قيد ذهبى

بسم الله الرحمن الرحيم
إذا سألتني هل تتكرر الأحداث مع الجميع , سأخبرك أنها تتشابه مع الكثير.. ما فعلته هي .. هو ما فعلته أخريات غيرها .. وأخريات من بعدها ..
تسير شاردة في صالة البيت , وجوم يطوقها , لا تريد الاستماع إلى أحد .. بل تريد الاستماع إلى غير من تحدثوا إليها , تضغط أرقام الهاتف ببراعة من اعتاد على ذلك , تطلب صديقتها, تحدثها لكن لا جديد .
منذ عده أشهر كانت صديقتها هي المتصلة , تستشيرها في أمر خطبتها , هل صعقت للخبر؟! , ربما..
لكن صاعقتها لم تكن لشئ سوى الاستغراب لحديث صديقتها ..المتردده في شئ لا تردد فيه.
" رويدا " صديقتها ذات الأحلام النرجسية , والطموح الطاغي , طالبه جامعيه و عضوه في اتحاد الطلاب , صاحبه عقدين من العمر ..
تتصل لتخبرها أن هناك من تقدم لخطبتها , تحكى لها أن الأمر انتهى , قُرأت فتحتها , وتم تحديد موعد الخطبة , والأدهى ستتزوج بعد أشهر معدودة ,
"رويدا" صاحبه الأحلام النرجسية والطموح الطاغي , تُسَير بتلك الطريقة ؟!.. توافق على شخص يكبرها بعشرة أعوام , تعب من البحث عن فتاه أحلامه.. وعندما زار أسرتها مع أمه ورآها غمز لامه بأنها مناسبة جداً .
"رويدا " صاحبه الأحلام النرجسية , والطموح الطاغي , توافق على فتى لا يمت لفتى أحلامها بنسبه 10 % .. ولأنهما صديقتان مقربتان , فقد لامتها دون تردد, على السلبية التي انتهجتها ..
ستجن , إن لم يكن الجنون أصابها بالفعل .." رويدا " تخبرها أنها في حلم , لا تدرى كيف تتحدث, كيف تسير دون اختيار, .كيف تشعر .. كل ما تحسه أنها ماتت داخلها ألف مرة .. أنها انعزلت عن جسدها ..أنها تشاهد فيلما مملاً لأبطال آخرين ..أنها ليست سيده الفيلم .. وليست بطله الحفل .. كما هو الواقع ..
تخبرها أنها ستستيقظ بعد قليل لتجد أن الواقع مختلف .. وأن يدها لن تتقيد بأساور ذهبيه أو بقيد حول أصبعها .
لكنها لم تنم لتستيقظ , لم تجد الواقع مختلف لأنه واقع , ولم تحتفظ بيدها خاليه من الأساور الذهبية أو بقيد حول إصبع يدها اليمنى .
انتهت مشكله " رويدا " لأنها رضيت بالواقع , وأقنعت نفسها أن فتى أحلامها هو هذا الخطيب ..وأنه يملك 90% من صفات فتى أحلامها , اقتنعت أنها ستعرفه أكثر وأكثر , ومن يدرى ربما تجبر نفسها أن تحبه أليس هو فارس أحلامها الذي لم تحلم به! . .
لكن ما أشبه اليوم بالبارحة .. وما أشبها بصديقتها المقربة , اليوم هي من تتصل على صديقتها , لتخبرها أنها من ستختار , من ستقرر , تخبرها أنها لا تريد الآن ..لأنها لم تتهيأ بعد , لم تشعر بفرحه عندما علمت بالأمر , كل ما تريده التملص من لقاء الخطيب حتى لا تكون في فوهة الاختيار .. تريد الرفض ..قبل أن تراه أو تسمعه , لكن في المعتاد فاقد الشئ لا يعطيه , وكلمات " رويدا " أن الحياة لها أحكامها , وأن المرء لا يحصل على ما يريد , وأن الزمن قادر على إلغاء المسافات التي نخلقها بأنفسنا ..هي كلمات عقيمة بالنسبة لفتاه نرجسيه التفكير , أو غير نرجسيه التفكير .
أنهت مكالمتها بعد أن بدأ موقفها يتزعزع قليلاً , الجميع بما فيهم " رويدا " يحاولون إثناءها عن رفضها , أقصى أمانيهم أن تتخلى عن موقفها وتجلس معه تناقشه ,أن تعطيه الفرصة وكفى.. بعدها تقرر ببصيرة ورؤية واضحة ..
