- الحياة الزوجية بأبعادها المختلفة تمهيد:
- وقال (ص) " الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة".
- أ. زواج الغرة:
- ب. عطية الجورة:
- ج. زواج الشغار.
- أسبابه وما يترتب عليه:
- د. الزواج المتسرب:
- سن الزواج والزواج المبكر وأسبابه:
- الجانب الاقتصادي:
- الجانب الديني:
- الصور المتناقضة في نظر المرأة الى زوج المستقبل:
- إشارة تستحق الرحمة:
الحياة الزوجية بأبعادها المختلفة تمهيد:
يحرص الشاب أي شاب عندما يصل إلى سن معينة- على التعرف إلى فتاة تصلح لأن تكون له زوجةوكانت التقاليد المرعية في فلسطين قبل منتصف القرن العشرين تقتضي بأن يتزوج الفتى من فتاة لها مواصفات خاصة وعامة، وأن يبتعد قدر الإمكان عن بعض المحاذير الشخصية والبيتية، ويطمح أن تجمع فتاته إلى جمالها الجسمي جمال النفس وطيب الأخلاق وكرم الأصل. فإذا وجد ضالته المنشودة قرر أن يقترن بها اقتراناً شرعياً بدخوله حظيرة الزواج، فما هو الزواج؟
الزواج لغة: الاقتران وخلاف الفرد والزوج البعل، قال تعالى: " ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون".
وفي الاصطلاح: رابطة اجتماعية تجمع بين رجل وامرأة أو أكثر وفق معايير خاصة بعضها يعتمد على العرف والعادة وبعضها الآخر يعتمد على القوانين النقلية والوضعية وتنطوي على حقوق وواجبات متبادلة، قال تعالى: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة".
وقال (ص) " الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة".
وهكذا فطر الإنسان عليه بإقامة الأسرة وبناء المجتمعات فيه يستقر الإنسان وينجب الأطفال وينشد السعادة ويؤمن بعضهم من يعتمد عليه عند الكبر إلى جانب المتعة الجسدية والقضاء على الوحدة فالزواج في المجتمع الفلسطيني على أنواع، ورد في الأمثال الشعبية الدارجة والأقوال السائرة ومنها:
أ. زواج الغرة:
وهو نوع من الزواج يتم في حالات القتل حيث يعطي القاتل ابنته أو أخته إلى احد أقارب المقتول، من جملة الدية حتى يسود الوئام بدل الخصام بين العائلتين المتخاصمتين وهو قليل نادر ويندر أن تنال الغرة محبة عائلتها حتى أن من تساء معاملتها من قبل زوجها أو ذويه تقول: ( أنت ميخذني في دية)
ب. عطية الجورة:
ويسمى أيضا " عطية الصرة أو عطية الصينية: " أو الزواج عند الولادة، حيث جرت العادة أحيانا في المجتمع الفلسطيني أن يقول الأخ لأخيه فيجيبه: " ع حبل ايدك" فيرد عليه: وانا قابلها، فتكون البنت قد خطبت عند ميلادها لابن الشخص المبارك، هذا وقد اعتبر الشخص الذي يجود بابنته آنذاك صاحب شهامة وكرامة ولا يستطيع أحد أن يقترب منها ليطلب يدها بعد كبرها، لأن المبارك كان يقدم لها الهدايا الرمزية في كل عيد من الأعياد على اعتبار أنها مخطوبة لابنه الذي يكبرها قليلاً أو يكونان من الأغراب ويقولون ( فلانه مقطوعة صرتها على اسمه) وقد يرفض الخاطب الزواج من خطيبته المعطية له عند ولادتها أو ترفض هي ذلك وهو نادر الحدوث.
ج. زواج الشغار.
