- أتصل بي من العمل وطمانني فهو يعرفني ويعرف جنوني وخوفي الشديد عليه
"لا .......... لا .......... أتركوني أرجوكم ...... أتوسل إليكم ....... أبنائي ليس لهم ذنب ......... أرجوكم ....... الذنب ذنب وحدي ......... أنا المخطئ ولكن لم اقصد ............ أقسم لكم لم أكن أقصد .......... دعوني .......... يالله ...... يارب .......... رحماك بي ......... رحماك
سامحني .......... سامحني ........... سامحني "
أبا سعد .... أفق ....... إستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، إنه حلم ........ لا تجزع ........ وسم بالرحمن
يجيبني بدموع حارقة في عينيه وصوت مبحوح من شدة الصراخ
"لم أكن أقصد ....... واقسم بالله ليس ذنبي
ليتني انا من متت في ذلك اليوم المشئوم "
أستغفر الله يا رجل وتعوذ من الشيطان الرجيم .......... قم وصل ركعتين وأقرأ ما تيسر من القرآن ..... تهدا نفسك ويرتاح قلبك ........ لا حول ولا قوة الا بالله
حسبنا الله ونعم الوكيل
مشهد يتكرر كل ليلة منذ ذلك اليوم ، مشهد نعيشه بكل تفاصيله ويبدو أنه سيظل معنا قابعا في مخيلتنا إلى آخر العمر
خمسة أعوام مرت كلمح البصر ......... مضت أمام ناظري كانها خمسة أيام ..... لم نذق بها طعم الراحة ولم نهنا بطعام ولا نوم
خمسة اعوام مرت لم تحمل لنا فيها سوى الكرب والألم ، ورافقتنا الدموع والاحزان
خمسة اعوام مرت لم نعش بها سوى الذل والمهانة بعد أن كنا من اعز الناس
ولم نحمل معها سوى الفقر والدين بعد ان كنا من اغنى الناس
لا حول ولا قوة الا بالله
اللهم لا اعتراض على قضاءك
أهرب من الواقع المرير أحيانا للماضي الجميل فأغمض عيناي وأتذكر حالنا كيف كنا وعلى أي حال أصبحنا ؟!
أسترجع شريط ذكريات جميلة لا ينقطع
ذكريات هي سلواي بمصابي وملاذي إذا فاض بي الهم
ذكريات بدأت منذ أن من الله علي ب الزوج الصالح ، وأتم نعمته بالذرية الطيبة ، وزادها بالحياة الهنية والعيش الرغيد
/
\
/
\
/
\
وانتهت بذلك اليوم ... ذلك اليوم الذي قلب حياتنا راسا على عقب ............. ذلك اليوم الذي فقدنا فيه ارواحنا ولم يبقى لنا سوى اجساد تدب على الأرض
مازلت أذكره كانه اليوم ....... مازالت كل أحداثه ماثلة أمام عيني ومصورة دون زيادة او نقصان
منذ أشرقت شمس ذلك اليوم وأسدلت أشعتها الذهبية على النافذة معلنة عن يوم جديد ........ شعور غريب راودني ، وأحساس لم أستطع تفسيره إلى الآن لازمني
لا أعرف أهو ا لحدس ........ ؟؟ أم قلب المؤمن ........ ؟
تأخر زوجي عن العمل على غير عادته .... فهو مثال للإلتزام بالعمل والمواعيد .... لكن في ذلك اليوم صداع قوي لازمه أنساه الوقت وأرق صباحه
عند خروجه من المنزل وأنا أطبع على وجهه قبلة كعادتي دوما وادعو له بالتوفيق
فجأة
سرت قشعريرة غريبة بجسدي ......... و أحسست بالخوف عليه لوهلة ......... خاصة وان السيارة بها خلل بالمكابح وتحتاج للتصليح ، ذكرته حينها بعلتها فوعدني باخذها للميكانيكي بعد إنتهاءه من العمل
طلبت منه أن يتركها ويستقل سيارة أجرة متحججة بصداعه وآلام راسه ، فطمأنني كعادته دوما ، وجاني ان لا أقلق ، فكل شئ على مايرام ، والخلل بسيط وليس فيه أي خطورة
خرج ... وروحي خرجت معه ...... عدت لاكمل أعمال المنزل ، ومازال قلبي وفكري منشغل عليه ....... كيف لا وهو أهلي وسندي وحبي وكل ما أملك في دنياي؟
أتصل بي من العمل وطمانني فهو يعرفني ويعرف جنوني وخوفي الشديد عليه
اكملت عملي بالمنزل إلا ان ذلك الإحساس الغريب ظل يراودني لم يبارحني أبدا
وانا منهمكة بالعمل ........ رن الهاتف فأسرعت للإجابة عليه ، كان زوجي من العمل يعلمني بالعودة مبكرا ، فأوصيته بالحذر والحرص أثناء القيادة ، تعود مني الحرص الدائم وخاصة فيما يتعلق بقيادة السيارة على مهمل والالتزام بلوائح وقواعد المرور ، ولكنه لا يلومني أبدا ......... فقد فقدت أعز احبائي بحوادث طريق ....... أخي الصغير ...... صديقتي ........ وحتى أنا حدث لي حادث نجوت منه بأعجوبة وخلف لي عرج خفيف ذكرى لذلك الحادث الأليم
أكرهها .......... أكرهها .......... أكره السيارة .......... و أرتعب بكل مرة أركبها ......... فلي معها سلسلة من المأسي التي لا تنتهي
/
\
/
\
/
\
/
\
مضى الوقت وتأخر بالعودة ، " المفروض أن يكون قد عاد الآن ..... حتى لو أكمل عمله وعاد بوقته المعتاد ...... كان يجب أن يكون الآن هنا
سترك يارب ....... ألطف بعباد ك يا رحمن يا رحيم "
وأخيرا
رن الهاتف
أقسم أن صدى رنينه ما يزال يرن باذني إلى هذه اللحظة
وكانت المكالمة من الشرطة ........ أخبروني أن حادث بسيط حدث لزوجي وهو الآن بالمستشفى
إلى الآن لست أعي كيف وصلت إلى هناك ، وأي أقدام حملتني إلى حيث هو يقبع ........
