- البيت الدافئ
- الجزء الاول
- عادت لخاله تشيح وجهها وهي تصفق الباب وراءها..
- عندما كانوجميعاً يتناولون وجبت الغداء شاءت ميساء ان تصب الرز في صحن
- وبعفويه سقطت المعلقه في حجر((محمد)) وهو حماها الاكبر.
- لقد صنعته بيدي لكِ
- امتعضت الخالة تود لو تختم هذا الحديث:
البيت الدافئ
البيت الدافئ يعني امرأة دافئه , تكتنها مشاعر متدفقه تفيض من قلبها الطاهر الذي يختلج بحب الله ويتنعم بفضائل القران الكريم , فتسلك في حياتها مسلكاً مستقيماً ثابتاً , لأن حب الله سبحانه هو المحور الذي تدور حوله في علاقاتها الاجتماعيه وتوازنها النفسي
الجزء الاول
استيقظت ميساء هذا الصباح متثاقله , ثمة قوة تشدها إلى الفراش, تثاءبت وهي تتقلب بتكاسل, انتبهت إلى ثياب زوجها قد استبدلها بثياب الخروج , صمتت تبحلق في فضاء الغرفة ساهمه والضيق يعصر قلبها ويمزق نبضات الارتياح , ترسم خصوطاَ باهته في مخيلتها وتعبث بأحلامهها الضبابيه, تنهدت غاضبه ثم دفنت رأسها في الوسادة خشيه صخب الأفكار التي تضج في رأسها (( ثلتة اعوام مضت والحمل متعذر علي يا إلهي , كيف أتصرف فخالتي تلح على ولدها للزواج من ابنة خالته , كلهم ينظرون إلي بترقب , يتطلعون إلى ذلك الحلم المنشود)).
تسمرت في مكانها , أحستان كل شيْ فيها يتنهد, قلبها, جسدها , شيء يغوص إلى الاعماق ويفجر الدموع.
سمعت طرقاً شديداً على الباب فستيقظت مذعورة, لملمت اطراف قميصهها وهبت واقفه, وقبل أن تقترب بقليل دفعت الباب وإذا بها خالتها غاضبة :
- الساعة قد جاوزت العاشرة وأنتي مازلتي نائمه.
تلعثمت لاتدري ماتقول تحسست جبينها
عادت لخاله تشيح وجهها وهي تصفق الباب وراءها..
تجمدة مياء في مكانها ودمعتان حبيستان سالتا على خديها, دفنت مرارتها بقسوة وضغطت بكل أعصابها على خواطرها المتدفقه حتى لاتنفجر يوماً.. وها هي تتكوم فوق حطام من الأمال.
منذ ثلاث سنوات وهي تحتمل هذه الخالة العجوز التيكبر كل شيء فيها, حجمها, رأسها, طموحها, خبثها, عرفت كيف تحتفظ بأولاده الأربعه تحت ظلها وتهيمن على زوجاتهم , هذه المرأه الصلبه التي لم يستطع أي مخلوق أن يقف في وجه إرادتها , وميساء الزوجة الصغرى لابنها الرابع هاشم التفتها في إحدى الأعراس جالسة في ركن منعزل تصفق للعروس, لفتت الأنظار بجمالها وابتسامتها الساحرة و جميله كزهره بريه, رقيقه كنسيم الصباح , حالمة كالفجر, بشرتها البيضاء المشربة بحمرة , وشعرها البندقي الطويل يرقص فوق كتفيها ناهيك عن قامتها الدقيقه المنتصبة في كبرياء , استقطبت إليها العيون , سألت خالتها ((أم محمد)) بعض الحظور عنها فعلمت انها ابنة الحاج عبدالله المسرور ، تاجر بسيط في الخمسين من عمره وهي وحيدته في هذه الدنيا, خطبتها((أم محمد)) على الفور فلم يمانع والديه هذه الزيجه, فعائلة العريس ميسورة ومعروفه في الأوساط الأجتماعية ولها صيتها العريق , وميساء عروس جميله ومثقفه يتمناها كل شاب, وقدأعجب بها هاشم كثيرأً خصوصأ عندما جلس إليها وخطبها شفاهاً واكتشف شخصيتها الناضجة عن قرب , فحبها للقراءه والمطالعه أثرى معلوماتها, وهاشم صحفي في احد الصحف اليوميه ويحتل مركزاً جيداً , كان لقاؤهما يشكل ثنائياً رائعاً عرف هاشم كيف يسبر اغوارها ويفهم أعماقها , فأحبها حباً شديداً وبادلته تلك العاطفه الجارفه ومنحته قلباً قتياً يفيض حباً وحيويه, وكبر هذا الحب مع الأيام وسقته لحظات الشوق والترقب رذاذاص ندياً من السحر الخفي الذي عجز اللأخرون عن فهم سره الدفين,فلم تزده المشاكل إلاقوة ورسوخاً , هذا ما أثار غيرة الأخرين.