ويقوم على أساس المقايضة أي التبديل: حيث يبدل الرجل قريبته أخته أو ابنته أو من يلي أمرها من قريبة رجل آخر مقابل عدم دفع المهر لأي منهما حيث يقع التبادل ذلك موقع دفع المهر. وقد يكون بين الأقارب أو غيرهم فيقولون ( خذ أختي وأعطيني أختك وكل من يتزوج بأخته) أو يقولون ( وحدة يتطلع وحده بتدخل) (راس براس ما في ولا وجع راس). وربما ترتب على هذا الزواج الشقاق بين الأزواج أو بعضهم مما يؤدي في كثير من الحالات إلى الطلاق وخاصة إذا لم تتفاهم إحدى البديلتين مع زوجها أو بعض أقاربه وينعكس الأمر على الأخرى مع زوجها، وقد حرمه الإسلام بقول الرسول (ص)( لا شغار في الإسلام) ولكنهم يحتالون على الشرع بدفع مهور شكلية لكل من البديلتين بل يقدم كل من الخاطبين ثياب العرس والحلي لقريبته بدل المهر (الصداق). هذا وقد اعتبر المثل زواج البدل زواجاً ظالماً لا عدل فيه حين قال: (البدل قلة عدل) .
أسبابه وما يترتب عليه:
كان الفقر السبب المباشر لانتشاره في المجتمع الفلسطيني آنذاك لعدم القدرة على دفع المهور أو ربما كان الشخص الراغب في الزواج مرفوضاً اجتماعياً من قبل الفتيات لكبر سنه أو لأي سبب آخر فتأتي أخته أو ابنته المرغوبة من قبل الآخرين مطية يركبها ليعرضها بضاعة رائجة لينسل من خلالها ليبدل بها وقد فرض بالإكراه والقسر على غيرها قبوله، وقد عابت الأمثال هذا النوع من الزواج واعتبرت من ينهجه كثير الندم لأنه لا تساوي في الغالب بين البديلتين مادياً ومعنوياً فيقولون ( يا بادل الزينة بالشينة يا بدل الشوم كان) أو قولهم ( يا بادل النخلة بالسخلة يا كثير الندم) وذلك عندما تكون أحداهما طويلة وجميلة والأخرى قصيرة وذممية، وقولهم ( يا بادلين غزلانكم بقرود) في معرض التدليل والتمايز والمقارنة بين طرفي نقيض، هذا وربما دفع بعضهم نقوداً زيادة على قريبته مستغلاً فقر صهره فيقولون ( عروس بعروس والباقي مكسب)، أو قد تكون أحداهما مرغوبة أكثر من الأخرى بسبب صغر سنها أو جمالها فيقولون (الصغيرة بتستوي والكبيرة بتلتوي)
وفي هذه الأنواع الثلاثة من الزواج تنشأ بعض الغبن أو كله للفتى والفتاة على حد سواء، فقد يقف حجر عثرة في سبيل سعادة احدهما أو كلاهما خاصة انه لا خيار لأحدهما في اختيار شريك حياته بعد تضحية أو حتى مجرد معرفته لصاحبه لذا فإنه قد لا يناسب احدهما صاحبه لاختلاف الأمزجة والأخلاق أو طريقة الحياة لافتقارهم للتجانس والعشرة.
د. الزواج المتسرب:
وهو الزواج المبنى على أساس أن لرجل واحد زوجتين احدهما في بلدة ويبقى معها وأخرى في بلدها بعيدة وغالباً ما تكون أرملة حيث يعرج عليها كلما مر بقريبتها أو مدينتها بسبب مشاغله وأعماله فيجلب لها معه بعض الهدايا وينفق عليها وتكون بعيدة عن ضرتها فلا ترى أحداهما الأخرى فيبقى الزواج بعيداً عن مشاكل الصدام التي تقع غالباً بين الضرائر في حال كونها في بيت واحد أو قرية واحدة، ويعتمد هذا النوع من الزواج على الاتفاق المتبادل قبل عقد القرآن فإذا ما تم يقولون ( جبل ع جبل ما بيلتقين أما بني آدم على بنى آدم بيلتقوا) وهو اقل أنواع الزواج بل أندرها.
