- البلورات السائلة
- البلورات السائلة الهدبية:
- البلورات السائلة الخيطية:
- البلورات السائلة الكولستيرية:
- فعل الحقول الخارجية
- تطبيقات البلورات السائلة
البلورات السائلة
البلورات السائلة liquid crystal هي طور وسط intermediate بين الحالة الصلبة البلورية المنتظمة، والحالة السائلة العادية غير المنتظمة. فهي مادة تسيل في بعض الاتجاهات مثل السوائل ولكن في بنيتها بعض الانتظام الذي يميز البلورات.كان الطبيب الألماني رودلف فيرشوف Virchow أول من شاهد بالمجهر طور حالة سائلة بلورية. ففي عام 1853 اكتشف فيرشوف الميلين Myelin وهي المادة التي تتغمد الأعصاب لكنه لم يدرك في حينه أنها بلورة سائلة.بقي الحال كذلك حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إذ تمكّن الفيزيائي الألماني أوتو ليهمان Otto Lehmann الذي كان مهتماً بدراسة الانصهار، من تعرف حالة الطور المتوسط. وبحلول عام 1889 كان ليهمان قد اشتهر بدراساته عن التبلور الذي كان يلاحظه بالمجهر.كان عالم النبات النمسوي فردريك راينيتزر F.Reinitzer يعمل في ذلك الوقت في براغ على مادة اصطنعها حديثاً أطلق عليها اسم بلورات الكولستيريل Cholesteryl، وقد لاحظ ظاهرة فريدة من نوعها في أثناء تحديده درجة انصهار تلك البلورات البيضاء، فالمواد النقية تتحول من صلبة إلى سائلة عند درجة حرارة محددة تميز المادة النقية. وقد بدا لراينتزر أن لتلك المادة نقطتي انصهار، إذ انصهرت عند درجة الحرارة 145.5ْس لتشكل سائلاً عكراً، وبازدياد درجة الحرارة وبالتحديد عند الدرجة 178.5ْس صار السائل صافياً. وتحصل العملية المعاكسة عند تبريد السائل الصافي.
قام ليهمان، بطلب من راينتزر، بفحص الطور العكر، أو ما يعرف الآن بالطور المتوسط mesophase. فهذه المادة تتمتع بسيولة السوائل الحقيقية حتى إن بعضها أكثر حركية من الماء وتتميز في الوقت نفسه بخاصة الانكسار المضاعف (المزدوج) birefringence مثل بعض البلورات. فهذه البلورات السائلة تسلك سلوك بعض البلورات الصلبة المنتظمة في توزع ذراتها عندما ينظر إليها من خلال المقطبات المتصالبة استقطاب الضوء
. فبخلاف السائل العادي الذي كان سيبدو أسود اللون لدى النظر إليه من خلال المقطِّب المتصالب، بدا الطور المتوسط هذا ملوناً بألوان بديعة، كما هو مبين في الشكل 1.وفي أواخر آب 1889 اقتنع ليهمان أنه كان يتعامل مع «بلورات طرية» مما دعاه إلى تسميتها البلورات السائلة وهو ما عرفت به منذ ذلك التاريخ.إن القوى الجزيئية التي تنتج منها حالات البلورات السائلة ضعيفة جداً في بعض الاتجاهات، فهي لذلك تتأثر بتغير الضغط الميكانيكي، والحقول الكهربائية المغنطيسية (الكهرمغنطيسية)، ودرجة الحرارة، والوسط الكيمياوي. ففي حين تترتب المحاور الجزيئية عشوائياً في سائل مؤلف من جزيئات لا متناظرة، غير أن هنالك نوعاً من الاصطفافalignment في البلورات السائلة. وقد بيّن دانيال فورلاندر D.Vorlander من جامعة هالي بألمانية عام 1924 أن شكل جزيئات بعض المواد ذات الأطوار البلورية السائلة عصوية وليس كروياً كما كان المعهود. ويمكن لهذه الجزيئات، إلى جانب ترتبها المكاني، أن تتوجه جميعها إلى جهة واحدة ويسمى هذا الترتب التوجهي orientational. وعندما تنصهر بلورة عادية، تتغلب الطاقة الحرارية على القوى الجزيئية فتنكسر بنيتها ويتخرب ترتبها المكاني لكنها قد تحافظ على ترتيبها التوجهي. وهذا ما رآه رانيتزر عندما انصهرت بلورات بنزوات الكولستريل وأعطت السائل العكر. فالطور الناتج يتألف من جزيئات مصفوفة متوازية فيما بينها بعض الشيء، ولكنها مع ذلك موزعة عشوائياً في الفراغ ويمتد الترتب التوجهي عبر ملايين الجزيئات ويسمى اتجاه الترتب هذا الموجِّه director.