الفراشة أصبح فتيات Ftayat.com : يتم تحديث الموقع الآن ولذلك تم غلق النشر والمشاركات لحين الانتهاء من اتمام التحديث ترقبوا التحديث الجديد مزايا عديدة وخيارات تفاعلية سهلة وسريعه.
فتيات اكبر موقع وتطبيق نسائي في الخليج والوطن العربي يغطي كافة المجالات و المواضيع النسائية مثل الازياء وصفات الطبخ و الديكور و انظمة الحمية و الدايت و المكياج و العناية بالشعر والبشرة وكل ما يتعلق بصحة المرأة.
شمـ الأمل ــس
28-05-2022 - 02:46 am
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيفكم فراشات؟؟؟؟
اول موضوع انزلوا بهذا القسم واتمنى ان يعجبكم...
((سقط بين يدي امرأه )) روايه قراتها في احد المنتديات جدا اعجبتني واحب ان اضعها بين يديكم فهي جدا رائعة وكان اسمها بالمنتدى ((حديث الشيخ)) وانا عندما قراتها احسست ان عنوانها اجمل عندما يكون ((سقط بين يدي امرأة)).... وان شاء الله حانزلها كاملة بس ابغاكم تشجعوني ولا تحرموني من ردودكم يا اجمل فراشات.........
وهدف الروايه جدا سامي وممتعه......
سييو


التعليقات (8)
شمـ الأمل ــس
شمـ الأمل ــس
((مقدمة القصة)) قال محمد بن إسحاق بن حسن الموصلي نزيل بغداد :
كان صاحبي يسار بن صادق بن عبد ربه البغدادي ، شابًا غلبته نفسه وتمكنت منه شهوته ، فانصرف عن أمور آخرته إلى دنياه ، وعن التجارة الرابحة إلى التجارة الخاسرة ، وعن مدارج السالكين العارفين ، إلى مباذل الغافلين الخاسرين ..!!
ولم يكن من قبل هذا حاله ، وما كان أحد من أصحابه يظن أنه إلى هذا سيكون مآله ، لأنه كان قد نشأ في طاعة الله ، واشتهر بورعه وتقاه ، حتى عرف بين أقرانه بالراهب ، وسمَّاه بعضهم : (( حمامة المسجد )) هذا ما ذكره لنا الشيخ الثقة أبو العرفان ، وبالله تعالى التوفيق .
وسبحان الله ، ثم سبحان الله ، كيف تتغير النفوس من حال إلى حال ، وكيف تصاب الروح المؤمنة القوية بالهزال ؟! كنت والله أغبط هذا الفتى على ما أوتي من ورع وتقى ، وتوفيق إلى الخير وهو في ريعان الصبا .. فقد قرأ كتب الأولين ، ونال حظًا وافرًا من العلم والدين ، وتأثر بالحسن البصري ومالك وابن دينار ، وطاووس وحبيب العجمي ، رحمهم الله أجمعين .. وقرأ كتب أبي حامد الغزالي حتى قال : ليس من الأحياء من لم يقرأ الإحياء ! ولقد سمعت صاحبه أبا الحسن يقول :
- سيقوم يسار في الآخرين ، مقام عبدالرحمن القس في الأولين .! وكان كثير الصمت ، قليل الكلام ، فإذا تحدَّث ، تحدَّث همسًا أو ما يشبه الهمس ، ولكن حديثه ينفذ إلى القلب ، فيه الحلاوة والطلاوة ، بسحر السامع ويأخذ بلبه ، ويستولي عليه ، فلا يدري أهو أسير حديثه أم أسير محدثه !
وكان قد أسر بأحاديثه هذه ، جارية فارسية يقع بيتها في نهاية سوق الخبازين ، قريبًا من بيت أبي الحسن الورَّاق صاحب المصنفات المعروفة .. أسرها بأحاديثه ، وأسرته بجمالها ورقتها وعذوبة صوتها .. فأخذ يتردد عليها كثيرًا ، حتى ملأت نفسه ، وملكت قلبه ، فشغف بها ، وشغفت به ، فلم تعد تصبر على فراقه يومًا أو بعض يوم !!
ولكنه على ما ينقل الثقات ، قد أمسك بلجام نفسه ، وسيطر على دوافع شهوته ، فلم يطأ محرمًا قط .. وتحدث إلى غير واحد ، أنه كان يذهب إلى بعض مجالس الشباب الخالية ، الذين يسهرون الليل على صوت الدف والغناء وكؤوس الخمر ، ولكنه لا يشربها .
ووالله إني لفي حيرة ، كيف استطاعت هذه الجارية الفارسية أن تسحره ، وتستولي عليه ، وتسلبه عقله ولبه ؟! ولكننا لا نستطيع الآن أن نصب عليه اللوم ، ولابد من الرجوع إلى أقوال أهل الخبرة من القوم فقد كان أبو العرفان يصب اللوم الشديد على من صار بها ولهان .. وما إن ترددت الجارية على دكانه عددًا من المرات حتى نظم فيها قصيدة عنوانها (( أوقعتني في الحب )) .
فإذا كان هذا الرجل ، وهو على ما نعلم من علو القدم ، يقع في هواها ، وينظم قصيدة بمعناها ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، ونعوذ بالله من فتنة النساء .
قال محمد بن إسحاق بن حسن الموصلي :
ولقد علمت بتفاصيل القصة بعد حين ، وحدثني بها من لا أتهم في عقل ولا دين ، وذكر لي كيف بدأت الحكاية ، وكيف سار صاحبنا يسار في طريق الغواية ، وسأذكرها كلها من البداية إلى النهاية ، وهي والحق يقال ، لو اطَّلع عليها البشر ، لكانت عبرة لمن اعتبر .
..........................
