- عنف أسري
- الابنة تزوجت في السر
- هربت من التحرش
- سوء المعاملة وتشدد الأسرة
- هروب داخل المنزل
- انعدام التواصل بين أفراد الأسرة
- فرصة للتعبير عن المشاعر
- تراخي الوعى والإرادة
- الاعتدال في أساليب التربية
فتاة دفعها العنف الأسري إلى الهروب مع شاب يسكن في المنزل المقابل، بعد أن أمطرها بكلماته المعسولة، وظنت أنها ستجد على يديه الخلاص، ولكنها أفاقت ووجدت نفسها في قبضة لص يرغب في استغلالها بالعمل في الدعارة، فتاة أخرى عانت من تحرش أخيها بها، وعندما عرف الأب لم يكترث وكذبها، فهربت من المنزل، ولجأت إلى صديقة لها تتعاطى المخدرات، وكانت نهايتها دار رعاية الفتيات، فتاة ثالثة أدمنت الهروب على مدى أربعة أعوام، وفي كل مرة يتم القبض عليها وإعادتها إلى أسرتها، فتهرب من جديد، بعد أن وجدت في الهرب ملاذا من المشكلات التي تراها في الأسرة، هذه نماذج من حالات هروب الفتيات من أسرهن، والتي تعد ظاهرة قائمة في المجتمعات العربية.
وقصص هروب الفتيات كثيرة، وقد يترافق بعضها مع تفاصيل مأساوية، قد يكون فيها التسول أو السرقة أو الانحراف أو التشرد، وقد تصل إلى القتل أو الانتحار، ولعل الدليل على خطورة هذه الظاهرة الدراسات المختلفة، والتي تؤكد أن هروب الفتاة يكون عادة بداية للعديد من الجرائم والانحرافات الاجتماعية.
"الوطن" طرحت القضية وناقشت أبعادها المختلفة..
عنف أسري
م.ع خرجت منذ شهرين من دار الفتيات في عسير، وتم تزويجها بعد خروجها بأسبوعين من طاعن في السبعين من عمره متزوج مرتين، مع أنها لا تتجاوز 19 سنة، ووراء ذلك قصة.
وتبرر الفتاة م.ع هربها قائلة "لم أستطع تحمل جو البيت المشحون بالمشاكل، فمنذ وعيت على الدنيا رأيت والدي يضرب أمي بعنف، ولا يتركها إلا بعد أن يحدث تشوهات في جسدها، وانتقل العنف إلى إخوتي، وأصبح الضرب اللغة الوحيدة بينهم، وأبي يتفرج عليهم فرحا بهم، حتى وجدت نفسي أمارس نفس طريقة العنف، ناهيك عن بخل أبي الشديد، وتقتيره علينا، تركت المدرسة في المرحلة المتوسطة، لأنني لم أكن في حالة نفسية مستقرة، وعانيت من العنف والبخل والحبس في البيت".
وتضيف "في ظل تلك الأجواء غير السوية تعرفت على ف. س عن طريق النافذة، حيث كنت أقف خلسة أمامها، وبدأ يلوح لي، ثم أخبرني برقم جواله، واتصلت به مرات قليلة، واتفقت معه على الهرب، واعتقدت في البداية أنه سيخلصني من العذاب، لكنه كان يخطط لإيقاعي في عذاب أكبر، فقد كان لصا، ومطلوبا من الشرطة، والأدهى أنه كان يريد لي أن أعمل في أحد بيوت الدعارة، تحملته على مضض لفترة، وخططت للهرب منه، ولكنه اكتشف اعتزامي الهروب، فحبسني في غرفة صغيرة، وأغلقها بالمفتاح، ولكن تم القبض عليه، وزج في السجن لسرقته سيارة، وبقيت أسبوعا كاملا في الغرفة دون طعام، وفجأة رأيت رجال الشرطة يقتحمون المكان، وعرفت بعدها أنه هو من أخبرهم بأمري، وحققوا معي، ثم أرسلوني إلى دار الفتيات، مكثت فيها سنتين، ورفض أبي اصطحابي إلى المنزل، لكن الدار كانت أرحم لي من بيتنا، ففيها كنت أجد طلباتي، وتم تأهيلنا نفسيا".