فغياب الترتب المكاني يعني أنه يجب أن يكون سائلاً ولكن الترتب التوجهي يقتضي أن تكون بعض خواصه الفيزيائية، مثل قرينة الانكسار، متغيرة بحسب الاتجاه الذي تتم وفقه القياسات بالنسبة للموجّه، ولذلك يبدو الطور بأهداب ملونة لدى النظر إليه من خلال المقطب المتصالب. ومع الاستمرار في التسخين يصل الطور إلى درجة حرارة يتلاشى عندها الترتب التوجهي وينتج سائل عادي. تقابل درجة الحرارة هذه الانتقال من السائل العكر إلى السائل الصافي، وهي كثيراً ما يطلق عليها اسم «درجة حرارة الصفاء»، لدى تبريد السائل الناتج يحصل العكس تماماً. ويمكن بإخضاع السائل العكر لفعل موجِّه، إما لحقل مغنطيسي، وإما بضغطه بين رقائق زجاجية نظيفة تماماً فإنه يغدو صافياً تماماً وشفافاً. تكون جزيئات البلورات السائلة عادة جزيئات عضوية كبيرة نوعاً ما، مثل جزيئة مركب بارا أزوكسي أنيزول p.azoxyanisol
الذي يتميز بدرجة حرارة توازن بين صلب سائل عكر عند 116ْس وبدرجة حرارة توازن سائل عكر سائل نقي متماثل الخواص عند134ْْس.
أنواع البلورات السائلة
تصنف البلورات السائلة، كما هو مبيّن في الشكلين 2 و3 في ثلاثة أنواع رئيسية: الهُدبية smectic، والخيطية nematic، والكوليستيرية cholesteric.
البلورات السائلة الهدبية:
وهي تتألف من طبقات مسطحة من جزيئات لها شكل «السيجار» ومحاورها الطولانية متوازية. وسمك الطبقة يساوي طول جزيء واحد أو جزيئين (أي من رتبة عشرات الأنغستروم). والجزيئات في الطبقة الواحدة قد تكون مرتبة أو عشوائية بحسب طبيعة المادة. وتنزلق الطبقات بعضها فوق بعض بحرية. ولكن الجزيئات في الطبقة الواحدة تبقى موجّهة ولا تتحرك فيما بين الطبقات ولكن تتحرك داخلها. وقد اشتق اسمها من الأصل اليوناني smectos وتعني صابون.
أ: هو البلورة الصلبة المنتظمة والتي يمكن أن تصير في الطور الهُدْبي ب. ومن ثم تصير في الطور الخيطي ج. إن الطور السائل د: هو غير منتظم كلياً.
تكون الجزيئات عمودية على مستوي الطبقات، وهذه هي أكثر الحالات شيوعاً في الطور الهدبي من النوع A. أما في الطور الهدبي من النوع C فإن الجزيئات تكون مائلة على الطبقات. وتنتقل بعض المواد بين الطورين A وC. ويتم الانتقال من طور إلى آخر عند درجة حرارة انتقالية محددة جداً. وتعطي البلورات السائلة الهدبية ألواناً جميلة بتسليط الضوء المستقطب عليها (الشكل 1). والظواهر الضوئية الناجمة عن المقطبات المتصالبة تتفق وتلك الناجمة عن البلورة الصلبة أحادية المحور.
البلورات السائلة الخيطية:
يكون الانتظام في هذا النوع من الأطوار الوسط أقل منه في حالة الطور الهدبي ويكون الطور الخيطي أكثر سيولة. تبقى محاور الجزيئات الطولانيةُ متوازيةً ولكنها غير منفصلة في طبقات، والتهيج الحراري يجعل الجزيئات تهتز حول اتجاه وسطي. وهي تسلك سلوك عيدان تنظيف الأسنان في علبتها، فهي تستمر في توجهها ولكنها تكون حرة الحركة في أي اتجاه (الشكل 2ج). المواد الخيطية تصطف عندما تخضع إلى فعل حقل كهربائي أو مغنطيسي، وينتج من ذلك خواص مميزة كأن تتحول كهربائياً من سائل صاف إلى عكر. وهذه الصفة غير العادية تفيد في تطبيقات تقنية خاصة مثل أجهزة عرض الصور image display system.