كانت ميساء أجمل زوجات اخوانه وأفضلهن شمائلاً وأرقهن طباعاً وأنضجهن فكرأ فأصبحت موضع احترام اخوانه, وبالأمس لم تكن تلك المشكله إلا سهماً رشقته أصابع عابثة تتصيد الفرصة التمزيق مشاعر الود والاحترام, فزوجة ((حماها)) الأكبر فتوح تدور في دائرة الشك والحسد.. هذا الخطأ لم يكن معتمداً كما ظنت(( فتوح)) والأمر لايستحق كل هذه الأهانة.
عندما كانوجميعاً يتناولون وجبت الغداء شاءت ميساء ان تصب الرز في صحن
وبعفويه سقطت المعلقه في حجر((محمد)) وهو حماها الاكبر.
ابتسمت خجلة, ارتبكت لاتعرف كيف تتصرف في حين احتوا محمد هذا الاحراج وهو يضع ابتسامه شاكرة تجاهلت هذا الحدث قائلاً في لطف: ( لاعليكِ يا ميساء الامر جداً بسيط ). تململت فتوح في مكانها وأسقطت نظرات غاضبه على زوجه وميساء ثم بحدة صرخة:
- ماهذه الحماقة؟!ألا نعرف كيف نصب لأنفسنا الطعام, يبدو أنك متخصصة للخدمة.
تجمدت ميساء في مكانها تتلفت هنا وهناك لتداري الحرج في حيرة لاتدري ماتقول , لكن هاشم استطرد:
- الأمر لا يستحف كل هذا التأنيب .
ونهضت فتوح من مكانها وهي تصب جام غضبها على هذه المرأة , أصبحت كالكابوس يهددها في كل لحظه خصوصاً عندما تلمح هذا الأحترام الذي يضفيه زوجها عليها, لحقها محمد وخلف الباب المؤصد دارت المعركة..
قال محمد وهو يشدها من ذراعها :
- أنا لا أعرف لماذا تبالغين في تضخيم الأمور إلى ها الحد؟!
وبعصبية تصرخ فتوح:
- إنها كا الأفعى المسمومه تعرف كيف تنفث سمها في حياتنا.
انتفض محمد صارخاً:
ورتفع صراخ فتوح :
- إنها تلتصق بك وتقترب منك.
ارتعد حانقاً وهوى على خدها يصفعها , بينما انفجرت تصيح في عنف
- سأترك لكم البيت حالاُ, أفهمت
وفي الصالون سمد الجميع , غمرتهم أحاسيس الخوف والاضطراب تتردد إلى مسامعهم نوبات الصراخ من آتيه غرفة الزوجين.
التفتت الخالة إلى ميساء تعنفها بعينيها , وتزم شفتيها بغضب وكلها لوم وحنق , بينما ميساء مشدودة الأعصاب , هاما في خيالات وهواجس ليس لها قرار, لاتدري ماتقول؟
تركت المائدة وعادت إلى غرفتها وبقيت حبيسة دارها حتى الصباح ,رن الهاتف حملته بيدين مرتعشتين وشفتين مرهقتين وكان هاشم المتحدث.
