- بسم الله الرحمن الرحيم
- ولنبدأ من البداية ..
- قرر أن يكون خبيراً .. فكان كذلك ..
- إنه الخبير .. وصدق أن هذا اللقب يليق به حقاً ..
- قدم قصي .. وهو يعرف كعادته ماذا سيفعل .. أمامه هدف واضح ومحدد ..
- فابتسم قصي له وراحا يبحثان .. ولكنهما لم يجداها ..
- كان قصي دائماً يقول : الأسلوب المناسب .. يعلق البنت المناسبة ..
- وفجأة .. تحول في عزفه إلى أغنية كاظم التي كان يتكلم عنها نزار ..
- فقالت وهي تظهر الامبالاة : أنت حر ..
بسم الله الرحمن الرحيم
خبير في البنات د. خالد أبو الشامات مقدمة إنه الخبير .. محنك بحق .. محترف على أعلى مستوى .. يخطط لكل عملياته بكل دقة .. وينفذ ببراعة .. لك الحق أن تتخذه مثلاً أعلى في مجاله .. ومجاله هذا يندرج عند الكثيرين تحت قائمة " للكل " .. ولكن عند هؤلاء الناس .. تحت بند " سري للغاية " ..
لا يهم كيف عرفت أنا هذه المعلومات .. لكن المهم حقاً ما سأكتبه عنه .. سواءً شيئاً قد سمعته منه مباشرة .. أو حتى لاحظته من قرب أو من بُعد ..
ولعلك تتساءل .. ما هو مجاله ؟ وسأجيب بصاعقة تفجر الدهشة من حولك : إنه خبير في البنات !!!
ولقد قررت أن أمنح الخبير اسماً مستعاراً أنيقاً .. فإن للخبير أن يتميز حتى في اسمه المُختار عند كتابتي لهذه الرواية .. لقد قررت أن أسميه (قصي ) ..
ولنبدأ من البداية ..
قصي هذا فتى تربى في مكة .. في وسط من عائلة يعتبر شبابها مصاحبة الفتيات أمراً وارداً مقبولاً لدى من هم في مقتبل العمر .. رغم أن المجتمع المكي يعتبرها خطيئة لا ينبغي أن تُرتكب في مكان له قدسيته وطهارته ..
قضى قصي هناك 17 سنة من عمره .. تعلم من الجميع خبراته الواسعة التي لم يتوقف عند حدودها .. بل طورها ..
حتى قال كل من يعرف عنه وعن علاقاته بأنه الخبير .. والجديد في الموضوع أن قلة قليلة بالفعل من يعلم عنه هذا ..
وكانت هذه قاعدة من قواعد لعبته : العب باحتراف بعيداً عن الشهرة وبصمت ..
قد يعرف الكثير أن له علاقات أنثوية .. لكن هذه الجملة قاصرة للغاية في وصف ما كان عليه فعلاً ..
خلال تلك الفترة .. قام بعلاقات كثيرة للغاية .. لكنه ما كان يهدف في كل علاقة إلا للتجربة البحتة ..
قرر أن يكون خبيراً .. فكان كذلك ..
وفي مكة له قصص عجيبة لا يعرف عنها أحد شيئاً .. حتى هذه القلة .. ربما أنا الوحيد الذي يعرف عنها .. ولكنه غير مسموح لي بكتابة شيء منها نزولاً عند رغبة قصي .. وحتى لا أخدش النظرة المشرقة النظيفة لبسطاء الحياة ..
لم تصل صورته إلى أي فتاة من كل اللواتي عرفهن .. حتى بين أوساط البنات .. حتى إن تعرف على فتاة اجتماعية .. ذات علاقات نسائية متسعة .. كان يحرص على قدر الإمكان أن لا تعرف سوى صديقتها المقربة فقط ..
