- على الفستان، إلا أنها لم تكن حمراء بقدر ما كانت وردية اللون.
بسم الله الحمن الرحيم
هاذي قصة مره رهييبه لكاتبه عراقيه لكن للاسف نسيت اسمها وهي كاتبه مشهوره
اتركم مع القصة وان شالله تعجبكم
أشهد أنك عذراء
الفصل الأول
دارت السنة النسوة في أفواههن مثل الرحى وهن يطلقن الزغاريد بنسق تصاعدي والتي تسمع كالعويل وعيونهن
متوجهة صوب الباب الخشبي المغلق على العروسين في مشهد خرافي ذي طابع غرائبي لطقس الزفاف وعرابات
الزفاف يترقبن اللحظة الحاسمة للختم الذكوري في طقس اختبار شرف العروس عبر قطرات دم لإعلان النقطة
الفاصلة بين العفة والدنس للعروس وخيط رفيع يفصل بين الموت والحياة وعرابات الزفاف يطرقن الباب بقبضاتهن
وكأنهن عطاشى للدم المسفوح. أطبقت غالية كفيها على أذنيها لتحجب وقع أصواتهن المخيفة، أصوات تجتاح
خلجات نفسها كالزلازل والبراكين الثائرة. العرابات يستعجلن العريس ليناولهن دليل الشرف والعفة راية الانتصار
المتمثلة بقطرات دم منقوعٍ على منديل أبيض الذي لا يتجاوز طوله المتر الواحد كدليل يرمز إلى العفة ولم يتوقف
الطرق على باب العروسين وإن تأخر العريس ولم يستجيب لطلبهن سيكسرن عليه الباب.. توارثت النسوة هذه العادة
في طقس الزفاف جيلاً بعد جيل ومن المتعارف عليه تكون هنالك عرابة زفاف واحدة لتقوم بهذه المهام إلا أن
توافد النساء وتجمهرهن، بعدئذ تتحول كل النساء إلى عرابات ويشكلن فوجاً تعتريه الفوضى واللامبالاة ويتلذذن
التمعن بلون الدم، تجاهد كل واحدة منهن للانقضاض على منديل العفة والإمساك به وكأنهن يتبركن بلمسته لإكمال
الطقس بكل أبجدياته بوضع المنديل المخضب بدم العفة فوق صينية ويرقصن ابتهاجا بهذا الانتصار، ثم يتجولن به
علناً أمام مرأى السمع والبصر في تظاهرة وسط الشوارع.
بدأت غالية تمشي ذهاباًُ وإياباً في غرفتها الصغيرة تارة تعض شفتيها وتارة أخرى تقضم أظافرها القصيرة
جداً والعرق يتصبب من جبينها ويداها ترتجفان، تتمتم بكلمات غيَر مفهومة. تحدث نفسها متسائلةً متوسلةً وكأنها
هي العروس. أسرعت إلى زاوية الغرفة وجلست ترتعد من الخوف والبرد، منكمشة، تحاول أن تهدئ من روعها من
هول طقس الزفاف الخرافي طالبة الدفء لتدثر جسمها معانقة ذراعيها أمام صدرها. منظرها يثير الشفقة وكأن
قافلة نسيتها في صحراء مقفرة، كئيبة، قاسية وتركتها وحيدة غريبة فريسة لوحوشها ووحشتها. وضعت غالية
أذنيها على الجدار الذي يفصلها عن غرفة أختها، فسمعت صراخها. إنها تقاوم عراكا والعريس يحاول تهدئتها
بعصبية وغضب لمقاومتها. فانتاب غالية الذعر ثم وقفت في مكانها وبدأت تصرخ وتقول لنفسها: الليلة ليلة زفاف
أختي وغدا ستكون ليلتي. فمن أين سآتي بالدم؟ كيف سأتدبر أمري؟ عندما غسلت أختي من أبي تلك البقعة
الصغيرة من الدم التي كانت بلباسي الداخلي، هددتني ألا أخبر أحدا بذلك لأنه سر خطير. فدفنت سري في قبر
منسي بقرار عقلي، وأقسمت ألا أبوح به لأحد لكي لا ينتهي بي المطاف إلى عالم الأموات. مازالت غالية تحدث
نفسها حين سمعت صرخة وجع وألم، وفجأة توقف ذلك الضجيج والصراخ والطرق على الباب. وما هي إلا لحظات
حتى انطلقت الزغاريد والغناء. أسرعت إلى باب غرفتها ترقب الأحداث من ثقبه، فرأت عريس أختها يمد قطعة
ثوب بيضاء ملطخة بالدم لواحدة من أولئك النساء. كان العرق يتصبب من سحنة وجهه وكأنه كان يصارع ماردا أو
كان يقاتل في ساحة معركة. شعرت غالية بماء ساخن ينزل من بين فخذيها حتى أخمص قدميها، لكنها لم تبالي،
فقد تعودت على نزوله كلما انتابها الخوف ... انتظرت حتى اختفت عرابات الزفاف من قرب غرفتها وغرفة أختها.
تسللت إلى الحمام لتستحم بالماء البارد لعلها تستفيق من صدمتها. تمسح على جلدها بالصابون... لابد من الفرار
من هذا العالم المتوحش. لا بد أن أهرب بجلدي قبل أن يقع الفأس في الرأس. لا بد من إيجاد طريقة أخرج فيها
من هذه الصحراء المتوحشة، قبل أن ينقضوا علي ويذبحونني كخروف العيد، ويسلخوا جلدي لينهشوه بأنيابهم إلى
الأبد. عليَّ أن أبدأ فورا في تدبير خطة للخروج من هذا السجن ... نعم، لا بد أن أجد منفذا. فكما يقال: "عندما تقفل
كل الأبواب فالله يفتح واحدة". إن الله سيفتح بابا لكي أخرج منه بسلام. إن الله يحبني ولو أنني فقدت بكارتي.
إن الله يحبني ولو أنني خرجت عن تقاليد أهلي وعاداتهم. رفعت عينيها إلى سقف الحمام وكأنها تحاول رؤيته
وتحدثه. ستساعدني يا ربي، أليس كذلك؟ إن ما يفعلونه في هذا . السجن ظلم وأنت لا تحب الظلم... خذ بيدي ...
أرني الطريق المستقيم ... حتى أسلك الطريق الحق وأسير في دروبه ...
