- هل سبق وان فكرتي بفكرة لامعة ؟ غيرتي بها شيئا بحياتك ومع من حولك ؟
- الفكرة تسبق الخطة
- إن هذه حقيقة شديدة الوضوح في كل جوانب الحضارة .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرحبا اخواتي الفراشات
هل سبق وان فكرتي بفكرة لامعة ؟ غيرتي بها شيئا بحياتك ومع من حولك ؟
الفكرة تسبق الخطة
الأفكار هي التي تصنع الازدهار ففكرة شق قناة السويس مثلاً لم تأت من مهندس وإنما جاءت من أحد منتجي الأفكار وكذلك آلاف الأفكار التي صنعت الحضارة فمتى وُلدت الفكرة فإن إيجاد المصممين والمنفذين والمشرفين ليس عملاً إبداعياً وإنما هو عمل روتيني تنفيذي فالفكرة دائماً تسبق الخطة.
إن كبار رجال الأعمال ومشيِّدي الامبراطوريات المالية والصناعية والعمرانية من أمثال سليمان الراجحي وفورد وبل غيتس وغيرهم لم يدرسوا النظريات الاقتصادية وإنما كانوا ذوي قدرات إبداعية في انتاج الأفكار البانية أما تنفيذ الأفكار الإبداعية فهو ميسور فالمهم أن تولد الأفكار الإبداعية.
إن هذه حقيقة شديدة الوضوح في كل جوانب الحضارة .
إن استخدام المنهج التجريبي لا يصنع الأفكار وإنما تنحصر وظيفته في التحقق من الأفكار التي أشرقت في الرؤوس المبدعة .. إن الفني الذي يقوم بالتحاليل الطبية لا يحدد هو ما يراد اكتشافه وإنما الطبيب بخبرته وحدسه هو الذي يُخَمِّن أسباب المرض ويريد أن يتأكد من صحة حدسه فيُحَدِّد لأخصائي التحاليل ما يجب أن يبحث عنه وكذلك بالنسبة لأخصائي الأشعة أو غيرهما.
إن العلماء في مراكز البحوث في كل العالم يعمل معهم مساعدون لا ينتجون الأفكار وإنما تنحصر مهمتهم في التحقق من الأفكار التي تمخضت عنها رؤوس العلماء من ذوي الاهتمام القوي المستغرق فإذا نمت اهتمامات المساعدين وتأججت فيهم الرغبة في الكشف فإنهم قد يرتقون إلى مستوى إنتاج الأفكار فيتحولون من مساعدين لأهل الأفكار إلى منتجين لها فيصبحون بحاجة إلى مساعدين وهكذا تتسع دائرة المبدعين فشرط الإبداع هو الاهتمام القوي المستغرق مع الموهبة المناسبة للمجال.
إن الكشوف العلمية تبدأ باهتمام قوي مستغرق في مسألة محددة أو ظاهرة محيرة من قبل أحد العلماء ويظل هذا العالم يجمع الملاحظات ويدوِّن المشاهدات ويواصل التفكير في المسألة أو الظاهرة ويُقَلِّبُها على كل الوجوه ويستدعي من ذاكرته كل الحالات التي لها علاقة بالمسألة أو الظاهرة ويستعرض كل الاحتمالات ثم يأخذ في استبعاد الاحتمالات الأقل واحداً بعد آخر وبعد الاختمار الطويل والملاحقة اللحوحة ينحسر العقل عن حدس خارق يُحَدِّد الفرض العلمي الذي اهتدى إليه وبعد كل هذا المخاض الطويل والعسير تبدأ عملية التحقق بالاختبار والتجريب وفي هذه المرحلة المتقدمة من مشارف الحقيقة يستطيع الممارس العادي أن يقوم بالتحقق.
وأحياناً تعمل أعداد من مراكز البحث ويقدّم العلماء الكثير من الفروض ولكنها لا تكون حاسمة ومن أوضح الأمثلة على هذا الاخفاق المتكرر الفروض والبحوث المتعلقة بمرض السرطان عن طبيعته وأسبابه والعلاجات الممكنة له وحتى الآن لم يوجد فرض صادق تمام الصدق وإنما كل الفروض تكون صادقة في جزئية من المشكلة لكن جوانب أخرى تبقى غامضة لأن المسألة لا تتعلق بالطبيعة الجامدة وإنما بالخلايا ذات التعقيد الشديد..