البلورات السائلة الكولستيرية:
تظهر هذه الحالة عند رفع درجة الحرارة، إما بدءاً من الطور البلوري وإما من الطور الهدبي، ولكن ليس من الطور الخيطي. يمكن مقارنة اللزوجة الضعيفة، وانتشار الضوء في هذا الطور مع ما يماثلهما في الطور الخيطي. وتتألف هذه البلورات من طبقات رقيقة يساوي سمك الطبقة فيها طول جزيء واحد. وتترتب الجزيئات لتكون محاورها الطولانية في مستوي الطبقة وتكون هذه المحاور متوازية بعضها مع بعض في الطبقة الواحدة، أي لها بنية خيطية ذات بعدين في الطبقة الواحدة مع بعض الاختلافات الطفيفة في الاتجاهات من طبقة إلى أخرى. وينزاح فيها توجه المحور بانتظام لدى الانتقال من طبقة إلى الطبقة التي تليها كما هو مبيّن في (الشكل -3). وتكون المسافة المقيسة عمودياً على الطبقات، التي ينزاح عبرها اتجاه الصفوف ب 360 درجة من مرتبة أطوال أمواج الضوء المرئي. وهذا يعني أن طول موجة الضوءالذي يعكسه هذا الطور الكولستيري يعتمد على عدد الفتلات في طور معين، بالطريقة نفسها التي يتحكم فيها عدد الخطوط في طول معين لشبكة الانعراج في أطوال الموجة المنعكسة. ويطلق على هذا النوع من البلورات السائلة اسم الأطوار اللولبية الخيطية. ويكون للبلورات السائلة الكولستيرية ألوان قوس قزح الزاهية نتيجة لانعكاس براغ الضوئي القوي. وتتعلق شدة الفتل واللون المنعكس، على وجه بالغ الحساسية، بدرجة الحرارة، ولهذا أصبحت البلورات السائلة تستخدم لقياس درجة حرارة السطوح والبشرة skin. وتأتي تسمية الكولستيرية من حقيقة أن كثيراً من مشتقات الكولستيرول (وليس الكولستيرول نفسه) هي من هذا النوع من البلورات السائلة.تبيّن فيما بعد أن الجزيئات ذات الأشكال غير العصوية تعطي أيضاً أطواراً بلورية سائلة. وقد تمكن فورلاندر من اصطناع جزيئات بلورية سائلة بشكل حرف T وأخرى بشكل حرف U. كما اكتشف الفيزيائي الهندي شاندرا سيخار Chandra Sekhar عام 1978 البلورات «القرصية»، كما يدل عليه اسمها، فهي جزيئات بشكل أقراص، تبدو وهي في حالتها البلورية السائلة، مكدسة الواحدة فوق الأخرى على شكل رزمة من الصحون، ثم تُرتَّب هذه الأكداس نفسها بعضها بجانب بعض في شبكة مسدسة ثنائية البعد. ولما كان الطور شبيهاً بالسائل، فإن أكداس الجزيئات تستمر في انزلاقها وترجحها.واكتشف الباحثون، كما هو مبيَّن في الشكل 4، جزيئات بلورات سائلة ذات أشكال تشبه الفسميديات من الحشرات المستقيمات الأجنحةphasmide، وأخرى تشبه ذنب السنونو تدعى نصف الفسميد hemi phasmide، وسيكون لهذه البنى الجديدة بدون شك مواصفات غير عادية.
فعل الحقول الخارجية
تتعلق الخواص الفيزيائية في البلورات السائلة باتجاه المحور الموجّه، إذ إنها تختلف في الاتجاه الموازي له عنها في الاتجاه العمودي عليه. وإن ما يجعل البلورات السائلة مثيرة للاهتمام هو استجابتها لتأثير الضوء والحقل المطبق.تختلف قرينة الانكسار في بعض المواد، وبحسب ترتيب ذراتها وجزيئاتها، وتأخذ سرعة الضوء عندئذ إحدى قيمتين محتملتين، وذلك بحسب استقطاب الضوء بالنسبة للبلورة. وإن عدم التساوي بين قرينتي الانكسار (الانكسار المضاعف) له تأثير مدوِّر للضوء المستقطب في المستوي ومن ثم يسمح بمرور الضوءعبر المقطب المتصالب الأمر الذي ينتج منه أشكال بألوان بديعة.بيّن البلوراتي الفرنسي شارل موغان C.Mauguin منذ عام 1911 الفعل الموجِّه لحقل مغنطيسي، بوضع مادة خيطية تحت تأثير مغنطيسي كهربائي. إذ أصبح السائل العكر صافياً تقريباً تحت تأثير حقل مغنطيسي من رتبة 10000 غوس ويسلك ضوئياً سلوك بلورة أحادية المحور يتجه فيها المحور الضوئي باتجاه الحقل.أما فعل الحقل الكهربائي فهو أكثر تعقيداً، إذ إنه يرتبط بتباين خواص ثابت العزل الكهربائي الساكن، وبالتالي بقرينة الانكسار، وباتجاه استطالة الجزيء. ويكون ثابت العزل هذا أصغر بكثير من ثابت العزل المقيس فيما لو كان الاتجاه عمودياً على هذه الاستطالة.