تدور دائماً حوله الكثير من التساؤلات .. حول غموضه الواضح .. وأشياءه الخاصة المميزة له .. له خاتم من البلاتين .. لا يلبسه في بنصره إلا حين تراه صدفة معتزلاً الناس .. كأنه لا يريد أن تخطفه نظرات الأعين .. خاتم لم يره إلا من يعرفونه عن قرب .. له شكل مميز بالرمز الغريب المطبوع على وجهه .. وله بريق أخاذ يجعله أول ما يلفت انتباهك ..
لم يجاوب أحداً بمعنى الخاتم .. إلا بابتسامة تخفي وراءها الكثير والكثير من الكلمات ..
بعد هذه السنوات .. وفي السنة الأخيرة من الثانوية العامة .. انتقل هو وعائلته إلى مدينة جدة .. بعد أن توسعت تجارة والده ليصبح اسماً مهماً للغاية في الأوساط الاقتصادية كأحد أكبر الوكلاء في عالم السيارات الفارهة ..
وقد اعتبرها خطوة هامة في حياته .. فهنالك قرر أن يبدأ بتطبيق كل ما تمخضت تلك التجارب .. على أن يقوم به على مستوىً أرقى وأكثر احترافية ..
إنه الخبير .. وصدق أن هذا اللقب يليق به حقاً ..
قصي .. شاب مميز جداً في شكله .. إلى حد يجعله وسيماً وجذاباً أكثر من كونه جميلاً .. شعره الأسود الفاحم يتطاير بنعومته الطبيعية دون أن يحاول أن يكون أقرب إلى البنات كما يفعل معظم أشباه الرجال هذه الأيام ..
وعيناه البنيتان الهادئتان وابتسامته الساخرة .. تمنحك إحساساً بامتلائه القوة .. وثقة في الشخصية يتحلى بها حقاً .. وبحر من الأسرار التي لا تبدأ حتى تنتهي ..
طويل القامة باعتدال .. ويملك جسداً متناسقاً يبرز منه جسده المشدود إذ ما لبس قميصاً ضيقاً ..
يمكننا أن نقول ببساطة .. أن الله وهبه جمالاً رائعاً لم يدخره بل نماه حتى جعله فائقاً ..
صوته الأجش يضيف إلى عمره سنواتٍ كثيرة .. وكلماته الراقية .. وأسلوبه المميز .. وآراءه المحايدة الذكية اللبقة .. تترك أمامك خياراً واحداً أن تدرك أن فكره وعقله أكبر من عمره بكثير ..
لن أسهب في سرد سيرته الذاتية .. ولكني سأعرج على فصول كثيرة من حياته عندما تقتضي الحاجة ..
قد يبدو لك هذا الشاب تقليدياً .. ولربما تعرف الكثير مثله ..
ولكني حين أبداً في روايتي .. ليس ربعها ولا نصفها .. بل كلها .. ستدرك عمن أتكلم .. ستعرف من هو الخبير .. وإن كانت هذه الرواية لا تصور إلا جزءاً بسيطاً من حياته ..
لذلك قررت أن احكي لكم وأنا أحاول أن أتجنب ما لا يحق لي ذكره .. محاولاً قدر المستطاع أن أكتب بطريقة تناسب وتعطي الأحداث حقها من الوصف والتعبير ..
د.خالد أبوالشامات الفصل الأول الجزء الأول
( قصي في قرية الورود )
قرية الورود .. واحدة من أشهر الفلل المقامة على شاطئ البحر الأحمر في جدة .. أو كما يسمونها هنا (الكبائن ) ..
قرية الورود هو مكان يجتمع فيه الناس أصحاب الطبقة المخملية .. ويتسلل أصدقاؤهم من أصحاب الحال المتوسط للمشاركة في محيط بعيد عن الاحتشام بحجة الاستجمام ..
ترى الفتيات اللواتي كن يتسترن بشيء أشبه بالحجاب .. قد نزعن ما يخفي مفاتنهن .. وأبرزن بالمكاييج ملامح لا تمت لهم في الحقيقة بصلة ..
كل هذا وأكثر في مكان لا يخشى من تقاليد المجتمع .. ولا من نظرات اللائمين .. أو حتى استنكار المحافظين ..
