السلام عليكم..
عضوه جديده معكم هنا واول موضوع لي بالمنتدى هو قصه من كتابتي
اتمنى تعجبكم..
كان المطر يتساقط..
لا اعلم لماذا دائما اشعر أن أي يوم ماطر هو يوم خاص بوضع النقاط على الحروف، ربما لأنه يمكنني بعد أن ينحسر المطر وتنقشع الغيوم أن ابدأ بداية جديدة..
رفعت عيني عن ابني الذي يتناول البيتزا إلى يميني لأحدق في الشارع الذي يشح بالمارة عبر النافذة الزجاجية..
ربما أنا أريد فقط أن احُمّل تلك القطرات المتساقطة من السماء تبعات المسئوليات التي احملها على عاتقي وبكل دكتاتوريه، ولكي أتخلى في النهاية عن كل ما يضايقني في بقع الماء الراكدة التي حتى وان تجاسرت في أحلامها لن تعانق إلا الطين المتشبث بأحذية المارة!!
"بابا"
كان مصطفى ذو الخمس سنوات قد مال بجسده إلى الأمام ليمد إلي قطعة بيتزا..
"شكرا بابا لكنني لا اشعر بالجوع"
رص عينيه وهو يقول:
"لكنك أخبرتني أن البقاء بمعدة فارغة ضار بينما أنت تكتفي بشرب الشاي فقط"
أخذت أحدق في مكعب السكر وهو يتحلل في قعر الكوب قبل ابتسم وأنا اربت على رأسه:
"سوف أتناول طعامي فيما بعد، انهي طعامك كي نعود إلى اللعب مرة أخرى"
رفع عينيه بحماس نحو الألعاب التي تملأ مدينة الملاهي والتي تعج بالضحكات بنفس القدر الذي تزدحم فيه بالهموم..
ارتشفت من الشاي المر، لم يكن يكفيني مكعب سكر واحد... أبدا لم يكن يكفي!
لا اعلم هل اخترت أنا هذا المكان أم هو اختارني؟، أنا فقط أردت أن أبوح لابني بما لم استطع أن احمل نفسي على النطق به في الأيام المشرقة التي مضت!
أردت أن اهبره بأنني قررت الزواج بعد أربع سنوات قضيناها وعائلتنا تتكون من شخصين فقط.. أنا وهو..
عندما توفيت زوجتي في حادث نجوت أنا لأعيش أياما أنهكتها أعشاش العنكبوت.. أعيتها تكتكة الساعة.. صخب الوحدة أصم أذانها.. ليتراكم عليها غبار لم ولن تنجح السنون في إزالته.. فقد ضقت ذرعا بأشباحك التي تطاردها عيناي طوال الوقت..
ربما لم أكن وحدي فقد كان معي ابني الذي بالكاد بلغ عامه الأول لكن ذلك لم يساعدني كثيرا.. فقد كان كالصورة الناطقة لزوجتي، نظرة واحدة مني إليه كانت كافية كي تخرج ما كنت أحاول إخفائه في أغور واعتم دهاليز ذاكرتي لتنشرها على سطح ساعاتي معلقة إياها بالدقائق التي تأبى أن تنقضي..
كان ذلك مرهقا..
أن اسهر الليالي في مرضه معلقا عينيّ في محياه أحدق في ذكريات لا أستطيع الهرب منها..
أراقبه وهو يلعب بينما اقبع أنا في سجن وضعتني يا زوجتي فيه برحيلك..
كان ذلك صعبا حتى بت أكرهك يا من لم استطع نسيانك..
ربما لن أستطيع نسيانك حتى لو تزوجت بأخرى لكنني سئمت الوحشة، فقد أصبحت امقت الشاي الذي اشربه لوحدي دون أن يشاركني فيه احد..
تخمرت هذه فكرة الزواج في عقلي دون أن يصلها ضوء الشمس لفترة، أنا اعلم أن هذا في مصلحة مصطفى لكن ربما يكون من الصعب عليه تقبل تغير وضع عايشناه لأربعة سنين!