انفجرت باكية :
- أنا مرهقه ياهاشم وأحتاج إلى الراحة.
- هل تودين زيارة أهلك لبضهة أيام؟
وفي حيرة تهتف:
تنهد هاشم وهو يستجمع اعصابه ليهدئ من روعه.
- ليتك تغضين النظر عن هذه التفاهات.
- لقد نسيت إساءة الأمس.
- على أية حال نتفاهم فيما بعد , مع السلامه.
- مع السلامه
تركت ميسلء غرفتها متجة إلى الطابق الأسفل , وجهها شاحب كان الليل امتص حمرته وبصقها, كانت الخادمة الفلبينية التي تحبها كثيراً وتشفق عليها, قد جهزة لها طعام الإفطار:
- تفضلي ياسيدتي لتتناولي طعامكِ في المطبخ , وبينما هي في طريقها سمعت خالتها تتحدث إلى فتوح في الهاتف , لم تكن تتعمد سماع حوارهما ولكنثمة كلمات كانت تنطلق كالمدفع الرشاش في رأسها قوية قاسيه (( إنها معقدة من موضوع الحمل, تشعر بالخوف والارتباك ولهذا عذريها ياابنتي))
طردت من رأسها هذه الكلمات, تود لوأنها كلنت محض وهم لاحقيقه, دقت الأرض برجلها حازمه, كأنها تستنهض عزيمتها لتواجه معركه وجلست على المائدة ترشف الشاي وهي لا تشعر بلسهة حرارته , كأن سخونة أعصابها قد أنستها لسعة الشاي, ربما تعاند, تكابر, شيء في هذا الرأس الجميل يتحدى فلأ قهر الآخرين بإيماني الكبير بالله , أنا لست ضعيفه,بالعكس إن الله سبحانه قد حباني كل مقومات القوة لتجعلني أقاوم بل أدافع عن نفسي , امتلك سلاح المبادئ والثبات والمواهب وحتى الجمال.. وقفلت راجهة إلى خالتها في الصالون وقد جلست على أريكتها الواسعة في استرخاء, قدمت إليها فنجان الشاي قائلة:
لقد صنعته بيدي لكِ
رمقتها الخالة بنظرة فاحصة , تتأمل سرهذه المرأة التي استحوذت على قلب ابنها, وساوس كثيرة تتراقص كالشياطين في رأسها , إنها لاتحب ميساء , لاتعرف سر نفورها منها, شيء كالخيط الواهن ليس محدداً بنقطتيين بل لايمكن رسمه بوضوح, شيء مبهم.
تنهدت وهي تشير إلى مائدة صغير قرب الأريكة
جلست ميساء وهي تلف خمارها الأبيض حول رأسها فبدئ وجهها رغم شحوبه بريئاً منيراً كالبدر يشع من أعماقها شعاعاً صافياً فيضفي عليها غلال من الطهر.
- أنا لا أريد أن يتأزم الموقف بين محمد وفتوح
- الأمر كان محض صدفه ولا أدري لم تبالغ فتوح إلى هذا الحد.
قالت الخالة وقد امتقع لونها:
- لقد تخاصما كما تعلمين وفتوح تمكث في بيت أهلها الآن.
بدت ميساء ساهمة تفكر ثم أدرفت
اعتدلت الخالة في جلستها وكأنها تنبأت بهذا الخاطر الذي راودها فجأة:
صعقت ميساء في مكانها وصرخت متحدة:
- أعتذر؟!! ولماذا أعتذر؟ ماهو خطأي؟ هي التي أهانتني وافتعلت المشكله
وبالغت في لتضعني موضع اتهام , هكذا هي دائماَ لادري سر كراهيتها لي.
اتخذت الخالة لهجتها شيئاً من اللين والرطوبة:
- اعتذري لها من أجلي أنا , ليتم شمل أولادي مع زوجاتهم , أنا لاحب الفرقة بينهم.