وصلت علية من تونس العاصمة إلى مطار كوبنهاجن. كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا. لم تكن تعرف أحدا
في هذا البلد، كما أنها لا تعرف إلى أين ستستمر في رحلتها متسائلة في نفسها:" لماذا النرويج؟ فأنا لا أعرف
لغة هذا البلد ولم أسمع قط عنه لا في التاريخ الذي درسته بمصر، ولا أعرف موقعه الجغرافي في الخريطة. آه! إلى
متى سأظل هاربة من مجتمعي؟ وإلى متى سأخفي فضيحتي التي كُتِبَتْ علي ولاحقتني طوال حياتي وطفولتي،
التي هي أحسن سنوات في حياة الإنسان؟ إلى متى سأظل هاربة من ابن عمي؟ أخذت حقيبتها من مكتب
الجمارك، واتجهت إلى مكتب الخطوط النرويجية لتشتري تذكرة لاستمرار رحلتها إلى النرويج. لم تحصل على رحلة
قريبة، لابد أن تنتظر حتى الساعة الثامنة ليلا. اشترت تذكرتها وحملت حقيبتها الثقيلة التي كانت تحتوي على
كتب كثيرة وملابس قليلة بعضها صيفي. كانت تسمع أن النرويج تظل الشمس فيها ساطعة حتى منتصف الليل،
فظنته بلدا لا يعرف البرد وإن كان بلد الثلج فالشمس تكفي لتدفئة البلد طيلة السنة. ما زالت تجر حقيبتها ببطء
تلتفت يمينا ويسارا وكأنها تبحث عن شيء مجهول لا تعرف ما هو. كانت خائفة من المستقبل الغامض؛ ومن
الناس الذين كانت تراهم في المطار من موظفين ومسافرين، أغلبهم شديدو البياض، شعرهم أشقر وعيونهم
زرقاء، والكل يمشي بسرعة متجها إلى غايته. أذهلها ذلك الجو الغريب عن جوها وعن بلدها، وأرعبها انشغال
كل واحد بأمره. ليس كمصر حيث يمكن للمرء في المطار أن يجلس بالقرب من أي مسافر يتحدث إليه ويقتل
الوحدة والانتظار الطويل. اتجهت (علية) إلى المقهى لتستريح هناك وتنتظر وقت سفرها فإذا بها ترى فتاة يبدو
أنها عربية، تتصفح جريدة عربية. اتجهت نحوها تلهث من شدة التعب وبسرعة وبدون تردد سألتها: من فضلك يا
أختي كم الساعة؟
لا تريد علية معرفة الوقت بقدر ما كانت تبحث عن أحد يسلي وحدتها، وينسيها ولو لفترة قصيرة حال
مصيرها المجهول. ابتسمت الفتاة وأمسكت بيد (علية) اليسرى، تطلعت الى الساعة وقالت لها: إن الساعة الآن العاشرة والنصف صباحا. شعرت علية بالخجل واحمر وجهها ...
ابتسمت الفتاة وقالت: اسمي غالية، ما اسمك؟ اسمي علية. هل أنت مغربية؟ نعم، أنا مغربية الجنسية، أمي
سودانية وأبي من دولة الإمارات العربية. وحضرتك مصرية طبعا. قالت علية: هل جئت لزيارة أحد من عائلتك في
النرويج؟ أجابت غالية بحسرة: يا ليت كان لي أحدا بهذا البلد الغريب. يا ليتني جئت إليه كسائحة وأرجع بعدها
إلى بلدي. لكنني هاربة بسري، حزينة تائهة كالحمام الذي لا يعرف أين منبعه ولا أين المصب.
- سر ...! ماذا تقصدين .... ماذا فعلت يا غالية؟
- أنا لم أفعل شيئا ... هم الذين فعلوا ....هم الذين كانوا الظالم والجلاد والحكم ...
فتحت علية عينيها استغرابا: عمن تتحدثين ....لم أفهم شيئا .
لم تصدق غالية أن سمعت هذا السؤال، كي تروي قصتها، وتتحدث عن الدافع الذي قادها لهذه البلاد. وضعت
جريدة عربية كانت بيدها على المائدة وانطلقت كالنهر ... كالشلال تروي قصتها التي ترافقها وتسكنها ....
بدأت معاناتي منذ سن الطفولة، كنت حينها أبلغ من العمر سبع سنوات. سافرت مع عائلتي إلى إحدى بوادي
المغرب كان أبي يريد أن يشتري مزرعة من أحد أصدقائه كان يشغل منصبا في الوزارة. أوقف أبي سيارته أمام
منزل ضخم وجميل تحيط به مساحات كثيرة من أشجار الصنوبر المكتظة بالطيور الداجنة بمختلف أشكالها
وألوانها. والأطفال في ذلك الغيط يلعبون وبين الزهور يمرحون ببراءتهم ينظرون لزرقة السماء ويحلمون بالنجوم.
عندما رأونا اتجهوا نحو السيارة مبتهجين فرحين بقدومنا. كان والدهم واقفا أمام باب البيت بابتسامة عريضة
مرسومة على وجهه. نزل أبي من السيارة وصافحه، ثم دخلا إلى صالون الاستقبال الذي كان أول غرفة بالبيت
خاصة للرجال وبعيدة جدا عن المطبخ والغرف التي تجلس فيها نساءه وبناته. لحقت به أمي ودخلت إلى وسط الدار.
رحبت بها زوجتي صاحب المزرعة بحرارة واتجهن نحو صالون ثانٍ خاص للنساء. أما أنا وإخوتي، فتبعنا الأطفال
إلى الإسطبل لنطعم الأحصنة ونلعب معها. أخي الأكبر سنا (حمد)، انطلق مع الأولاد يتسلّقون الأشجار بحثا عن
أعشاش الطيور، وأختي الصغيرة (سلمى) كانت ترشق الإوز بالحجارة. أختي من أبي (العنود) كانت تتحدث مع
امرأة كانت تحلب البقر وتضع الحليب في قناني كبيرة تجهزها كي يأخذها زوجها إلى السوق للبيع. أما أنا
فقد أثار انتباهي منظر الناعورة التي تخرج الماء من البئر بطريقة تقليدية ومضحكة. كانوا يستعملون الحمار
بوضع جزرة مربوطة في خيط يتبعها على أمل اللحاق بها وأكلها لكن الجزرة تبتعد منه كلما يقترب منها، وهكذا
تستمر العملية ساعات طويلة، والماء يخرج من البئر ويُصَبُّ في أنابيب تمر بين الزرع لسقيه، والحمار يحوم بجد
ونشاط وباستمرار حول البئر وبغير توقف، تابعا جزرته على أمل الإمساك بها وأكلها. كنت أجلس على سور
صغير جدا أنظر إلى تلك الناعورة التي تتحرك في الأفق مصدرة صوت خرير المياه الذي يملأ الأفق بأنغام مختلفة
حسب الصعود والهبوط وهي تتدفق لتشكل إيقاعا خاصا يشبه الأحزان أحيانا ويوحي بالفرح أحيانا أخرى ...
أتأمل ذلك الحمار ... أراقبه إن كان سينتبه لتلك الخدعة ويتوقف عن الدّوران حول البئر. مرّت ساعات وساعات وما
زال الحمار يحوم حول البئر من غير كلل. تعبت من الجلوس لفترة طويلة فوق السور. ذهبت إلى المرحاض، وعندما
كنت أغتسل رأيت بقعة دم أحمر قاتم في سروالي. انتابني الذعر. لم أكن أعرف من أين جاء ذلك الدم! هل هو
العادة الشهرية؟ وإن كان فعلا العادة الشهرية فلم أكن أعرف آنذاك ما هي العادة الشهرية. تلك الأمور لم نناقشها
قط مع أمي رغم أنها متعلمة ومهنتها التدريس. اندفعت أجري خارج المرحاض أبحث عن أختي من أبي، التي
كانت أكبر مني سنا. كنت أستطيع أن أشكو لها ما رأيت، أما أمي فكنت أخاف منها كثيرا لأنها عصبية
وسريعة الانفعال؛ كما أن خجلي كان حاجزا بأن أبوح لها بما أصابني لأنني لا أعرف عاقبة ما سيجرى لي إن
أخبرتها. كنت أجري وأبكي ولو أنني لم أكن أشعر بألم في جسمي. أصيح وأبكي منادية أختي، فإذا بإخوتي
وكل الأطفال احتشدوا نحوي متسائلين ماذا جرى لي؟ سأل أحدهم: هل الكلب (عنتو) هو الذي لاحقك، إنه لا
يؤذي الأطفال ولا يعضهم. ونطق الثاني: إن (عنتو) يعض فقط اللصوص ويمسك بهم إن تسللوا إلى المزرعة.