إن قراءة تاريخ الكشوف العلمية تؤكد أن هذه الفتوحات العظيمة لم يتحقق التوصُّل إليها بالالتزام بالقواعد والخطوات والتعليمات وإنما العلماء يعملون بطرق خاصة قوامها الاستشكال حول ظاهرة غير مفهومة ثم الاهتمام القوي المستغرق والمعايشة المتصلة الحميمة بحثاً عن تفسير مقبول إنهم بالخبرة الطويلة الناضجة يكتسبون قدرة استشعارية نافذة تتيح للخيال أن يجمع الخيوط وأن يتحسس العلاقات حتى ينتهي برؤية خارقة كاشفة ولذلك يقول آينشتاين: ".. إذا أردت معرفة طبيعة المناهج التي يستخدمها الفيزيائيون النظريون فإني أنصحك بطريقة واحدة لا غير: لا تستمع إلى أقوالهم بل ركّز على أعمالهم.." إن الباحث المبتدئ لا يستطيع أن يرتقي إلى مستوى إنتاج الأفكار بمجرد التعرّف على المناهج والتعليمات وإنما يكتسب هذه القدرة بالاهتمام الشديد والملاحظة الدقيقة والعناية بما هو غير مفهوم والثقة بامكانية العثور على التعليل الصحيح ثم بمخالطة العلماء أثناء البحث ومعايشتهم أثناء الاستغراق ومراقبة الجو العلمي الذي ينهمكون فيه وكيف ينتهي كلُّ ذلك بإلهام خارق لا يستطيع المراقب الغفل أن يرى أسباب ولادته كما أن العلماء أنفسهم لا يستطيعون وصفه لغيرهم من أجل استخدامه لأنه يمثل حالات هي من خصوصيات الأفراد وليست متعلقة بخطوات العمل ولا قواعده فمثلما ان الذي يعيش مع الشاعر ويراقب حياته ويطلع على دقائق سلوكه لا يستطيع أن يتحول إلى شاعر وكذلك الشاعر نفسه لا يستطيع أن يعطي قدرته لأحب الناس إليه فكذلك قدرة الكشف النادرة انها قدرة خاصة جيَّاشة ساهمت عوامل كثيرة في تكوينها وهي من نصيب عدد محدود جداً من الباحثين أما العدد الكبير من الباحثين والدارسين والخريجين فيبقون محرومين من هذه القدرة الأساسية النابضة.
إن الذين تكوَّنَتء فيهم قدرةُ الكشف قد يجدون الفكرة حاسمة من حيث لا يتوقعها أحد في مجال شديد الاختلاف عن الموضوع الذي يشتغلون عليه ولعلَّ من أوضح الأمثلة على ذلك ما تكرر ذكره كتب تاريخ علم الأحياء فلقد بقي دارون سنوات طويلة وهو يواصل البحث يرصد المشاهدات ويدون الملاحظات ولكن لم يعثر على أية فكرة تجمع شتات الملاحظات التي دوَّنها خلال بحثه الدؤوب وانتظاره الممض وبقي حائراً لا يجد تفسيراً لهذا التنوع الهائل في الأحياء لكنه قرأ في عام 1838م مقالة توماس روبرت مالتُس التي انتهى فيها إلى: " .. أن الناس يتكاثرون بسرعة أكبر من تزايد إنتاج الطعام وأن السكان يجيب أن ينقصوا إما بمجاعة وإما بوباء وإما بحرب وأن هذه الشرور إذن هي ضمن قانون الوجود ولا يمكن تجنُّبُها.." وبعد أن قرأ دارون هذه المقالة بزغت في رأسه فكرة تنازع البقاء وبقاء الأقدر على التكيف والأقوى على المقاومة والأصلح لاستمرار الحياة.
هذه القصة التي تتكرر في كتب تاريخ العلم ودراسات الإبداع وتراجم المبدعين يُعَلِّق عليها عالم الوراثة الأمريكي اسحق أزيموف في كتابه (الحقيقة والخيال) فيقول: ".. كان باستطاعة دارون أن يحتفظ بسهولة بالفضل كله فقد كان معروفاً ومشهوراً وكان هناك شهود عديدون بأنه كان يعمل في مشروعه طوال عقد ونصف ولكن دارون كان إنساناً بالغ الأمانة والإنصاف ولم يحاول على الاطلاق أن يقلل من شهرة والاس.. لقد عرض المقال على آخرين ورتَّب لكي يُنشر مع مقال له مشابه.. " ثم يوضح أزيموف أن الحدوس الخارقة لا تستجيب إلا للموهوبين المفعمين بالمعرفة العميقة الواسعة والمتابعة الدقيقة الطويلة والاهتمام القوي المستغرق فيقول: " .. الحالة تشتمل على رجلين يقومان بواحد من أعظم الكشوف في تاريخ العلم كلُّ منهما يعمل مستقلاً عن الآخر وفي وقت واحد وتحت تأثير نفس المثير على وجه الدقة. ." ثم يتساءل أزيموف باستنكار: "..