تقول م.ع "أنا فعلا نادمة على خطئي، لكنه حصل، وزواجي من المسن قد يكون حلا لمشكلتي، لكن لا أدري إلى ماذا يأخذني هذا الحل؟ لكني مقتنعة أنه أفضل ولو مؤقتا من جبروت أبي الذي كان سيقتلني، لولا تدخل بعض الأشخاص، وتدبيرهم لزواجي فور خروجي من الدار".
تقول والدتها س "سببت لنا ابنتي الخزي والعار، بعد أن هربت مع أحد الشباب، ورفض أبوها تسلمها من دار الرعاية، وهدد بقتلها إن رآها أمامه، بعد أن مكثت في الدار سنتين، قمت أنا وابنتي الكبيرة المتزوجة وبمساعدة زوجها بالبحث عن عريس لها حتى لو كان كهلا لنداري الفضيحة، ونخفيها عن أنظار والدها، فأنا لا أريده أن يخسر حياته من أجلها".
وأضافت الأم أن العريس الكهل لم يعلم بقصتها مع الشاب الذي هربت معه، حيث لم تطلعه على الأمر، فهو من منطقة بعيدة، مشيرة إلى أن زوج ابنتها أحضر العريس بعد أن أخبره أنها تزوجت من شاب منحرف، وأنها لم تمكث معه سوى شهرين، وقامت الأم بإتمام الزواج بسرعة حتى لا يكتشف الأمر، وعن إمكانية مسامحتها لها تقول الأم "ما فعلته ابنتي من الصعب أن ينسى في فترة بسيطة، ولن أنسى مادامت نظرات الناس تذكرني بها".
الابنة تزوجت في السر
أبو أحمد مقيم يعمل في السعودية جاءه ذات يوم اتصال مزعج من بلده قلب موازين حياته، حيث قال المتصل (ابنتك هربت من البيت، وتزوجت زميلها في الجامعة زواجا عرفيا) يقول أبوأحمد "لم أصدق أن ابنتي الطالبة في كلية الآداب تقدم على هذا العمل المشين الذي نكس رأسنا في الأرض، عندما أخبرتني أمها بالكارثة سافرت إلى بلدي لأرى المصيبة، وتكاتف جميع أفراد العائلة لإيجاد ابنتي لمداراة الفضيحة دون تدخل الشرطة، وبسبب انقطاعها عن الجامعة عثرنا عليها بصعوبة في إحدى الشقق المفروشة".
ويضيف "هجمت عليها كالمجنون، وضربتها ضربا مبرحا، سيترك آثاره على جسمها مدى حياتها ليذكرها بفعلتها المشينة، وكانت ستموت بين يدي، لولا أن أقاربي خلصوها مني".
ويضيف الأب بأسى "بعد ذلك قررنا أن نعلن زواجها رسميا وفي المحكمة، وأوهمنا الجميع أنه زواج جديد، وأقمنا حفل زفاف، وجهزنا شقة لهما، وكل تلك التكاليف كانت على نفقتي، لأن زوجها مازال طالبا يأخذ المصروف من والده".
ويؤكد أبو أحمد أن زواج ابنته لن يستمر طويلا، ويلوم ابنته كل يوم عن ما قامت به، فقد تغرب ليعمل، ويوفر لها ولإخوتها أفضل حياة، لكنها كافأته بعمل مخزِ، مشيرا إلى أن غيابه عنهم وسفره ليس مبررا لفعلتها، فكثير من الآباء يتغربون عن أولادهم، ولا يفعلون فعلتها.
