة عالية في التخفيف من أضرار الحشف البحري.