هل هذا يعني أن أيَّ فرد يستطيع أن يتوصل إلى نظرية الانتقاء الطبيعي إذا لم يفعل سوى القيام برحلة بحرية (كما فعل دارون) وجَمَعَ بين هذا وبين قراءة مالتُس؟!.." ويجيب بالنفي ثم يقول: ".. لقد كان كلُّ من دارون ووالاس ذوا قدم راسخة في التاريخ الطبيعي وقد جَمَعَ كل منهما مجموعة هائلة من الحقائق في الميدان الذي استطاعا فيه أن يعملا على النفاذ إلى فكرتهما فيه وهذا أمرٌ له مغزاه بالتأكيد.." إن تنوُّع الأحياء هو واقعٌ يراه الناس منذ أن وُجدوا على هذه الأرض بل ان الناس منذ أزمان سحيقة وهم يرون الاختلافات بين أفراد النوع الواحد في البيئة الواحدة وأنَّ هذه الاختلافات تشتد باختلاف البيئات الطبيعية فأحياء البيئة الصحراوية تختلف لوناً وحجماً وشكلاً عن أحياء البيئة الباردة أو المعتدلة والمطيرة ولكن كلَّ هذه المشاهدات يمرُّ بها الناس دون أن توحي لهم بأي تساؤل فضلاً عن محاولة العثور على نظرية علمية تفسر هذا التنوع.
إن الاستشكال هو حافز البحث فالذي لا يحسُّ بوجود مشكلة حينما يلاحظ وجود ظاهرة غامضة غير مفهومة لا يمكن أن ينشغل بالبحث لأنه لا إشكال عنده وهذا شأنُ معظم الناس أمام ظواهر الوجود فهم لا يثيرون أي تساؤل وإنما يتآلفون مع الواقع باستسلام تام وانقياد أعمى أما أهل النباهة فإنهم لا يأخذون الأمور مأخذ التسليم التلقائي وإنما يحسُّون بالقلق إذا واجهتهم ظاهرة ليس في أذهانهم تفسيرٌ لها فيواصلون البحث حتى يعثروا على الحل أو يلازمهم القلق إلى أن يتمكنوا من التكيّف الاضطراري مع ما ليس مفهوماً.. فالاستشكال لأهل النباهة ليس اختياراً أو ترفاً أو حذلقة وإنما طبيعتهم الذهنية لا تستطيع أن تُمرِّر الأفكار إلابعد فهمها لذلك فاندفاعهم للبحث هو اندفاع تلقائي صادق ليس فيه أيُّ قدر من التكلُّف أو التصنُّع أو التلهي إن الذين قُدِّر عليهم أن يكونوا شديدي الإحساس بالمشكلات التي لا ينتبه لها الآخرون هم الذين ينهمكون في البحث من أجل الوصول إلى فهم يُرضي أذهانهم ويُزيل قلقهم فهم المنتجون للأفكار التي تقود حركة التقدم في العلوم والفنون والتقنيات والتنظيمات وسائر عناصر الحضارة.
إن نهضة الفكرة تؤسس لنهضة العلم وتستمر في حفزه وقيادته فالحدس الخارق الذي يتمخَّض عنه الفرض العلمي ليس من حقل العلم وإنما هو من حقل الفكر. . إن الأفكار دائماً تسبق البحوث وتتقدم أعمال التحقُّق لذلك فإن إبداع الأفكار ليس بالامكان تعليمه ولا وضع قواعد للإرشاد إليه وإنما الذي يمكن تعليمه هو اجراءات التحقُّق من الأفكار التي جاءت من حقل الفكر فالعلم خادمٌ للفكر ومتفرِّع منه ....
دمتن بحفظ الله ورعايته ...
رائع جدا وكلام صحيح
"الفكرة تسبق الخطة"
جزاكِ الله كل خير
شكرا لكِ