تطبيقات البلورات السائلة
تستخدم البلورات السائلة في تطبيقات متعددة ومتنوعة تعتمد على خواصها الميكانيكية والحرارية والكهربائية والضوئية: فالصابونيات (أو خافضات التوتر السطحي) تستخدم في مجال استخراج النفط: فعند النضوب الجزئي لبئر نفط، فإن القسم الأعظم المتبقي في الصخور المسامية يمكن دفعه بضخ كميات كبيرة إلى البئر من مزيج خافض التوتر السطحي بالماء. في المجال الطبي: تستخدم مواد بلورية سائلة لتغليف العقاقير التي يمكن أن تخربها الأنظيمات في أثناء مرورها في الجهاز الهضمي عندما تؤخذ عن طريق الفم، وعند وصول العقار المغلف إلى المكان اللازم عبر الجسم، تنحل المادة البلورية السائلة فيه محررة العقار. أما أكثر التطبيقات أهمية فهي ترتكز إلى اللاتناحي الضوئي الشديد في البلورات السائلة (يراوح الفرق D n بين قرينتي الانكسار وفق اتجاهين مختلفين، بين 0.05 و0.25). ويقوم الترتب في هذه البلورات على أساس من التوازن القلق للقوى بين الجزيئات، فيمكن لتأثير خارجي مهما كان ضعيفاً كحقل كهربائي ضعيف مثلاً، أن يؤدي إلى تغيرات بالغة في خواصها الجهرية (العيانية). ينتج من ذلك أن إعادة توجيه الجزيئات أو تغيير اتجاهها (لتصبح بجهة الحقل الكهربائي مثلاً) يولد تغيراً كبيراً في الانكسار المضاعف والامتصاص والانعكاس والتبعثر الضوئي. من هذه التطبيقات شاشات أجهزة تلفزيونية خاصة وشاشات الحواسيب وشاشات الآلات الحاسبة الجيبية Liquid Crystal Disolay (L.C.D) التي تتميز برقتها وصغر حجمها. وهذا عائد إلى الاستعاضة عن أنبوب الأشعة المهبطية بطبقة رقيقة من بلورة سائلة موضوعة بين طبقتين ركيزتين لهما مسريان إلكترونيان مهمتهما صف جزيئات البلورة السائلة. والمعروف أن الحجم الكبير للتلفزيون التقليدي مرتبط بوجود هذا الأنبوب المهبطي الذي يتألف من مدفع إلكتروني وجملة عدسات إلكترونية، وجملة حارفة أفقياً وشاقولياً. ولا تتوقف أهمية هذا النوع من التطبيقات على مسألة الحجم فقط، بل هناك ما هو أهم من ذلك بكثير وهو عدم الحاجة إلى استطاعات عالية. يحتاج جهاز نموذجي يستخدم البلورات السائلة إلى ميكرو واط واحد بالسم2 من مساحة العرض الفعالة وهي لا تزيد على 0.002% من الاستطاعة المطلوبة في الجهاز الذي يستخدم الترتيبات التقليدية. وسبب ذلك أن الجهاز الأول يعدل الضوء المحيط بدلاً من أن يصدر ضوءه الخاص.هناك تطبيقات أخرى كثيرة، فالكفلر Kevlar مثلاً (وهو بلورة سائلة بوليميرية في طورها الصلب) ينافس الفولاذ في استخدامات شتى منها تدريع العربات وصناعة الكبلات وغيرها. وإن فهم خواص البلورات السائلة سيسهم في الدراسات البيولوجية لأن بعض أطوارها (مثل الطور الكولستيرولي) يدخل في تركيب بعض مكونات المادة الحية (مثل الدنا DNA في الطحالب).