سانزل بداية الروايه اليوم باذن الله ولكن لا تحرموني من ردودكم
فالروايه هدفها جدا سامي..........
سييو......

شمـ الأمل ــس
شمـ الأمل ــس
اهلين فراشات .... وين ردودكم ....اتيت اليكم ببداية الروايه بين يديكم..... الفصل الاول....
الأقفال السبعة
قال محمد بن إسحاق بن حسن الموصلي نزيل بغداد :
كان أبو الحسن الورَّاق شديد الإعجاب بصاحبنا يسار ، وكان يرى فيه مثال الورع والتقى ، وأنه من جملة السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله ، يوم لا ظل إلا ظله .
وعندما حدث ما حدث ، وانحدر يسار إلى ما انحدر إليه ، تأسف أبو الحسن كثيرًا ، وأخذ يضرب كفًا بكف ويقول :
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. والله إنها لمصيبة ، والله كنت أظن أن إبليس أعجزُ من أن يصل إليه ، أو ينال منه .. ولكن هذه الجارية !!.
ولقد ذكر بعض شيوخنا حفظهم الله ، أن الجارية الفارسية كانت في غاية الحسن والجمال ، وكانت إلى ذلك تتقن عددًا من الفنون وتتكلم اللغة العربية مشوبة بلكنة أعجمية تزيد من كلامها رقة وعذوبة وتجذب إليها القلوب ، وتستهوي أصلب الرجال عودًا ..
ويقسم أبو الحسن الورَّاق ، إنه لم ير الجارية ، ولم يرفع إليها نظره ، وإن كان دارها قريبًا من داره ، وهو يقول :
- رب نظرة أورثت القلب ألف حسرة .
ويتمثل بالآية الكريمة : } قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم { .
وبداية القصة ، كما أخبرنا بها الشيخ أبو محمد المؤيد بالله ... أنه كان يُعقد في بيت الجارية ، مساء الثلاثاء من كل أسبوع ، مجلس للطرب واللعب والغناء ، وكان يحضره شباب من القوم ، منهم أبو محمود حكيم بن محمود ، وحسَّان بن معيقيب ، وحبيب بن مسعود الجصاص ، وغيرهم ممن لم يتذكر أسماءهم الشيخ .. ونعوذ بالله من الخطأ والنسيان .
وقد تأخر ذات يوم عن الحضور في الوقت المعين ، سعيد بن منصور الذي يقع بيته قريبًا من سوق العطَّارين ، مقابل بيت الشيخ أبي العرفان ، بهذا أخبرنا الشيخ حفظه الله .
قال ، وعندما حضر بادره الجميع بقولهم :
- أين كنت ؟
فأجابهم وهو يتخفف من بعض ملابسه ، وعلامات التأثر بادية على وجهه :
- التقيت هذه الليلة بيسار ..
وسرت في نفوس القوم هزَّة خفية ، وساد المكان سكونٌ شامل ونظرت الجارية بعينيها اللوزيتين ، وقاربت ما بين حاجبيها ، وسألت .
- ومن يسار هذا ؟
فأجابها حبيب بن مسعود ، وكان على صلة قديمة بيسار :
- أنا أعرف القوم بحاله .
وأخذ يحدثها بكل ما يعرف عنه ، عن علمه وورعه ، وزهده وتواضعه وعن حسنه وأخلاقه وعذوبة منطقه .
وسكت قليلاً ، ثم أضاف قائلاً :
- نظرة واحدة إليه تكفي لاستيعاب كل ما كتبه الزهاد .. فما حوى الكتاب بين دفتيه ، ترينه في هذا الفتى الذي يسير على قدميه .
وتنهَّد حسَّان بن معيقيب وقال :
- ذلك الرجل عرف الطريق إلى ربه ..
قال أبو العرفان : فأنصتت الجارية بكل اهتمام ، وأخذت بما سمعت ، وعزمت في قرارة نفسها على أن تحظى به ..
كانت غرفة الاستقبال مفروشة بالسجاد العبقري الموشى ، والستائر خضراء تتخللها خيوط صفراء بلون الذهب ، والقناديل الملونة تتدلى من السقف وهي تتمايل سكرى . وفي زوايا الغرفة قناديل أخرى تفوح منها رائحة المسك .
ومالت الجارية برأسها ، وسألت حبيب بن مسعود :
- هل هو متزوج ؟
واستطاع أبو محمود ، وكان حاضر النكتة ، سريع البديهة ، يتقن اللغة التركية ، وعددًا من اللغات الأعجمية ، وكان قد سافر إلى بلاد شارلمان وجرت له من الحوادث ما لا يتسع المجال لذكرها .. قال ، وكان يتحف الحاضرين بما رأى في تلك البلاد ..
استطاع أبو محمود أن يدرك ما يدور في خلد الجارية ، فقال وهو يضحك :
- لا سبيل لك إلى يسار .
فالتفتت إليه متحدِّية وقالت :
- سوف ترى ..
وسكتت قليلاً ثم أضافت :
- وإذا استطعت أن أحضره إلى هنا ؟
فنهض أبو محمود وهو يضحك ، وأخرج ألف دينار ضرب بها المنضدة وهو يقول مشجعًا :
- ما هاهنا لك إذا استطعت أن تفعلي .
فصاح حبيب بن مسعود :
- اتقوا الله ، واتركوا الرجل في عالمه .
واسترسل أبو محمود ضاحكًا وهو يقول :
- سوف يأتي إلى هنا .. سأسقيه الخمر بيدي .
ورفعت الجارية يدها ، تتحسَّس القرط اللؤلئي الذي يزين أذنها ، ثم نادت الخادم ، فأقبل ، طويلاً دون المشذب أسود ، جميل التقاطيع .. أحضر لها رقعة ، كتبت عليها شيئًا وطوتها بعناية فائقة ، ولفَّتها في منديلها المعطَّر ، ثم التفتت إلى سعيد بن منصور وقالت :
- أين نجد يسارًا في هذه الساعة ؟
فأجابها وهو يشير بيده :
- رأيته متجهًا إلى بيت القاضي بعد صلاة العشاء .
