- ولكنني بدأت أفكر في تلك المساحة الضيقة التي يشغلها السرير !
لم أكن أعرف السرير وأسراره إلا عندما أعياني الكلل وأنا أتنقل من شارع لشارع ومن معرض لمعرض بحثا عن سرير يناسبني لغرفة نومي الجديدة .. هدفي هو سرير طبي يمنحني نومة مريحة ويحافظ على سلامة ظهري .. وقد يأتي أي فرد ويدخل أي محل ويشتري السرير الذي يريد ولكن بالنسبة لي فقد اختلف الوضع ! فهل يعقل كل هذا التعب من أجل قطعة من الإسفنج المحشو داخل قماش لا يزيد مقاسه عن 3 X 3 متر محمول على أربعة أعمدة من الخشب ؟
ولكنني بدأت أفكر في تلك المساحة الضيقة التي يشغلها السرير !
هي صحيح ضيقة لكنها دالة جدا ، فمن خلالها تكتشف جسدك ، تتمدد , تتقلب , تفكر ، تسرح ، تخطط لغدك وتنام ، وتحلم !!
إذاً السرير ضيق بمساحته الشكلية ولكنه في نفس الوقت المساحة الأوسع للمعنى ، ربما تضيق هذه المساحة أحيانا ولكنه يبقى السرير كتلة غارقة في رسوخها ، محاولة ريادية للارتفاع عن الأرض ، تجربة تتحدى الجاذبية في لحظات معينة .
السرير غاية متوحشة ، امتداد ضال ومحنك للحقيقة ، إغراء للثنائيات والثلاثيات، للتجمعات العابرة ، واحة لقوافل البشر ، منطقة للاستكانة ، للنسيان وللذاكرة ، إجراء لتأكيد سطوة اللذة .
والأسرّةُ أنواع .. سرير للبحر وللبر في غابة ، سرير على شجرة ، أو تحتها ، سرير للغرف الضيقة وأخرى لغرف الأجنحة ، سرير في جاهزية تامة ، سرير قابل للطي ، وآخر قابل للفك و التركيب ، سرير خشبي ، سرير معدني ، سرير يأز بأصوات متقطعة ، سرير صامت كالصخرة .
وكذلك الكل له سرير .. سرير للمثقف ، وآخر للجاهل ، للزعماء وآخر للفقراء ، للعشاق ، للأثرياء ، لتجار السلاح ، وباعة الورود ، سرير لغرباء المدن الضالة ، سرير لعبور الذات ، سرير للعرب ، للأوروبيين ، للآسيويين ، للأفارقة ، سرير لمدمني ومروجي المخدرات ، لرجال المافيا ، للسياح ، للأوغاد .
واكتشفت أن السرير فخ الرجولة ، ومصيدة للأنوثة ، وأن غالبا ما نولد على السرير وغالبا ما نموت عليه ، وأن السرير خيبة أمل كبيرة بالذات وبالآخرين ، وإنه يحزن وينتشي حينما تطول اهتزازاته في لحظات الاتقاد . وأن هناك فنادق ضخمة تبنى من عشرات الطوابق لحشوها بأسرّة مريحة .
السرير منطقة محرمة ، ومنطقة مباحة أيضا ، وأن فشل السرير هو الأصعب في حياة الرجال ، وأن المخطوبان يقضيان أشهر عديدة لاختيار السرير المناسب وعليه سيدفنان سويا قصة حبهما ، وإن أهم العمليات الجراحية أنجزها الأطباء على السرير ، وإنه نهاية منطقية لأشياء غير منطقية .
واستخلصت في نهاية المطاف والبحث بأنه عليك أن تعرف سريرك قبل نفسك لأنها أمارة بالسوء ، وإن الرجل الصالح يشتري سريرا صالحا ، وإن السرير يشبه صاحبه مع الوقت وإن العالم سرير كبير يتسع لكل الحماقات السياسية ، سرير قذر شراشفه وأغطيته ملطخة بالدم والخيانات والمؤامرات .
وختاما فإن أجمل سرير هو وطني ، ذلك هو سريري ولا شيء سواه , إذاً غدا عندما اشتري سريري سأعلن قيام مملكتي ، وطني المستقل ، وطني بشراشف بيضاء ، ورائحة تربته الطاهرة النقية .
وفي جميع الأحوال يبقى للسرير لذة لا نحصل عليها ولا نشعر بها إلا عندما نرمي بأجسادنا عليه دون رحمة لنموت موتة صغرى ؟؟؟
تقبلو ارق التحيه من ام محمد15