- جرائم الكمبيوتر والانترنت
- المعنى والخصائص والصور واستراتيجية المواجهة القانونية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اهلا بجميع الفراشات
جرائم الكمبيوتر والإنترنت Internet & Computer Crime
جرائم الكمبيوتر والانترنت
المعنى والخصائص والصور واستراتيجية المواجهة القانونية
ثمة تباين كبير بشان الاصطلاحات المستخدمة للدلالة على الظاهرة الجرمية الناشئة في بيئة الكمبيوتر وفيما بعد بيئة الشبكات ، وهو تباين رافق مسيرة نشأة وتطور ظاهرة الاجرام المرتبط او المتصل بتقنية المعلومات ، فابتداءا من اصطلاح اساءة استخدام الكمبيوتر ، مرورا باصطلاح احتيال الكمبيوتر ، الجريمة المعلوماتية ، فاصطلاحات جرائم الكمبيوتر ، والجريمة المرتبطة بالكمبيوتر ، جرائم التقنية العالية ، وغيرها ، الى جرائم الهاكرز او الاختراقات فجرائم الانترنت فجرائم الكمبيوتر والانترنت واخيرا السيبر كرايم .
واختيار الاصطلاح يتعين ان يزاوج بين البعدين التقني والقانوني ، فإذا عدنا للحقيقة الأولى المتصلة بولادة وتطور تقنية المعلومات ، نجد ان تقنية المعلومات – كما علمنا في غير موضع - تشمل فرعين جرى بحكم التطور تقاربهما واندماجهما ، الحوسبة والاتصال ، أما الحوسبة ، فتقوم على استخدام وسائل التقنية لادارة وتنظيم ومعالجة البيانات في اطار تنفيذ مهام محددة تتصل بعلمي الحساب والمنطق . اما الاتصال ، فهو قائم على وسائل تقنية لنقل المعلومات بجميع دلالاتها الدارجة ، هذه الدلالات يحددها الأستاذ Zhange Yuexiao (بالرسائل والأخبار والبيانات والمعرفة والوثائق والأدب والفكر والرموز والعلامات والإرشادات الخفية والأنباء المفيدة والسرية وغير ذلك).
ومع تزاوج واندماج وسائل كلا الميدانيين (الحوسبة والاتصال) ساد التدليل على هذا الاندماج بالتقنية العالية، ولأن موضوعها -كما رأينا- المعلومات مجردة او مجسدة لأسرار وأموال أو أصول ، ساد اصطلاح تقنية المعلومات Information Technology والتي تعرفها منظمة اليونسكو -من بين أشمل تعريفاتها- بأنها "الفروع العلمية والتقنية والهندسية وأساليب الادارة الفنية المستخدمة في تداول ومعالجة المعلومات وفي تطبيقاتها ، والمتعلقة بالحواسيب وتفاعلها مع الانسان والآلات ، وما يرتبط بذلك من أمور اجتماعية واقتصادية وثقافية" .
أمام هذا الواقع التقني، ظهرت مصطلحات عديدة دالة على الأفعال الجرمية المتصلة بالتقنية، بعضها دل على الأفعال المتصلة على نحو خاص بالحوسبة، وبعضها شمل بدلالته قطبي التقنية ، وبعضها دل على عموم التقنية باعتبار ما تحقق من اندماج وتآلف بين ميادينها ، ومع ولادة واتساع استخدام الإنترنت ، برزت اصطلاحات جديدة تحاول التقارب مع هذه البيئة المجمعة للوسائط التقنية ولوسائل المعالجة وتبادل المعلومات .
اما المنطلق الثاني لدقة اختيار الاصطلاح ، فيتعين ان ينطلق من اهمية التمييز بين الاصطلاحات المنتمية لما يعرف بأخلاقيات التقنية أو أخلاقيات الكمبيوتر والإنترنت ، وبين ما يعرف باجرام التقنية أو جرائم الكمبيوتر ، وهو ما يجيب عن التساؤل الرئيس بشأن الحدود التي ينتهي عندها العبث وتلك التي تبدا عندها المسؤولية عن أفعال جنائية . لهذا مثلا نجد ان اصطلاح إساءة استخدام الكمبيوتر ينتمي لطائفة الاصطلاحات ذات المحتوى الاخلاقي .