هربت من التحرش
أما هجري فلم تهرب طمعًا في المال أو استجابة لغرائزها؛ فقد هربت لأنها لم تَعُد تحتمل تحرشات أخيها المتكررة بها، وكان يهددها دائمًا بقتل نفسه إذا أخبرت والدها، ونظرا لأن الأم توفيت منذ عشر سنوات، كانت تشكوه لأختها الكبرى، فأخبرت الأخت الوالد، لكنه كذب ابنته، وعندما تكرر الاعتداء عليها قررت الفتاة أن تهرب إلى بيت خالها، معتقدة أن ذلك أكثر أمانًا، ولكنها عادت بعد فترة إلى بيت أبيها، وعاد تكرار الاعتداء عليها من قبل أخيها.
قررت هجري أن تلجأ إلى صديقتها التي تتعاطى المخدرات، فضبطت معها، وبعد إجراءات قانونية طويلة أرسلت إلى دار رعاية الفتيات، وهي حاليا لا تريد العودة إلى أهلها، أو الخروج من أسوار الدار، لخوفها من الرجال.
الجوهرة فتاة تبلغ من العمر 16 عاما تقول إنها شعرت بأن شيئا في داخلها يدفعها إلى التمرد على حياتها، بعد أن عانت مع إخوانها وأخواتها من سوء معاملة والدها لها ولوالدتها، ومن المشاكل المتزايدة من والدها المدمن، فقررت الهروب من المنزل تقول "قضيت خارج المنزل أكثر من ثلاث ليال مع أحد الشباب في شقة، وكانت تجربة مريرة قضيت أوقاتا طويلة أؤنب نفسي عليها، وتم القبض علينا في النهاية".
أما هديل (18سنة) فقد كانت بداية انحرافها انفصال والديها، وزواج الأب بأخرى والأم بغير والدها، وعاشت هديل مع جدتها، ولكنها كانت كبيرة في السن ومتشددة، فقررت في أحد الأيام أنها لن تعود إلى البيت، واتفقت مع إحدى صديقاتها على الهرب مع بعض الشباب، وبعد فترة وجيزة أصبحت القصة معروفة على كل لسان، وبعد مرور شهر ألقي القبض عليها وعلى صديقتها برفقة مجموعة من الشباب، وأودعت في مؤسسة رعاية الفتيات.
وتروي هند سبب هروبها وتقول "سبب تشردي يعود إلى زوجة الأب ومعاملتها القاسية، فهي لا تحبنا، وأخذت تبعد اهتمام والدنا عنا، فكان من فرط ذلك يتركنا ننام خارج المنزل، ولا يعرف شيئا عن حالنا، فأصبحت أكره البيت، وذهبت في طريق غير سوي علني أنسى الألم.
فتاة أخرى تهرب من أسرتها منذ أربع سنوات، وفي كل مرة تتم إعادتها للأسرة، فتعود للهروب، والسبب كما قالت وجود مشاكل أخلاقية من الأم والأب كبير في السن، فأدمنت الفتاة على الهروب، بل ووجدت فيه ملاذا من المشكلات التي تراها في الأسرة.
سوء المعاملة وتشدد الأسرة
ويرى مدير شرطة خميس مشيط العميد عوض السرحاني أن من أهم أسباب هروب الفتيات قلة الوازع الديني، والبعد عن الله، إضافة إلى الضغوط الأسرية والمنزلية على الفتيات والأبناء، مما يوصلهم إلى هذه المرحلة.
وأبان أن رفض الأهل لزواج الابنة، أو وجود مشاكل في الأسرة تجعل العديد من الفتيات يفكرن في الهروب من المنزل، مشيرا إلى أن في معظم حالات الهروب تتراوح أعمار الفتيات بين عمر 18 إلى 24 سنة وهذه السن التي تكون فيها الفتاة في حالة انفتاح ونضج، فترتطم بسوء المعاملة، والتشدد من الأسرة.
