- ومن ثم يكون العدد الصحيح "N"
- N = 2n / (n-2) = 2+4 / (n-2)
أسرارٌ هندسية في خلية عسل
أ.د. محمد سامي بولات أوز
مَن علّم النحل كيفية تقسيم الوحدة الكبيرة إلى عيون صغيرة بالحجم اللازم وبطريقة هندسية محكمة؟
مَن علّمها استخدام المواد المتوفرة بقدر معين؟ ما هي ميزة الشكل السداسي عن الشكل الثلاثي والرباعي المتساوي الأضلاع؟
كيف استطاعت النحل حساب كمية العسل في كل خلية، وكيف علمت أن بنية سطح الخلية السداسية هي الأمتن؟
وكيف عرفت أن الشكل السداسي هو الأنسب والأوفر من بين الأشكال الأخرى؟
كيف تمكّنت النحل التي تعيش ستة أسابيع فقط، تنفيذ الحسابات الدقيقة والتطبيقات العملية؟
وكيف استطاعت ضبط المقاييس الحساسة التي يستحيل للإنسان أن يعيها بسهولة؟
وهل يمكن أن نصف أعمال النحل هذه بأنها "غريزة"، أم أنها توجيه إلهي؟
أثارت خلية العسل وهندستها المعمارية المذهلة اهتمام البشرية جمعاء. وقد بلغ سماكة جدران هذه الهندسة الدقيقة للغاية والتي تكونت من أقراص سداسية بجوار بعضها البعض، حوالي (0,1 مم)،
أما الانحراف عن هذا القدر الوسطي لا يتعدى عن (0,002 مم). ومن أجل استيعاب مدى دقة هذه القاعدات الهندسية في بناء الخلية، يجب أن نملك نظرة حسابية ورياضية عميقة جداً.
الدائرة هي شكل هندسي مستو محدود، ونقاطه متساوية الأبعاد من نقطة داخلية تسمى مركز الدائرة. فإذا قابلنا -على سبيل المثال- طول محيط الدائرة ومحيط المربع الذي يبلغ (10 سم2)، رأينا أن محيط الدائرة أقصر من محيط المربع. ولكن الحال يختلف في بناء خلية العسل تماماً. إذ من أهم الجوانب التي شدت الاهتمام في عمل النحل هي القدرة على البناء، البناء الذي قامت كل نحلة بوضع جزء من أجزائه، وذلك في انسجام كامل مع المعايير الهندسية المتسلسلة. ومما يجدر ذكره هنا أن الشكل السداسي هو الشكل الذي يشغل مساحة أقل عن الأشكال الهندسية الأخرى، لأن الخلية السداسية الشكل هي التي تتطلب أقل كمية من شمع العسل، في حين تخزّن بداخلها أكبر قدر ممكن من العسل.
وعلى هذا النحو تكون النحل قد اكتشفت كيفية إنشاء بناءٍ بالحجم اللازم وبطريقة اقتصادية أكثر، كما تكون قد استخدمت المواد بقدر معين دون إسراف.
ولقد أثبتت الدراسات أن الشكل السداسي هو الأنسب لاستخدام مساحة الوحدة بالكامل مع استخدام أقل قدر ممكن من المواد اللازمة لإنشاء أقراص العسل. ولو كانت هذه الأقراص ثلاثية أو رباعية الشكل لتمّ استخدامها دون ترك فراغات، ولكن المواد المستخدمة من أجل الخلايا السداسية أقل بكثير من المستخدمة من أجل الخلايا الثلاثية أو الرباعية. أما في الأشكال الهندسية الأخرى فلابد من بقاء مساحات شاغرة.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن ها هنا هو: أي مضلّع متساوٍ يمكن أن نستخدمه عند تقسيمنا منطقة معينة؟ فمن المعروف أن مجموع قياسات الزوايا الداخلية للمضلّع هو (180-360/n) درجة. وعندما نرغب في تقسيم منطقة كبيرة إلى مساحات صغيرة، ينبغي على المضلّعات المجاورة أن تلتحم جيداً ببعضها البعض دون أن تترك بينها مساحات فارغة، وكذلك ينبغي أن يكون مجموع الزوايا الداخلية للمضلّعات المجاورة الملتحمة، (360) درجة، أي بعبارة أخرى ينبغي أن يكون ضعف العدد الصحيح للزاوية الداخلية هو (360) درجة.
وعلى هذا النحو فيمكن أن نكتب المعادلة التالية لتوضيح عدد الزوايا الداخلية المجاورة للعدد الصحيح "N".
