خالة عبدالله
14-04-2022 - 11:03 pm
الحب يبقى ...والجرح يرحل.. في البدء كانت ياسمينة... هذه القصة لست من نسج الخيال ..بل هي صفحات الحياة وسطور الزمن ..كتبها (رجل).. سكنت هناك ..هناك في أقاصي قلبه الرطيب طفلة كالياسمينة الغضة.. فكتب عنها سطوراً طاهرة ..لا تخدش فضيلة ولا تنتهك حرمة..انقشها خالدة في "(أوراق وردية)لتؤمنوا أن للحب عذريته ..ولصفاء عذوبته.. بدأت قصتي حين وُلدت "مها"لعمي الأبعد(ابن عم أبي)والذي كان يسكن في "الرياض"بينما نحن نسكن في إحدى القرى القريبة منها .. تصغرني بست سنوات هي..لم أكن أعرف الكثير من عالم الصغار ولا أحب مداعبتهم رايتها كملاك طاهر يتربع على حجر والدتي التي اصطحبتني معها لزيارتهم حين جاؤوا لقريتنا لقضاء عطلة العيد .. كانت كوردة ربيعية..أزهرتها سحابة مشبعة بالمطر ..حملتها بإذن أمها وخرجت بها لمزرعة البيت وكانت المرة الأولى التي أحمل فيها وردة..في شهرها الثامن ..!!لا أدري كيف استلطفتها ..واستظرفتها ..وأحببتها !! فكرت ربما لأن والدتي لم تنجب سوى الذكور ...؟ وحين كنت ألا عبها حملتها بسرعة لأجعلها تطير في الهواء مما جعلها تطير بشكل هستيري .......... لكنني ولفرط جهلي وقلة خبرتي بالصغار تماديت في رفعها إلى أعلى فاختل توازنها وسقطت من بين يدي ..!لم أصدق نفسي حين رأيتها تسقط أرضاً ويرتطم رأسها الصغير بجذع النخلة الخشن الذي تسبب في جرح جبينها ونزف الدم منه.........!!! ورغم خوفي كطفل من العقوبة إلا أنني لم أهرب ..!بل أسرعت في حملها لوالدتها ..صرخت بي أمي ماذا فعلت بها؟؟!! والكل يرقبني بنظراتٍ حادة وأخذوها مني .أخبرتهم بما حصل وقفت بانتظار العقوبة ليرتاح ضميري الذي كاد يقتلني عذابا ًو قلقاً..... أما أمها التي كانت مشهورة بعقلها الراجح ..فلم تزد على قولها:هداك الله يا ولدي....ثم انصرفت تغسل دماء الصغيرة .. أقسم أنني لم أكن راضيا عن تلك العقوبة الباردة في نظري, تمنيت لو أن إحداهن أمسكتني وضربت رأسي تماما ًكما حصل ل"مها"لكني جرجرت أقدامي وتواريت عن الأنظار ..... وفي الغد سمعت أمي تحادث والدتها بالهاتف أرخيت السمع لأطمئن قلبي..الذي سكن وهدأ حين سمعت أمي تقول: الحمد لله الحمد لله إتها بخير....!!! ومرت الأيام سريعة،وانقضى العيد ,ورحلت عائلة "مها"إلى الرياض وذكرها عالقة بذهني...... وقلت لنفسي:لا بأس ..حب الأطفال شئ معروف وشائع..وسينتهي يوماً ما..حين تكبر هذه الصغيرة . .في العيد القادم ..انتظرتها بشوق ..ورأيتها كالياسمينة على كتف أخيها الذي يكبرني بعام يتجول بها في أرجاء المزرعة ... رأيتها تمشي ..وتضحك.. وتتكلم بحروف عذبة ... جذبتني أكثر فازدت تعلقاً بها !!!! وحين بدأت أحادث أخاها وأخفي رغبتي الملحة في حملها ومداعبتها ...لمحت خلف خصلاتها المتناثرة على ذلك الجبين الوضاء ..أثر ندبة جرح العام الماضي!!وعاودني شعوري يستقر مؤلما ًبين أضلاعي ..إذ كيف أجرح مثل هذا الجبين المُسقى بالطهارة والجمال...؟؟!! ومضت ثلاث سنوات ..وعائلتها لا تأتي لقريتنا أبداً فرابطة والدها بالقرية انتهت بعد وفاة والدته رحمها الله .......... وبلغتُ أنا الثالثة عشرة ..و"مها"في عامها السادس ..وكان زواج شقيقي الأكبر ..وعلمت من والدتي أنهم مدعوون للحفل وسيحضرون من الرياض..لم أصدق أذني!!!!!! أ يعقل؟؟!! هل سأراها بعد كل هذا الغياب ..