وبدت ميساء مصرة في عناد:
- أن اعتذر لها معنى هذا أثبت أنني المذنبة وهي البريئة وأنا لم أفعل مايستحق يدانتي.
غضبت الخالة :
- أذان لاتخوضي معي في هذا الموضوع, انتهينا.
صمتت ميساء,شرعت تبحلق في وجه خالتها , كأنها تبحث في أعماقها عن سر رعيب يجول في خاطرها طوال هذه السنين .
قالت بإنكسار:
- أعرف ياخالتي أنكِ لا تحبيني لاأني لم انجب طفلاً لولدك هاشم, تأكدي أني مجروح جرحاً أليماً لاعرف كيف أداوية, الطبيب يؤكد سلامتي وهذا الأمر بيد الله .
-
ازدردت الخالة رقيها ثم همت تعنفها:
- ولكنها أنانيه منكِ تحرمين ولدي من الخلفة من غيركِ.
أوشكت ميساء أن تنفجرمن الغضب ولكنها تمالكت أعصابها
- انا لم امنعه , ولدك حر,دعية يتزوج من يشاء.
ابتسمت الخالة ابتسامه صفراء متمتمه:
- حر؟!! إنكِ تملكين زمام أمره, وتربطين رقبته برباط من....
قاطعتها ميساء
- برباط من ذهب , من حب ,وليس كما يخيل لكِ
وأكملت الخالة حديثة:
- انظري إلى أخوانه محمد له ثلاثة أولاد من فتوح, حسين أب لا بنتين من ناهد, وعماد له بنتان وولداً من فريدة.
قالت ميساء وهي تضرب كف بأخرى:
- و هاشم رصيدة من الذرية صفر, لكن هاشم أسعد أولادك وأهناهم بالاً وأنجحهم في الحياة وأنتِ تعرفين ذلك جيداً, والأولاد رزق من عند الله, اليوم أوغداً يرزقنا الله سبحانه بالذرية.
امتعضت الخالة تود لو تختم هذا الحديث:
- يبدو أنكِ فارغةهذه الأيام أرى لو تشغلي نفسك بشيء مهم لعلك تترفعين عن هذه المنغصات.
- اطمئني كلها أيام وتنتهي اجازتي لأعود إلى عملي.
نهضت ميساء من مكانها , اقترب من خالتها تحمل فنجان الشاي الفارغ لتعود إلى المطبخ , ولمحت الخادمة الفلبينية تطل عليها بعينين مشفقتين, كأنها تطمئنها بوجود حليف يقف إلى جانبها ويتحسس الآمها عن قرب, بيد أن ميساء تعرف أن تحبها كثيراً فهي تعطف عليها تقدم لها بين فترو وأخرى بعضاً من النقود والملابس ثم تأخذها معها في نز هات على شاطئ البحر.
اقتربت الخادمة منها قائلة:
- هل من خدوة ياسيدتي.
- شكراً ياعزيزتي سأهب إلى غرفتي لأرتاح.
واتنمنى تفالكن معي
وفي موعد الغداء عاد((محمد)) ضجراً, متجهماً يحمل كثيراً من الأعباء على كتفيه, رمى بثقلة على الكنبة يتحسس جبينه برفق , وضعت و الدته ابتسامه كبيرة على شفتيها ثم استطردت بعد تفكير:
- اليوم اتصلت فتوح, وأظن من المناسب أن تردها الآن:
أشاح وجهه إلى الناحية الأخرى حيث النافزة المطلة على الحديقةوهو ينقر بعصبية على فخذه, صمت كأنه لايسمع شيئاً.
ومضت والدته:
- ياولدي عدبها إلى البيت
تنهد عميقاً وقد نفذ صبره
- أنا لا أدري سر غيظها من ميساء .
وبلين تفتعله الأم.
-إنها تحبك وتغار عليك ألا تفهم ذلك؟!.
تنفس الصعداء , بدا كمن ينفث دخان أعصابه المحترقة في الهواء
- لقد مللت , زهقت , بت لا أحتمل نقارها كل يوم .