فنهض حبيب بن مسعود ، واقترب منها يريد أخذ الرقعة من يدها وهو يقول :
- لا تفعلي .. بالله عليك .
ولكنها ضحكت ودفعت يده بيدها اليسرى ، فرنت الأسورة التي تزين يدها ، ثم مالت فأسرَّت في أذن خادمها شيئًا ، ثم ناولته الرقعة ..
وقبل أن يخرج صاح حبيب بن مسعود منفعلاً ، وأخذ يردد :
- إن دون الوصول إلى اليسار سبعة أبواب عليها سبعة أقفال من حديد .
قال أبو الحسن الورَّاق : وما هي إلا ساعة ، حتى عاد عربيد بوجهٍ جامد خالٍ من التعبير . وناولها المنديل دون أن يتفوَّه بكلمة . فأخرجت الرقعة ، وألقت عليها نظرة خاطفة ، ثم قفزت بثوبها الأبيض الفضفاض ، وشعرها الأسود الطويل وهي تحمل الرقعة بيدها اليمنى وتقول :
- هذا هو القفل الأول قد انفتح .
وعلت الدهشة وجه حبيب ، ولم يصدق سعيد بن منصور أذنيه ، وبقي حسَّان بشعره المجعَّد وعينيه الخضراوين ينظر إليها دون أن ينطق ، أما أبو محمود ، فقد أخذ يصفق ويصيح :
- ألم أقل لكم .. سأسقيه الخمر بيدي ..
وانفجر حبيب بن مسعود ، وقد التهب وجهه الصغير بالغضب ، وضرب بقبضة يده على المنضدة وهوَّل يقول :
- مستحيل ..
قال أبو الحسن الورَّاق : أما الجارية ، فقد استمرت كالفراشة الجميلة تدور في المكان ، وهي تحمل الرقعة بيدها وتقول :
- هذا هو القفل الأول قد انفتح .. انظروا ..
وألقت الرقعة على المنضدة ، فتسابقت الأيدي للحصول عليها والاطِّلاع على ما فيها ..
..................................................
بنات لا تحرموني من ردودكم الطيبه وتشجيعكم لي........
سيو..

شمـ الأمل ــس
شمـ الأمل ــس
فيا ترى ماذا كتبت فيها وماذا رد عليها وما كان موقف يسار؟؟؟؟

شمـ الأمل ــس
شمـ الأمل ــس
المفتاح العجيب
كان أبو محمود أسرع القوم إليها ، فخطفها وأخذ يلوح بها وهو يضحك وينظر إلى حبيب بن مسعود ويقول :
- هذا هو صاحبك قد وقع .
وقبل أن يقرأها ، وبخفة متناهية أدهشت الجميع ، خطفتها الجارية من يده ، وجذبت عربيدًا وذهبت إلى غرفة مجاورة .
قال أبو الحسن الورَّاق : واستحثت الجارية الخادم وهي تقول :
- أخبرني يا عربيد .. أخبرني بكل ما رأيت .
ونظر إليها ببرود ، وكان قد عاد بغير الوجه الذي ذهب به ، وكانت الجارية متلهِّفة لسماع حديثه ، فهزِّته قائلة :
- ماذا دهاك يا عربيد .. تكلم ؟
فأشاح الخادم بوجهه إلى ناحية أخرى وقال :
- هل أنت جادة في هذا الأمر يا سيدتي ؟
وهتفت بحماس :
- ألف دينار .. ألف دينار يا عربيد ..
فهزَّ عربيد رأسه وهو يتلفت إليها وقال :
- كلا يا سيدتي .. لا أظن أن الدنانير هي كل ما تبغين .
فقطَّبت ما بين حاجبَيْها ، ونظرت إليه بعينيها النجلاوين ، وقالت : تستنطقه :
- وما تظن يا عربيد ؟
فتنهَّد وهو يرجع خطوة إلى الوراء ، وقد وقع الضوء القليل الذي ينتشر من ضوء القنديل على صفحة خده الأيمن ، فبدا بلون البن الغامق ، ثم رفع يده فحكَّ رأسه ثم قال :
- لا أدري .. ولكن ..
فضربت الأرض برجلها ، وقد صعد الدم إلى وجْنَتيْها وقالت :
- ولكن ماذا ..؟
وأجاب بصوت هادئ عميق النبرات :
- يا سيدتي .. إن الوصول إلى القمر ، لأهون ألف مرة من الوصول إلى يسار ..
ثقي يا سيدتي أنه لم تر عيني مثله بين الزهاد .. لا هنا ولا هناك . وأشار بيده إلى الشرق البعيد ، وبقي لحظات مشيرًا بيده ، واقفًا كالتمثال ، مثبتًا بصره على الناحية التي أشار إليها .
فأطرقت الجارية ، وتغير لونها ، وقالت بصوت انتزعته من بين آلامها :
- بالله عليك يا عربيد .. لا تذكرنا بتلك الأيام .
ثم تنهَّدت تنهَّدة عميقة وقالت :
- إننا في حاجة إلى النقود يا عربيد .
فخفض يده ، وعاد إلى وقفته الأولى ، وقد شعر أنه استطاع أن يؤثر عليها .
