الحنونة الحلوة
06-09-2022 - 07:54 am
مساء الخير لكل الفراشات طمنوني عنكم ان شاء الله تمام ...بنات بليز أبي مساعدتكم ممكت لو سمحتوا إذا كان عندكم قصة قرآنيه خاصه بالنبي يوسف عليه السلام ماتبخلون فيها علي مع النقد والتحليل لهذه القصه ..لأن دكتور العربي طالب مننا بحث عن قصة قرآنيه وحاط عليها درجت كثيره جدا فأتمنى أنكم ماتبخلون علي بمساعدتكم والله يسعدكم يارب
يوسف :قصة تاريخية عظيمة ..!!
الموضوع :
في ابداية لن أتحدث عن القصة بشكل مفصل بل سألتقط شيئاً من هنا وآخر من هناك في سبيل توضيح ما أريده عن جمال القصة وروعتها كأعظم قصة في التاريخ ،
.
.
لعل أقرب القصص والروايات المكتوبة إلى النفس البشرية بشكل عام هي تلك التي ترتكز على العنصر إلإنساني ، حيث تظهر وتبرز المشاعر البشرية والكاتب الجيد في الغالب هو الذي يضعنا أمام أنفسنا فيما يكتبه ، نغوص في أعماق حرفه فنجدنا أمام أنفسنا عارية من كل الرتوش والقشور التي نظن أنها لا تنكشف بسهولة !
في هذه القصة يبرز العنصر الإنساني والمشاعر البشرية بكافة أشكالها ، هي قصة تتناول الإنسان بضعفه وقوته وطموحه وفشله وأفراحه وأحزانه ..
تصور بشكل مذهل مشاعر الحب الصادق ، والحسد ، والغيرة ، والكراهية ، والنفاق ، والعطف والشفقة ، والحنين ، والحزن في أصدق آياته !
ونجد فيها تصوير مبدع للسمو الأخلاقي والعفة ، وكذلك الانحطاط والانحلال الأخلاقي دون اسفاف ولا ابتذال !
تجسد هذه القصة " الغياب " كأبرز ملمح مستدر للحزن في على مدى العصور ..
الغياب والفقد هما عكازا الحزن الذي يتوكأ عليهما ليعيث في دواخلنا الخراب !!
.
.
تبدأ قصة يوسف عند الآية الرابعة (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ )(4)
وسنلاحظ مع التقدم في القصة أن الطريقة التي بدأت بها كانت منهجاً يستمر حتى أخرالقصة ، وأعني بهذا المنهج " اللقطات " المفاجئة ، بمعنى أننا نجد أنفسنا أمام مشهد واضح المعالم في القصة ولكنه يفترض أن يكون نهاية لأحداث متتالية لا تذكر ولا يشار إليها في السياق الذي يسبق هذا المشهد !
كثير من أحداث هذه القصة متروكة لتخيل القاريء ، حيث يجد نفسه وهو ينتقل من مشهد إلى مشهد متخيلا كل تلك الأحداث التي دارت بين المشهدين تلك الأحداث التي تربط المشهد السابق بالمشهد اللاحق دون أن يرد لها أي ذكر في سرد القصة !
(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ) ..
لا بد أن أحداث سبقت هذه الحدث .. لو أن مؤلفا كتب هذه القصة لحدثنا أولاً عن يوسف وهواياته وأين ينام وكيف نام تلك الليلة وعن مشاعره التي سبقت إخباره لأبيه بما رآه في نومه !
لكن هذا لم يكتب في هذه القصة ، فجأة نجد أنفسنا مع يوسف وهو يروي لأبيه ما رآه في منامه!
نجد أننا أمام هذا المشهد ونتخيل ما دار قبله دون أن يؤثر عدم وجوده على فهمنا أو تفاعلنا مع تلك الأحداث التي سبقته !
ومثل هذه النقلة السريعة والخاطفة المبدعة تتكرر في أكثر من موضع في هذه القصة ..
مثال(1) :
قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10) قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) .
حين طرحت فكرة أن يلقوه غيابة الجب لابد أن أحداثاً كثيرة حدثت قبل أن يتحدثوا مع أبيهم ويطلبوا منه الموافقة على أخذه معهم ..
فالأمر خطير .. ما أتخيله أنهم ترددوا بعض الشيء وأن أحدهم أخيراً هو من قرر الحديث ..
وحين وقف أمام أبيه تردد ..
ربما أراد أن يتراجع فكر في عواقب أمر كهذا..
ربما ذهب إليه أكثر من مره دون أن يجروء على مثل هذا الطلب !!
كل هذه الأحداث أو ما يمكن أن يكون حدث لم تتم الإشارة إليه ، إنتقل الحدث من مشهد التخطيط إلى مشهد الأبناء أمام أبيهم يطلبون منه هذا الطلب الصعب دون مرور على تفاصيل لم يسقطها من الاعتبار كونها غير مكتوبة ، ولم تقل درجة التأثير على المتلقي الذي عاشها رغم أنه لم يقرا حرفاً واحداً يدل عليها !