ه. الزواج العادي
ويقوم على اختيار كل من الزوجين أو ذويهما في الغالب شريك حياته بالطرق المتعارف عليها في المجتمع وهو أكثر الأنواع السالفة الذكر انتشاراً.
سن الزواج والزواج المبكر وأسبابه:
قد يكون الزواج مبكراً أو متأخراً في كل نوع من الأنواع السالفة الذكر. وقد ساد الزواج المبكر في الغالب المجتمع الفلسطيني آنذاك، وهو يقوم على أساس تزويج الفتاة من الفتى في سن مبكرة قد لا تتجاوز السادسة عشرة للفتى والرابعة عشر للفتاة ولهذا الزواج أسبابه ودوافعه ونتائجه التي منها:
الجانب الاجتماعي: حيث يفاخر الناس بكثرة المواليد الذكور خاصة (كثرة العزوة) لأن البنات مصيرهن الزواج والخروج من البيت أما الأبناء فيهبون للدفاع عن شرف العشيرة ضد المعتدين ويصور المثل أم البنين وأم البنات وكل واحده منهما قد انشغلت بهدف معين يناسب وضعها مع مواليدها في قوله ( أم البنين تمشي وتنين وين الحبس يا مظلومين؟ وأم البنات تمشي وتبات وين الصايغ يا بنات؟). هذا إلى جانب كون المجتمع الفلسطيني من المجتمعات المحافظة بقدر ما للشرف من قدسية فلذلك يسارع الأب إلى زواج ابنته ليسترها ويبعدها عن الانحراف أو البوار (سترة البنت جيزتها)، أما الشاب فأن عطف والديه ومحبتهم له يدفعهم إلى زواجه المبكر ليفرحوا بزواجه حيث يقولون ( خلينا نفرح فيه خلينا نزم له ولد قبل ما نموت).
الجانب الاقتصادي:
حيث العمل الزراعي للغالبية الساحقة لإفراد المجتمع لأن معظمهم من الفلاحين الكادحين العاملين في أرضهم طيلة أيام السنة تقريباً وهذا العمل المتواصل يحتاج إلى أيد عاملة كثيرة للقيام به، فالزواج رغبة في إنجاب البنين للمساعدة وفي انضمام الفتاة للأسرة يعتبر إضافة يد عاملة جديدة تساعد في أعمال الزراعة والبيت.
وقد يكون طمع والد الفتاة في تزويجها مبكراً من غني لسترتها من جهة ويقبض بعض مهرها من جهة أخرى ليعلم إخوتها أو لينفق عليه منه أو لعدم إطالة فترة الخطوبة بالنسبة للخاطب لما يترتب عليه من نفقات باهظة تتمثل في الهدايا التي هو في غنى عن دفعها إذا ما تزوج من خطيبته.
الجانب الديني:
فهناك عامل ديني يشجع على الزواج المبكر قال (ص)" تناكحوا تكاثروا فأنني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة"، ثم إن ما يترتب على الأيمان العميق بكفالة الرزق من الله ما يجعل الإقبال على الزواج المبكر أمرا محبباً فالمثل يقول: ( الله ما بنسى حدا من رزقه) فلا خوف من الجوع لان الله يخلق وبرزق، ولا احد مات منه ( عمر ما واحد مات من القلة) لان (الله يخلق الواحد ويخلق رزقه معه). فيقبل الإنسان على الزواج دون تهيب أو خوف منهما يترتب عليه من تبعات رغم قولهم ( عيلة السبعة ما إلها شبعة) ولعل ذلك مرده إلى التشاؤم من الرقم السابع لدى بعضهم، هذا وان هناك أمرا هاماً في زواج الأبناء حيث يقولون ( بارك الله فيمن زال الغيبة عن نفسه) لأن حديث الناس حول الشاب والشابة إذا ما أصبحوا في سن الزواج يكثر بشكل واضح إذا كان لا بد من الزواج فلمن الاختيار في أمره؟
