ضوء يسطع في الذهن فجأة وبقوة فيفتح أبواب الحقيقة للباحثين بل هو مفتاح طاقات العقل

1. تعالوا سويا لنعرف اكثر حول مفهوم الحدس وكيفية حدوثه لانسان .....؟؟؟


2. الحدس الخارق نتاج الاهتمام المستغرق


3. وفي المساء دوَّنتُ هذه الرؤية..."

هل لديك حدس خارق تجاه اشياء معينة من الممكن ان تحدث؟
هل لديك حدس خارق تجاه معرفة الناس من خلال قدرتك على قراءة افكارهم .....؟
ما رأيك ان قلت لك على سبيل المثال .... ان
هناك أمثلة كثيرة على مشكلات فكرية استعصت حلولها في اليقظة ووجدت حلولها في الأحلام..

تعالوا سويا لنعرف اكثر حول مفهوم الحدس وكيفية حدوثه لانسان .....؟؟؟

الحدس الخارق نتاج الاهتمام المستغرق

الحدس الخارق والصائب هو ضوء يسطع في الذهن فجأة وبقوة فيفتح أبواب الحقيقة للباحثين ويُمدُّ العاملين بالإلهام، وهو ذروة المصادرالأربعة الرئيسية للمعرفة ولكن هذا الحدس الخارق له ثمن رفيع وشروط صارمة أولها الاهتمام القوي المستغرق فإذا غاب الاهتمام أو ضعُفت العناية عميت البصيرة وتراجعت المهارة مهما بلغ ذكاء الإنسان ومهما بلغت جودة قابلياته الكامنة ولا تُجدي أية إجراءات رتيبة من خارج الذوات يُستعان بها لحمل الدارسين أو العاملين على الفهم الصحيح أو الأداء المتقن إلا إذا استهدفت الإجراءات تكوين عادة الاهتمام الشديد والعناية الفائقة حتى تتحول مع التكرار والانتظام إلى عادة ذاتية راسخة يفيض منها السلوك من داخل الفرد التزاماً وليست مفروضة من خارجه إلزاماً، فالاهتمام الذاتي القوي المستغرق هو مفتاح طاقات العقل في كافة المجالات العلمية والعملية، إن العناية الفائقة هي التي توحِّد طاقات الإنسان العقلية والوجدانية فتمنح العقل قدرة النفاذ وتُكسب الإنسان قدرة التصرف السليم كما تمنحه مهارة الأداء ودقة الملاحظة وتُسهِّل له تجويد الإنتاج وغزارته...
والحدس الخارق في العلم والعمل هو نتاج الاهتمام التلقائي النابع من أعماق الذات بقوة واستغراق والمصحوب بالمعرفة والدراية إنه ذروة البصيرة وهو أيضاً نتاجها، فالحدس المشبع بالاهتمام والتوقد هو أرفع وأسرع طرق الإدراك لأن البصيرة إذا توقدت على هذا النحو المشحون بالصدق العاطفي والصفاء العقلي نفذت إلى الأعماق وأغدقت العطاء واستخرجت من الحقائق ما لا سبيل إليه