وقال العميد السرحاني إنه يجب على الأسرة استيعاب أبناءها، وعدم البعد عنهم والتسلط عليهم، مما يؤدي إلى نتائج سلبية على الأسرة وعلى المجتمع بأسرة، مبينا أن الظروف الاقتصادية تلعب دورا كبيرا في مشكلة هروب الفتيات اللائي تطمح كل منهن لتحقيق أحلامها، دون النظر إلى سبل تحقيقها، كما أن وسائل الإعلام والفضائيات تقدم نماذج للحرية في مجتمع الشابات، مما يحفزهن على الهروب.
وطالب الأسرة بأن تقوم بدورها المأمول منها في تربية الأبناء، وتفهم متطلباتهم وربطهم بالله وبالعبادة، وإبعادهم عن المشكلات، إضافة إلى وجود مشكلات الإدمان في بعض الأسر، والتي يكون لها دور سلبي على هروب الأبناء والبنات، بعد أن تعصف بالأسرة مشكلات اقتصادية واجتماعية.
وتشكك الاختصاصية الاجتماعية منى خلف بدقة الأرقام والإحصائيات الموجودة في أي بلد عربي، والتي تتعلق بحقيقة إحصائيات هروب الفتيات وحجم الأفعال المخلة بالأخلاق والآداب العامة التي يرتكبها الأحداث؛ والسبب كما تقول إن معظم أهالي الهاربات والضحايا المعتدى عليهن لا يتقدمون بشكاوى إلى الجهات الرسمية المختصة، وذلك خشية الفضيحة التي يتجاوز ضررها المعنوي الضرر المادي الذي حاق بهن، مشيرة إلى أن الإحصائيات الرسمية رغم عدم دقتها قد تكون مؤشرات ذات دلالة، على انتشار ظاهرة الهروب في البلاد العربية.
هروب داخل المنزل
وحذرت خلف من ظاهرة أسمتها الهروب داخل المنزل قائلة "الآباء والأمهات لا يشعرون حقًّا بهروب بناتهن، إلا إذا اكتشفوا أنهن فارقن المنزل دون عودة، وقد لا يعرف البعض أن هناك بعض الفتيات يهربن داخل المنزل؛ حيث يجعلن لأنفسهن عالمًا آخر من خلال الأحاديث التليفونية أو المحادثة عبر الإنترنت والشات التي يمكنهن من خلالها تبادل الحوارات والهموم، بل العواطف أيضًا مع الشباب، وتمتد هذه الأحاديث لفترات طويلة، فتسرق الوقت، وتملأ عقول الفتيات ووجدانهن بما لا يتصور الآباء، فالآباء والأمهات يطمئنون، بل يفتخرون بأن أبناءهم وبناتهن يسايرون العصر، ويقضون أوقاتهم أمام شاشة الكمبيوتر، وأنهم ليسوا ممن يضيعون أوقاتهم في الأندية أو التنزه، في حين أن الواقع شيء آخر".
وتضيف خلف "في حالات كثيرة لا تستيقظ الأسرة إلا بعد وقوع الكارثة، وانكشاف المستور، فيفيق الأب والأم على حلم مزعج، هو أن ابنتهم قد تزوجت عرفيًّا من شاب لا يعرفونه، أو تزوجت زواجًا سليمًا على يد مأذون، لكنه زواج سري لا يعرفه سوى أصدقاء وصديقات الزوجين، كل هذا والفتاة تعيش في بيت أهلها بشكل طبيعي، تخرج صباحًا إلى المدرسة أو الجامعة، وتعود بعد انتهاء اليوم الدراسي، وهي في الحقيقة تذهب إلى شقة الزوجية المؤقتة، وتعود لمنزلها بعد ذلك، ولا ينكشف الأمر إلا عندما تظهر على الفتاة علامات الحمل، فإما تتجه للإجهاض أو تصارح أهلها بالحقيقة، وهنا لا يصبح أمام الأهل سوى حلين لا ثالث لهما، الأول هو إجهاض هذا الحمل، والتخلص من هذا الزواج، أو أن يرضوا بالأمر الواقع، ويتحول الزواج العرفي أو السري إلى زواج معلن، وإن كانت بعض العائلات تطبق قانونًا آخر هو التخلص من الفتاة إلى الأبد".