وقال الثالث: ربما خافت من الحارس (حَمٌّو) فشكله يرعب، إنه طويل القامة، ضخم الجثة، أشعت الشعر
وأعور ,لكنه لطيف جدا ويحرس مزرعتنا من اللصوص. هيا بنا عنده لنلعب معه إنه يعرف قصصا طريفة ومثيرة
للضحك.
ضحك الجميع وقالوا: هيا بنا بسرعة.
انطلق الأطفال كالريح واختفوا من حولي، أما أنا فلم أستطع أن أدخل إلى المنزل حيث أمي، فهي لا محالة
منشغلة في الحديث مع زوجتَيْ صاحب المزرعة. ذهبت قرب المنزل الصغير الذي تسكن فيه الفلاحة التي تحلب
الأبقار وجلست بالقرب من عتبة بيتها أنتظر قدومها فهي لاشك تعرف أين هي أختي من أبي. كان الجو حارا.
انتظرت ساعة كانت كالدهر كله؛ فإذا بأختي تقترب مني وتقول:- ماذا بك جالسة ومنطوية على نفسك ترتعدين وكأن بردا قارص يلسعك. لماذا لا تذهبي وتلعبي مع الأطفال؟
نظرت إليها الفلاحة وهي تضحك: أين نحن من البرد الآن! فنحن في بداية فصل الربيع وفصل الشتاء مازال بعيدا
جدا. نظرت إلى أختي والخوف يمزق قلبي: أريد أن أتكلم معك على انفراد.
أمسكت يدها وتوغلت معها بين أشجار الصنوبر.
- أختي لقد رأيت دما أحمر في سروالي ولا أعرف من أين جاء؟
ابتسمت ابتسامة خبيثة وقالت: أرينني هذا الدم.
أطلعتها على بقعة الدم فنظرت إليه بإمعان ثم تطلعت إلي من غير أن تفوه بكلمة. كنت أرى في عينيها مئات
الأسئلة وحب الاستطلاع، لكنها لم تقل شيئا بل وقفت بسرعة والتفتت يمنة ويسرة لتتأكد إن كان هناك أحد من
إخوتي أو شخص بالقرب منا، ثم قالت: لنذهب بسرعة إلى الحمام لكي أغسل بقعة الدم من سروالك ولا تقولي لأحد
عن هذا السر الخطير. قلت لها وجسمي كله يرتعش: سر خطير! ماذا تقصدين؟ هل أنا مريضة؟ هل عندما يخرج
الدم من الفتاة يعتبر عيبا وسرا خطيرا؟ هل.. هل ..
توقف الكلام في حلقي لجلاد غبي وهبته حياتي. انفجرت أبكي وجسمي كله يرتعش. أمسكت يدي بقوة ، جرتني
إلى الحمام ، غسلت سروالي وقالت: أقولها مرة واحدة وأخيرة إن أخبرت أمك ستضربك لأن الدم عندما يخرج
من البنت يعتبر عيبا كبيرا، احفظي هذا السر بيني وبينك كأنه لم يحدث شيئا.
ذهبنا إلى منزل صاحب المزرعة ودخلنا إلى حيث أمي والنساء مجتمعات منهمكات في الحديث عن مشاكل
صديقاتهن؛ من طلاق وضرب وعن معاملات أزواج بعضهن لهن. نظرت أمي إلينا وقالت:
أجابت أختي من أبي: كنا مع الفلاحة التي تحلب الأبقار.
قالت إحدى زوجتي صاحب المزرعة: لقد حان وقت الغداء. نادوا الأولاد فهم سيأكلون في غرفة الاستقبال مع
والديهم. قالت أختي: سأنادي الأطفال. نظرت إلي بعينين قاسيتين وكأنها تريد أن تقول لي إياك والبوح بالسر
الخطير. ثم ذَهَبَتْ ُمْسِرَعةً خارج المنزل. جلست مرتبكة خائفة من شيء حصل لي لا أعرف ما هو، إلا أنه يجرحني،
يكبحني، يغرقني في قلب من الإعصار. أنظر إلى أمي التي كانت مسرورة فرحة بوجودها في المزرعة، فهي
تحب هواء البادية وتعشق الطبيعة. لقد كانت دائما تقول لأبي إن هواء البادية يلائمها أكثر من هواء المدينة المتلوث.
لذلك قرر أن يشتري المزرعة. كانت منشغلة هائمة بالحديث عن المزرعة مع الزوجة الأولى أما الزوجة الثانية فقد
ذهبت إلى المطبخ لتشرف على توزيع الغداء الذي طبخته الخادمة. جاءت أختي بعدما أحضرت الأطفال. جلسنا حول
المائدة التي كانت مليئة بمختلف أنواع الطعام القروي من تاجين مخضر باللحم والزيتون والكسكسى وسلطة
الطماطم بالبصل، تلته فواكه المزرعة من بطيخ وعنب وتفاح. أكل الكل بشهية، أما أنا فكنت أفكر في بقعة الدم
التي كانت في لباسي الداخلي، منظرها لم ينمح من ذاكرتي خاصة وأن أختي نبهتني أن لا أبوح لأحد به حتى
ولو كانت أمي. قالت إحدى الزوجتين: غالية لم تأكل شيئا ربما لم يعجبها الأكل. فقالت أمي: إن بنتي نحيلة جدا
وهذا يشغل بالي كثيرا، لذلك قررت أنا وأبوها أن نشتري مزرعتكم علها تغير الجو وتتحسن شهيتها.