إلا بالحدس الخارق وأفاضت من الإبداعات والأفكار ما لا تستطيعه إذا غابت لحظات الحدس الخارق، ولكن هذا الإشراق العجيب والمُسءعف لا ينطلق إلا من عقل بلغ به الاهتمام درجة التوقد وبلغ به الشغف درجة الغليان لأنه من طبيعة العقل رتابة التفكير إلا في حالات نادرة كما أنه من طبيعة الحقيقة أنها تتمنَّع كثيراً عن الظهور وتتأبى بشدة عن التجلي فلا تستجيب إلا لمن امتلأ بطاقة استشعار استثنائية تتيح لبصيرته أن تخترق العوائق وأن تزيح الحُجب فتنفذ إلى الحقائق التي تختفي في باطن الأشياء أو تحجبها تراكمات التنشئة السيئة، فالحدس الخارق طريق ناجع في العلم والعمل ولا يُغني عنه أي طريق آخر، أما طُرق البحث أو الأداء الوظيفية أو المدرسية الرتيبة فلا تستخرج نتائج عبقرية جديدة وإنما تكتفي بممارسة واستخدام وتكرار ما هو مفروغ منه مما أنتجه قبل ذلك أصحاب الحدوس الخارقة...
ولأن الحدس موضوع فلسفي علمي دقيق فإنه قد يصعب على البعض إدراك معناه لذلك فإنني أبدأ بمثال توضيحي ورد في كتاب (الكيمياء والإنسان) لكارل تيلر حيث يذكر بأن علماء الكيمياء واجهوا في مرحلة من مراحل تطور هذا العلم مشكلة علمية معقدة وهي:
كيف يمكن لجزيئات مكونة من نفس العناصر كيفاً وكماً أن تختلف في صفاتها كل الاختلاف..؟! ثم يأتي بهذا المثال الذي هو شاهد من شواهد كثيرة تؤكد أنه لولا الحدوس الخارقة التي تُشع من عقول بعض الموهوبين الذين بلغ بهم الاهتمام والشغف درجة التوقد لما نمت المعرفة ولا تفرعت العلوم ولبقيت مشكلات العلم الكبرى ومشكلات الأداء بدون حل..
يقول تيلر: ".. قد جاء حل هذه المشكلة على يد (كيكيو ليه) دليلاً على أهمية الفكر التصوري الخلاق (الحدس)" ثم يقول: ".. ذكر كيكيو ليه في مذكراته قصة الإشراقة التي أرشدته إلى الحل المنشود وسط هذا التيه من الحقائق المتناقضة: في يوم من أيام الآحاد الحارة كنتُ أستقل حافلة تخترق بي شوارع لندن فاستغرقت (في التفكير بالمشكلة) فيما يشبه الحلم وإذا بالذرات تتراقص أمام ناظري..
رأيت ذرات الكربون تتصل معاً لتكون أزواجاً تحتضن الذرات الأصغر..
كما رأيت ذرات الكربون ثُلاث ورُباع وأكثر من ذلك تتراقص في صفوف..
وبدا كل شيء يلف ويدور دائراً في حلقات حتى أيقظني من استغراقي محصِّل الحافلة يعلن وصولنا..