انعدام التواصل بين أفراد الأسرة
وأرجعت الاختصاصية الاجتماعية بمستشفى الصحة النفسية بأبها لطفية أحمد سلمان سبب هروب الفتيات من منازلهن إلى عدم فهم الأسرة لحاجات الفتاة من العطف والحب والانتماء، وكذلك انعدام التواصل العاطفي بين أفراد الأسرة، مما يؤدي بالفتاة إلى التفكير بالمناخ العاطفي خارج المنزل، تقول "ليس بالضرورة أن تهرب الفتاة من المنزل بقصد إيجاد علاقات غير شريفة، فقد تهرب الفتاة نتيجة ضغوط داخل الأسرة، وبالتالي يجعلها عرضة لهذه العلاقة المشبوهة"، مشيرة إلى أن من أهم أسباب هروب الفتيات ضعف الرقابة الأسرية على الفتاة، أو إعطاؤها الثقة الزائدة.
وذكرت سلمان أن من الأسباب التي تدفع الفتيات للهروب قلة الوازع الديني والضغوط على تلك الفتاة الهاربة، والتقليد الأعمى لوسائل الإعلام الهابطة، وتزايد حالات العنف الأسري، وضعف العلاقات الاجتماعية بشكل يهدد مشاعر الأمن، ويستحث مشاعر الإحباط، وقد يكون سبب الشعور الحرمان العاطفي لدى الفتيات والتفرقة والتفضيل والتمييز بين الأولاد في المعاملة، كالتفرقة بين الذكر والأنثى، أو التفرقة بترتيب الميلاد، أو تفضيل أولاد إحدى الزوجات على أولاد الأخرى، أو وجود اضطراب وخلل في المناخ الأسري عند الفتيات غير المتزوجات.
وعن الحلول قالت سلمان "هنالك عدة مؤسسات اجتماعية مطالبة بالتدخل للحد من هذه المشكلة، ومنها المدارس والجامعات والكليات من خلال برامجها التعليمية والثقافية، والتركيز على المشكلات التي تواجه الفتاة، وكيف يمكن للفتاة أن تواجه تلك المشكلات، وكيف يمكنها أن تشعر بالثقة في نفسها، وهنالك أيضاً دور الجمعيات الخيرية في معالجة مشكلة الفقر ودعم الشباب، والحد من العنوسة، وتقديم المساعدات للراغبين في الزواج، وذلك لا يحصل إلا بدعم أصحاب الأموال، مع العمل على توعية الأسرة بأساليب التربية الصحيحة من خلال وسائل الإعلام والتي تلعب دوراً أساسياً في الحد من هذه المشكلة، وتقديم برامج تحتضن الشاب والفتاة اجتماعياً وثقافياً، وإعطاء الشباب الفرصة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم وتطلعاتهم في وسائل الإعلام، في حدود قيم وثقافة المجتمع.
فرصة للتعبير عن المشاعر
وتقول أستاذة علم النفس في جامعة الملك عبدالعزيز سابقا الدكتورة بلقيس الشريف "تطلعنا الصحف المحلية على حالات متزايدة من هروب فتيات، يعانين من مشاكل نفسية وكبت عاطفي، وقد يلجأن لعلاقات خاطئة لإشباع هذا الكبت، أو للانتقام من أسرهن، لما تفرضه من سيطرة ذكورية عليهن، فلا يجدن الحنان في منازلهن، بل يعانين من العنف الأسري، كما لا يجدن العطف في مدارسهن، فيبحثن عنه خارجها، وينخدعن بمعسول الكلام والوعود الواهية ".