سجلت الأمثال جانباً كبيراً مما يدور في تفكير المرأة والرجل بخصوص موضوع الإقدام على الزواج لأنه يرتبط بمستقبلهما وحياتهما القادمة، فقد صورته في جوانبه المتعددة، وان استعراض مجموعة من تلك الأمثال ليدل على أن البيئة هي التي تحكم في تلك الظروف الخاصة بالزواج. فلقد أتضح أن الدور الأول في اختيار زوجة الأبن أو زوج البنت هو لرب الأسرة حيث يقول المثل ( دور لبنتك قبل ما تدور لابنك) وقولهم ( جوز أهل الدار قبل الرجال) فهو أمر يفيد النصح والإرشاد في اختيار الزوج المناسب للبنت قبل لأنه لا رأي للبنت البكر في أمر زواجها وذلك لعدة اعتبارات شعبية منها:
أن الشاب لا يسقط اجتماعياً بزواجه الأول بعكس الشابة فالمثل يقول ( المرة المطلقة لا تقربها) كما يقول ( للبنت بخت وللشب سبع بخوت). إن خبرتها في الاختيار غالباً ما تكون غير موفقة في نظرهم لأنها دون المستوى المطلوب في المعرفة والبصيرة والقدرة على تمييز الصالح من الطالح حيث يقول المثل (إن دشرت البنت ع خاطرها يا بتتجوز طبال يا مزمار). وهناك قصة مثل شائعة ومتداولة يعللون بها هذا القصور وملخصها أن فتاة حسناء كانت ترفض كل من يتقدم بطلب يدها عن طريق والديها وأخيرا ترك لها والدها حرية الاختيار فاختارت شابا وسيما قسيما ليتزوجها ففعل فكان يضربها يومياً بقساوة وهي تتحمل بمرارة تدعو الى الأسى وتردد ( اضرب يا نقا عيني) وهي صابرة لان الذنب ذنبها في سوء اختيارها ولعل مرد ذلك عدم معرفة كل واحد منهما صاحبه سلفاً لعدم مخالطته، وترك الحرية للاختيار والمعرفة عن كثب وربما تعدى أمر الانتقاء الوالدين الى شيخ العشيرة لكونه أكثر خبرة ولماله من هيبة وتقدير واحترام يفرضها على من حوله حيث يتدخل تدخلا مباشرا في اختيار زوج ابنة العائلة وابنها فإذا كان الأمر على ما ذكر فيبدو انه يعتمد على القهر والإجبار في الاختيار. فهل من معايير معتمدة تؤخذ بعين الاعتبار عند ذلك الاختيار؟ والجواب: نعم هنالك معايير خاصة لاختيار الزوج للفتاة وثانية لاختيار الفتاة للفتى وثالثة تتعلق بالحظ والنصيب ومن المعايير التي كانت تؤخذ بعين الاعتبار عند اختيار الزوج لابنه ما يلي:
1.الغنى: حيث يعتبر المثل الرجل الغني هو أفضل الأزواج وربما كان ذلك بسبب الفقر الذي عاشه الشعب الفلسطيني في عهوده السابقة حيث يقول المثل ( لف بنتك في العباة وارميها في دار الغناه) ليتسنى لها أن تعيش عيشة كريمة.
2.الفتوة والشباب: فقد يفضل الشاب على علاته ( شب ايهين ولا ختيار يطلع الدرج ينين) وقد ينعكس الحال فتفضل بعضهن ( الشايب ) الهرم الذي يدللها على الشاب الذي يهينها حيث يقول ( اختيار يدلل ولا شاب يذلل). وان كانت النظرة للشاب غالبة فتراهن يتهكمن إذا ما جاء لطلب يد إحداهن هرم قائلات: ( آخر النهار اختيار) وقولهن:( مظلش ع الخم غير ممعوط الذنب). ومعظمهن يطمحن الى الزواج من الشاب القريب في سنهن بغض النظر عن فقره أو غناه وذلك في قولهن ( شاب في الزفة ولا مال في القفه) وقولهن ( شاب في السوق ولا مال في الصندوق).
