لقد قرأت مقال وأعجبني وأردت أن أطلعكم عليه بقلم // د. محمد الحضيف وأطلب آرائكن:
كنا قد تشاجرنا هذا الصباح ، على أمر سخيف 0 أعترف أني كنت البادئ بالاستفزاز 0 قلت لها : - لماذا لا أسمع منك كلمة حالمة ، شيئا من تلك الرومانسيات ، التي تملأ حياة بعض الناس ، فتجعلها وردا وقوس قزح 00؟ صوبت نحوي نظرة باهتة ، ثم قالت بسرعة : - "الشاهي ناقصة حلا" 0 قلت ، وقد بدأت وتيرة صوتي تعلو : - "حياتنا كلها ناقصها حلا" 0 أخذت ترتب أطباق الطعام أمامي ، دون أن تتكلم ، فبلغ الغيظ مني أقصاه ، فأهويت بقبضة يدى على معصمها ، وأطبقت عليها بشدة وأنا أهزها ، والكلمات تنطلق كالضجيج من فمي : - لماذا لا تسمعيني كلمة حب واحدة ، لماذا تقتلين حياتي ومشاعري المتأججة ، بهذا البرود 00 ؟ لماذا 00 لماذا 00؟ وأنطلقت أعدد عليها ما تحتاجه صحراء قلبي المجدبة 0 حدثتها عن العطش ، عن الجوع ، عن أحلام قتلها الصقيع 000 عن الحب ، يموت ظامئا 00 جائعا 00 تائها ، لا عينين يأوي إليهما 0 كانت يدى تطبق على يدها ، ولم أشعر أني قد آذيت معصمها في غمرة إنفعالي ، مما أراه سكونا بليدا ، مميتا ، في مشاعرها تجاهي 0 لم أدرك ذلك ، إلا حينما رأيت وجهها ينطق بكل معاني الألم ، وهي تقول لي بصوت متهدج : "يدي 00 يدي 00 أرجوك ، لقد أوجعتني" 0 أطلقت يدها ، وسيطر على شعور بالندم ، وأخذت أتأملها ، وهي تغالب الدمع ، وتمسح يدها بيدها الأخرى 0 قلت في نفسي : - (كيف يؤذي من يطلب الحب) ؟ كان واضحا أن يدها تؤلمها ، إذ لم تستطع أن تستخدمها في إكمال إفطارها 0 ولاحظت أيضا ، أنها على وشك أن تبدأ معي معركة ، فقد كانت متوترة ، وملامحها توحي بالرغبة في الرد على إتهاماتي وعدواني 0 في دخيلة نفسي كنت أريد معركة من هذا النوع ، لأدينها ، ولأؤكد لها ، أنني (أنا) الإنسان المعطاء ، وهي تمثال من الشمع ، بلا مشاعر 0 سادت لحظة من الصمت ، خشيت خلالها أن تنطفئ جذوة انفعالها ، فقلت مستفزا :
- يا ضيعة احلامي 0 أنت تتحسسين يدك ، ومرهم كفيل بأن يحل المشكلة ، أما أنا فكيف أداوي قلبي الذي تيبس من الجفاف 00؟ رمقتني بنظرة عميقة ، لم أعتدها منها ، ثم قالت ، وقد أختفت كل معالم التوتر من وجهها : - هل تظن أني لو لم أكن أحبك ، سأبقى معك دقيقة واحدة 00؟ نزلت عبارتها كالصخرة على صدري : "إذن هي التي تقرر أن تبقى معي أولا تبقى ، وليس أنا 0 وبالتالي ، فمفهومها للحب هو الذي يحدد استمرار العلاقة بيننا" 00 هكذا خاطبت نفسي 0 لماذا لا تفهم أني أنا لي رؤيتي الخاصة ، في أن نبقى معا أو لا نبقى ؟ لماذا لا تدرك أني أنا أيضا بحاجة لأن أحبها ، لكي أبقى معها ؟ إذا كانت تحبني وفق تصورها الخاص ، لماذا لا تمنحني الحق في أن أحبها بالشكل الذي أريد كذلك ؟ ألست في النهاية سأحبها هي ، وليس شخصا آخر 00؟ أليس مؤذيا أن تقول لإنسان : ساعدني كي أحبك ، فيكون الجواب : لا عليك أنا أحبك ؟
ها هو يوم جديد ، وجولة من الإحباط جديدة ، وفشل يتراكم 0 في الظهر ، أثناء رجوعنا إلى البيت من مقر عملها ، حيث تعمل معلمة في مدرسة في حي فقير ، رأيت على جانب الطريق إمراة تمشي ، مسرعة الخطا ، حافية القدمين 0 كان يوما لاهبا ، أشعر فيه أن السيارة تئز تحتي من شدة الحرارة 0 كان منظر المرأة ، وهي تسير حافية على القار ، الذي سال بعضه ، وتشقق البعض الآخر ، من هول الحرارة ، التي تصبها الشمس على الأرض ، يثير الألم 0 إلتفتت إلى حيث كنت أنظر ، فأبصرت المرأة ، وقالت بأسى : - لحظة 00 لحظة قف قليلا 0 حينما أوقفت السيارة ، فتحت الباب ونزلت باتجاه المرأة 0 مر بعض الوقت ، وأنا لا أدري لماذا نزلت ، ولا بماذا تتحدث مع المرأة ، وفجأة ، رأيتها تنزع حليها من يديها وتعطيها المرأة ، ثم أتجهت إلى السيارة ، وقالت لي : - معك نقود ؟ - كم تريدين 00 قلت لها ؟ - الذي معك 00 أجابت 0
أخرجت من محفظتي الف وسبعمائه ريال ، هي كل ما معي ، وناولتها إياها ، فاتجهت إلى المرأة ووضعتها في يدها ، وتبادلتا بضع كلمات ، لم أسمعها ، وعادت إلى السيارة 0 قبل أن تركب ، استدارت فجأة نحو المرأة ، وقالت : - خاله 00 حين ألتفتت المرأة ، خلعت حذاءها ورمته تجاهها 0 لم يصرفها عن النظر إلى يدي المرأة البائسة ، اللتين رفعتهما إلى السماء ، بعدما وضعت الحذاء في قدميها ، اللتين أكلهما القار الحار ، إلا لهيب الرمضاء الذي أحرق قدميها ، وجعلها تتقافز ، كحمامة حطت على صفيح ساخن 0 ركبت ، وخيم الصمت بيننا 0
هي ، أظن أنه قد ألجمها الموقف ، وصدمة التأثر ، لتعاسة هذه المرأة البائسة 0 أما أنا فقد خجلت من نفسي : "أهذا الكيان الشامخ بلا مشاعر ؟ كم كنت ساذجا ، حينما كنت أغمس يدي في هذا المحيط ، ثم أعيدها متأففا انه بلا محار 000 وبلا لؤلو" 0 حينما وصلنا إلى البيت ، أستأذنتها لحظة بعدم النزول ، ودخلت البيت وأحضرت لها حذاء ، ولم أتكلم ، ولم نحتج إلى الكلام مرة أخرى 0
طيب ولا وحده فيكن ترد .. ولو بالغلط
*منصفه*