مكتشف الدورة الدموية الصغرى

أقبل المسلمون الأوائل على العلومبدافع من عقيدتهم وحرصهم على التعمق فيما يحيط بهم وانطلاقاً من أن الإيمان يدعو العلم إلى الإيمان ولذلك انصرف أطباء المسلمين من طبّ الخرافة والشعوذة إلى الطبّ القائم على الملاحظات والتّجريب فاستطاعوا أن يقيموا نهضتهم على أسس راسخة متينة
ومن علماء المسلمين في مجال الطبّ ابن نفيس علاء الدين أبو الحسن عليّ بن أبي حزم القرشي الدمشقي . ولد في إحدى ضواحي دمشق عام 607 هجري / 1210م وكانت دمشق آنذاك مركزاً مهماً من مراكز العلوم والفنون وقد نال قسطاً كبيراً من التعليم في مدراسها جاء ابن النفيس بآراء ونظريات هي في الواقع فتح في ميادين الطبّ وعلم وظائف الأعضاء بل إنه يأتي في طليعة أطباء العرب الذين أنجبتهم أمتنا على مدى تاريخها الطويل حيث يحتل مكانة فريدة بينهم نظراً لدوره العظيم في اكتشاف الدورة الدموية الصغرى . وقد بدأ نجمه يعلو ويسطع حتى صار شيخ الأطباء في عصره
كان ابن نفيس رقيق القلب دمث الأخلاق ممتازاً في آداب المعاملة ولعلّ هذه الصفة من أهم ما ينبغي أن يتصف به الطبيب الذي يتعامل مع ألوان مختلفة من المرضى . وقد عاش ابن النفيس حياته كلها من أجل مهنته وكان واسع الاطلاع ومن أعلم الناس ليس في الطبّ فحسب وإنما في العلوم كافةً حيث أقبل على علوم اللغة والفلسفة على نهج علماء عصرهوترك بعض المؤلفات فيها كما كان يحفظ كتاب القانون لابن سينا عن ظهر قلب ولذلك لقّب بابن سينا عصره لمكانته العلمية وتمكنه من الطبّ وكان يحفظ كذلك مؤلفات جالينوس وأبقراط كما كان معروفاً بورعه وتقواه وتمسكه بأصل دينه تتلمذ ابن النفيس على يد مهذب الدين الدخوار أشهر أطباء العصر ورئيس أطباء سورية ومصر في تلك الأيام وكان البيمارستان النوري بمثابة الكلية التي استكمل فيها ابن النفيس تحصيل الطبّ ودراسته دراسة نظرية وعلمية حيث مارس الطبّ والتشريح في المستشفى إلى أن تم انتقاله إلى القاهرة .
وقد عمل في القاهرة بالبيمارستان الناصريّ وأخذ يتدرج حتى أصبح كبير الأطباء كما عين رئيساً للمستشفى المنصوري وبقي ردحاً من الزمن في مصر متنقلاً بين هذين المستشفيين وأخلص لهما لدرجة أنه أوقف قبل وفاته جميع أمواله وكتبه وداره على المستشفى المنصوري وفي القاهرة قام ابن النفيس بأكثر أبحاثه وكتبه
إن طبّ ابن نفيس تظهر فيه الأصالة والتجديد فقد كان ابن النفيس ينادي بالخروج على الطرق التقليدية في الطب والتحرر من سيطرة أفكار من سبقه من الأطباء في حين أن الكثير من العلماء في وقته لم يجرؤوا على مخالفة نظريات العلماء مثل جاليونس وأبقراط وابن سينا في الطبّ فقد انتقد ابن النفيس الكثير من نظرياتهم
اهتدى ابن النفيس لإلى الكشف الدورة الدموية الصغرى حيث كان جالونس وابن سينا يريان أن الدم يتولد في الكبد ومنها ينتقل إلى اليطين الأيمن من القلب حيث تجري تنقيته وطهيره من الرواسب ثم يسري في العروق إلى أعضاء الجسم لتغذيتها وإن هناك ثقوباً في الجدار الحاجز بين البطينين بنفذ منها الدم إلى البطين الأيسر ليمتزج بالهواء الذي يحمل إليه من الرئتين عن طريق الوريد الرئوي لإأن ابن نفيس اهتدى إلى الأخطاء التي وردت حتى وصل ‘اى أن الدم الذي ينساب من البطين الأيمن إلى الرئة حيث يمتزج بالهواء ثم ينتقل إلى البطين ايسر وبذلك أثبت أن الدم ينقى في الرئتين وتلك هي الدورة الدموية الصغرى
وتجد ر الإشارة إلى أن اكتشاف ابن النفيس في هذا الصدد ظلّ مغموراً فروناً طويلة بينما نسب ذلك خطأ إلى مايكل سيرفيوتس1511 - 1553 م الذي أحرق حياً لتبشيره بنظرية ابن النفيس وذلك قبل مولد وليم هارفي 1578 - 1657 بربع قرن مما حمل البعض على الأعتقاد بأن هارفي قد أخذ الدورة الدموية من سيرفيتوس الإ أن الحقيقة هي أن سيرفيتوس وقعت في يده الترجمة الاتينية لكتاب ابن النفيس شرح تشريح القانون والتي قام بها طبيب إيطالي يدعى الباجو وهو أخد رواد عصر النهضة الأوربية في الطبّ وقد أمضى ثلاثين عاماً في سورية باحثاً عن المخطوطات الطبية العربية ومترجماً شرح تشريح القانون لابن النفيس والذي يحتوي على نظرية الدورة الدموية الصعرى
ولابن النفيس كتب كثيرة منها : الشامل في الطب شرح التشريح القانون المختار في الأغذية تفسير العلل وأسباب الأمراض
وقد قال ابن النفيس عن مؤلفاته : لو لم أكن واثقاً من أنّ كتبي ستعيش بعدي مدة عشر آلاف سنة لما كتبتها
توفي ابن النفيس في القاهرة عام 686 هجري / 1288 م