- ولكنني طوال السنوات التي عشتها مع أخي لم أفي بوعدي له
لا أزال أتذكر صوت أخي وهو يطلب مني شراء بسكوت له وأنا ذاهب للمدرسة ، ورغم أنني لم أحقق طلبه يوماً إلا أنه لم يكن يمل من تكرار هذا الطلب على مسمعي كل صباح
كنت منحت أخي قطعة بسكويت في أحد الأيام طبعاً لم أكن لأمنحها له وأوثره على نفسي ولكن الذي حصل أنني وجدتها وسط الطريق وقد أحرقتها أشعة الشمس فالتقطتها وترددت في التهامها كما ترددت في رميها ثم حملتها معي إلى المنزل وأنا متردد لأني أخشى أن آكلها وأصاب بنزلة معوية
=
فوجئت فور وصولي إلى البيت بأخي الصغير وهو يصرح بأعلى صوته بسكويت
كان صراخه كافياً لأن يهديني إلى فكرة منحه هذه القطعة والتخلص من هذا الصراع الذي كان يعتمل في صدري
فرح أخي كثيراً بهذه القطعة والتهمها مباشرة واستمتع كثيراً بأكلها لأن حرارة الشمس جعلتها تذوب في فمه بسرعة دون أن تؤذي أسنانه الضعيفة
في تلك الليلية أصيب أخي بأعراض تسمم غذائي حيث تقيأ جميع ما كان في جوفه وارتفعت حرارته وانتابته حالات إسهال متكررة
لم يذهب به أبي إلى المستشفى لأن أحوالنا المالية لم تكن على ما يرام في تللك الفترة وبعد يومين بدأ أخي في يستعيد صحته شيئاً فشيئاًً
كنت أثناء مرض أخي شديد الشفقة من أن يكتشف والداي أنني السبب في ما حصل لأخي الصغير
كانت أمي تسأله آنذاك عن الأشياء التي أكلها وكنت أتنفس الصعداء حين يلوذ أخي بصمته ولا يجبيها
إن إجابته على سؤالها كفيلة بأن تفضحني لأن أمي ستسألني مباشرة عن كيفية حصولي على قطعة البسكويت وكنت لا محالة سأعترف عاجلاً أم آجلاً بالحقيقة
ما أثارني حقاً هو أن أخي لم يدرك أن ما أصابه من مرض كان بسبب قطعة البسكويت التي منحتها له
بل إنه صار يبدي لي احتراماً خاصاً وكثيراً ما استجاب لأوامري حين أطلب منه إحضار كأس ماء خاصة إذا ذكرته بالبسكويت الذي منحته له وإمكانية أن أمنحه آخر إن أبدى تعاوناً إيجابياً معي
ولكنني طوال السنوات التي عشتها مع أخي لم أفي بوعدي له
=
بعد سنوات وعندما بلغ أخي الصغير سن الثامنة أصيب بسرطان في العظام ورأيته يذوب أمامي كالشمعة كانت ابتسامته الطفولية تختفي مع كل تجدد لنوبات الألم الحاد الذي تعتريه ، لم أكن أعي حقيقة ما ينتظره من مصير ، وشعرت في مرضه بإحساس الأخوة وهو يختلج في نفسي لأول مرة
عزمت حينها على أحضار قطعة بسكويت له مهما كلفني ذلك وذهبت إلى محل مجاور وسرقت أنفس قطعة بسكويت ( باونتي ) وجئت مسرعاً لأخي الصغير وألقيتها في حجره فرأيت عيناه وهم تشعان بفرح رائع لم أره في عينيه منذ داهمه المرض
احتفظ أخي الصغير بهذه القطعة في حضنه وبعد أيام عدت إلى المدرسة فلم أجد أخي في فراشه وكان وجه أمهي محتقناً وعيناها محمرتان وهي تحاول أن تعالج بكائها ولا تصدمني بالحقيقة المرة
نعم لقد توفي أخي الصغير بعد صراع رهيب مع المرض
بعد أن صلينا عليه ودفناه عدت ووالديى إلى البيت ، جاء والدى إلى فراش
أخي الصغير مباشرة وبدأ يطويه حينها سقطت منه قطعة البسكويت التي أحضرتها له وهي كاملة لم تفتح بعد
م
ن
ق
و
ل
يعطيج ربي الف عافية