والسنين ...؟؟؟!!! وانتظرت ليلة الفرح بفارغ صبري ...وكلي أمل ..أن أراها ..وأهدئ من وجيب هذا المتخلف بين ضلوعي ..والذي يكاد يطير شوقاً وفرحاً.. وحانت الليلة...وتسللتُ لمكان النساء متظاهراً برغبتي في الحديث إلى إحدى عماتي ،وهناك أرسلتُ نظراتي بحثاً عنه ..وتركتُ لقلبي الطريق ليعثر عليها..فو الله ما أخطأها ..وكيف يخطئ من سكنته؟؟؟!!!!! هاهي ترفل يثوبٍ ورديٍ كتفاحتي خديها ..وتتساقط خصلاتها المترفة بالغرور على كتفيها ..لكن طوق الورد على رأسها سمح لعينيّ أن تطّلع على حافة جبينها اليمنى ... خفق قلبي بشدة ،عضضت على شفتيّ..تمنيتُ لو اقتربت منها واعتذرتُ أو قلت أي شئ .........!!!!!!!!!! لكنني خرجت مشيعاً باللوم والتقريع من والدتي التي تعتبرني رجلاً لا يليق بأن يبقى بين النساء.....!!!!!!!!!!! وبقيت تلك الصورة في داخلي فترة ليست بالقصيرة ...الوردة الناعمة ..بالثوب الوردي ..وطوق الأزهار اللطيفة يحيط الوجه الحبيب....... ولكن الحلم كان أسرع رحيلاً..لقد غادر أهلها من الغد مباشرة بعد انتهاء الحفل .......... وطالت زيارتهم التالية لقريتنا...فلم يأتوا لقريتنا إلا بعد.........خمس سنوات.....!!!!!!! أوصدت خلالها "مها "الأبواب ولبست الحجاب ،لقد انتقلت للمرحلة المتوسطة ..ورجل مثلي في الثامنة عشر لا يصلح أن ينظر إلى مثلها... حينما تخرجت من الثانوية أصررت على الالتحاق بجامعة الرياض ،ورفضت رفضا قاطعا إكمال تعليمي في معهد القرية ..فطوحي كبير جداً أيضاَ.....وطموحي يستحق العناء والتضحيات ...طالما أن "مها"هي جزء من هذا الطموح........... بقيت طوال دراستي في سكن الجامعة...وترددت كثيراً على بيتهم بدعوة من أخيها الذي يشاركني الجامعة في تخصص أخر... أنهيت مشواري هذا بالحصول على الماجستير وانتشرت الفرحة حتى دخلت كل بيت في قريتنا وتراقصت الابتسامات زهواً على شفاه والدي وافتخاراً بي.. وهمست أمي:"فرحتي الكبرى يوم زواجك..!!!!""" وأشرق بداخلي شعور رائع ...بل...أروع من الروعة ذاتها ..معت أصابعي لأحسب كم من السنوات تبلغ مها ؟كم عمر ياسمينتي الآن..؟؟؟ وهوى بداخلي شعور الخيبة لما وجدتها لم تكمل الثامنة عشرة بعد،وأنا في الخامسة والعشرين .. تعثرت الكلمات على لساني..وقلت لأمي::ادعي لي الخيرة يايمه"" ولكن بقي الإصرار ذاته ف داخلي ..ولو كان ؟؟؟؟؟ ستنهي مها الثانوية ها العام ،سأصارح أمي برغبتي بها ..فإن وافق أهلها كان بها ..وإن لم يوافقوا فلأجلها أنتظر العمر كله.............. وحينما انتهت اختبارات الثانوية العامة وم تعلن النتائج بعد في الصحف ،طلبت من صديق لي أن أعرف نتيجتها قبل البشر ..وبالفعل علمت بنجاحها بتقدير امتياز وبنسبة رائعة جداً...فلم أتمالك نفسي ..رفعت السماعة لأبشر أخاها بذلك ،لكن والدتها أخبرتني أنه غير موجود ..فسلمت عليها..وعرفتها بنفسي فرحبت بي ..ثم زففت لها خبر نجاح "ما"...وأنني علمت به بعد أن هنأني أحد الأصدقاء على أنها أختي!!! وأردت أن أبشركم وأبارك للجميع..كم كانت فرحتها كبيرة..ودعت لي كثيراً..وسمعتها تناديها لتزف لها الخبر وهي تغلق السماعة ..فلم أغلقها لعلي أسمعها صوت الفرح في نبراتها لكن الانقطاع كان أقرب لسمعي ... وازدادت نشتي ..وأصبح الإحساس بالغبطة يغمرني ويكبر على صدري إن ياسمينتي متفوقة ..ذكية..