فتبسَّمت ، ونظرت إليه بلطف ، وقد لمعت عيناها على ضوء القنديل الذي يتسلَّط عليها .. وقالت بصوت هادئ خافت ودود :
- والآن .. حدثني يا عربيد .. أخبرني بكل شيء .. بكل ما رأيت وسمعت . قال ، وقد انقاد إلى لهجتها :
- رأيت نازك الرومي ، خادم الشيخ القاضي محمد صالح ، يهم بدخول الدار ، فاستوقفته ، وأخبرته بأني أريد أن أقابل يسارًا على انفراد . فأخذ بيدي إلى غرفة قريبة من الديوان .. وانتظرت حتى أقبل يسار . متوسط القامة ، أزهر اللون ، تبرق أساريره بنور جذَّاب ، نحيفًا ، تجلله المهابة ، ويعلوه الوقار ، يحس بروعته الناظر إليه .. أقسم لك يا سيدتي ، إنني لم أندم في حياتي مثل ندمي هذه الليلة . ندمت أنني قدمت في مثل هذه المهمة وعلى هذا الرجل الذي .. الذي يعيش في هذه الدنيا وروحه معلقة بالآخرة .
إن ليس من ذلك النوع الذي تعرفينه . لم ترعيني مثله قط .. لقد تمنَّيت من كل قلبي أو لوعُدت أدراجي ، ولم أفاتحه ..
وسكت عربيد ، وكأنه يريد أن يستحضر كل لحظة عاشها مع يسار .. واهتزت ذبالة القنديل على نسمة باردة ، تسللت من شق الباب .. وتحرك ظل الجارية على الجدار .. وعد عربيد يتحدث بصوت خافت مؤثِّر :
- لقد ارتفع هذا الرجل بروحه عن الأرض ، وأخذ بسبب إلى السماء . فكان فيه من السماء معنى السمو والزكاء والنقاء .
كانت الجارية تصغي إليه باهتمام ، وقد سحرها بوصفه ، وملك عليها مشاعرها . حتى تخيَّلته مَلَكًا في صورة إنسان .
ومضت تستحثه :
- وماذا بعد .. تكلم يا عربيد ..
قال :
- بدأني بالسلام .. ثم وقف ينظر إلي ، فشعرت كأن نظراته تغوص في أعماقي ، وتكشف المكنون في صدري .. ثم قال :
- ما اسمك يا رجل ؟
قلت :
- عربيد .
فلم يعجبه هذا الاسم ، ونظر إليَّ ساعة ثم قال :
- لا ينبغي أن يكون هذا اسمك .
ثم أضاف بعد قليل :
- بل أنت مريد ..
أتدري من هو مريد ؟
ولم أجب ، مضى يقول :
- المريد هو الذي يريد الوصول إلى الله ، بقلب سليم .
اتق الله يا مريد واجتنب المعاصي .
وعاد عربيد إلى السكوت .. ولم يدر ما كان يعتمل في صدر الجارية التي استبدَّ بها الشوق إلى معرفة المزيد عن يسار حتى نَسِيَت نفسها ، ونَسِيَت الضيوف الذين كانوا ينتظرون عودتها .. وانحنى عربيد قليلاً كأنه يريد أن يلتقط شيئًا من الأرض .. ولكنه عاد فاعتدل .
وهزَّته الجارية . وقالت بصبرٍ نافد :
- تكلم . تكلم يا عربيد .. لا تسكت .
فنظر إليها نظرة صارمة وقال :
- أرى أن تتركي هذا الأمر .
- أتركه ؟!
قالتها بدهشة وتعجب ..
- أبَعْدَ كل ما ذكرته أتركه ؟
كيف أترك أمرًا بدأته ؟ سرت فيه خطوات ..
فلما رأى إصرارها ، عاد يروي ما حدث ، دون أن يعقب على كلامها الأخير :
- رأيتني أمد يدي بالرقعة ، بتردد ، وتخاذل ، وخجل .. فتناولها ، وألقى عليها نظرة .. فنغيَّر لونه ، وصعدت حرارة الغضب إلى رأسه وشعرت بأني ركبت مركبًا صغيرًا ، وتمنيت في تلك الساعة لو انشقت الأرض وابتلعتني . ولكني أسرعت أقول له ، قبل أن أسمع منه ما يؤلمني :
- إنها تريد أن تتحدث إليك بمشكلتها يا سيدي ..
إنها لا تريد أن يطَّلِع عليها غيرك .
فرفع رأسه ، وقد سُرِّيَ عنه بعض ما به وقال :
- لتكتب مشكلتها .
ثم وقَّع بكلمة واحدة : اكتبيها .
ألقى الرقعة ، وعاد من حيث أتى .
قال أبو الحسن الورَّاق : فصفقت الجارية بيدها ، ودارت حول نفسها طربًا وهي تقول :
- لقد وقع الطائر في الفخ .
فهزَّ عربيد رأسه وقال :
- ألم يقل لك حبيب بن مسعود ، إن دون الوصول إلى يسار سبعة أبواب عليها سبعة أقفال من حديد ؟!
فقهقهت الجارية ولقد لمع في فمها صفان مثل الحب الجمان ، ودفعت الخادم في صدره وهي تقول :
- إنني أملك المفتاح الأستاذ الذي تتساقط أمامه جميع الأقفال ..
ثم أشارت بيدها إلى صدرها وقالت :
- أنا ..
وفتحت الباب دون أن تستدير وأضافت :
إن جميع الأقفال سوف تتساقط أمام المفتاح الساحر ، المفتاح العجيب .. المرأة !!
وقبل أن تعود إلى الغرفة الأخرى همست :
- سأدعوك من هذه الساعة .. ( مُريد ) .
قال أبو الحسن الورَّاق : واستمر القوم في حديثٍ وضحك وانشراح حتى أصبح الصباح ، وارتفع صوت المؤذن من المسجد القريب يدعو .. حي على الفلاح .
فتنهَّد حبيب بن مسعود وقال :
- هذه ليلة من عمرنا خسرناها .
قال : وخرج القوم فردًا فردًا ، وكان خروجهم بعد صلاة الفجر بقليل ، وسلك كل منهم طريقًا غير الذي سلكه صاحبه .