أخذت أجري كالمجنونة هنا وهناك ، أسأل هذا وأرتمي تحت أقدام ذاك لخبر يطمأنني عليه
أخبروني بعد عناء أن تصادم عنيف حدث بينه وبين احدى السيارات أدى الى وقوع حادث كبير وأسفر عن موت سائق السيارة التي كان يستقلها مع ولديه وموت احد ابناءه
أما زوجي فهو بغيبوبة الله وحده من يعلم متى يستفيق منها ، وبأي حال سيكون ؟
لا حول ولا قوة الا بالله
نزل الخبر علي كالصاعقة ... بل كالطامة الكبرى ....... أي نازلة ألمت بنا ؟
وأي كارثة أسدلت غمامها علينا ؟
مضى زوجي بغيبوبة ما يقارب الشهر ....... لا يعلم من الدنيا شئ ، ولكم أن تتخيلوا حالتنا ....... بدا يعود للحياة شيئا فشيئا حتى جاء ذلك اليوم الذي أدرك نفسه فيه ووعى لما يجري حوله
دخلت لزيارته كعادتي فوجدته بحاله هستيريه لا توصف ، يبكي ويصرخ ...... كالأطفال الصغار .....
أنا قاتل ..... مجرم ....... سفاح ....... أستحق الموت ..... الإعدام ..... الشنق
عار انا على البشرية ...... كيف لا وأنا قاتل الأبرياء ........ قاتل الأطفال ..... ميتمهم ومرمل النساء !!!!!!!!
رحماك ربي ....... رحماك يارب ...... أغثني ....... لماذا لم أمت ؟ لماذا لم أمت انا بذلك الحادث ؟ لماذا بقيت على قيد الحياة ؟ أي مستقبل ينتظري ؟ وأي راحة سأهنأ بها وأنا قاتل مجرم ؟!
أي عذاب ما أنا فيه ؟ وأي عار ما أحسه وأشعر به ؟ يالله رحماك بي
مازالت نظرات الأطفال ماثلة امام عيني ، عندما فقدت السيطرة على السيارة فتوجهت إليهم دون قصد ، حاولت ان أتفاداهم ولكن المسافة لم تكن كافيه
فقدت السيطرة على السيارة تماما ، فاصطدمت بهم مباشرة .......... كانوا يبكون ..... يصرخون ....... يستنجدون ....... لكن .............
لم يستطع أن يكمل ، فأجهش بالبكاء ، بكاء مر حارق للقلوب ابكى جميع الحاضرين
مضت الايام وخرج من المستشفى ....... لكنه خرج إنسان آخر وكأنه قد كبر عشر سنين ، إبتسامته ...... روحه .......... أمله ......... أحلامه ....... كلها ماتت بذلك الحادث
يومها طوينا صفحة من حياتنا وفتحنا صفحة جديدة ....... لم نعرف معها طعم الراحة ولا ذائقة النوم ، ورجعنا لأرض الواقع المرير ، فزوجي هو المخطئ ...... والمسئول الأول والأخير عن الحادث ..... وهو مطالب بدفع الدية الشرعية لروحين ، ويالها من مبلغ كبير لا يستهان به ، وأيضا تصليح السيارة التي باتت خردة غير صالحة للأستخدام ، ناهيك عن أحوالنا المادية السيئة أثناء وجوده بالمستشفى والمبلغ الخيالي الذي دفعناه لعلاجه وتأهيله
بدأنا من يومها رحلتنا مع الدين الذي لم نعرفه يوما ، بعنا منزلنا منزل أحلامنا واستأجرنا شقة صغيرة تأوينا
واكتملت الاحوال السيئة بفصل زوجي عن عمله لتغيبه المستمر وظروف مرضه ، وبعد عناء طويل حصل على وظيفة أخرى ولكن براتب أقل بما يعادل النصف ، أضطررت للعمل للمساعدة بمصاريف المنزل والأولاد ، وإلى يومنا هذا نحن في صراع مع الدين الذي كسر ظهورنا و طوق أعناقنا و أحرقنا بألسنة نيرانه التي لا ترحم
أما ابنائي فقد كبروا وهم يرون والدهم على هذا الحال ، " كوابيس وبكاء وصراخ في منتصف الليل "
وما زاد الأمر صعوبة وإيلام على النفس هو بعض زملائهم الذين يعلمون بما حصل لنا ، فتارة يستهزؤن بهم ويعايرونهم بوالدهم القاتل وتاره ينعتونه بالمجنون !!!!!!!!!! أي ظلم ؟
أي قسوة تملأ قلوبهم ؟
وأي مرارة والم وذل يعيشه فلذات أكبادي كل يوم ؟
/
\
/
\
/
\
/
\
/
\