تعلم أن مجرد الجلوس معه هو بداية التفكير من جديد بعقلانيه أكثر , وأن عليها بدلا من الاستماع أن تتصيد أخطائه وزلاته .. ستريح الجميع حتى تنهى الأمر وتنتهي ..
تم تحديد موعد لحضوره إلى البيت , لم يتغير الكثير في يومها , صلاة الاستخارة كانت الشئ الجديد الذي فعلته, طرق على الباب الخارجي , طرق على أنفاسها, طرق على قلبها, طرق على حريتها , تهندم ملابسها في هدوء ولامبالاة , تبطئ في السير وسط حث الآخرين لها بالإسراع , تقف على بعد سنتيمترات من حجرة الضيوف , ترجع للخلف ثانياً , تقاوم دفع أختها , تخبرهم أنها ستدخل بهدوء , الأمر لا يستدعى نهرهم وتوبيخهم , هل ستموت إن دخلت , أو تحدثت أو استمعت ., في الغالب لن تموت إن فعلت الثلاثة معاً.
تستجمع مالديها من شجاعة , تطرق على باب الحجرة , تطرق على أنفاسه , تطرق على قلبه , تطرق على حريتها هي
تلقى السلام , تصافح والدته , ترد ابتسامتها , وتجلس بالقرب من والدها , تشعر بحرارة شديدة في وجهها , وكأن النار ما برحت واشتعلت في جسدها كله .
يخرج الجميع , تجلس بجوار باب الحجرة المفتوح .. أقصى أمنيه لها في تلك اللحظة أن تنتهي تلك اللحظة ..أن ينتهي اللقاء قبل أن يبدأ, ليتها ما رضخت لإلحاحهم..
لا تستطيع النظر إليه , لا تريد ..وبالرغم من ذلك اختلست نظرة إليه , ليس كما وصفوه , الأمر ذاد تعقيداً الآن, لا تشعر بأي انجذاب إليه , لا تشعر بأي شئ سوى السأم .
تجوب سحابه من الصمت ,لفترة خيل لها أنها طويلة, ثم بدأ بتعريف نفسه بهدوء , تصمت , تستمع ..تدعوا أن يأتي طارق يفض هذه الجلسة , ترد بثبات وكأن لا شئ في الأمر , تجيب على تعريفه لنفسه بذكر بياناتها وكأنها ستتقدم لوظيفة لا ترغبها..
تضع يدها على وجهها, ربما تخفف شئ من احمراره , سحابه أخرى من الصمت لا تدوم كثيراً , بدأها برغبته في الزواج سريعا .. وكم سعدت بذلك , لأنها وأخيراً وجدت الحل السريع لإنهاء الأمر ..فمطلبه مرفوض من جانبها ولها أسبابها التي قدمها على طبق فاخر إليها .. , ومرفوض من جانب أسرتها بسبب دراستها , مرحى للحياة عندما تبتسم .. لكن ما يسوء الأمر أنها لا تدرى , كيف تجعل الحياة تبتسم دون أن تعبث .
مضى الأمر أخيراً , واعتلت الفرحة وجهها من جديد , أزالت حمل ثقيل من على كاهلها , لن تؤنب نفسها كثيرا على رفضها له , أخبرها أنه لم يرها من قبل , وأن والدته رشحتها إليه لحسن أخلاقها , ولصيت عائلتها الكريم , ولكم أسعده ذلك عندما وجد ما رآه أفضل مما سمعه , وبناء على ذلك فهو يريد الإسراع في الزواج حتى تهدأ نفسه ويسافر إلى عمله بعد أن أكمل " نصف دينه " .
لكنها لا تدرى كيف تجعل الحياة تبتسم دون أن تعبث , فبعد أيام قلائل , بعد أن ابتهجت وفرحت وأزالت حمل أثقل كاهلها .
يأتيها والدها , يخبرها أن جميع مطالبها مجابه , أن أمامها الفرصة الكافية للتعرف عليه أكثر وأكثر , لا حجه منها , لا اعتراض, سوى أنها كالبضاعة تباع وتشترى .
تعجز عن التفكير .. تشل حركتها .. تموت داخلها ألف مرة في اللحظة .. تنفصل عن جسدها .. تودع عالمها النرجسي .
سبب عملي واحد للرفض يعجز عقلها عن إبرازه ..
سبب عملي واحد...
سبب عملي واحد...
تمت 1-5-2005
مع ارق المنى
دمتم بأمن الله وعنايته
هاله