والمنطلق الثالث الهام براينا ، هو ان يكون الاصطلاح قادرا على ان يعبر – بقدر الامكان- عن حدود محله ، فيكون شاملا لما يعبر عنه ، فلا يعبر مثلا عن الجزء ليعني الكل او يكون على العكس مائع الحدود يطال ما لا ينطوي تحت نطاقه ، ومن هنا ، فان كل اصطلاح وصف الظاهرة بدلالة إحدى جرائم الكمبيوتر كان قاصرا عن الاحاطة الشمولية بالمعبر عنه، فاصطلاح احتيال الكمبيوتر او غش الكمبيوتر ونحوه ، تعابير اطلقت على أفعال من بين أفعال جرائم الكمبيوتر وصورها وليس على الظاهرة برمتها . كما ان تعبير جرائم التقنية العالية او جرائم تقنية المعلومات او نحوه تعبيرات – تحديدا في الفترة التي اطلقت فيها – كان يقصد منها التعبير عن جرائم الكمبيوتر ، حتى قبل ولادة واتساع استخدام الإنترنت ، وتظل تعبيرات واسعة الدلالة تحيط باكثر مما تحتوى عليه ظاهرة جرائم الكمبيوتر والإنترنت . وذات القول واكثر يقال بشان اصطلاح جرائم المعلوماتية والذي وفقا لدلالة الكلمة بوصفها ترجمة عن الفرنسية لمصطلح Informatique بمعناها المعالجة الآلية للبيانات - استخدم في وصف الظاهرة الاجرامية المستحدثة وتبعا لذلك أطلقت تعبيرات جرائم المعلوماتية ، أو الاجرام المعلوماتي ، ومحلها - لدى البعض - المال المعلوماتي. ومع تقديرنا لشيوع المصطلح في مطلع التسعينات لدى الفقه القانوني العريق - الفقه المصري ، الا أننا نرى أن التعبير غير دقيق باعتبار المعلوماتية الان فرع مستقل من بين فروع المعرفة وعلومها ، ويتصل بقواعد البيانات بوجه عام ، إنشاؤها وادارتها والحقوق والالتزامات المتصلة بها . وهو في النطاق القانوني يتعلق بالمعلومات القانونية كان نقول المعلوماتية القانونية ، ويعالج في نطاقه مسائل توظيف التقنية لادارة المعلومات القانونية ، وعلى ذات المنوال تقاس بقية طوائف المعلومات المتخصصة .
هناك تعبيرات شاعت مع بدايات الظاهرة، واتسع استخدامها حتى عند الفقهاء والدارسين القانونيين، كالغش المعلوماتي أو غش الحاسوب ، والاحتيال المعلوماتي أو احتيال الحاسوب، ونصب الحاسوب وغيرها مما يجمعها التركيز على أن الظاهرة الاجرامية المستحدثة تتمحور رغم اختلاف أنماط السلوك الاجرامي - حول فعل الغش أو النصب أو الاحتيال، لكنه كما اوردنا استخدام لجزء للدلالة على كل في حين ان الكل ثمة اصطلاحات اكثر دقة للتعبير عنه.
من بين الاصطلاحات التي شاعت في العديد من الدراسات وتعود الان الى واجهة التقارير الاعلامية ، اصطلاح الجرائم الاقتصادية المرتبطة بالكمبيوتر Computer-Related Economic Crime ، وهو تعبير يتعلق بالجرائم التي تستهدف معلومات قطاعات الاعمال او تلك التي تستهدف السرية وسلامة المحتوى وتوفر المعلومات ، وبالتالي يخرج من نطاقها الجرائم التي تستهدف البيانات الشخصية او الحقوق المعنوية على المصنفات الرقمية وكذلك جرائم المحتوى الضار او غير المشروع ، ولذلك لا يعبر عن كافة انماط جرائم الكمبيوتر والإنترنت .
وثمة استخدام لاصطلاح يغلب عليه الطابع الاعلامي اكثر من الاكاديمي ، وهو اصطلاح جرائم اصحاب الياقات البيضاء White Collar Crime ، ولان الدقة العلمية تقتضي انطباق الوصف على الموصوف ، ولان جرائم الياقات البيضاء تتسع لتشمل اكثر من جرائم الكمبيوتر والإنترنت ، وتتصل بمختلف أشكال الأفعال الجرمية في بيئة الاعمال بانواعها وقطاعاتها المختلفة فان الاصطلاح لذلك لا يكون دقيقا في التعبير عن الظاهرة مع الاشارة الى ان جرائم الكمبيوتر تتصف بهذا الوصف لكنها جزء من طوائف متعددة من الجرائم التي يشملها هذا الوصف.
