- انطفأت شمعتي
انطفأت شمعتي
في صباح ذلك اليوم و هي في طريقها إلى العمل قالتها وقلبها يكاد ينفطر. قالت "أشعر بأنها قد انطفأت" سألتها و الدهشة على محياي ما الذي انطفأ؟ سكتت لبرهة ثم أجابت بأن شمعة كانت بداخلها قد انطفأت. كانت تضيء قلبها و روحها تنير لها الطريق و تمنحها الدفء. دفئا و نورا تشعر به هي و من حولها من الناس.
تذكرت أيام الصبا فرسمت على شفتيها ابتسامة عنوانها الحنين إلى الماضي و الأيام الخوالي. أقولها و أراني اخجل من نفسي لقولي هذا.كوني أتحدث عنها و كأنها امرأة عجوز. لكن على العكس فهي ما تزال شابة في ربيعها الحادي و العشرين. فتاة في مقتبل العمر إلا أنها تحس بأنها فعلا امرأة عجوز.
يتنافى هذا تماما مع مظهرها الخارجي فهي في صحة جيدة و مظهرها جميل قد تزن ما يقارب 55 ك.غ وطولها قد يصل إلى 167 سنتيمتر.سمراء البشرة و تملك ابتسامة جميلة تسعد الآخرين.
سالت نفسي عن السبب الذي جعلها بهذه الحال فهي الآن في عمر الزهور. تقول بأنها تشتاق بعمق لأيام المراهقة التي عايشتها تشتاق إلى ضحكتها التي كانت تسمع في أرجاء الثانوية التي درست بها. تشتاق إلى الحياة العابثة التي كانت تعيشها. تعتبر تلك الأيام من أيام الطفولة فهي لم تكن تعرف معنى الحزن أو الهم أو حتى التفكير في الغد.
كانت تلميذة عادية تدرس فقط لكي لا ترسب.و ذلك ما كان يحدث بالفعل فهي لم ترسب أبدا.
كانت من أكثر الناس سعادة بغض النظر عن المشاكل العادية التي قد تواجه أي شخص كيفما كان.
الغريب في الأمر أن الأيام التي تحكي عنها لم يمر عليها وقت طويل فقبل سنتين فقط كانت لا تزال في الثانوية.أمن المعقول أن تتغير بهذا الشكل في هذه المدة الوجيزة.
بعد حصولها على الباكلوريا لم تلتحق بالجامعة و لعلها تشعر بالندم إلى الآن على فعلها هذا
درست بأحد المعاهد في نفس مدينة التي تقطن بها. وحصلت على شهادة بعد سنتين من دراستها بالمعهد.
أثناء فترة دراستها بالمعهد تغيرت أمور كثيرة فهي لم تعد تدرس فقط لكي لا ترسب. بل الأكثر من ذلك أنها باتت مطالبة بالنجاح لكي تحصل عمل جيد في النهاية.
أسئلة كثيرة كانت تكاد تقتلها. هل ستجد عملا أم لا؟هل ستظل عالة على أهلها ... فبحكم مستواها الاجتماعي الذي يعد بسيطا للغاية إن لم نقل أنه ضعيف.
كان يتوجب عليها العمل لكي تساعد أسرتها أو فقط لكي تتكفل بمصاريفها الشخصية.
لم تعلم أبدا بأن هذه الأمور التي باتت تشغل تفكيرها كانت في نفس الوقت تقتل تلك الفتاة المرحة و الطائشة بداخلها لم تنتبه إلى الأمر إلا بعدما حصلت على الشهادة و حصلت على عمل متواضع بعد عطلة دامت حوالي شهرين أو أكثر.