وجميلة أيضاً..كما أعرفها منذ صغرها..!! وكبر الحلم ..حتى أصبح كاليقين..وكنت أنتظر الفرصة المواتية لأبوح لوالديّ بذلك. عدت للقرية حاملاً حلمي في صدري متلهفاً البوح به وإعلانه بعد أن ظل حبيس قلبي سنوات ..إذ المفاجأة الغير متوقعة تنتظرني ............. والدتي تحدث والدي عن ترتيبات السفر للرياض ،ولوازم لها وللصغار،وأن أهلي سيكونون ضيوفي أسبوعاً كاملا َفي شقتي بالرياض بعد شهر من الآن ............ وسألتُ عن سبب الزيارة المفاجأة....ولتني لم أسأل....بل ليت تلك اللحظات لم تمر عليّ........ إنه زواج مها!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! ! من؟؟؟ ومتى؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! هذا ما استطعت السؤال عنه....والمفاجأة تكاد تقطع أنفاسي...الجميع لاحظ فجيعتي في شكل عيني... استدركت وقلت::معقول..؟أوصلت إلى سن الزواج؟؟ مازلت أذكرها صغيرة جداً قالت أمي:"الأيام تمضي سريعة. صحيح هي صغيرة نوعا ما..لكنها عاقلة رزينة..والوقت مناسب خصوصاً وأن الرجل كفء...يالله ياولدي..متى ستفرح قلبي؟؟؟ "" قلت ولازالت أداري دهشتي ..وأكابر على الطعنات المتتالية التي تكاد تودي بي..:: _من هو؟؟ _ابن جيرانهم..من آل فلان.. وبدأت الأرض تميد من تحتي..إنه رفيق أخيها. لكنه لم يكن أقرب مني إليه!!!!!!!!!! ياإلهي....... كيف للناس أن يعلنوا عن رغباتهم في الوقت المناسب...بينما أنا أمسك بحلم صعب الكتمان في صدري سنوات........ ماذا يريد أهلها من رجل لا تربطهم به رابطة دمٍ ولا قرابة؟!!! أتراه يستحقها؟؟؟أيستطيع أن يحبها ويسعدها كما أشعر أني سأفعل ذلك؟؟ صحوت من نومي على صوت المؤذن ،قمت للصلاة واهن القوى ..كسير الخاطر..مجروح الفؤاد.. هكذا أنا دوماً الحزن يملا حياتي ..والخيبة تبدوا على ملامحي ..كنت وما زلت ضعيفاً عن إبداء رغباتي في الوقت المناسب ..فأنا ابن القرية البسيط الذي يحسب للكلمة ألف حساب ..ويضع قوانين العيب والنقد نصب عينيه ..!!! تم الزواج...................... ورحلت "مها" عن عالمي .................. نعم أصبحت "مها" ولم تعد"ياسمينتي"........................ إنها في ذمة رجل آخر ..ولست والله أتمنى لها إلا السعادة والهناء ،وعرفت كما عرف غيري أنها سافرت للخارج مع زوجها لإكمال دراسته..فشيعتها بدعواتي........... وذات يوم ..ذهبت بطفلي الذي لم يتجاوز الثالثة لمدينة الألعاب ،ففوجئت بابن عمي (أخو "مها")ومعه طفلان... أما الطفل فكان شديد الشبه بأبيه، وأما لطفلة .........والتي عرفت فيما بعد أنها برفقة خالها فقد أجابني شئ ما أنها هي ..."مها الصغيرة"كأن السنوات توقفت تلك اللحظات ومن ثم رجعت للوراء .... بقيت معه وقتاً طويلاً واقفين نتبادل أطراف الحديث والسؤال ،ثم ودعني وهو يدعوني وأسرتي لزيارتهم لا سيما وأن "مها"عائدة للخارج قريباً بعد إجازتها..... ذهب الرجل من أمامي وأنا لا زلت أتأمل جبين الطفلة لعلِّي أرى أثراً للندبة فيه!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! كلماتنا في الحب تقتل حبنا إن الحروف تموت حين تقال .................................................. ........................... نقلاً من مجلة " حياة" من باب " أوراقٌ وردية" ........... أتمنى من كل قلبي يعجبكم نقلي.......تقبلوا... تحياتي .