نصف قمر14
نصف قمر14
جزاكي الله خير اختي
ولاعدمنا جديدك
وتقبلي مروري

شمـ الأمل ــس
شمـ الأمل ــس
نداء الروح
قال محمد بن إسحاق بن حسن الموصلي :
خرج يسار من بيته الذي يحاذي النهر قبل نداء الفجر ، وسار في طريقه إلى المسجد ، هذه صفحة جديدة قد انفتحت في سجل الوجود ، هذا يوم جديد ، إنه يستمع إليه ، وكأنه يتحدث حديث الروح للروح .. أنا يوم جديد ، وعلى عملك شهيد فتزود مني .. فإني لا أعود إلى يوم القيامة .
كانت الريح باردة ، وشديدة ، تُمزِّق بعض الهدوء المخيِّم على الكون وقد أحاطت بالقمر دائرة بيضاء واسعة تحميه من هوج الرياح . وانطفأت بعض الفوانيس ، وما بقي منها أخذ يعاني أنفاسه الأخيرة .
كان يسير ولسانه لا يفتر عن ذكر الله ، كان يشعر بجلال هذا المنظر وبرهبة تسري في كيانه .. أنه يذكِّره بالآخرة .. كل شيء في هذا الوقت يذكِّره بالآخرة ، حتى الحارس الذي انزوى في الركن القصي من الزقاق وقد التف بعباءته وكوَّم نفسه على دكة بيت القاضي . البيوت الساكنة الساكتة ، والنوافذ المغلقة ، والشارع الصامت ..
وترامى إلى سمعه من جهة النهر ، صوت فتى ركب زورقًا ، وراح يضرب بمجدافه ويغني غناء حزينًا تتجاوب أصداؤه مع أمواج النهر ، وتحمله الريح الباردة ، ويستمع إليه الكون في صمت خاشع . كان يردد على أوتار قلبه المعنى : (( يا رب يا عالمًا بالسر يا ربي )) يردد هذا الشطر كثيرًا ، ثم يتبعه بشطر آخر لم يتبين يسار من كلماته إلا الكلمة الأخيرة (( ... ذنبي )) .
ومضى يسار يستمع إلى حديث الفجر ، المُضمَّخ بأنفاس الآخرة ، وتعجَّب كيف ينام الناس في هذا الوقت ؟ كيف لم ينهضوا فيرتشفوا من سر الصباح حياة تعمر حياتهم ، ونورًا يضيء نفوسهم وحكمة تضعهم على باب الحقيقة الخالدة ، التي كتب عليها بمداد السماء } منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى { .
في هذا السكون الشامل ، والمنظر الرهيب ، وصوت الفتى الحزين ، تذكَّر يسار حديث الشيخ عن الآخرة ، كان ينصت إليه بكل جوارحه ، والشيخ يصف الآخرة وصفًا كأنَّه رآها بعينيه ، كأنه اطَّلع على كل ما فيها ثم جاء يحدثنا ولسان حاله يقول : أنا النذير العريان . لم ير الشيخ يبكي في يوم من الأيام ، ولا يخرج عن حاله ، ولكنه كان يشعر من خلال صوته ، من اهتزاز نبراته ، من شدة تأثره ، كأن الدموع تنزل من قلبه ، كأنه يبكي بصمت .. أما هو .. الشاب المرهف الرقيق الحس ، الذي يتفجر قلبه بالعواطف فلا يستطيع أن يتمالك نفسه من البكاء ..
كان حديث الشيخ يبدأ بعد صلاة الفجر ، وكان لا يزيد على دقائق معدودات ، وكان يهز القلوب ، يملؤها ، ويحرك النفوس إلى طاعة الله ، إلى معرفة الطريق إلى الله .
كان يبدأ حديثه هادئًا هدوء الفجر طريًا نديًا ، جميلاً جديدًا جادًا ، لا يتكلف ، ولا يأتي بالغريب ، ولا يذهب مذاهب الوعَّاظ والمعلمين ..
كانت كلماته تسري إلى نفوس مريديه فتنجذب إليه ، تهفو لسماعه وترغب في المزيد ، يود الواحد منهم لو يقول له : لا تتوقف يا شيخ .. لا تُنه حديثك ..
ولكنهم لم يكونوا يقولونها ؛ لأنهم يعلمون أن الشيخ يرى أن ما حدَّثهم فيه الكفاية ، وسوف يواصل حديثه غدًا ، وفي مثل هذا الوقت .
لقد عاش يسار هذه المعاني الإيمانية ، وامتلأت بها نفسه ، ووقف على باب قلبه يرد عنه كل طارق غير الله ، فنشطت أعضاؤه إلى طاعة الله ، وازدانت نفسه بالإيمان ، الإيمان الذي يضيء القلب ، وينعش الروح ويخلع عنها أردية الكسل والخمول ، ويضفي عليها حلل البهجة والراحة والسرور .
وكانت قراءة الإمام ، وهو يؤم المصلين ، حزينة مترسِّلة ، وفي صوته رعشة تهز القلوب . وقناديل المسجد التي تنشر نورًا خافتًا دافئًا ، والجدران السميكة البيضاء ، والأعمدة الصاعدة الصامتة وكل حجر ، كل نأمة ، كل شيء .. كل شيء .. كأن جبريل قد نزل في تلك الساعة يتلو بصوته الملائكي } إن قرآن الفجر كان مشهودًا { .
قال أبو الحسن الورَّاق :
وبعد صلاة الفجر جلس الشيخ يتحدث .. بعد تلك الرحلة السماوية التي استمد فيها المصلون من السماء سببًا إلى السماء . جلس الشيخ يتحدث عن يوسف الصديق ، الفتى الذي ضرب مثلاً أعلى في الصبر عن المرأة المغرمة العاشقة الوَلْهى . وأخذ يصف ثباته وعِفَّته ، وخشيته لله ، ومراقبته له ، وتعبُّده وتصوُّنه ..
