الذاكرة و الذكريات

يتفاجأ الإنسان أحيانا بأن مخزونه من الذاكرة يحتفظ بقدر هائل من التفاصيل و الحكايات و الوقائع و المشاعر الكامنة ، أو حتى تلك التي انطفأت تماما . و مؤخرا التقيت أعز صديقات الصبا و أذهلتني أنها مازالت تتذكر أشياء نسيتها أنا كليا. ولكني لاحظت أنها هي الأخرى نسيت أشياء مازالت قابعة في منطقة مضيئه من ذاكرتي .
و هذا يحث على التأمل في حقيقة أن ذاكرة كل إنسان تحتفظ بنوع من الذكريات تتسق و شخصيته أو ميوله . كأن آليه عمل الذاكرة هنا آليه انتقائية . على الرغم من أن ذلك ليس واضحا تماما كيف تستعاد الذكرى ! يقال أحيانا إن هناك محفزات خارجية تصادف المرء فتوقظ لديه ما يتصل بها من ذكرى نظن أنها غاصت بين طبقات الذاكرة و لم تعد تلح على الخاطر .
مثل ذلك المشهد الذي رأيته في أحد الافلام الأجنبيه عن رجل ذهب لتناول العشاء مع زوجته و أطفاله في أحد المطاعم . فأبصر في زاوية أخرى من المطعم فتاة حبه الأول قابعة هي الأخرى مع زوجها و طفليها على طاولة أخرى . و إذ تبادلا النظرات اشتعلت ذكرى تلك الأيام البعيدة . و يقال إن الحب الأول على الرغم من الشحنة الرومانسية الكبيرة فية فاءنه ليس من العادة أن يكلل بالنجاح .
و من المحفزات الخارجية للذكرى أن تمر على مكان ارتبطت به يوما أو تسمع أغنية أو تشم رائحه عطر كان له الأثر في نفسك . ولكن بواعث الايقاظ ليست خارجية فقط . فالذاكرة ماكرة و قد تحرض عليها عوامل غامضة . وليس صحيحا دائما أن الزمن كفيل بجلب النسيان . فالزمن مخاتل هو الآخر و مليء بالمفاجآت . و يبدو أن الإنسان كثيرا ما يلجأ للذكرى تعويضا عما هو مفتقد في الواقع . صحيح أن التعويض شديد الرمزية .. ولكن شديد الفعالية كذلك ولو في بعض اللحظات .