كان ذلك يوماً رائعاً .. جو عليل .. ونسائم البحر تأخذك بعيداً هناك في الأفق .. والسماء شبه غائمة .. تنثر قطناً أبيضاً ً لتحجب به زرقة السماء في وقت العصر ..
قدم قصي .. بسيارته الل(كزس ) البيضاء الفارهة .. وعند البوابة التي وقف عليها رجل الأمن ممسكاً بجهاز اللاسلكي .. فتح النافذة وقال: نزار حسان فيلا 1082 .. ذهب الرجل وتفقد ورقة ما .. ثم أشار له بالدخول .. سار بسيارته وانعكست أشعة الشمس على سطح الزجاج اللامع حتى وصل إلى المواقف ..
أطفأ المحرك وترجل عن سيارته .. كان يلبس بنطالاً أسوداً أنيقاً .. وقميصاً أصفراً من الستان يلمع وقت اختلاجه عند هبوب الهواء .. قد فتح أول زرين فيه .. وشعره قد صفف بعناية وجمال ..
سار متوجهاً نحو فيلا ( نزار ) .. صديق الطفولة القديم من مكة .. ولعله الصديق الوحيد لقصي .. والذي يختلف كثيراً عن شخصية بطل قصتنا .. وعلى الرغم من أن الصداقة تمتد بينهما لأكثر من 15 سنة .. إلا أنه حتى نزار لا يعرف كل شيء في حياة قصي ..
وكان نزار قد دعا قصي لقضاء بضعة أيام في فلتهم في قرية الورود كعادة اعتاداها الاثنان كل إجازة حتى لو كانت قصيرة ..
ولكن قصي هنا اليوم لغرض آخر .. إنه هنا من أجل ( حنان) .. تلك الجميلة الفاتنة .. إحدى صديقات (شلة) الفتيات اللواتي يصاحبهن نزار في القرية .. التي حاول الكثير أن يلفتوا انتباهها .. إلا أنها كانت فتاة مختلفة .. حادة الذكاء .. ثقيلة جداً .. معتدة بنفسها للغاية .. وهذا النوع يروق كثيراً لقصي ..
قدم قصي .. وهو يعرف كعادته ماذا سيفعل .. أمامه هدف واضح ومحدد ..
كان نزار في انتظار قصي .. شاب نحيل نوعاً ما .. تمتلئ في وجه ( حبوب الشباب) بشعره الأجعد .. وابتسامته اللعوب .. وعيناه الكبيرتان ..
سلم قصي على نزار .. وراحا يتمشيان قليلاً وهما يتحدثان عن أحوالهما .. وعن الدراسة .. حتى نهاية الكبائن .. وفي وسط الكلام قال قصي مقاطعاً نزار : أين حنان؟ ضحك نزار بطريقة خاصة به وهو يقول : إنك لا تحب أن تضيع وقتك كثيراً ..
فابتسم قصي له وراحا يبحثان .. ولكنهما لم يجداها ..
هذا هو قصي يرى الهدف أولاً .. أما أرض الأحداث .. فهو يحفظها عن ظهر قلب .. وتحفظه الأرض عن ظهر قلب .. .. تحس به كمن يدخل معركة .. رغم أن الأمر في نظره ليس إلا تسلية .. ولكنه يتمتع في إتقان تسليته ..
يحفظه الكثير ها هنا من أصحاب الفلل .. توطد معهم بعلاقة سطحية وضع قصي حواجزها عندما كان يأتي كل مرة إلى قرية الورود .. يعرفون أنه شاب لطيف .. يحب الجميع ويقابل الناس بابتسامة .. بل ويساعد الكل دون طلب منهم .. بل ببادرة ودية .. دون أن يبالي بشكوك الآخرين أو حتى أن يخشى أن يقول له أحد ما : لم يطلب منك أحد المساعدة .. لأنه في الحقيقة .. لا يهتم .. إنه يساعد الناس لنفسه فقط .. لأجل أن يكسب احترام ذاته ..