عادت والدته تلح عليه بتوسل :
- عد بها من أجلي فأنا احبها وأحب أولادكما كثيراً.
ياأمي أنا الآن مشغول في حملتي الانتخابية, وأحتاج إلى شيء من الراحة والهدوء وبعدها عني سيريحني كثيراً.
تلفت محمد برأسه يميناً ويساراً ثم قال:
- أين ميساء؟
اجابت والدته بامتغاض:
- لقد ذهبت إلى غرفتها توا
- يجب أن أعتذرلها.
غضبت ولدته وصاحت توبخه:
- تعتذرلها؟! عن ماذا؟ ما بك؟ ماذا دهاك؟ ماذا فعلت لكم هذه الحمقاء!!
وبعصبيه يدافع عنها:
- يا أمي ميساء أنسانه محترمة تتصرف بحكمه وعقل, إنها أمرأة تستحق كل التقدير, لم أر فيها مايثير المشاكل, فأنا أراكم تنسجون حولها الحكايات مفتعله تسيئ إليها.
كادت الأم أن تنفجر من الغيظ , فقد انكمش وجهها وبانت الغضون فوق جبينها, أحست أنها أهينت , عادت تسأل في غيظ:
-اذا تريد منها الآن.
شعر بانزعاج أمه , فأخذ تململ في مكانه وثمة حرج يطوف وجهه.
- لا ستشيرها في موضوع الانتخابات فقد أبدت لي رأيها صائب قبل يومين وأنا أحتاج إلى المزيد من أفكارها.
شدة الوالدة ظهرها واقفة تضرب بعصاها على الأرض.
-أذان لاتلم فتوح إن كانت تثير المشاكل حولك طالما جئت بمن تقوم بدورها, أطرق محمد يفكر,وسحابه من الضيق تطوف بوجهه, وملامح تسبح بالحزن وشيء شدة إلى البعيد , فهذا الواقع الكئيب المفروض عليه يدفعه إلى التذمر والقرف منذ التقاها أول مرة , بدت مخلوقه ضائعه , تطل عليه من عينين باردتين وجسد فارغ الطول تتكوم عظامه فوق بعض بعناد, كل شيء فيها يصير مستكبراً , تشمخ فتنتصب هذه العظام وتكاد تهوي فوق رأسه بحدة, كانت أمه تحدثه عنها فيما مضى وتفرط في وصف أخلاقها حتى حببتها إلى قلبه,فجاءت إليه لا برغبة وإنما بمزاح أنسان أرهقه الضغط والألحاح. ففتوحمن عائلة ثريه جداً عاشت بناتها وفي يدهن معلقه من ذهب, أحبتها أمه لان بينهما طباع مشترك,أشياء كثيرة يتفقان عليها,ففتوح أنسانه تجيد التمثيل والتملق وتعرف كيف تتلون وتتكيف مع الموقف الذي تقع فيه, فهمها محمد وخابت أيامه فقدشقته المرارة طوال هذه السنين بحدتها وعنادها , فهو يبحث عن حياة رطبة جميلة تهيئ له أسباب النجاح في الحياة, وعندما دارات الأيام دوراتها اكتشف عقدتها. عرف مرضها.. امرأة غير سويه, ليس فيها مايدفع الرجل لأن يحبها أو يعطف عليها وقد تحملها من أجل الأولاد.
تخرجت فتوح من أحدى جامعات أمريكا ولكنها رغم هذه البهرجة العلمية انسانه فارغة من الأعماق لاتعرف كيف تتصرف .. لاتقدر على تقيم حديثها, كل شيء فيها هزيلاً, مريضا, باهتا, وهو رجل يخوض الحياة السياسية بقوة ويقرأ ويفكر ويناقش, وكثيراً ماأحرجته بحماقتها حتى ذبل كل شيء يربطه بها, فعنادها وهن, وصلابتها ضعف,عيناها ميتتان تسبحان في فراغ ولسانها فأس قوي يحطم كل الأحلام الجميلة (( أنت غير مؤهل للسياسة !)) ((أنت ضعيف)) كلمات تطلقها كا المدفع الرشاش في وجه زوجها بقسوة وهي مازالت تدور في أذنية.