وفي المساء دوَّنتُ هذه الرؤية..."

هذا وصف لحالة من حالات الحدس الخارق دوَّنه العالم (كيكيو ليه) في مذكراته ليوضح كيف نَفَذَ بواسطة هذا الإشراق المفاجئ والباهر إلى أعماق الذرة حتى بدت له الحقائق المخبوءة بداخلها كما لو كان يراها رأي العين في تشكيلاتها المذهلة.. وبهذا الحدس الصائب حلَّ المشكلة العلمية التي كانت قد حيَّرت العلماء .. وليس هذا المثال سوى نموذج لإشراقات حدسية باهرة كانت خلف الكثير من الكشوف العلمية العظيمة والحلول العملية الناجعة...
ويصف مؤلف كتاب (الكيمياء والإنسان) كارل تيلر هذا الحدس الخارق بقوله: ".. لقد رأى كيكيو ليه بعين بصيرته المتحفزة.. الذرات مرتبة في أشكال في الفراغ.. وتبعاً لهذا الحدس يكون حلُّ المشكلة على النحو التالي: تتحدَّد خواص أية مادة ليس بعَدَد ونوع مكوناتها من الذرات فحسب بل أيضاً بأماكنها النسبية وترتيبها في الفراغ فالجزيئات أشكال هندسية يتضح من نماذجها ذات الأبعاد الثلاثة: كيف يمكن للمواد ذات الصيغة الرمزية الواحدة أن تختلف بعضها عن البعض الآخر.." هكذا تأتي فتوحات العلم وخوارق العمل.. فالسر العظيم ليس في الطريقة التي من السهل أن يتعلمها أدنى الناس وإنما تكمن قدرة التوغل والاختراق والفتح في العقل الذي يستخدم الطريقة ويتجاوزها بحدسه الخارق إنها فروسية الفكر المجيدة الفاتحة التي تتاح للعقل حين يشتد اهتمامه وتتلاحم قدراته وينحصر تركيزه..
ونضيف مثالاً آخر أورده عالم النفس الشهير كارل يونغ في كتابه (البنية النفسية للإنسان)
حيث يؤكد بأن الإنسان إذا كان مشغولاً انشغالاً شديداً بأية قضية فإن احتدام عقله شبه الواعي يستمر في العمل حتى أثناء النوم فيحصل له الحدس الخارق فيقول:
".. في رأيي أن جميع الفعاليات التي تحدث في الواعية تظل تعمل في الخافية أيضاً . .
هناك أمثلة كثيرة على مشكلات فكرية استعصت حلولها في اليقظة ووجدت حلولها في الأحلام..
هناك خبير حسابات ظل مدة عشرة أيام وهو يحاول بلا طائل أن يكتشف مسألة إفلاس احتيالي وظل ذات يوم يعمل عليها حتى منتصف الليل ولكن دون أن يفلح ثم ذهب إلى النوم.. وفي الساعة الثالثة صباحاً أحست زوجته أنه نهض وذهب إلى مكتبه تبعته فرأته يسجِّل بعض الملاحظات ثم عاد إلى سريره بعد حوالي ربع ساعة وفي الصباح لم يتذكر شيئاً، ولما استأنف عمله اتضح له أن على مكتبه عدداً من الملاحظات مكتوبة بخط يده تُسوِّي المشكلة تسوية نهائية.."
إن هذه الحدوس الخارقة لا يمكن أن تتاح للكسالى والخاملين مهما تعلموا من المناهج ومهما تدربوا عليه من طرق ومهما حشروا في ذاكرتهم من معلومات، فالحدوس الفاتحة هي حقٌ محصور بأهل الاهتمام القوي المستغرق فهذا الخبير الذي أشرق في ذهنه الحل الحاسم لم يتعامل مع المشكلة برتابة إجرائية وإنما كانت تملأ كل أقطاب ذاته وتشغل كل منافذ ذهنه وتذهله عن كل ما حوله لذلك استمر عقله يعمل حتى حينما كان بين اليقظة والمنام،
وبهذا تلاحمت وتفاعلت طاقاته العقلية والوجدانية فأنجبت الحل الذي أنهى المشكلة ..
وإذا قرأنا تاريخ الإبداعات البشرية في كل المجالات فسوف نجد أن كل الفتوحات الكبرى في العلوم والفنون والأعمال هي نتاج الإشراقات الحدسية الباهرة التي هي ثمار الاهتمام القوي المستغرق..
ثم يبين يونغ مفهومه لظاهرة الحدس فيقول: " .. الحدس سياق غير شعوري من حيث ان نتيجته انفجار محتوى غير واع في الواعية.. فكرة مفاجئة أو شعور بأن شيئاً ما سيحدث وهو يشبه سياق الإدراك لكن الإدراك سياق غير شعوري خلافاً لفعاليات الحواس والاستبطان وهذا ما يجعلنا نتكلم عن الحدس باعتباره فعل فهم غريزياً وسياقاً شبيهاً بسياق الغريزة مع الفرق هو أن الغريزة دفعٌ يهدف إلى تنفيذ فعل بالغ التعقيد على حين أن الحدس هو فهم غير شعوري لوضع بالغ التعقيد لذلك كان الحدس بمعنى ما في موقع معاكس للغريزة.." إن الاهتمام حين يتوقد فإن الوعي يحتشد بكل طاقاته فيستعرض كل الظروف والمسائل التي لها علاقة بموضوع الاهتمام ويستحضر جميع المعارف والخبرات التي مرت به ويحلل كل الجوانب والعلاقات ذات الصلة بالموضوع وأثناء ذلك كله يمتص اللاوعي كل هذا ويتركه يتفاعل حتى ينتهي بإشراقة الحدس التي يصفها يونغ بأنها انفجارٌ ينطلق من الخافية ليكون في بؤرة الوعي على شكل حدس خارق..
هذه الفكرة الرائعة العظيمة ليس بالإمكان الوصول إليها عن طريق البحث الرتيب مهما طال ومهما كانت دقة المنهج الذي يستخدمه فمثل هذه الأفكار الحاسمة لا يجود بها سوى عقل متوقد يمرُّ بحالة الاهتمام القوي المستغرق ...
دمتن بخير