لم تسألني ماذا بي. ولماذا أنا صامتة على غير عادتي. فأنا لم أتعود على تقرب أمي إلي، لقد تَعَوَّدْتُ على
انشغالها عني دائما، فنصف يومها تقضيه بالمدرسة، والنصف الثاني تزور فيه صديقاتها أو جيرانها أو هن
يزرنها. عمتي التي تزوجت شهرا واحدا، غاب زوجها عنها ولم يرجع أبدا، هي التي تقوم بأشغال البيت
وبرعايتي أنا وأخوتي منذ كنا صغارا. بعد تناول الغداء صلى أبي صلاة الظهر مع صديقه، ثم أمرنا بالاستعداد
للرحيل. ودعت أمي الزوجتين وتمنت لهما التوفيق. ركبنا السيارة وانطلقنا إلى مدينة (فاس) حيث نقطن. كان أبي
فرحا جدا بالمزرعة والمنزل حيث وفّق في شرائها . أمي لم تسعها الفرحة، كانت تغني وإخوتي يرددون معها
الغناء ويصفقون. مرت أيام وشهور وسنين، ونسيت ذلك السر الذي كنت أحمل همّ كتمانه وأخاف البوح به،
وانشغلت في المدرسة فأصبحت في الصف الخامس الإبتدائي. كان عمري آنذاك عشر سنوات. في تلك السنة كان
المقرر الدراسي يشتمل على الدين والقرآن والتربية الإسلامية. درسنا عن العادة الشهرية وفهمناها نظريا، لكن
حتى ذلك الوقت، لم نعرف عنها شيئا في التطبيق. فلم تكن هناك فتاة منا وصلت سن البلوغ. وحتى إن كانت فمن
المستحيل أن تحكي لنا تجربتها حيث تكون منزوية على نفسها قلقة لذلك الشيء الجديد الذي أحدث تغيرا في
نفسيتها وجسمها. سكتت غالية هنيهة، احتبس الكلام في حلقها. أمسكت علية يدها وقالت:
ابتسمت غالية ابتسامة حزينة وقالت: لم أفهم لماذا يقف الأهل في وجه تطور الفتاة....لماذا لا يتكيفون مع العصر
الذي تعيش فيه هي، لا العصر الذي عاشوا هم فيه. كم تمنيت أن يكون النصح مجردا ومقصودا منه مصلحة الفتاة
وأن يقوم على الصراحة والثقة المتبادلة. لم أنس ذلك اليوم في المدرسة أبدا في حياتي وحتى الآن مازلت أتذكر
كل ذلك المشهد. كان مدرس اللغة العربية يشرح لنا درسا في التربية الإسلامية وعن السيرة النبوية الشريفة. فجأة
أجهشت تلميذة بالبكاء. كانت أكبر منا سنا ودائما تجلس في المقعد الأخير. اندهش كل من في الصف حيث لا
نعرف سبب بكائها واحمرار وجهها. تعجبنا من أمرها وبدأنا نتطلع إليها وعلامات الاستفهام تدور في رؤوسنا.
وقف الأستاذ من مكانه ووضع نظارته على المنضدة وسألها: ماذا بك يا ابنتي؟ لم تستطع أن تجيبه بل طأطأت
رأسها وبدأت تجهش بصوت خافت. اقترب منها ثم قال: هل أنت مريضة؟ لم تجب. كانت الفتاة تنظر إلينا تارة،
وإلى الأستاذ الذي كان بالقرب منها تارة أخرى، وجسمها يتصبب عرقا. قال لها الأستاذ: يمكنك أن تذهبين إلى
البيت إن كنت مريضة. لاحظ الأستاذ أن وجهها محمرا، فاحتار من تصرفها غير الطبيعي فقال لها بنبرة جدية:
قفي، أريد التحدث إليك. ازدادت الفتاة اضطرابا وخجلا وأبت أن تقف وكأنها جالسة على شيء خطير جدا
يستوجب عدم إظهاره، لأنه " السر الخطير" مثلما قالت أختي. بعدها فهم الأستاذ أن الفتاة مرتبكة من بقع دم
الدورة الشهرية في فستانها الذي كان لونه أبيضا. اقترب منها وبدأ يتكلم معها بهدوء وينظر إليها مبتسما
ابتسامة الأب الحنون اتجاه طفلته وقال: لا تخافي يا ابنتي هذا شيء طبيعي بالنسبة للفتاة. إن ما حدث لك اليوم
هو تغير مهم في حياتك. لقد أصبحت فتاة ناضجة ومكتملة فلا داعي للخجل ولا للخوف، لأن الخجل والخوف من
سمات الجهل، وأنا أعرفك فتاة ذكية ومجتهدة وواعية، فقومي الآن واذهبي إلى المرحاض واغتسلي. نهضت
التلميذة وذهبت مسرعة إلى المرحاض، أما نحن فكنا ننظر إلى تلك البقع الكبيرة من الدم على فستانها متعجبات
مندهشات. ذهب الأستاذ إلى منضدته، توقف عن شرح السيرة النبوية وشرع في إعطائنا درسا عن الدورة الشهرية.
- ماذا حدث للتلميذة التي ذهبت إلى المرحاض؟
- آه يا علية، لقد جاءت المسكينة إلى الصف ترتعد من البرد، كان فستانها مبللا بالماء وبقع الدم لا تزال ظاهرة
على الفستان، إلا أنها لم تكن حمراء بقدر ما كانت وردية اللون.
- وماذا بعد؟
- حضرة المديرة سلمت على الأستاذ وبدأت تحوم بعينيها بحثا عن الضحية.
- تقصدين الفتاة الملطخة ثيابها بالدم؟
- ومن سيكون؟ فعلا البنت التي فاجأتها الدورة الشهرية.
- هل أحضرت لها المديرة ثيابا؟
- لا، لقد نادى الأستاذ تلك الفتاة ووقفت هذه الأخيرة ترتعش وترتعد من شدة البرد والخوف، أمام المديرة التي
كانت تحذّق فيها باشمئزاز وتَكَبُّر. وبعد ثوانٍ قليلة قالت لها:أجابت التلميذة بخوف واحترام شديدين: اسمي المراني خديجة.
تطلعت إليها بتقزز وقالت: اتبعيني إلى المكتب. قبل أن يغادرا أخذ أستاذنا العظيم سترته ووضعها على كتف
التلميذة. سألت علية: وماذا حدث بعد ذلك؟
- لم أعرف أي شيء ... فالتلميذة لم أرها في المدرسة إلا بعد شهر كامل. تلك الحادثة التي وقعت للتلميذة، أيقظت
في نفسي ذلك "السر الخطير" الذي أُمِرْتُ أن أدفنَهُ وأنساه إلى الأبد، وبدأت أتساءل عن سر تلك البقعة الحمراء
التي كانت في لباسي الداخلي، هل هي دم الدورة الشهرية؟ فأستاذنا شرح بصحيح العبارة أن الدورة تبدأ في
سن الحادية عشرة أو الثانية عشرة وأحيانا في سن السادسة عشر.
هل أنا أختلف عن باقي البنات لذلك جاءتني الدورة الشهرية في سن السابعة؟ وإن كانت الدورة الشهرية، فلماذا
لم تأت كل شهر بعد تلك الحادثة؟ ولماذا لم يكن ذلك الدم كثيرا مثل دم الحيض؟ كانت الأسئلة تقع على رأسي
كوقع الفأس فَتَكَوَّنَ في نفسي رعبا من ذلك الشيء الغريب المجهول. لكن بعد أيام قليلة أيضا نسيت حادثة
الحيض عند تلك الفتاة بالقسم، ونسيت بقعة الدم التي كانت ذات يوم في لباسي الداخلي.
كانت أمي قاسية جدا معي. لا تسمح لرفيقاتي بالمدرسة أن يزرنني بالبيت، ولا تسمح لي أن أزورهن وكان
أبي أكثر منها قسوة بحيث لا يسمح لنا أن نلعب خارج البيت، خوفا علينا من الاغتصاب أو ما شابه ذلك. فبحكم
مهنته قاضيا كان يرى الكثير من الفتيات اللواتي كن ضحايا المجتمع الذي لا يرحم المرأة.
أصبحتُ أدرس في ثانوية مختلطة بعكس المدرسة الابتدائية التي كانت لا تضم سوى البنات. كنت أجد صعوبة
كبيرة في المشاركة داخل القسم، لأنه كان يحتوي على التلاميذ الذكور، كنت أخجل وأتصبب عرقاً عندما أريد أن
أجيب على سؤال يطرحه الأستاذ. وكم من مرة استعصى على التلاميذ الجواب الصحيح وكنت أعرف الإجابة عليه،
لكنني كنت ألوذ بالصمت خجلا.