وتعرف البنات أنه خاطف القلوب .. فهو لم يخرج في كلامه مع أي واحد منهن خارج حدود المألوف .. بل هي كلمات رقيقة اعتاد أن يوزعها على جميع الفتيات بلا استثناء ..
الكل مبهورين به .. حتى ( حنان ) .. بهرت به قبل أن تتعرف عليه .. عندما شاهدته في اليومين التي تلت حضور قصي إلى هناك .. ومن الناس الذين كانوا يتناقلون الأحاديث عنه ..
كان قصي دائماً يقول : الأسلوب المناسب .. يعلق البنت المناسبة ..
والمعنى .. أن هذه الفتاة لا تستطيع أن تجعلها تجري خلفك بمجرد كلمة أو رقم أو ابتسامة عابرة .. بل هي مغرورة بنفسها وجمالها .. وترى في نفسها نجمة لم ينجب الكون مثلها .. وأن كل الشباب يتمنون منها نظرة ( وهي نظرة سائدة لدى كثير من البنات السطحيات ) ..
لذا كان لزاماً أن يعرفها في البداية من هو قصي ؟! وأن تعرف أنه يراها كغيرها إنسانة عادية ..
وكانت هي بذلك قد وجدت فيه شيئاً مختلفاً .. لم تعرف كيف تحدده ولكنه أثار حفيظتها لأقصى حد ..
اجتمع نزار ب(شلة) البنات صديقاته .. كيف لا ونزار شخصية ظريفة للغاية؟! .. لا تجلس معه إلا وأنت تضحك .. بدمه الخفيف .. وروحه المرحة ..
كانت حنان موجودة .. فجلس الكل كمظهر حضاري وسلوك اجتماعي تشاهده بعلنية في الكبائن ..
ثم جاء قصي .. كعادته مُبهراً .. متململاً في مشيته .. ثابتاً في خطواته .. ساخراً في ابتسامته .. والشارب الرفيع يزين وجهه .. والذقن الخفيفة تعطيه شكلاً رائعاً .. حضر فتعلقت به الأنظار كلها .. حتى حنان التي تظاهرت أنها مشغولة في الكلام .. جاء قصي وسلم .. ثم وضع قدماً على أخرى بجوار نزار ..
كان الحديث يتنقل بهم من موضوع لآخر .. حتى وصل الحديث بهم إلى أغنية قديمة لكاظم الساهر .. وكان قصي يوزع الابتسامات في أناقة على الكل دون أن يشارك في الحديث .. فقال نزار : ما رأيك يا قصي في هذه الأغنية؟ وكأنما كانت هذه بداية اجتياحه الجلسة وتعلق أبصار الفتيات فيه بعذر مقبول ..
فقال قصي : كاظم مغني رائع .. لديه انتقاء في الكلمات وتوزيع في الألحان .. تعجبني فيه تلك الإيقاعات ..
فقالت إحدى الفتيات وهي تحاول أن تتجاذب معه أطراف الحديث : وما هي الأغاني التي تعجبك بشكل عام ؟ قال لها بابتسامة ساحرة : أنا أحب الأغاني الرومانسية الكلاسيكية ..
فقالت وهي تضحك : ألا ترى أنها مملة .. إنها تثير فيّ رغبةً في النعاس ..
فقال بنفس الابتسامة الساحرة : هذا رأي يحترم .. والناس أذواق .. ولكني أحس بها تدخل بكياني .. ثم إني بالتأكيد أتعلم ألحاناً أخرى ..
كانت حنان صامتة طوال الوقت لا تتكلم أبداً .. أما قصي فلم ينظر لها حتى ..
قالت إحدى البنات : ماذا تقصد بتعلم ألحان أخرى؟ فالتفت لها وقال ببساطة: أنا عازف بيانو ..
فشهق البنات وقلن لبعضهن في جذل: رائع ..
فتطلع فيهم وابتسم في سخرية وقال : هذا شيء عادي .. يمكنكم أن تروا الكثير من الناس هنا يعزفون ..
فقالت إحداهن فجأة: اعزف لنا ..