N (180 - 360 / n) = 360
ومن ثم يكون العدد الصحيح "N"
N = 2n / (n-2) = 2+4 / (n-2)
وما نحاول الوصول إليه هنا هو الحصول على العدد الصحيح "N" من بين عدد الأضلاع "n". ويمكن أن نحصل على قيمة الأعداد الصحيحة في (n= 3، 4، 6) فقط، في حين لا يمكن الحصول على أي عدد صحيح في أرقام ما فوق (6).
أي إذا أردنا تقسيم منطقة دون ترك أي فراغ، فيجب علينا أن نستخدم الشكل الثلاثي أو الرباعي أو السداسي، لا الشكل الخماسي المنتظم، لأن الأشكال الخماسية عند تكرارها تترك فراغات وبزاوية (360) درجة. وبناء على ذلك فإننا إذا قارنّا الشكل الثلاثي والرباعي بالشكل السداسي، رأينا أن الثلاثي والرباعي يملكان نفس العمق ويخزنان نفس الكمية من العسل، إلا أن المساحة التي يشغلانها تكون أكبر من المساحة التي يشغلها الشكل السداسي.
كان الاعتقاد السائد لا سيما عند علماء الأحياء، أن الغاية الرئيسية من بناء الخلايا بالأشكال السداسية هي تقليل حجم العمل وكمية الشمع فقط. ولكن خلال القرن الماضي اتضح السر في اختيار النحل هذه الأشكال، وهو أن استخدام الأشكال السداسية تجعل بنية السطح أقوى، ومن ثم تؤمن استهلاك أقل قدر ممكن من المواد. وقد تم فيما بعد دراسة الطريقة المثلى لتقسيم السطح إلى أقسام متساوية ومتماثلة في الشكل بحيث لا تترك أي فراغ بينها.
وقد أثبتت هذه الدراسة أن أنسب الأشكال التي ينبغي استخدامها هنا هي الثلاثية والرباعية والسداسية، وأن الأشكال الأخرى ستؤدي إلى ظهور فراغات حتماً.
لم يستطع أحد من العلماء تقديم الشرح الكافي في اختيار النحل للأشكال السيداسية رياضياً حتى حلول عام 1999، وذلك عن طريق "توماس هاليس".
إذ استطاع "توماس" وضع البرهان النهائي في أن اختيار النحل للأشكال السداسية هي لكونها أوفر وأقوى وأفضل حل لتخزين العسل.
وقد تبيّن أن الطريقة التي ابتكرتها النحل في تصميم الخلايا على أشكال سداسية، تتمتع بفوائد جمة في تقليل الطاقة اللازمة في العمل وكمية الشمع اللازمة للتغليف؛ حتى إن "داروين" نفسه وصف هذا البناء بأنه ابتكار هندسي مذهل.
فكيف استطاعت النحل حساب كمية العسل في كل خلية؟ وكيف علمت بأن بنية سطح الخلية السداسية هي الأقوى؟ وكيف عرفت أن الشكل السداسي هو الأنسب والأوفر من بين الأشكال الهندسية الأخرى؟! لابد هنا أن نلفت الانتباه إلى أن النحلة لم تتعلم كل ذلك من تلقاء نفسها أو بالصدفة، بل خالقُها هو الذي أعطاها كل هذه المزايا، وقابلية حلّ جميع المشاكل الرياضية هذه، وأمر النحلة بإنجازها على أكمل وجه.
وقد قام الباحثون بالفحص عن تجربة النموذج الرياضي ل"توماس"، حيث استخدموا من أجل ذلك الهواء السائل الرغوي. فقاموا بضخّ فقاعات رغوة المسحوق التي يبلغ قطرها (2 مم)، على شكل طبقتين بين زجاجتين. فتحولت الفقاعات التي لامست الزجاج إلى أشكال سداسية.
وظهر في الطبقتين الوسطيتين شكلُ المربعين والمسدّسين اللذين حلّلهما "توماس". وعندما زيد من سماكة جدران الفقاعات قليلاً، ظهرت حالة مثيرة للاهتمام، إذ تحوّل الشكل فجأة إلى ثلاثة مربعات متساوية الأضلاع، كما يحدث عند النحل تماماً. وقد أكدت هذه التجربة أن النحل تُغيّر من شكل خلية العسل عند أي تغيرات ومستجدات تحدث، وليس لدى النحل عقدة في الاحتفاظ بشكل دون الآخر.
هذا وقد بيّن الخالق سبحانه وتعالى نعمته على البشر حيث كلف النحل بصنع العسل أكثر من حاجتها، كما أن كل هذه الأمور التي تنجزها النحل تحدث نتيجة تنظيم رباني وتدبير إلهي: وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (النحل:68-69).
(*) الترجمة عن التركية: نور الدين صواش.
(*) كاتب وباحث تركي منتتقول