أفاق محمد من خيالة على صوت الباب يصفق بعنف, انته إلى هاشم يقف أمامه وهو يضع على المنضدة الرخاميه ملفاً كبيبر:
- اليوم حدثت خناقه كبيرة في الجريدة .
انتبه محمد كمن يستمع إلى مغامرة مثيرة:
- هات ما عندك.
قال هاشم ووجهه منفعل تتطاير حبات العرق منه:
- المقال الذي كتبته اليوم عن الأرهاب تعقيباً على استشهاد الشاب اللبناني الذي فجر نفسه في معسكر الاسرائيليين أثار غضب رئيس التحرير.
وفي دهشه سأله محمد:
- الأمر طبيعي جداً وقد اذيع في نشرة الأخبار أمس, فما وجه الغرابه.
- لقد فسرت الأرهاب بالمفهوم الحقيقي , اذا بينت أن الارهاب ماهو إلا مصطلح أطلقته الدول الكبرى على عملية الجهاد وثورة والدفاع عن الوطن, أما محمد يتفق مع محدثه, بيدهاشم استطرد:
- قال : أنا مقالك في مجمله لايتفق مع سياسة الجريدة,
فأثارني أعتراضه هذا وحاولت أقناعه دون جدوى, واحتد نقاشنا فلم أصل إلى نتيجه وعدت بالمقال إلى مكتبي.
تأفف هاشم متذمراً:
- فلنضع على أعيننا نظارة سوداء لنسير بغموض, ثم قطع حديثه ووجه سؤاله إلى محمد:
- بالمناسبه ماذا فعلت بحملتك الانتخابية؟
- شئت لأن احدثك في هذا الأمر, فهناك التيار الديني المعتدل يريد أن ينضم إلى مجموعتنا الوطنية, ونحن في حيرة لاندري كيف نوفق بين هذه الأطراف.
قفز هاشم من مكانه سحب مفعداً بالقرب من أخيه.
- محاوله عظيمه يا أخي , نتمنى أن تتفق جميع الأطراف على هدف واحد.
وباستياء يجب محمد:
- النفوس يداخلها شيء من الريبة:
- ماذا تقصد؟
وبلهجة فاترة يقول محمد :
- المذاهب الدينيه والسياسية متضاربة وإن كان اللسان يتفق إلا أن في الأعماق أشياء تبرز على السطح كل ما نرجوه.
بدا هاشم مشدوهاً لايدري كيف يمسك طرف الحديث, فهو يعرف كأنسان خاض تجربة الصحافة الويلات التي تثار من جميع الأطراف وتتلاعب بكيان الوطن, وهو يأمل أن يضع النائب مصيره بالصورة الصحيحة.
- لقد رشحتني المجموعة لأمثل تيارها المعتدل الوطني الذي يحقق أماني الشعب وتمنيت لو تساعدني في حملتي الدعلئية.
- أرى أن تعرف نفسك بالناس الآن من خلال بعض الندوات وفجأة أشارة هاشم بأصبعه إلى محمد:
- لكن أرجو يامحمد تصرف بما هو قناعتك ,دعك من الشعارات التي يرددها البعض وهي خالية من المحتوى والمفهوم الصحيح.
ابتسم محمد ابتسامة ساخرة وهو يتذكر صوراً كثيرة يعيشها النائب في تناقضات واضحة بين معقداته وأفعاله.
حظر الأخوان الآخران حسين وعماد مع زوجتيهما مع سرب الاولاد , وهم يندفعون إلى البيت , أشاعوا فيه جو من المرح والحركة, كأنه جث هامدة دبت الحياة فيه , ترامن الحقائب المدرسيه على الكنبات ومنهم من يصرخ ((أنا جائع ,هيا اعدوالنا الطعام )) ومنهم من يطلق صفير في الهواء, وتهرول جدتهم مع الخدم في حركة سريعة لتحضير مائدة الغداء.