الصور المتناقضة في نظر المرأة الى زوج المستقبل:
إنها لا تشير الى حقيقة المجتمع بقدر ما تشير الى مجموعة من المواقف المتعارضة المتناقضة التي لم تكن تخلو منها الحياة فلا يمكن اعتبار المثل الذي يدعو الى تفضيل الشيخ (الهرم) قاعدة للعادات والسلوك في المجتمع الفلسطيني أو المجتمع السوي ولكن هذه الصورة لا تخرج عن كونها موقفاً خاصاً يمثل وجهة النظر الفردية التي تنطوي على حالة قابلة للتغير، وفي النهاية كان المجتمع يقوم بتقويم المعوج من السلوك ويصحح خطأ العادات والتقاليد عندما يعتريها الشطط أو الجموح، وربما كانت إحدى الصور المترسبة عن فترات اليأس والانحلال والتأخر التي مرت على الشعب الفلسطيني حيث سيطرت فيها طبقة الشيوخ على مراكز المال والقوة مما يستهوي عقول الغريرات الساعيات الى الطموح والمتعة وانتقلت هذه الصور الى مختلف الطبقات حيث أصبحت في وقت ما نموذجاً للسلوك. فالتحرر من مثل هذه المألوفات التي أتضح فشلها لنسبيتها وبات من الضروري تجاوزها أمر لا بد منه.
ابن العم: وقد يفضلن ابن العم على قلة ذات يده ( يؤخذ ابن عمي ويتغطى بكمي)
ابن البلد: وبعضهن يفضل الزواج في القرية أو المدينة على الزواج خارجها (غريبة) فقد جاء على لسان الأم قولها : ( تجيني بزيديتها ولا تجيني بهديتها) لان في زواجها من غريب تكلف أهلها الكثير في السعي إليها والسهر على راحتها إضافة الى أنها تكون قريبة من أمها وتأكل من بيت أهلها إذا دعتها الحاجة الى ذلك. كما نصحت بزواج الفتاة من أشخاص منسوبين الى مدن بعينها على علاتهم مفضلة الزواج منهم على اللا زواج (خذي ساحوري ولا تبوري) ( خذي البالي ولا تضالي). وهكذا يبدو أن بعض الناس قد جهل قدر الحياة وحسبها مالا يقتني وترفا يوفر لحواس البدن ما تشتهي فراح ينشد الغنى فيمن طلب يد ابنته أو الجاه أو أشياء أخرى متجاهلاً طلب الصفات الكريمة والمعاني الجميلة والخلق الطيب الذي يمثل الإنسانية الراقية.
أما عند اختيار الزوجة للأبن فهناك عدة اعتبارات بعضها يتعلق بالفتاة نفسها وبعضها الآخر يتعلق بأهلها وذويها بعضها مادي وبعضها الآخر معنوي واليكها مفصلة:
1- معايير اختيار الفتاة من جهة أهلها:
المفاهيم الشعبية تجسد الأقارب وتدعمه وقليل منها الذي يفضل الزواج من الغريبة وتفضيل الزواج من الأقارب له مبرراته التي منها:
- الإبقاء على ترابط العائلة ووحدتها وتماسكها أمام تحدي العائلات الأخرى بسبب انتشار العداء السافر بين الحمائل والعشائر خاصة في المجتمعين. الريفي والبدوي وكثيراً ما يقولون في معرض حديثهم عن زواج الأقارب من بعضهم بعضاًَ ( دار فلان كبوا زيتهم على طحيناتهم)
- بسبب الإرث حتى لا تتسرب ثروة الأسرة للغرباء كقولهم ( خيرنا ما يصير أروح لغيرنا)
- رغبة الأم في أن تكون كنتها إحدى قريباتها أو قريبات زوجها لتقوم بخدمتها في حال شيخوختهما، وقد نصح المثل بزواج بنت العم ولو كانت بائرة بقوله ( عليك بالطريق ولو دارت وخذ بنت العم) لأنها تتحمل أكثر من غيرها فيما لو وقع زوجها في ضائقة مالية أو فقر مستمر حيث يقول المثل: ( بنت العم بتصبر ع الجفا والحفا أما الغريبة بدها تدليل) ويقولون ( بنت العم بتصبر ع الضيق والعازة).