كان يتكلم بأسلوب القرآن الواضح البليغ ، وبعرضه التصويري البديع ، كانت أنفاس الكتاب الكريم تعبق من أنفاسه ، وشذى السلف الصالح ونسيم ريَّاهم من نسيمه .. وكل مُريد يشعر أنه يوسف نفسه .
قال : ومما يزيد في تأثير حديث الشيخ ، مكانته في نفوس مريديه ، وسطوع حجته ، ونبرات صوته ، وحسن إلقائه ، ومحكم إشاراته ، وكانت عيونه تنطق بالحب لكل واحدٍ منهم ، كان يشعر كل واحد بأنه يهتم به وحده ، دون غيره ، يهتمُّ بشؤونه وشجونه .. فتتفتح نفس المريد ، ويصارح الشيخ بما لم يصارح به أحدًا من الخلق ، والشيخ يصغي إليه ، ثم يشير عليه ، ويثبته ويرشده ، ويأخذ بيده ، يُعينه على مواصلة السير في قافلة الإيمان ..
قال أبو العرفان : كان يسار يتردد بين حين وآخر على سوق العطَّارين ، وإلى هذا السوق تُجلب أجود أنواع العطور في الدنيا ، ويؤمَّه الرجال والنساء من شتى الأجناس . ولا شيء يستهوي النساء ، وخاصة الأعجميات ، كهذا السوق .. وهو أول ما يستهوي الوفود القادمة من بلاد الروم والترك وفارس والهند ، ومن بلاد الحبشة .. وبلاد أخرى بعيدة لم نسمع بها ..
وسوق العطَّارين .. يمتاز بالأناقة والنظافة والجمال ، فيه الدكاكين الصغيرة المتناسقة ، التي زينت واجهاتها وعني بمظهرها .. والمصابيح الملونة ، وقوارير العطر ، وشدات الورد .
وكان يسار يتردد على دكان العطَّار أبي علي الأصفهاني ، ومنه يشتري العطر الذي يستعمله .. وهو يقول : إن النبي - e - كان يحب الطيب .
وبعد مضي أسبوعين على محاولة الجارية ، وفي عصر الأربعاء من نهار مشمس جميل ، أقبل يسار على أبي علي الأصفهاني ، وكان هذا قصيرًا سمينًا ، قد أعفى لحيته وخضبها ، وكان لا يكف عن الحديث عن العطور التي يبيعها وأنواعها وجودتها ..
وما هي إلا هَنَيْهة ، حتى أقبلت الجارية ، والخادم مريد يسير إلى جانبها ووقفت على دكان أبي علي العطَّار ، وراحت تسأله باللغة الفارسية عما لديه من العطور ، دون أن تلتفت إلى يسار .. أما مريد فإنه ألقى التحية عليه ، ووقف ينتظر .
واحتفل العطَّار بها ، وأخذ يعرض عليها نماذج كثيرة ، وهي ترفضها بإشارة من يدها ، ولم يبد على يسار أي اهتمام بالجارية ، ولكنه انتبه بعد ذلك عندما سمع العطَّار يقول باللغة العربية ، وهو يعرض عليها نوعًا من العطر :
- إنه أجود أنواع العطور يا سيدتي ، إن يسارًا يستعمله .
أليس كذلك يا سيدي ؟
ولم يجب يسار ، ولم يرفع إليها نظره .
أما الجارية ، فقد التفتت إليه ، وألقت عليه نظرة سريعة ، ثم عادت تخاطب العطَّار ، وقد غيرت من أسلوبها وحركاتها وقالت :
- لقد ذكرت لي مرة أن لديك نوعًا من العطر الصيني ..
فهزَّ العطار رأسه وقال بأسف :
- لقد نفذ يا سيدي .. لم يبق منه شيء .. أتدرين يا سيدتي .. إنه يستخرج من زهرة الحياة ، إنها زهرة تنبت على الهضاب الزرقاء في بلاد الصين ، إن أوراقها يا سيدتي تجلب الشفاء .. إنها ..
وانتبه العطَّار .. إن الجارية لم تكن تنظر إليه ، ولا تستمع لحديثه ، كانت تنظر خِلْسة إلى يسار .. إلى الفتى الذي ضاق بحديث العطار ، والذي سمعه منه مرات ومرات .. هذا هو الفتى الذي حدَّثها عنه حبيب بن مسعود ، إنه لم يتجاوز في وصفه ، بل لم يبلغ في وصفه ..
وتنحنح العطَّار وهو يرفع يده يعدل عمامته .. وقال :
- انتظري لحظه ..
ثم خرج من دكانه وهو يقول :
- سأجلب لك من آخر السوق .
وهمَّ يسار بالانصراف ، فلم يكن يرغب في البقاء طويلاً في مثل هذا السوق ، ولم يكن يلبث إلا بمقدار ما يتناول حاجته من العطر ثم يعود سريعًا ..
قال أبو العرفان : فالتفتت إليه الجارية وقالت بصوت ناعم :
- إنني متأسفة يا سيدي .
والتفت إليها ، ولم يكن قد وقع عليها نظره حتى هذه الساعة ، فلما التقت العينان ، أسبلت جفونها في خفر العذارى ، وقالت بصوت هامس :
- إنني متأسفة يا سيدي .. لم أستطع أن أكتب مشكلتي .. ليتك تسمعها . فغض بصره ، وقد تذكر الرقعة التي حملها إليه مريد ، وقال :
- تكلَّمي :
قالت .. وبصوت كأنين الوتر الحزين :
- الآن يا سيدي ؟
قال ، ودون أن يلتفت إليها ، أو يرفع نظره مرة أخرى :
- نعم .