صاحت ناهد وهي تتفقد بعينيها البيت
- أين فتوح ؟لم تعد إلى البيت؟
أجابها محمد بامتغاض:
- لالم تعد
.
وعلى الفور سألت فريدة بتخابث :
- ولماذا لم تعد إلى بيتها؟
رمقها محمد بنظرة غاضبه:
-هذه أمور خاصة أرجحو أم لايتدخل أحد فيها.
إلتفت عماد إلى زوجته مشيراً بعينيه أن تصمت, وفهمت الزوجه إشارته.
وجلس الاخوة يتحدثون عن قضية الانتخابات يبدون آراءهم لكن صوت حسين استفزهم:
- هذا كلام فارغ , فالذين يدعون الوطنية يستوردون أفكارهم من الخارج, هناك أصابع خفيفة تحركهم ويريد من خلالها جذب المتدينين.
صاح هاشم
- نحن نقصد المتدينين المعتدلين لاالمتطرفين..
وتعلو صرخات حسين:
- ليس هناك اعتدال أو تطرف ؟ الدين منتقى من منابعه الصافية والديمقراطية مفهوم رأسمالي لا يمكن دمجهما مع حاول محمد أن يحتوي الموقف قائلاً:
-المهم لكل شخص رأية وتحليله الخاص.
صاحت أمهم:
ألا تكفوا عن المناقشة,هيا , فالغداء جاهز..
جلست ناهد بالقرب من فريدة تتهامسان فيما بينهما وتستعرضان حادثة الأمس وتشرعان في تحليلها ,كانها مادة لذيذه تشبع نهمهما وفضولهما , فكل ((كنه)) تحاول أن تصنع مكانة في قلب الخالة وتبرز صورتها ناصعه مشرقة حتى إن كانت في الزاقع مزيفه, تتنافس ناهد وفريدة على خدمة الخالة:
تدفع ناهد طبق الرز إلى الخالة , وتضع لها السلطة(( تفضلي ياخالتي أنا أخدمك)) بينما تشدها فريدة إلى جنبها(( طبق الكفته بعيد عنكِ سأضع في صحني بعضاً منها لنأكل معاً, الخالة تبتسم لهما ابتسامات مزيفة تشدها بحبال من الصبر إلى شفتيها, جاءت ميساء مرهقه وثيابها مهمله ارتدتها على عجل.
انتبهت إلى مقعد فتوح خالياً:
-ألم تعد إلى البيت؟!
لم تلتفت إليها الخالة , حياها محمد ثم سحب المقعد وهو يقف إليها باحترام.
- تفضلي ياميساء.
شردت ببصرها بعيداً . خطر لها خاطر
قال هاشم:
- مابك ساهمة؟!
استطردت وهي تدير ظهرها إليهم:
-لا أجلس طالما مقعد فتوح فارغاً والتفتت إلى محمد:
- عدبها إلى البيت يامحمد:
صمت الجميع, ذهلوا كأن على رؤؤسهم الطير, لم يعد يسمع سوى أصوات الملاعق والأشواك تصخب في الصحون وهمهمات الأطفال يقطعون الطعام بشراهة , تجمدت الخالة مكانها. شعرت بأطرافها كلها جامدة والمعلقة تضطرب بأصابعها ورموشها ترتعش فوق عينيها , إلتفت محمد إلى أمه يود لو تفهم سر هذه المرأة التي تعيش بينهم في ثوب واحد ولون نقياً, صافياً, ينبع من الداخل دون افتغال أو ارتباب.
وعينا ناهد تصطدمان بعيني فريدة, وهاجس الغيرة يصطخب في أعماقها,هماتحاولان تبديد الوجوم بإثارة مواضيع شتى , انتبهت ناهد إلى ابنتها وهي تقفز من مكانها قائلة:
- سأذهب إلى خالتي ميساء لتمشيط شعري
****************************
رأريد تفاعلكن معي لكي أكمل الروايه