كان عملها متعبا للغاية تعمل من الثامنة صباحا حتى السادسة مساءا إن لم يتجاوز الأمر ذلك الوقت.كانت متحمسة في بداية الأمر و بعد مدة ليست بالقليلة بدأت تتعب كثيرا جسديا و معنويا و هذا أسوأ ما في الموضوع. التعب الجسدي علاجه سهل للغاية فبمجرد النوم لمدة أطول قد تغدو بخير, لكن ماذا عن التعب المعنوي أو النفسي؟؟؟
هنا تكمن المشكلة فتعبها النفسي لم تجد له علاجا بل و لم تستطع حتى أن تشارك أحد أفراد أسرتها فيما تعاني منه و تحفظها هذا هو ما زاد من حدة الأمر.
نظام العمل الذي يتبعونه يحتم عليهم المداومة من الثامنة و النصف صباحا حتى السادسة مساءا و في بعض الأحيان حتى السابعة أو الثامنة مساءا كما يمنحهم عطلة يوم و نصف في نهاية كل أسبوع إن لم تتقلص إلى مجرد يوم واحد نظرا إلى الضغط الذي يولده تراكم العمل.
أي أنها كانت تعود في مساء كل يوم منهكة تماما لتتناول ما تجده أمامها من طعام ثم تخلد إلى النوم الذي بات ملاذها الوحيد نظرا لأن عملها ينحصر في الرسم على جهاز الكمبيوتر طوال اليوم. تنام عند الساعة التاسعة آملة أن تحصل على أكبر قدر من الراحة لمواجهة يوم جديد.
كانت تنتظر يوم عطلتها بفارغ الصبر ففيه ستخرج للعالم الخارجي تتمنى أن يطول ذلك اليوم كثيرا لكي تتمكن من القيام بكل ما ترغب به.
في الصباح الباكر من ذلك اليوم تذهب إلى الحمام فجسدها الصغير يكون بحاجة ماسة إلى ألاسترخاء في مكان ساخن لكي يستعيد قوته و لياقته و كذا حيويته.
تود أن تنظف ملابسها التي تكون قد استعملتها على التوالي طيلة الأسبوع كما ترغب بأن ترتاح لبعض الوقت, و ترغب كذلك بأن تخرج برفقة صديقاتها لتنسى روتين العمل اليومي. ولكن للأسف لم يكن بإمكانها القيام بكل هذه الأمور لذلك باتت تشعر بأنها لا تملك حرية التصرف في وقتها كما تشاء.أصبح وقتها محدودا و محصورا إما في العمل أو النوم.
تعمل لأنها مضطرة لفعل ذلك وتنام لتجد الجهد والقدرة للعمل. وهكذا باتت حياتها مملة لا ألوان فيها و لا أحدث مهمة. تحس و ترى أياما و أياما تسرق من حياتها علنا و هي تقف مكتوفة اليدين لا حول لها و لا قوة. عاجزة عن فعل أي شيء.
أثناء طريقها للعمل تلمح فتيات الثانوية و هن يضحكن و يتمازحن فيما بينهن فتعتريها غيرة شديدة. تشعر بظلم الحياة التي خيرتها بين العمل الذي هي في أمس الحاجة إليه و بين شبابها, وسعادتها اللذان أصبحت تفقدهما يوما بعد يوم.
سرحت في كلامها مدة طويلة و تأملت ملامح وجهها الشاحب في جسدها الصغير المتعب. في الدموع التي ملأت عينيها في رغبتها الجامحة بأن تصرخ ملأ حنجرتها و تقول للناس جميعا بأنها متعبة للغاية و بأنها ما تزال و تود إن تعيش حياتها كباقي الفتيات صغيرة بان تنتزع قلبا بات كهلا زرع بين أضلاعها و بأن ترتاح لوقت طويلة و تشعل شمعة كانت قد انطفأت بداخلها هذا ما لمحته بعينيها
ووددت بلهفة لو أن في وسعي التخفيف عنها لكن لم استطع ماذا عساي أن أفعل أأنصحها بترك عملها و أنا أكثر الناس علما بحاجتها له أم انصحها بأن تصبر عسى ربي أن يفرج همها و يجد لها مخرجا. وقبل أن أبدا بالكلام أدارت لي ظهرها و قالت لي شكرا لك لاستماعك إلي و ذهبت مثل كل يوم لعملها......
بقلم أميرة الأحزان