مر بجوارنا طفلة تطلب من أمها بدلال أن تشتري لها بالونا.. أخذت أراقب مصطفى بعينه اللتان تلاحقانهما.. أعاد عينيه إلي في عجل وهو يسأل:
"بابا.. ما معنى أن تكون لديك أم؟"
اعتصر قبلي المجنون بينما ابتلعت غصتي في صمت.. لم تكن تلك المرة الأولى التي يسألني فيها هذا السؤال لكن قلبي يأبى إلا أن يرتجف بحماقة وفي كل مرة!
فتحت الزر الأول لثوبي علّني بذلك احصل على الأكسجين الذي تاه مني..
"هل ترغب بأن يكون لديك أم؟"
اتسعت ابتسامة وهز رأسه دون أن ينبس ببنت شفه..
"بابا مصطفى ما رأيك لو تزوج والدك أُمّا لك؟"
صاح بسعادة:
"هل تعني ذلك؟... هل تقصد ذلك حقا؟... أن يكون لدي أم هو شيء لطالما تمنيته وبحثت عنه"
تساقطت أوراق التقويم السنوي وبكى زماني كما لم يبكي من قبل..
رثتني شمس لينعاني ليل يأبى أن يتركني في حالي كي يرسم لحظات خطط لها بكل إتقان ويرغمني على عيشها..
"لماذا؟"
"لأنها ستكون معي عندما تضطر أنت إلى العمل.. ستطهو لي طعامي وتساعدني على تناوله.. ستستذكر لي دروسي عندما اذهب إلى المدرسة وستحكي لي حكاية قبل النوم"
ارتشفت من الشاي المر البارد قبل أن اسأل:
"بني مصطفى.. الم تسمع بقصة بياض الثلج؟"
"نعم.. سمعت بتلك الفتاة التي هربت من زوجة أبيها لتعيش مع الأقزام السبعة"
"أنت تعلم أنها هربت من المنزل لأن زوجة والدها كانت شخصا شريرا؟"
"لكنك قلت لي أن التحدث مع الغرباء شيء سيء وأن مغادرة المنزل دون إذن شيء غير مسموح.. أما بياض الثلج فقد تركت المنزل لتعيش مع غرباء، لذا اعتقد أنها تستحق غضب زوجة والدها عليها"
"أتعتقد هذا حقا؟"
"اعتقد أن زوجة الأب مظلومة في هذه الحكاية"
"هذا يعني انك ستقبل أن أتزوج بأخرى؟"
"سيكون ذلك شيئا جيدا"
الصراخ والبكاء.. لا ارغب بأن تستبدل امرأة ما مكان أمي..لا أريدها لأنها بالتأكيد ستضربني وتعاقبني كثيرا..
لقد توقعت كل هذا لكن أيا من ذلك لم تكن ردة فعله..
اعتقد أنني محدود التفكير أكثر من طفلي.. كنت يوما مثله لكن الأيام تمر لتبني حواجزاً وجدرانا حول عقلي لم اعلم يوما انه من الممكن أن توجد مثلها..
فقد ترددت مليون مره قبل أن أخطو خطوة كان ولدي مستعدا لها في لحظات!
متى كان ذلك؟
أنا كنت طفلا يوما ما لكن يا ترى متى غيرني الزمن؟ متى فقدت القدرة على التقدم إلى الأمام بسهولة؟
كف كان ذلك وعلى يد من؟
متى علمت انه ليس بإمكاني تسلق قوس قزح ، أن تغفو عيناي على إحدى الغيمات لهو شيء مستحيل؟ وأن التفكير في أن تكون لدي أجنحة أخترق بها الهواء لهو ضرب من الجنون؟!
متى تخليت عن جنوني الرائع الذي كان ملكا لي يوما؟!
غادرت الطاولة وكوب الشاي المر مع مصطفى الذي يقفز صائحا:
"هيا بنا بابا إلى سباق السيارات"
بالطريقة التي قيدتُ أنا ذراعي بها، كممت فوهي وختمت عينيّ فيها وبكامل إرادتي خسرتُ السباق مع حياتي منذ زمن..
رفعت مصطفى الذي غفي في طريق العودة إلى المنزل لأضعه في السرير ، وقفت أحدق فيه وأنا أتمتم لنفسي..
نعم.. لا زال بإمكاني البدء من جديد..
انتظر رأيكم الصريح