اغتُصِبَتْ إحدى التلميذات بالقرب من المدرسة، وفي صباح اليوم التالي انتشرت أقاويل عن تلك الفتاة المسكينة،
كما انتشرت الشائعات بين التلميذات و... توقفت غالية عن الكلام، أخفضت رأسها تنهدت ثم استرسلت في الكلام.
- لو أن نفسي لا تذكرني بعلتي، لو أنني نقية من وباء عذريتي، لعشت أنعم في واقع شرقيتي. الإرهاق والرعب
يتناوبان على لحظاتي وشبح الموت يلاحقني إلا أنني عاجزة عن رسم هيئته. لا أطيق سرد قصتي فهي تزعجني
كثيرا وتثير وجعاً في قلبي وتهيج معدتي. تحوّل لون وجه غالية إلى زرقة أشبه بالسواد والعرق يغطي سحنة
وجهها.
_ أحس بمعدتي تتقطع وجعاً. آخ! معدتي تؤلمني.
- سأطلب لك حليبا ليخفف ألمك. بالهناء والشفاء.
أخذت غالية حبة دواء مسكّن مع الحليب، وبعد برهة أحست بتحسن فنظرت إلى علية وقالت:
- نسيت أن أسألك، هل أتيت لزيارة أحد في النرويج ؟
ابتسمت علية وقالت: لا أنا مثلك جئت هاربة من مجتمع مشبوك خلف عتمة الظلام، أعزي بالخفاء روحي. لكن لن
أحكي لك قصتي حتى تنهي قصتك. ربما تكون قصتي مثيرة، لكنها ليست غريبة، فقد سمعت المئات مثلها أثناء
عملي.
قالت غالية: ما هي مهنتك؟
- أنا مدرسة العلوم الطبيعية بإحدى الثانويات بالإسكندرية.
أطلقت غالية زفيرا مسموعا، مدّدت بصرها إلى أفق بعيد، بلعت ريقها متنهدة وقالت: تعبت من الكلام الذي كان لا
يجلب لي سوى الحزن وذكريات مثقلة بآهات خرساء ومتلفعة بسواد دامس وعتمة تلد أخرى ووثاق السر الخطير
يكبلني، السر الذي لا أستطيع أن أنساه، أو امحيه من عالمي رغم كل محاولاتي التي سرعان ما تذهب أدراج
الرياح. ابتسمت تعبيرا عما يجيش في خاطرها من راحة البال وارتياحها إلى علية.
- ماذا كنت أقول؟ لقد اختلطت علي الأمور.
ربتت علية بحنان على كتفها وقالت: يا حبيبتي، كنت تتكلمين عن الفتاة التي اغتصبت بالثانوية.
- نعم، نعم. بعيد اغتصابها شاع نبأ في المدرسة تناقله أفواه التلميذات هنا وهناك ولاكته أينما حلت وتصبها
أينما وجدت أذناً صاغية مفاده مجئ طاقم طبي لفحص التلميذات للتأكد من عذريتهن .
وأخذت الشائعة تزداد في حدتها بالوعيد والتهديد والويل كل الويل للتي فقدتها سيستدعى ولي أمرها وستعاقب
أشد عقاباً.. عندما سمعت هذا النبأ اختلطت أحشائي ببعضها وانخلع قلبي من مكانه وامتلأت يداي عرقا وكأنني
أطلقتهما في نهر دافئ. في تلك الفترة تغيرت حياتي واعتقدت أن تلك البقعة الحمراء التي كانت بلباسي الداخلي
هي دم البكارة. فكانت أيام طفولتي سوداء قاتمة وحياتي تعيسة حزينة، وأصبحت منطوية على نفسي لا أرغب
بالاختلاط بالتلميذات لأنهن يمتلكن شيئا غاليا وأنا أفتقده. حتى خيل لي بأنني أسكن في قبضة الكآبة.
كنت أكره نفسي كثيرا وأكره وجودي في الحياة، وكم من مرة تمنيت الموت. لم أشعر يوما بطعم الحياة
وحلاوتها. حرمت من اللعب مع من هن في سني، وكنت أقضي كل الوقت حبيسة المنزل، وفي غرفتي كنت أكتب
أسطرا قليلة أتمرد فيها على وجودي في هذه الحياة.
قلبي سينفجر، ولا بد لي من الترويح عنه بالكتابة وتفريغ تلك الشحنات الملتهبة على ورقة خرساء. لكن كتابتي لا
تخلد في الأوراق لأنني أمزقها فيظلّ "السر الخطير" ينهش قلبي يوما بعد يوم. لأنني لست عذراء، لأنني من غير
شرف حسب ما يزعم المجتمع.
سألت علية باستغراب: بلا عذرية؟ كيف وأنت لم يمسسك بشر.
- نعم، بلا عذرية. لأن المجتمع يفسر الشريفة الطاهرة من خلال عذرية الفتاة. وأنا فقدتها في سن السابعة.
أجهشت غالية بالبكاء. مسحت علية دموعها برؤوس أناملها وقالت: لم البكاء؟ ولماذا أنت خائفة الآن؟ إنك بعيدة
عن أهلك كل البعد وبعيدة عن مجتمعك وأنت الآن هنا في مأمن.
- إلى متى سأظل هاربة؟ لابد أن يأتي يوم يشدني فيه الحنين للعودة إلى الوطن.. حتى وإن عدت كيف سأبني
أسرة وأنا غير مؤهلة للزواج. ينقصني شيء غالِ يجب أن أقدمه لزوجي ليلة زفافي، لكي أظهر عفتي وطهارتي
وأصطف في طابور الطاهرات العفيفات. هل تعرفين أنه إذا ما فقدت البنت عذريتها لأي سبب حتى وإن كان
اغتصابا تصبح فتاة بلا شرف، وأن شرف الأسرة وعرضها قد أصبحا ضائعين وعلى رجال الأسرة إخوانا كانوا
أو أبناء العمومة أو الخوال أن يستردوا شرفهم الضائع أما بقتل الفتاة كما يحدث في البوادي عندنا. وفي بعض
المدن إن كانت العائلة متعصبة للتقاليد مثل عائلتي، فذاك الذي سيقتلني في ليلة زفافي سيكون من أهلي.
وسيعتبر الرجل الشهم، الشجاع والمتطوع للتضحية بنفسه من أجل إنقاذ شرف الأسرة.
- قالت علية بتهكم: كالمتطوع للحرب ...
