- أهمية الوقت لدى المرأة وأضرار إضاعته :
- أيهما أفضل المخالطة أم الانفراد؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لقد جرت العادة في أكثر بلاد المسلمين أن تخصص المرأة فترةً بعد العصر لاستقبال صديقاتها ،أو زيارتهن على اختلافٍ في طريقة الزيارة أهي دورية منظمة أم عفوية؟ ، وأياً كانت الحال فلا يخلو البيت يومها من إعلان حالة طوارئ فيها
أهمية الوقت لدى المرأة وأضرار إضاعته :
لقد جرت العادة في أكثر بلاد المسلمين أن تخصص المرأة فترةً بعد العصر لاستقبال صديقاتها ،أو زيارتهن على اختلافٍ في طريقة الزيارة أهي دورية منظمة أم عفوية؟ ، وأياً كانت الحال فلا يخلو البيت يومها من إعلان حالة طوارئ فيها. فاستعدادات فوق العادة، تستنزف الجهد ، وتضيع الوقت ، وتبعثر المال. وتحول يوم الاستقبال إلى مباراة بين الأسر فيما يقدم للضيوف ، وفي إبراز مظهر البيت ولباس أهله.
ولو سُئلتْ غالبية النساء عن الهدف من هذه الزيارة؟ لكان أحسن ما يفصحن به إنه التلاقي لقتل الوقت والتسلية ودفع السأم والملل عنهن.
ولا أدري هل الوقت إلا عمر الإنسان الذي يسأل عنه ؟ ومتى السؤال؟ إنه يوم الفزع الأكبر.. يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله.
عن أبي بردة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن علمه ما عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه؟ ) .
ومن السائل؟ إنه رب العالمين الذي خلق الجن والإنس لعبادته لا للهو ولا للتسلية؛ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إن كُنَّا فَاعِلِينَ
.
فماذا نقول لرب العالمين؟ إذا سألنا عن الوقت المهدور الذي إن لم يخل من المحرمات فلا يخلو من لغو الكلام والثرثرة التي ذمها الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني يوم القيامة: الثرثارون المتشدقون والمتفيهقون ) .
ومن أضاع وقته فقد أضاع جزءاً لا يعوض من حياته، وجديرٌ أن تطول عليه حسرته ، وهل الوقت للمرأة وحدها؟! أين حق الزوج والأولاد؟ ومتى تؤدي حقوق مجتمعها وأمتها الإسلامية؟
لمن تترك مهمتها إذا كان همها الخروج من البيت واللهو الفارغ؟ وقد تقول إحداهن: إنها أدت واجباتها، ظناً منها أن مهمتها محصورة في التنظيف وإرضاء الزوج والإنجاب ، وإن التفتت إلى تربية من أنجبتهم فقد لا يتعدى اهتمامها إطعامهم وكسوتهم المناسبة ودراستهم المتفوقة.
لا يا أختاه ، فأنت مربية الأجيال ، وممولة للمجتمع المسلم ببناته من نساء ورجال ، إن واجبي وواجبك التربية الرشيدة لأبنائنا ، وإعدادهم إعداداً إسلامياً يجعلهم قادرين على حمل الأمانة والنهوض بالأمة وبناء المجتمع الفاضل المنشود.
فإن تركتُ وإياكِ أبناءنا والتفتنا للتسلية فقد خلفنا أبناءً هم الأيتام حقاً رغم وجود أبويهم ،إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت أو أباً مشغولاً ، بل من فقد والديه بالموت قد يجد من يشفق عليه ويرعاه ويحنو عليه،أما من فقدهما في اللهو عنه فأنى يجد من يرحمه ويفطن لمأساته ، فالمرأة المشغولة بنفسها دائماً لن تجد الوقت الكافي للإشراف على فلذات كبدها وتوجيههم ومتابعتهم والأنس بهم ، مما يساعدها على أداء رسالتها وإرضاء ربها.
صحيحٌ أن الدنيا - هي دار الامتحان - مليئة بالمتاعب والصعاب وفي اللقاء تسلية ومؤانسة... لكن هل التسلية غاية من تشعر أنها على ثغر من ثغور الإسلام ، فلا يؤتى من قبلها؟ أم هي غاية العابثات؟ أما وإن الترويح ضروري بين الفينة والأخرى فليكن على غير حساب الأخريات وأوقاتهن...!!
كثيراً ما نشكوا من غزو أعدائنا الفكري ... وأننا مستهدفون محاربون، فهل أعددنا العدة لمجابهتهم، أو على الأقل هل حصَّنا أنفسنا ضدهم روحياً وثقافياً لنطالب بالتسلية؟ ولا تنصر الدعوات وتنتشر بالتشكي والأسى.
إن ما نعانيه يوجب علينا أن نراعي واقعنا على أسس إسلامية لنستطيع النهوض من كبوتنا ، وإلا ستبقى آمالنا سراباً وأمانينا حلماً نرجوا أن يتحقق ، وهيهات أن يتحقق بدون عمل وجهد وجهاد. والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا
.
إن العقوبات التي يوقعها الله في أمتنا ما هي إلا لتخاذلنا عن نصرة ديننا وعدم القيام بواجبنا ، والانهزامات التي أصابتنا قد ساهمت بها المرأة من حيث لا تدري ، يوم بدأ دورها ينحسر وتخلت عن القيام بواجبها كما ينبغي في التربية والتنشئة والتعليم.