مثال (2):
فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (15) وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ (16)
نلاحظ هنا أن الإجماع لم يتم إلا بعد أن ذهبوا به .. أي أن الحدث الذي لم يُشر إليه هو النقاش الذي تم بينهم ..
لابد أن حواراً حاداً دار بينهم ، ما أتخيله أيضاً أن يوسف لم يسلم لهم ويذهب إلى الجب بنفسه ..
لابد أنه استعطفهم ، سألهم عن دوافعهم ..
من المؤكد أن إجاباتهم كانت جافة وقاسية ..
أحداث أيضاً كثيرة لم تصور ولكنها كانت حاضرة وهذا إبداع ليس قبله ولا بعده !
المشهد ينتقل بشكل خاطف إلى بيت الأب وأبناؤه يبكون أمامه !
مثال (3) :
وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19)
الحدث الذي أتخيله هنا أن يوسف سمع أصوات هذه القافلة ..
لابد أنه استبشر بقدومهم
لابد أن فرحته تضاعفت حين رأى الدلو ،
ربما تعلق به ..
لكن هذا المشهد صور لنا قافلة تبحث عن الماء يرسلون " واردهم " وهو المسؤول عن الماء ، وفجأة نراه يقول : " يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ " .
لابد أنهم تجمعوا حوله وسألوه عن قصته ودار حديث كثير حول قصته وعن أنسب طريقة للتعامل مع هذا الموقف ، لا يمر السرد الروائي على هذه الموقف ولكنه ينقلنا إلى القرا الأخير " وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً" ..!
مثال (4) :
وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (21)
كيف كان موقف يوسف وهو في السوق ؟
أو ماهي الطريقة التي باعوه بها؟
نفهم منن القصة أنهم باعوه بثمن قليل دون تفاصيل مكتوبة ، ثم ينتقل المشهد إلى بيت الذي اشتراه !
وهناك أيضاً أحداث أخرى متخيلة لم ترد ضمن السياق ولم يتم العودة إليها ...
حين عاد أخوة يوسف إلى المنزل ..
لا أتخيل انهم ذهبوا تلك الليلة ليناموا وهم مطمئنين ، ما اعتقده أنه كان هناك ما يقلقهم ..
تفكيرهم في أخيهم ..
سياط الأسئلة الذي لم يكن ليرحمهم ..
تأنيب الضمير ..
حين استيقضوا صباحاً ولم يجدوا يوسف ..
أتخيل أن أحدهم كان يتمنى أن كل تلك القصة لم تكن سوى حلم وأنه نهض مسرعاً ليبحث عن أخيه وحين لم يجده تأكد أنه لم يكن يحلم ..!!
لابد أنهم ذهبوا لنفس المكان ليتأكدوا أنه لازال هناك ..
ربما أيضاً حدثتهم أنفسهم إنهم إن وجودوه فسيخرجونه من الجب ويعودون به للمنزل بعد أن رأوا التأثير الواضح لغيابه على أبيهم وأن ما فعلوه لم يحقق الهدف الأساسي " يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ " ..
ملمح آخر .. الزمان والمكان ..
كل قصة لابد من توفر عنصر زمان ومكان لحدوثها ..
نفهم أن الزمن الذي وقعت فيه القصة كان مهتماً بتأويل الرؤى ..
القصة تعتمد في ثلاث محاور رئيسية على ثلاث رؤى ..
روؤيا " صاحبي السجن " .. والتي كانت مدخلا لإخراج يوسف من السجن !
روؤيا الملك .. التي كانت مدخلاً لتمكين يوسف من الحكم ..
والروؤيا الأساسية لبطل القصة ..وهذه الروؤيا تمثل " القوسين " التي تقع بينهما القصة ..
فالقصة بدأت بهذه الروؤيا ، وانتهت بتأويلها !
والمكان في هذه القصة كان متنقلا حسب ما يحتاجه النسق الدرامي ..
هناك حياة البدو ، والاعتماد على الرعي ، وهناك حياة القصور الفارهة والتفسخ الأخلاقي الذي يرافق عادة مثل هذه الحياة على مر العصور .. !!
وسأتوقف هنا .. فإن عنت لي رغبة في العودة عدت وهذا مالا أعتقده !
ختاما :
لم أقل كلما أريد ..
أردت فقط أن أفتح بابا للتأمل فهناك الكثير من الأحداث والشخصيات التي تجاوزتها رغبة في الاختصار فقط ..
وما هدفي من كل هذا الموضوع إلا سوق تبرير على إجابة السؤال الذي سألتني إياه الأخت فينيسيا ، وقد بذلت جهداً أكثر من جهد الكتابة في تجنب الحديث عن هذه القصة من منظور ديني لأن هذا موضوع آخر لا طاقة لي به ..
كل ما ارتكبته هنا لم يكن سوى حديث عن قصة تعتبر الأروع والأجمل ..
ومن يرتكب كتابة القصة أياً كانت ديانته ثم لايقف أمام هذه القصة إجلالاً وتقديراً فهو لم يقرأ شيئاً بعد !!
انتهى....