_ ربما أسوأ من ذلك. لأن المتطوع للحرب إن مات، يعتبر شهيدا وتنال أسرته لقب "عائلة الشهيد"، أما من يكون
مثل حالتي فقد يدخل السجن طوال حياته وتدفع عائلته بالعار إلى الأبد. تعرفين يا علية كم تمنيت أن أكون ذكرا،
لأن الذكور لهم امتيازات في المجتمع أكثر من الإناث. أشقائي يمكنهم أن يتأخروا خارج البيت حتى منتصف الليل
ولا أحد من والديّ يلومهم على تأخرهم لأنهم ذكور ويمكنهم أن يتعرفوا على السائحات الأوروبيات ويأتون بهن
إلى البيت، فتقوم عائلتي بإطعامهن وإحسان ضيافتهن. وإن أحب أحد إخوتي واحدة منهن وأراد الزواج منها فلن
يعترضا لأن ذلك يعتبر من حقّهم شرعا. أما أنا كفتاة فهيهات أن أختار زوجي بنفسي حتى ولو كان عربيا من
عرقي أما إن كان أجنبيا فذلك عار لا يغتفر وفضيحة أمام الناس. وإن تأخرت ساعة واحدة عن موعد عودتي
للبيت، تقوم القيامة بالصراخ والتنديد والتوبيخ، هذا إن نجوت من الضرب. وأين أتأخر؟ أحيانا أنسى نفسي في
المكتبة، أطالع كتابا. مرة تأخرت في المكتبة. كانت الساعة تشير إلى السابعة مساءً. قفزت من مكاني
كالمجنونة، جمعت حوائجي بسرعة البرق فوق غمر الهواجس مندفعة، متخيلة ملامح وجه أبي، مطلقة ساقي
للريح من غير توقف... لم أستطع انتظار الحافلة لأستقلها لأنها تتأخر وليس لها وقت محدد. صرت أجري بسرعة قرابة ساعة .
وصلت المنزل، وجدت أبي ينتظرني مكشرا عن أنيابه، يتأجج كوهج السراب والرعب يلملمني بأطلاله أبكي في
صمتي ودموعي تتهاوى كالشلال، لولا عمتي الرحيمة التي أنقذتني منه لانهال علي بالسوط. ولكنها تغدق النقود
على اخوتي لشراء السجائر وارتداد المقاهي ومن ثم رجوعهم للبيت متأخرين.
عندما كنت بحاجة لبعض النقود وذلك لشراء كتاب قد يكون مهما بالنسبة لمقرري الدراسي، أظل أمهد بمقدمات
وأطلب أمي وأترجاها فنادرا ما كنت أحصل على النقود. فبالنسبة لوالدي فأنا لا أحتاج الحصول على شهادة
عالية، فمنزل زوجي مآلي وتربية الأولاد مستقبلي، وتعليم الطبخ مهمتي لكي أطعم زوجي الذي في نظرهم
حياتي وسعادتي. وبعدما انتهي من الدراسة الجامعية لا بد أن أتزوج حسب العرف والتقاليد وإرضاء العائلة. فمن
هو هذا الزوج الذي سيقبلني زوجة من غير عذرية؟
قاطعتها علية وقالت: ما الضير من زيارة عيادة طبيبة نسائية؟
- كنت خائفة جدا من الفضيحة. ربما تكون امرأة تعرف أمي بعيادة تلك الطبيبة فتفضحني. فالطبيبة النسائية لا
تذهب إليها سوى النساء المتزوجات.
- وماذا حدث بعد ذلك؟
- طوال حياتي الدراسية وحتى الجامعية، كنت انعزالية منطوية على نفسي، أخشى مغيب الشمس، أتنفس الأعماق
في همومي. أخاف أن أبكي فيفضح سري. غابت الابتسامة عن وجهي، نسيتها، حلت الدموع محلها، ضحكي
قليل. صمتي أكبر من كلماتي. أمكث في غرفتي أكثر مما أختلط بعائلتي. كانوا يلقبونني بحي بن يقظان،
الإنسان المتوحش الذي لا يستطيع التأقلم مع الناس ولا يعرف إلا العزلة والنفور. إنهم لا يعرفون أن العزلة راحتي
والاحتكاك بهم لا يجلب لي إلا الانفعال والعصبية وينتهي بي النقاش معهم إلى الشجار. أفكارهم وآرائهم
تستفزني.
إن عقبت عليها أزعجتهم وعكرت صفو جلستهم العائلية. عندما تحضر الخادمة الشاي وتجتمع العائلة لقضاء
ساعات السمر تتساءل عمتي: - "أين هي غالية؟" فتجيب أمي: - "أتركوا حي ابن يقظان لحاله فنحن لا نريد أن
يعكر لنا مزاجنا." ما أقصى يا علية غربة الغريب بين أهله!
لم تسأل أمي يوماً نفسها أن تسأل، ما الذي يشغل إبنتها ولماذا هي حزينة ومنطوية على نفسها تبكي غالبا بلا
سبب؟ مستحيل طبعا. فهي كانت دائما مشغولة بتصحيح الكراسات المدرسية أو مطالعة مجلة أوالحديث عبر
الهاتف ساعات طويلة مع إحدى صديقاتها، أو زيارتهن.
- لكن كيف استطعت الهرب من المغرب والمجيء إلى هنا ؟ ومن أين حصلت على النقود؟
- أنا لم أهرب من عائلتي ولم أسرق نقودا فقبل أن آتي إلى هذه الدولة كنت أدرس في أمريكا، لقد نجحت
بامتياز وحصلت على منحة للدراسة بالولايات المتحدة.
قالت علية بإعجاب ودهشة: رائع جدا... لكن ... أعني كيف وافق أبوك أن تدرسين في الخارج؟
- لم يوافق بادئ الأمر. غضب وزمجر وأبى أن يسمح لي بالسفر. لم يوافق إلا بعد إلحاح شديد من أحد زملائه. قال
له لو كانت إبنتي التي نجحت في هذا الامتحان كنت أعتبر نجاحها لي شرفا عظيما، ولم أتردد في بيع كل ما
أملك لكي تدرس في أمريكا... إنها فرصة لا تعوض. وعندما رجعت من أمريكا إلى المغرب أبى أن يسمح لي
بالرجوع لإتمام دراستي بحجة أن تلك البلاد بلاد الخبث والخبائث والمكر والجرائم وغياب القيم والأخلاق. بكيت
كثيرا وقلت له:"المستقيم مستقيما سواء كان في المغرب أو في أمريكا.
لم يعجبه كلامي، اعتبره تحدياً، تعود على أن يكون كلامه هو الحق والصواب. فهو القاضي والإمام، وهو الدكتور
في الشريعة الإسلامية وفي القانون، وهو الذي سبقنا إلى الحياة وهو سيد العارفين. ونحن علينا أن نطيع ونسمع
من غير نقاش. لأن طاعة الوالدين طاعة لله وبرّا وتقوى حتى وإن كانت طاعة عمياء أو كان فيها ما يتعارض مع
مستقبلنا؛ كقبول الزواج من رجل يختاره هو ولست أنا.
- ماذا بعد؟
- ثارت ثائرته
واشتد غيظه. لكن، تمالك أعصابه وبدلا من أن يسترسل بصوت عال، بدأ يتكلم بصوت خفيض قائلا: " يا ابنتي، إن
طاعة الوالدين واجب على الأبناء، وإن أردت النجاح والفلاح في حياتك في الدنيا والآخرة، عليك أن تنسي أمريكا
وتدرسي هنا بالجامعة، واطلبي أي شيء أنا جاهز لفعله. هل تريدين أن أشتري لك سيارة؟"
_ أريد أن أكمل دراستي بأمريكا. أريدك أن ترضى عني وتسمح لي بالسفر لمتابعة دراستي. هذه المرة لم
يستطع أن يتمالك أعصابه. انفجر بصوت عال ومخيف. أحسست بعدها برعشة تسري في أوصالي. إنني لا أطيق
الصوت المرتفع، يجعل قلبي يدق بسرعة ويدي تتصبب عرقا.