إشارة تستحق الرحمة:
عصبية الزواج من ابنة العم حيث يقدم على ابن الخال بقولهم: ( ابن الخال مخلى وابن العم مولى) فهو يمثل التزاماً يرتبط بصلة الدم، ويتبع ذلك كله علاقة الأقارب الحسنة أو السيئة بين بعضهم بعضاً. بيد أن العرف والعادة غالباً ما يقفان إلى جانب ابن العم مفضلا زواجه من ابنه عمه حتى لو زفت إلى الغريب فإن له الحق والقدرة على إبطال زواجها من ذلك الغريب والزواج منها وتسمى هذه العادة (البداة) فيقولون (ابن العم ابدى من الغريب) ويقولون ( ابن العم بنزل عن ظهر الفرس) فتعرضة لابنة عمه وحيلولته بينها وبين الزواج من غيره قسراً يعتبر أمرا شاذاً له عواقب سيئة وهو إشارة تستحق الرحمة في مجانبة العرف والعادة للفتاة دون الفتى فإن كانت مرغوبة فهي له رضيت أم غضبت وان كانت عكس ذلك فهو في الغالب مخيرين اخذها أو تركها. بل يغلب رفضها زواجه وتركها للمقادير وقد يسود الخلاف وتبقى الفتاة حبيسة بيت أهلها لا يستطيع أحد أن يتقدم لخطبتها خوفاً من أبناء عمومتها الذين رفضت الزواج من احدهم حتى تجد من هو أقوى منهم شوكة، والا بقيت عانساً في بيت والدها، وقد يتدخل الدين والعرف أحيانا لفك اسارها وإنقاذها من كابوس القرابة المطبق على أنفاسها حيث يقول ( البنت ما عليها ش شطارة) وقولهم منفرين ابن العم ( اللي بريدك ريده واللي بطلب الجفا زيده). وأخيرا تتدخل القاعدة الشعبية لتكون الفيصل النهائي والحد من اسطوانة الخلاف في قولهم ( كل شي بالخناق إلا الجيزة باتفاق) لان ( جيزة الغصب غصب) ولان ( نسب وقشب ما بجوز). وبذلك تتخلص الفتاة من ظلم ذوي القربى إن كانت تطمح في زواج شخص لا يمت لها بصلة القرابة لسبب ما وهنا تعود الأمثال الشعبية الدارجة لتقف ضد الفتاة وتعنفها على رفضها لقريبها، كما تثير نار الحقد بين الأقارب وتؤجج الشر حيث تقول ( بنت عمه ما هملت همه أخذت غيره جكارة في عينه)، وهي لا تنسى ابن العم من اللوم والتعنيف أن تنصل من زواج ابنة عمها أيضا قائلة ( يا ابن العم يا كومة ترايب بنات العم أخذوهن الغرايب) ولعل القول الأخير على لسان بنات العم تعنيفاً لأبناء عمومتهن الذين لم يتقدموا لطلب أيديهن.
وتبقى كلمة حق تقال بأنه لا عيب على الفتاة إذا أحبت غريباً وبادلها نفس الحب لذلك ينبغي رحمة المتحابين إذا كان علوهما صحيحاً.