فنظر فيها للحظات بنظرة متأملة .. أحست الفتاة أن عمرها قد توقف تلك اللحظات وأنها تود لو ظل ينظر فيها العمر كله ..
فقال نزار : هيا يا قصي .. مازال ال(الأورج) الإلكتروني الخاص بك موجوداً عندي في الكبينة ..
ابتسم قصي وهو لا يزال ينظر للفتاة التي احمرت وجنتاها إلى أقصى حد وقال : ولم لا ؟ !
قام وذهب ببطء نحو الكبينة .. وبعد 10 دقائق .. كانت التوصيلات جاهزة .. وأورج من شركة ياماها اليابانية على الطاولة البيضاء البلاستيكية ..
ثم راح يضرب قليلاً على بعض المفاتيح .. وهو يغير الإعدادات ..
ثم بدأ ..
راح يعزف لحنا كلاسيكياً فائق الجمال .. والأعين به مبهورة .. واجتمع الناس .. أما هو فلم يكن ينظر لأحد .. لقد اندمج في عزفه لدرجة أنك تحس أنه والموسيقى التي يصدرها كتلة واحدة ..
وفجأة .. تحول في عزفه إلى أغنية كاظم التي كان يتكلم عنها نزار ..
وبعدها بلحظات انتقل إلى أغنية تالية .. كل هذا بدون أن تشعر انه انتقل بك من لحن سريع إلى آخر بطيء .. كان بارعاً بالفعل .. وخيم على المكان خشوع رهيب .. والناس في شفاهها ابتسامات كبيرة وهي تتطلع في هذا الفيض الموسيقي الجميل ..
وفجأة كما بدأ .. توقف .. ونظر بسخرية .. وقال : ما رأيكم؟ توقف الناس لثواني ثم صفقوا كلهم .. أما هو فابتسم لهم شاكراً لهم ..
تقدم إليه شاب فارع الطول وقال: هل تمانع لو أقمنا حفلة على المسبح؟ نحن معنا (دربكة) والبنات سوف .. .
قاطعه قصي بابتسامته المعهودة قائلاً : عفوا لا أقتنع بالحفلات الراقصة .. أنا أعزف من أجل المتعة ..
ثم نهض من هناك وقال للبنات بكلاسيكية حقيقية قلما تجد من يستخدمها اليوم دون تكلف : كانت أمسية لطيفة .. تصبحون على خير ..
فقالت إحداهن : أليس الوقت مبكراً ؟ فقال : لدي بعض الأمور أود الانتهاء منها ..
وهنا نظر إلى حنان التي كانت تنظر إليه .. وحدق فيها لثوان .. ثم ابتسم وهو يمشي .. وعبر الطرقات في هدوء وفي بساطة ..
د.خالد أبوالشامات الجزء الأول الفصل الثاني إنه الصباح حين يبدأ الناس في درة العروس بالعودة للنوم .. بعد يوم مليء بال( تفاهة) .. بنات وأولاد .. وغمزات وهمسات .. ومحاولات جريئة وأخرى خجولة .. وأحياناً وقحة للفت النظر .. والمشكلة لا شيء محدد .. فلا فتاة محددة أو شاب معين .. بل كل ما تلقي به الأقدار جيد ..
فلسفة تعدى حدود تفكيرها قصي ..
أما قصي في العادة .. فإنه لا ينام بعد طلوع الشمس .. وإنما يسير على الشاطئ .. لا لشيء .. إلا أنه بالفعل يحب أن يمشي وحده على البحر في النهار .. ويحب أحياناً أن يكتب عند الفجر ..
إنه يكتب ؟؟ نعم يكتب .. كتابات قرأت بعضها ولم أقر أكثرها ..
ولكنه في هذا اليوم مشى كثيراً .. فقد عرف أن حنان تحب الشروق كثيراً .. تحب أن تجلس على السقالة كل يوم مذ أتت ..
وبكل غرور لا ترضى بأن يكلمها أحد ..
يروق لقصي مثل هذا الصنف الواثق من البنات .. ويروق له أكثر أن يمرغ هذا الغرور في التراب ..