- وماذا فعل بعد ذلك؟
- أخذ يلوح بكلتي يديه، يضغط على شفتيه، يقترب مني، صارخا في وجهي "أنت... من أنت حتى تتمردين على
أوامري؟ لقد فضلتك عن باقي إخوتك. كنت أمشي بخطوات وئيدة إلى الوراء، مرتعدة، خائفة، وأحسست بماء
دافئ يبلل لباسي الداخلي، إنني لا أريد أن أعطيه الفرصة ليضربني، فأنا لم أضرب قط من طرف أساتذتي أو
والدي، لأنني كنت تلك الفتاة المطيعة والخائفة من فعل أي خطأ أو شغب مثل إخوتي وباقي التلميذات في
المدرسة. إنني أخاف الضرب وأكرهه، وأجده ظلما وتعسّفا.
- أنت قاسية كثيرا على نفسك.
- أنا لست قاسية على نفسي، بل أحبها كثيرا ولا أقبل لأي شخص أن يضربني حتى ولو كان أبي. هذا شعور لا
أستطيع تفسيره ولا حتى التعبير عنه.
- وماذا فعلت بعدما اقترب منك أبوك محاولا أن يضربك؟
- قلت له: " يا أبي العزيز؛ ما تريده سأفعله في الحال. فأنا أعتذر كثيرا إن بدر مني شيء لا يرضيك. لك الحق، إن
طاعة الوالدين واجبة. قلت كلامي هذا وكنت أحس بتذمر واستياء، وكره لنفسي حيث كنت أشعر بالذل وأنني
أنافقه، لأن إحساسي كان الخوف وليس الطاعة.
- وماذا فعل؟
- تنفس الصّعداء وابتسم قائلا: هكذا أريدك يا ابنتي مثالية ومطيعة... مثل الولد الصالح المطيع ابن فلان،كان
يضرب به المثل في الطاعة. هل تذكرين قصته؟ رويتها لكم مرارا وتكرارا... تظاهرت بأنني لا أعرف ماذا يريد أن
يقول. فقلت له: ماذا تقصد يا أبي؟ رفع رأسه وذهب ببصره مسافات بعيدة ثم قال:" اسمعي يا ابنتي في زمن
بعيد، كان هناك ولي صالح له ابن مطيع جدا. ذات مرة كان أبوه منشغلا في الكلام مع بعض الرجال، فأمره أن
يوقد النار في الفرن، وعندما انتهى الابن من إيقاد النار، إتجه مسرعا نحو أبيه ليخبره. كان أبوه منشغلا في
الحديث مع أولئك الرجال، فلم يعره انتباها، وكان ابنه يردد مرارا وتكرارا أنه انتهى من مهمته فانزعج أبوه،
وقال له أدخل في الفرن. اتجه الولد الصالح إلى الفرن الذي كان يلتهب نارا فدخله طاعة لأبيه. وعندما تذكر الأب
ماذا قال لابنه صرخ: ويحي ماذا فعلت؟ لقد قتلت ابني بيدي... حتما قد دخل الفرن لأنه ابن بار ومطيع. أسرع الأب
إلى الفرن وفتح بابه فإذا به يرى ابنه وسط لهيب النار سالما والعرق يتصبب منه. لم تلسعه النار ولم تحرقه لأنه
كان بارا ومطيعا.
رغم أنني كنت أخاف من مجادلة أبي، ورغم أن صوته المرتفع وعصبيته ترعبني، ورغم خوفي الشديد منه وخوفي
أن يقترب مني وينقضّ علي كانقضاض الأسد على فريسته، كنت أشتعل بداخلي... فبمجرد أن أنهى قصّته التي
حفظتها عن ظهر قلب، أحسست بتذمر ونفور، واختلطت عندي كل الأحاسيس، فانفجرت ولأول مرة في حياتي،
قائلة له بصوت عالٍ أقرب إلى الصراخ، فيها شيء من التمرد والاحتجاج: يا أبي أنا أطيعك أيضا ونحن كذلك
عندنا فرن كبير بالمطبخ. إن أردتني الآن أن أوقده وأدخل داخله سأفعل في الحال. لكن، تأكد أنني لست ذلك
الطفل الصالح الذي أنجاه الله بمعجزته. فزمن المعجزات قد انتهى، وفرننا سينهيني وهذا ما أتمناه. غادرني
الخوف دون انطلاق ولامسني حدّ الجنون، أفرزتني دمعة محرقة وهرعت إلى المطبخ، أمسكت علبة الكبريت ويدي
ترتجف، وبدأت في إشعال الفرن كي أدخل فيه. لحقتني عمتي تبكي، وانتزعت منّي الكبريت. أما أبي فقد دخل
إلى مكتبه وبدأ يزمجر ويوبخ بصوت عالٍ. لحقته أمي، لتهدئ من روعه. هي أيضا غاضبة ناقمة على تمردي. أما
أخواتي إتخذن الصمت ملاذا ,كن فقط ينظرن إلي مندهشات لانقلابي على أبي الذي يعتبر ملك المنزل، الملك
الجبار الذي يُطاع ويُلَبّى إن أَمَر.
ثلاثة أيام وأنا منزوية في غرفتي لا أكلم أحدا، مضربة عن الطعام والشراب، أندب سري الذي أفرخ عارا
يلازمني. وكم من مرة طرقت عمّتي الطيبة باب غرفتي لأفتح لها الباب لكن دون جدوى. لم أكن أَرُد عليها. كنت
أسمع بكائها وهي تقول لي: يا ابنتي إنك تؤذين نفسك. افتحي لي الباب لقد جئت لك بالطعام. إنه قلب الدجاج
وكبده، الأكلة المفضلة لديك. كانت المسكينة تظل واقفة وراء الباب ساعات طويلة، وعندما تمل من الوقوف
تقول: "إن لله وإنا إليه راجعون." ثم تذهب إلى المطبخ، ذلك المكان الذي تخلد فيه دائما لأن منزلنا كان لا يخلو من
الضيوف طيلة أيام السنة.
في اليوم الرابع جاءت أمي ووقفت أمام الباب وقالت: غالية، افتحي الباب. تصرفك هذا حرام. إن لم تخرجي
وتقبلي يد أبوك وتطلبي منه السماح، سيسخط عليك والسخط يؤدي بك إلى جهنم. إنني أخاف من جهنم، وأخاف من
الحساب والعقاب، ولا أريد أن أكون من المسخوطين.. خرجت من غرفتي وعيناي وارمتين من اثر البكاء.. اتجهت
إلى مكتب أبي فوجدته يطالع كتابا، اقتربت منه، وقبلت يده دون أن أنبس ببنت شفة. لم ينطق بعدها بكلمة
واحدة. انسحبت من مكتبه بسرعة لكي لا يفتح ذلك الموضوع الذي أكرهه، واتجهت إلى غرفتي. لكن هذه المرة لم
أقفل الباب ولم أضرب عن الطعام، إلا أنني لم أكن أتكلم مع أحد في المنزل. كنت أجلس معهم حول المائدة
كالأطرش والأبكم حاملة معي ندوب دموعي الصامتة.