أما تجنب الزواج من القريبة والتحول للزواج من غريبة فله أسباب ومبررات كان وما زال اهمها الخلاف المستحكم والعداء السافر بين الأقارب فيقولون ( البغضاء في القرايب والحسد في الجيران) فلا يتزاوجون حيث يقول المثل مشنعاً الزواج من القريبة ( خذ من الزرايب ولا تؤخذ من القرايب). وربما تهكم المثل على من يتزوج الغريبة وابنه عمه عزباء في سن الزواج بقوله ( شاة الدار دوره وبنت العم عورة)، وربما فضل بعضهم الزواج من المرأة الغريبة لان الله باركها في قولهم ( بارك الله في المره الغريبة والفلحة القريبة). كما أن الرسول (ص) قد أشار بالزواج من الغريبة بقوله " غربوا النكاح لئلا تضووا"، وقد نصح المثل بالزواج من المرأة الغريبة أيضا لأنها كالتجارة ربحاً وفائدة تماماً كالمتاجر بالأرض القريبة في قولهم ( تاجر في الأرض القريبة والمرة الغريبة) ويخفف المثل من وطأة الصعوبة التي تواجهها الفتاة في حال تغريبها وشدة وقعة على نفسها وأهلها بقولهم ( بنت الشرق للغرب وبنت الغرب للشرق). هذا وربما نفر الناس من الإقبال على الزواج من الغريبة لغلاء مهرها ويؤكد المثل هذه النظرة في قوله ( اللي بوخذ من غير جنسه بيدق ابين فلسه).
أما ابنة العم فينصح المثل على لسانها ناهياً ابن عمها بتجنب الزواج من الغريبة بقوله ( يا ابن العم لا تؤخذ غريبة زوان بلادك ولا قمح الصليبه) لان بنت العم معروفة الحسب والنسب ولأنها ( لحمته يجب عليه سترها) بالزواج منها، كما لا يخشى عليها الخروج على التقاليد المتبعة في البيئة المحلية حتى أن المثل ينصح بالزواج من بنات البلد لا الغريبات وهو قريب من سابقه ( زوان البلد ولا حنطة الجلب)، ومع ذلك كله فقد فضل المثل الأقارب والزواج بينهم على الغرباء غاضاً البصر عن بعض الثلمات الجانبية التي ربما اتخذت ذريعة للوفاق لا للخلاف في مثل بعض الثلمات الجانبية التي ربما اتخذت ذريعة للوفاق لا للخلاف في مثل قولهم ( اهلك ولا تهلك) وقولهم ( من طينة بلادك طين اخدادك) وقولهم ( ازرع من عشب بلادك ولو انه قحوان). كلها تمثل رصيدا آخر من الأمثال والأقوال الشعبية الدارجة التي خصت على التقرب من الأقارب بالمصاهرة لان ( الأقربون أولى بالمعروف).
- الحسب والنسب والأصل والفصل والدين: حسب الإنسان في اللغة شرف الأصل وما تعده من مفاخر الآباء، وأما النسب فيقصد به المصاهرة وهو في اللغة بمعنى القرابة، والأصل والفصل يقصد بها النظر في اصل الفتاة ومقدار شرفها وهي تلي القرابة في الأهمية في نظر الأمثال بل ربما فضلها بعضهم أحيانا على القرابة كقولهم ( كون نسيب ولا تكون قريب) لان في المصاهرة صلة جديدة لا توجد قبلها صلة أحيانا كالقرابة مثلا التي تعكرها مشاكل ما قبل المصاهرة. هذا وقد حبذ المثل الزواج للرجل من الفتاة ذات الأصل بقوله ( عليك بالأصيل ورفقته ولو أن هدومه باليات) غاضا البصر عن الثراء وذلك في مثل قولهم ( خذ الأصيلة ولو أنها على الحصيرة) فهم بذلك إنما يفضلون الزواج بكريمة الأصل ولو كانت فقيرة معدمة، لان طيبة الأصل بتونس حيث يطمئن زوج الأصيلة اطمئناناً نفسياً في حال غيابه عن البيت في حفاظها على شرفها وعدم خيانته الزوجية ولذلك فإنهم يحرصون في التأكيد في سؤالهم عن الأم والعمات والخالات للفتاة مركزين على اصل البنت من جهة أمها وخالها متذرعين بالقول ( طب الجرة على ثمها بتطلع البنت لامها) ولأن ( ثلثين الولد لخاله) وقد جاء في معناهما قول الشاعر:
البنت للأم في أخلاقها تبع والفرع للأصل