قالت .. وهي تحاول أن تجره للحديث :
- هنا في السوق ؟
قال : نعم .
وعاد العطَّار وهو يمسح جبينه من العرق وينفخ ، وقال متعذرًا :
- لم يبق لديه شيء يا سيدتي .
وتنهَّدت الجارية وقالت :
- سأعود مرة أخرى .
ثم انصرف بعد أن ألقت على يسار نظرة ، جعلته يطرق خجلاً .
ثم انتبه إلى صوت العطَّار يقول :
- إن هذه الجارية ليست فارسية .
والتفت يسار ، وكأنه يسأله .. فأضاف العطَّار قائلاً :
- إنها ليست فارسية .. علمت ذلك من لهجتها .
قال أبو العرفان : أبو علي العطَّار أعلم بلهجات القوم من غيره .
قال أبو الحسن الورَّاق : لم تنل الجارية من يسار ، إلا كما ينال التراب من السحاب ، كيف لا .. وهو الفتى الذي لم يترك ثغرة ينفذ منها الشيطان إلى نفسه إلا أغلقها .
وعندما عاد تلك الليلة ، بعد صلاة العشاء ، وقبل أن يقف للصلاة لقيام الليل ، خيل إليه كأنه يسمع همسة ، أو لحنًا ، أو صوتًا أليفًا ..! ولم يفكر في ذلك ، وإنما انصرف إلى صلاته ، لا يشغله عنها شاغل ، فالليل مركب الصالحين ، ومطيَّة العباد ، وأقرب ما يكون العبد من ربه في جوف الليل .
وبعد أن صلى ثماني ركعات ، وختمها بصلاة الوتر ، استلقى على فراشه ، وأخذ يردد بصوت خافت خاشع .. باسمك ربي وضعت جنبي ، وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فاغفر لها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين .. وقبل أن يلفه النوم بين أحضانه ، تذكر أين سمع ذلك الهمس ، أو اللحن .. سمعه عصر اليوم ، عند دكان العطَّار ، سمعه من الجارية الفارسية التي ذكرت أن لديها مشكلة تريد أن تعرضها عليه .
وأسرع يسار فصرف هذه الخواطر ، وشعر أنها دخيلة عليه ، دخيلة على محرابه الآمن الذي تعمره التقوى ، إنها ليست من مدد السماء . وانتقل إلى جو الآية التي كان يرددها أثناء الصلاة : } إن لدينا أنكالاً وجحيمًا وطعامًا ذا غصة وعذابًا أليمًا { . كل هذا العذاب ينتظر الإنسان الضال ، الإنسان الآبق من رحمة الله ! إن الناس نيام ، فإذا ماتوا انتبهوا . وتدحرجت دمعة كبيرة على خده ، وتبعتها دموع ، حتى بلَّلت الوسادة ، ثم راح في نوم هادئ عميق .

شمـ الأمل ــس
شمـ الأمل ــس
الرسالة
في مساء يوم الثلاثاء ، في الأسبوع الذي تلا لقاء الجارية يسار في سوق العطَّارين ، انعقد المجلس في بيت حكيم بن محمود ، كانت غرفة الاستقبال التي أعدت للطرب كبيرة واسعة ، مضاءة بعدد من الشموع الطويلة البيضاء ، وقد أحالت الليل إلى مثل النهار ، وكانت الستائر الشامية موشَّاة بالخيوط اليمانية ، وقد رتب الأثاث بشكل بديع ، ووقف طير الببغاء على رفٍ مرتفع وراح يردد بعض الأصوات والكلمات التي يسمعها من الحاضرين !
قال أبو العرفان : وكان أبو محمود يروح ويجيء ، وهو يلقي بالنكتة اللطيفة ، فيقهقه سيعد بن منصور ، وتطوق فم حسَّان ابتسامة خفيفة ، أما حبيب بن مسعود ، فقد جلس كعادته في بدء اللقاء ، معتمدًا على المائدة بكوعه ، محتضنًا وجهه براحتيه ، وقد خيَّم عليه ما يشبه الحزن .
فالتفت إليه حسَّان بن معيقيب وقال له :
- مالك يا ابن مسعود ؟ إنك في كل مرة نلتقي بها تبدأ حزينًا كئيبًا كأن هموم الدنيا قد نزلت على رأسك ، فإذا بدأنا اللهو والشراب كنت أغرقنا لهوًا وعربدة !
فضحك حبيب بن مسعود ضحكة تشبه النحيب .. وقال وهو يعتدل في جلسته ويطلق زفرة حارة .
- كالطير يرقص مذبوحًا من الألم .
وهمست الجارية :
- من الذي ذبحك يا حبيب ؟
فلم يبد عليه أنه سمع سؤالها ، ولكنه أشار إلى حسَّان وقال :
- اسمع يا حسَّان .. لقد كنت قبل أن ألتقي بحكيم ، قبل أن يعود من رحلته الأخيرة إلى بلاد شارلمان ، كنت أسير في الطريق المعبَّد ، كنت مع يسار ، أتردد على مجالس العلم ، وأصلي الأوقات في المسجد .. حتى صلاة الفجر .. وفي مثل هذا البرد ، كنت أستيقظ فأتوضأ بالماء البارد وأنا لا أشعر ببرودته ، وأذهب إلى المسجد ، كنت أحيا حياة أخرى ، أقرب إلى حياة الملائكة ، فلما التقيت بحكيم..
ونكس رأسه ، وأخذ يعصر يديه بيديه ، والجارية وحسَّان وسعيد بن منصور ، وحتى الببغاء كانت تصغي إليه ! ومضى حديثه فقال :
- انقدت إلى حكيم بلا تفكير .. سلمته الزمام فأوردني المورد الحرام .