مررت بأيام عصيبة وأنا على هذا المنوال. أصبحت أجلس في المطبخ مع عمتي والخادمات، أتحدث إليهن وهن
يهيئن الطعام أو يغسلن الأواني أو يقمن بأشغال البيت. كنت وراءهن دائما كظلهن. لاحظ أبي ذلك فانزعج كثيرا
من تصرفي، حيث رأى ما لم يعتاده مني.
توقفت غالية عن الكلام هنيهة. سألتها علية: ما هو هذا الشيء الذي لم يعتاده أبوك فيك.
- عدم المطالعة والدراسة. كان شغلي الشاغل هو الدراسة فقط. لم أكن ألعب مع أترابي، وكما قلت لك كنت أحس
أنني أختلف عنهن، هن يملكن شيئا غاليا وثمينا، بينما أنا لاأملك سوى ذلك السر الخطير. تعودت الإدمان على
القراءة حيث كنت أرى فيها ملاذي وهروبي من كل شيء كان يحيط بي ويزعجني. كما أنني كنت أؤمن بأن
اهتمامي بالدراسة سيكون هو خلاصي من ذلك السر الخطير. فنجاحي في دراستي سيتيح لي منصبا عاليا. وربما
بعدها يمكنني أن أقرر حياتي من غير أن يتدخل فيها أبي أو إخواني. سأقول لهم لا أريد أن أتزوج أبدا.
- ماذا فعل أبوك عندما لاحظ إهمالك للدراسة؟
- لم يعجبه ذلك. خرج ذات يوم مع أمي وعندما رجعا إلى البيت، جاءت أمي مهرولة وقالت: " لقد قال لي أبوك
بأنه موافق أن تتابعي الدراسة في أمريكا. لكن، ليس هذه السنة. لأن لا يملك المبلغ الكافي حاليا. السنة المقبلة
إن شاء الله ستسافرين. قلت لها: معناه أنني سأجلس في البيت حتى السنة القادمة. قالت: لا، ستذهبين إلى
الجامعة هذه السنة. عصفت نارا في داخلي وشغف الهروب انتابني، صرخت:" لن أرجع إلى الجامعة ولا أريد شيئا
على الإطلاق. قالت بعصبية: ماذا تريدين؟ الجلوس في البيت؟ حسنا. لكن، البنت التي تفضل البقاء في البيت لا
ترفض عريسا إذا تقدم إليها. قالت كلامها وانصرفت. أصبحت الدنيا مظلمة حالكة في عيني، وأحسست باقتراب
ساعة إزاحة الستار لرفع الطابق عن المستور وكشف ذلك السر الخطير. تمنّيت لو لم أخلق في هذه الدنيا، وتمنيت
أن أموت في تلك اللحظة.
قلبي كئيب يدق بلا حلم وفكري الذي كنت أذكر أحرقته جمرة الظلم. تمنيت الانتحار لكنه من المعاصي، ولا أريد
الدخول إلى جهنم، كما ستكثر الشائعات عليّ والتشدق علي باتهامات باطلة. إنها حامل بالحرام أو فقدت عذريتها
أو ما شابه ذلك، فخافت من الفضيحة وانتحرت.
مرضت كثيرا حيث أصبحت أشعر بغثيان وبوجع في معدتي، وأصبحت أسناني تصطك بالليل عندما أنام. كما
بدأت أرى كوابيس في منامي، كابوس واحد يتكرر كل ليلة. كنت أحلم أن أبي يلاحقني بسكينة وأنا أجري
وأتعثر في فستان العرس الأبيض، محاولا قتلي وأنا أصرخ وأبكي، وعندما أستيقظ من الفزع ألاحظ خدي مبللا
بالدموع.
صمتت غالية برهة، ثم أكملت حديثها بعدما انفرجت أسارير وجهها.
- تعرفين يا علية أحس أن قوة تساعدني. لم يمر أسبوع واحد حتى جاءنا رجل طاعن في السن كان عمره تقريبا
السبعون. يعمل حارسا بمدرسة في طرابلس بليبيا. في فترة عمله هنالك، ترك زوجته الثانية بالمغرب حاملا.
أنجبت هذه الأخيرة ابنها في غيابه ولم تسجله في الدوائر الرسمية، لأنها كانت تقطن في البادية مع أهلها. عندما
رجع زوجها في العطلة الصيفية إلى المغرب، قرر أن تسافر معه إلى ليبيا. لكن الدوائر الرسمية في المغرب كانت
ترفض وضع صورة ابنه في جواز سفره لأنه لم يكن مسجلا عندهم، وكان يستحيل تسجيله بعد سنة من الولادة.
حاول الرجل في المحاكم والبلديات لكن دون جدوى، إلى أن صادف رجلا كان يعمل حارسا بالمحكمة
الإستئنافية، فقال له: إن أردت حل مشكلتك فما عليك إلا فلان يقصد والدي. هكذا قصد بيتنا مثل غيره من الأعداد
الهائلة الذين يقصدون والدي رغبة في قضاء حوائجهم. فقضى له أبي حاجته. فرح الرجل كثيرا وجاء بزوجته وابنه
الرضيع عندنا إلى المنزل. لم ينس أبي تعنتي وانطوائي، كنت دائما في ذهنه حتى ولو كان عنده ضيوف في
المنزل. كان القلق يرتسم على محياه مما أثار انتباه ذلك الرجل المسن. فقال له:" أش بيك يا الحاج؟".
بدأ أبي يشكو له قضيتي التي كانت بالنسبة له كشوكة في حلقه. قال له الرجل: " يا حاج، إن ليبيا بلد إسلامي،
فيه مدارس وجامعات كثيرة وغير مختلطة، ويمكن لابنتك أن تسافر معنا إلى ذلك البلد الأمين. تسكن ببيتنا وفي
غرفة واسعة جميلة كغرفتها، وستقوم زوجتي بخدمتها ولن ينقصها أي شيء، فما رأيك؟ كان أبي مترددا، حيث
أنه لا يعرف الرجل. كما أنه يئس من تصرفي، وتأكد أنني قررت الجلوس في المنزل، وعدم متابعة الدراسة. وهو
الذي يقول عني: غالية النفس والأحوال شاهدة بأنك تبلغي المنى وما تردي". وكان يقول أيضا: "إن ابنتي غالية
ستكون ذات شأن عظيم.
مناه أن يكون كل إخوتي متعلمين. وكان يحثنا على العلم والدراسة ...وغالبا ما يكرر أبياتا من قصائده الشعرية
الطويلة التي تحث على العلم. أبي لا يريدني أن أجول غربا وشرقا لأجل العلم. لأن القصيدة التي كان ينشدها لنا
دائما، تقتصر على الذكور وليس على الإناث، كما أن قول الرسول "عليه الصلاة والسلام" الذي يقول فيها: علموا
أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل، حلله أبي للذكور. فركوب الخيل محرم علي وعلى أخواتي لكي لا نفقد
بكارتنا. وكأن الإسلام جاء فقط لإشباع رغبات الرجل في العلم والثقافة والرياضة.
- أجيبيني يا غالية... هل وافق أبوك على ذهابك مع ذلك الرجل وزوجته إلى ليبيا؟
- وافق بعد ذل