ذهب إلى هناك .. وتعمد ألا يلبس ما يلفت الأنظار .. إنه جينز فاتح .. وقميص أبيض .. يظهر تقاسيم عضلاته النامية ..
مشى ووضع يديه في جيبه .. يمشي الهوينى .. وينظر بقوة في البحر .. وخصلات شعره تتناثر فوق وجهه .. تنعكس أشعة الشمس على طرف عينيه ببريق حاد .. وفي لمحة تشعل عينيه ..
وصل إلى نهاية السقالة .. وشاهد حنان وهي تجلس وحدها .. بجسدها النحيل .. والبحر أمامها يملأ الأفق يكاد يجعلها تختفي .. وصوت الموج ينبعث في هدوء وأناة .. موجة تلو موجة .. تجعل الأفق لوحة تستحق أن تُرسم ..
اقترب منها وقال لها في بساطة وأريحية تعمدها بصوته الأجش: أنت بالفعل قوية !
التفتت إليه بدهشة .. لم تكن تتوقع أن تراه في هذا الوقت من الصباح .. صحيح أنها أحس بأن أمراً سيحدث خصوصاً ً بعد تلك النظرة .. ولكن على الأقل ليس سريعاً هكذا .. لم تتوقع أنها ستنال من فكره الكثير .. حتى تنهار قوة الشخصية التي كان يتقلدها بمهارة بهذه البساطة .. هي تدرك أنه على الأقل لم يبد بادرة اهتمام حتى .. ولكن معنى هذه الكلمة أنه أعجب بشخصيتها ..
نظرت إليه وحدقت في تقطيبة عينيه .. ونظراته الفاحصة الذكية .. أما قصي فتابع في بساطة : لك قوة كبيرة أن تجلسي وحدك وتمضين كل هذا الوقت ..
لقد كنت ماراً بالصدفة من هنا .. بعد أن انتهيت من كتاباتي .. فرأيتك ..
أصابتها صدمة خفيفة .. "إذن فهو لم يقصد ما كنت أظن .. بل أمر آخر .. يبدو أن قصي هذا .. هو شخص مختلف تماماً عن كل الذين عرفتهم في حياتي " ..
ولم تدرك هذه الذكية .. قوية الشخصية .. التي صدت ناساً كثر .. واغترت بنفسها .. أنها أخيراً وقعت في شرك الكلام .. وأنها أمام محنك بحق يعرف كيف يجاذب أطراف الحديث .. فقالت دون أن تشعر بعد أنه أثارها الفضول : وماذا كنت تكتب ؟ فقال وهو ينظر إلى الجهة الأخرى .. وصوت الأمواج التي صارت تقبل صخور الشاطيء بعنف .. ورياح البحر تحرك شعره الناعم يمنة ويسرة : مقالات .. آراء في الحياة .. أفكار ..
قالت : مثل ماذا ؟ تمهل قليلاً : ثم أخرج يديه من جيبه وقال بابتسامة تخفي غامضة :
تعلمين .. لا أحب عادة أن اطلع أحداً على ما اكتب ..
أحست .. أنها ترمي نفسه عليها .. وأنها هي التي صارت تتجاذب أطراف الحديث معه .. وليس هو .. وشعرت أنها لا بد أن تفقد سيطرتها على الأمور .. لم تحس أنها هذه المرة مرتبكة ؟ !
فقالت وهي تظهر الامبالاة : أنت حر ..
فنظر فيها .. وابتسم ابتسامته الساخرة .. ونظر لها متفحصاً لأول مرة عن كثب ..
حنان فتاة نحيلة .. ملامحها دقيقة جداً .. ولكنها تقاطيع حلوة .. وابتسامة تجعل الحياة أخصب .. ولها صوت ناعم خلاب .. تحس به ماءاً زلالاً ينزل في أودية روحك ليملأها .. ومن خلال شبه طرحتها البيضاء المخرمة تلمع خصلات شعرها المصبوغ باللون الأشقر الذهبي البديع ..
وبشرة برونزية تعكس أشعة الشمس من عليها .. و
تحياتي