اما عن اصطلاحي جرائم الكمبيوتر computer crimes والجرائم المرتبطة بالكمبيوتر Computer-related crimes ، فان التمييز بينهما لم يكن متيسرا في بداية الظاهرة ، اما في ظل تطور الظاهرة ومحاولة الفقهاء تحديد انماط جرائم الكمبيوتر والإنترنت ، اصبح البعض يستخدم اصطلاح جرائم الكمبيوتر للدلالة على الأفعال التي يكون الكمبيوتر فيها هدفا للجريمة ، كالدخول غير المصرح به واتلاف البيانات المخزنة في النظم ونحو ذلك ، اما اصطلاح الجرائم المرتبطة بالكمبيوتر فهي تلك الجرائم التي يكون الكمبيوتر فيها وسيلة لارتكاب الجريمة ، كالاحتيال بواسطة الكمبيوتر والتزوير ونحوهما ، غير ان هذا الاستخدام ليس قاعدة ولا هو استخدام شائع فالفقيه الالماني الريش زيبر ومثله الامريكي باركر - وهما من أوائل من كتبا وبحثا في هذه الظاهرة - استخدما الاصطلاحين مترادفين للدلالة على كل صور جرائم الكمبيوتر سواء اكان الكمبيوتر هدفا او وسيلة او بيئة للجريمة ، لكن مع ذلك بقي هذين الاصطلاحين الاكثر دقة للدلالة على هذه الظاهرة ، بالرغم من انهما ولدا قبل ولادة الشبكات على نطاق واسع وقبل الإنترنت تحديدا ، وحتى بعد الإنترنت بقي الكثير يستخدم نفس الاصطلاحين لا لسبب الا لان الإنترنت بالنسبة للمفهوم الشامل لنظام المعلومات مكون من مكونات هذا النظام ، ولان النظام من جديد اصبح يعبر عنه باصطلاح (نظام الكمبيوتر)، ولهذا اصبح البعض اما ان يضيف تعبير الإنترنت الى تعبير الكمبيوتر لمنع الارباك لدى المتلقي فيقول (جرائم الكمبيوتر والإنترنت) كي يدرك المتلقي ان كافة الجرائم التي تقع على المعلومات متضمنة في التعبير ، بمعنى انها تشمل جرائم الكمبيوتر بصورها السابقة على ولادة شبكات المعلومات العملاقة التي تجسد الإنترنت اكثرها شعبية وشيوعا ، او ان يستخدم اصطلاح ( السيبر كرايم Cyber crime ) كما حدث في النطاق الأوروبي عموما وانتشر خارجه ، حيث اعتبر هذا الاصطلاح شاملا لجرائم الكمبيوتر وجرائم الشبكات ، باعتبار ان كلمة سايبر Cyber تستخدم لدى الاكثرية بمعنى الإنترنت ذاتها او العالم الافتراضي في حين انها اخذت معنى عالم او عصر الكمبيوتر بالنسبة للباحثين ولم يعد ثمة تمييز كبير في نطاقها بين الكمبيوتر او الإنترنت لما بينهما من وحدة دمج في بيئة معالجة وتبادل المعطيات .
ونحن بدورنا آثرنا هذا النهج ، مع الاشارة الى اننا في عام 1993 ولدى معالجتنا لهذا الموضوع استخدمنا اصطلاح جرائم الكمبيوتر (الحاسوب) ولا زالت مبررات الاستخدام صحيحة كما كانت لكن اضافة تعبير الإنترنت اردنا منه التاكيد على شمولية الظاهرة للصور التي تنفرد بها الإنترنت ، كجرائم المحتوى الضار او غير القانوني على مواقع الإنترنت ، وجرائم الذم والتشهير والتهديد بالوسائل الإلكترونية او باستخدام البريد الإلكتروني وغيرها مما سنعرض له فيما ياتي .
اذا ، ثمة مقبولية ومبررات لاستخدام اصطلاح جرائم الكمبيوتر والإنترنت Cyber Crime وفي نطاقه تنقسم الجرائم الى طوائف بحيث تشمل الجرائم التي تستهدف النظم والمعلومات كهدف (المعنى الضيق لجرائم الكمبيوتر او الجرائم التقنية الاقتصادية او المتعلقة بالاقتصاد) والجرائم التي تستخدم الكمبيوتر وسيلة لارتكاب جرائم أخرى ( الجرائم المتعلقة بالكمبيوتر بالمعنى الضيق ) او الجرائم المتعلقة بمحتوى مواقع المعلوماتية وبيئتها (جرائم الإنترنت حصرا او السيبر بالمعنى الضيق ) .
اتمنى ان الموضوع قد نال اعجابكم
تحياتي
والله يكفينا شرهم يارب