وتضيف "لا بد من إعطاء الفتيات فرصة التعبير عن مشاعرهن، واتخاذ خطوة إيجابية لاتخاذ القرار، وعلينا إنشاء مراكز لعلاج التفكك الأسري، والتواصل مع الآباء والأمهات، وتعريفهم بأساليب التربية الحديثة، فالطريقة التي تربوا عليها لا تصلح مع أبنائهم، وإنشاء مؤسسات تحمي الفتيات من العنف الأسري خاصة في حالة طلاق الوالدين، وزواجهما مرة أخرى أو في وفاة أحدهما"، مشيرة إلى احتمال تحول الهروب إلى انتحار بما يعتريه من شعور بالاكتئاب النفسي الشديد، خاصة في حالة الفتاة الهاربة، حيث تجد في الانتحار وسيلة للتخلص من الاضطرابات النفسية.
تراخي الوعى والإرادة
وترى المستشارة النفسية والاجتماعية بكلية دار الحكمة الدكتورة فوزية اشماخ أن أهم منطلق في موضوع التربية والتنشئة السوية هو دور الأسرة، وخصوصا الأم التي تستطيع أكثر من غيرها تربية الأبناء على الانضباط والالتزام، مشيرة إلى وجود حالة من تراخي الوعي والإرادة التي تسود بعض المجتمعات، وهذا التراخي بحد ذاته يعتبر ظاهرة مقلقة، فلابد من حلول جذرية، وهذه المشكلة لا يمكن حلها بالوعظ والإرشاد، كما أنها لا تحل بالنظم والقوانين فالمطلوب تصحيح الوعي عند الجيل المسؤول جيل الآباء.
وعن الأسباب التي تقف وراء هذه ا لظاهرة قالت الدكتورة أشماخ "هناك عدة أسباب أهمها يعود إلى التفكك الأسري، وانهيار الأسرة، من خلال سوء معاملة الآباء أو الأبناء، سواء بالتدليل الزائد أو العنف، أو عدم المساواة بين الأبناء.، وانعدام التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة، وبين الأسرة والفتاة، وذلك بسبب المشاكل الأسرية، أيضاً التربية الصارمة التي ينتهجها كل من الوالدين أو أحدهما كالاعتداء اللفظي بكثرة التوبيخ أو البدني بالضرب، ومن الأسباب أيضاً رفيقات السوء"، مشيرة إلى أهمية الاعتدال في التربية وعدم التفرقة بين الأبناء.
الاعتدال في أساليب التربية
وشددت الدكتورة اشماخ على أهمية التواصل الإيجابي، والإرشاد بطريقة غير مباشرة، وعدم التفرقة بين الأبناء، ومنحهم الإشباع العاطفي والرعاية، والاعتدال في أساليب التربية دون إفراط أو تفريط، تقول " قد تأتي الضغوط على الفتاة، حيث تعيش تحت وطأة جملة من الضوابط والضغوط المتراكمة منذ ولادتها إلى أن تصبح شابة، حيث ترد ظاهرة الهروب في مرحلة الشباب إلى كونها تتميز بالاندفاع والحيوية والطموح ورفض القيود، لذا فإن الفتاة تعيش حياة حالمة إلى أن تصطدم بالمجتمع البعيد عما تحلم به، وتكون النتيجة إما أن تعيش في عزلة على ذاتها، أو تنجرف بأشكال مختلفة من الهروب النفسي".
وتشير إلى أن ذلك يحدث عندما تكون العلاقة بين الفتاة وبين أسرتها غير متوافقة لعدة أسباب منها تدني المستوى التعليمي لدى الأسرة، وسيادة التفكير القائل إن الفتاة لها دور معين لا يجوز تجاوزه، في حين تكشف وسائل الإعلام واقع مجتمعات أخرى تقوم فيها الفتاة بأدوار مختلفة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، مما يدفع الفتاة إلى التمرد.
وطالبت الدكتورة اشماخ بالعمل على تأهيل الفتيات، وتثقيف الأسر حول كيفية التعامل مع الفتيات وطرق التعامل معهن، وإيضاح أهمية توفير البيئة النفسية والاجتماعية لكافة الأفراد، مع أهمية الدعم من مؤسسات المجتمع.
المصدر
الجمعة 26 شوال 1427ه الموافق 17 نوفمبر 2006م العدد (2240) السنة السابعة
جريدة الوطن