وهذه الحقيقة المؤلمة التي تدمي القلب وتحز في النفس ، تدفعنا في الوقت نفسه إلى الاستفادة من أوقاتنا للقيام بمهمتنا التي سنسأل عنها: ( المرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها ) .
فلنقم بواجبنا في تربية رجال وأمهات المستقبل ثم لنلتفت إلى التسلية. هذا وإن الرسول - صلى الله عليه وسلم- دلنا على طريقة لإبعاد الهم عن النفس ألا وهى توثيق الصلة بالله ، نقبل عليه بالطاعات، ونجعل همنا الدار الآخرة، فما الهم إلا نتيجة الحرص على الفانية.
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهى راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدِّر له ).
ولقد قال تعالى مبيناً مدى الضيق والضنك ، والعيش النكد الذي يكون فيه الغافل المعرض عن ذكر الله، وذلك في الدنيا قبل الآخرة: ومَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ونَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى 124 قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وقَدْ كُنتُ بَصِيراً 125 قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى
فلنجعل غايتنا رضا الله تعالى، وسبيلنا اتباع شريعته، عندها نشعر أنه لا فراغ يثقل على النفس ويجلب الهم والحزن، بل أوقاتنا معمورة بذكر الله وطاعته، والحياة كلها تصبح عبادة وقُربة، واستفادة من كل لحظة في حياة الإنسان عملاً بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك ).
وإن كان ابن الجوزي قد عجب من أهل زمانه وإضاعتهم للوقت فقال: « رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً، وإن طال الليل فبحديثٍ لا ينفع أو بقراءة كتاب فيه غزاة وسمر، وإن طال النهار فبالنوم وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق نشبههم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم وما عندهم خبر، ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود، فَهُمْ في تعبئة الزاد للرحيل، إلا أنهم يتفاوتون ، وسبب تفاوتهم قلة العلم وكثرته بما ينفق في بلد الإقامة » .
فماذا نقول نحن عن الناس في زماننا؟! وقد أصبح العبث الفارغ أساس حياة أكثرهم ، والتبرم بالحياة سبباً في أمراض نفسية غريبة ، وصار الضيق والهلع من المجهول شبحاً يطارد ضعاف النفوس والإيمان؟!
إن أساليبهم في اللهو وإضاعة الأوقات تفوق الخيال: فبعد السهر والسحر - على شتى البرامج في وسائل اللهو الحديثة المحرمة والمباحة- النوم حتى الضحى ، واللهاث بقية النهار للدنيا فقط ، وفي أعمال الدنيا.. وكثرة النوم والتناوم هو شأن الخاملين اللاهين. أما الجادون فيحرصون على أوقاتهم حرص الشحيح على ماله أو أشد حرصاً. حقاً: « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ » .
أيهما أفضل المخالطة أم الانفراد؟
وكأني بك أختي المسلمة تتساءلين: وهل هذا يعني البعد عن الناس وعدم الاختلاط بهم؟
إن اختيار المخالطة مطلقاً خطأ ، واختيار الانفراد مطلقاً خطأ ، والإسلام دين تجمع وألفة ، والاختلاط بالناس والتعارف بينهم من تعاليمه الأساسية ، وقد فضل الرسول صلى الله عليه وسلم - المسلم الذي يخالط الناس على ذلك الذي هجرهم ونأى عنهم: « المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم » وكيف يكون الإحسان للجيران والأقارب إلا بمواصلتهم ومعرفة أحوالهم؟
فكم من زيارة دلت على خير في الدنيا والآخرة مسحت بها المسلمة آلام أختها المصابة، تقوي عزيمتها، تشد أزرها وتدفعها إلى الصبر ، تحس عندها حسن الظن بالله وقرب الفرج، تشاركها أفراحها، تعلمها ما تجهله من أمور الدنيا والدين ، تتناصح وإياها وتتشاور لما فيه خيرها وخير المسلمين. أما المخالطة العشوائية التي لا يأبه لها كثير من النساء فما هي إلا مظهر من مظاهر انهزام المرأة وتخاذلها عن القيام بواجباتها الأسرية، وهروب من التبعات المنزلية لتمضي مع صويحباتها فترة لهو ولغو. وهى حالة مرضية من حيث الهدف والمضمون. فحري بنا أن نسعى حثيثاً للعلاج قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله. ويَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً 27 يَا ويْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً 28 لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إذْ جَاءَنِي وكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنسَانِ خَذُول
.
ولما للمرأة من مكانة عظيمة في توجيه الناشئة وغرس العقيدة الصافية في نفوس الأبناء، أجيال المستقبل، كان لابد من محاولة جادة للاستفادة من وقتها وعدم إضاعته سدى في مجاملات تافهة ، ومظاهر فارغة.
لقد كانت المرأة أماً وزوجة خير عون على الخير لما تطلعت نحوه ، وشر دافع نحو الخراب والدمار لما سعت إليه. كانت مطية للأفكار الهدامة في القرن العشرين ، وستكون مشعل نور للأجيال إن تمسكت بعقيدتها ودينها.
واللهَ أسأل أن يجعل هذه المحاولة لبنة تعين الأسرة المسلمة على إكمال رسالتها ،وأن يلهم مسلمة عصرنا رشدها لتعود كسالفتها الصالحة مرشدة لكل خير وفضيلة.