أتدري يا حسَّان .. إننا نسير في طريق مسدود ، ليس له إلا منفذ واحد ، وهتفت الجارية بهمس أيضًا :
- إلى أين ؟
فتنهد حبيب وهو يدفع ظهره إلى الخلف وقال :
- إلى النار ..
ثم شبك بين أصابع يديه وأضاف :
- هذا إذا لم يتداركنا الله برحمته .
وسكت حبيب ، وكانت عيون الجارية قد تعلَّقت به تسأله المزيد ، وكان يبدوا كالأسير الذي لا يستطيع الفرار من أسره . ورفع رأسه ، فرأى الجارية تنظر إليه كأنها ترثي لحاله ، فسرَّه ذلك ومضى يقول :
- لقد كنت أعيش في جو مملوء بالرياحين ، كنت في جنة وارفة والظلال أما الآن .. فأنى توجهت تطالعني هوة سحيقة فاغرة فاها تريد أن تبتلعني ، هذه هي المعيشة الضنك التي ذكرها القرآن الكريم } ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا { .
وأقبل أبو محمود ، فأخذ الببغاء إلى غرفة أخرى ثم قال :
- إذا انتهيت من وعظك فآذني ..
فضحك الجميع ضحكة اهتزت لها جنبات الغرفة ، وأراد ابن مسعود أن يجيب ، ولكنه سمع طرقًا خفيفًا على الباب .. فصاح أبو محمود ينادي العبد :
- انظر من الباب ..
وأقبل هذا بعد قليل ، وكان كبير السن تجاوز الخمسين من العمر يرتدي ملابس بيضاء ويضع على رأسه قلنسوة من صنع الأعاجم . وأخذ العبد يشير بيديه وعينيه ، ويتكلم بصوت لا يسمعه أحد من الحاضرين ، حتى خيَّم على الجميع صمت مبعثه الرغبة في معرفة ما يريد أن يقوله العبد .
وسأل أبو محمود وهو ينظر بعينيه الزرقاوين وقال :
- ما الخبر ؟
وعاد هذا يوشوش بصوت مبهم، وهو يؤشر بيده وعينه حتى ظن البعض أن أمرًا خطيرًا قد وقع.
وصاح أبو محمود وقد نفذ صبره :
- تكلم يا رجل .
فكوَّر يديه ، وأحاط بهما فمه ، وأحنى قامته ، وأدنى رأسه وقال :
- لقد حضر يسار ..
وهتف الجميع بصوت واحد :
- من ؟!!
وأجاب مرة أخرى وهو يكوّر يديه ويدني رأسه ، وقال بصوت خافت :
- لقد حضر يسار .
وتغير وجه حبيب بن مسعود ، ونهض منفعلاً وهو يهتف :
- عملتها يا أبو محمود ؟!
وأشار هذا بيده ، وهو ينفي ما دار في خلد حبيب ، وقال :
- ماذا دهاك يا حبيب .. إني والله لا أعلم ما الذي جاء به .
فهدَّأ حبيب بن مسعود ، وسرى عنه بعض ما به ، ولكنه قال :
- إذا أردت أن تدخله ، فيجب أن ننتقل إلى غرفة أخرى ، لأني لا أرغب أن يراني هنا .
وقدح ذهن حكيم بفكرة شيطانية ، وتبسم وهو يقول :
- كما تشاء يا حبيب .
ولما غادر الجميع إلى الغرفة المجاورة ، أشار إلى الجارية أن تبقى ، ثم اقترب منها وقال بهمس :
- لقد سعى الطائر إلى الفخ .
فنظرت إليه مستفهمة وقالت :
- ماذا تعني ؟
قال : ستقابلينه .
وشهقت وهي تضرب على صدرها وقالت :
- أنا ..؟ هنا ..؟!
وأجابها وهو يحثها على فهم ما يريد :
- نعم . نعم .. ستقابلينه .
وصرخت وهي تدفعه في صدره وتتراجع إلى الخلف :
- مستحيل .
قال وهو يؤكد :
- بل هذه فرصتك .
فأصرَّت وهي تتراجع :
- أبدًا . أبدًا ..
قال وهو يخفض صوته :
- ألم تكبتي له ؟
قالت : بلى .. ولكن ..
ولمعت عيناه ، فقاطعها قائلاً :
- اسأليه الآن ..
ولم تفهم ما يريد ، فأسرعت تقول له :
- ماذا أسأله .. ما الذي تريدني أن أسأله ؟
وأشار بيده وقال :
- ألم تكتبي له ترغبين في مقابلته .. وذكرت أن لديك مشكلة ؟
قالت : بلى ..
فصعق أبو محمود وقال حاثًا :
- اعرضيها الآن .. هذا أوانها .
ولكنها أشارت بيدها جازمة :
- ولكن ليست لديَّ مشكلة .
فضرب أبو محمود على المائدة وهو يتأفف وقال :
- المهم أن تقابلينه .. قولي له ..
وسكت قليلاً ، كأنه يريد أن يتذكر شيئًا ، ولكنه عاد فقال :
- لا تتكلمي على الإطلاق .
وسألته .. وقد تقارب ما بين حاجبيها :
- لا أتكلم .. حكيم هل أنت ..
فقاطعها ..
- قابليه .. قابليه فقط .. وأنا أدبر الأمر .
ثم أشار إليها فغادرة الغرفة . وخرج أبو محمود ، ثم عاد بعد قليل وهو يقد يسارًا أمامه ، ويرحب به ترحيبًا بالغًا ، ويتعذر عن تأخره .
ودخل يسار ، بسمت مهيب وعينين صافيتين ، ولحية تطوق وجهه فتبدوا عليه المهابة والجلالة والجمال ، وجلس في صدر المكان وقال :
- حدثني قبل أسبوعين سعيد بن منصور ، فذكر لي أن لديك رسالة بخط أبي حامد الغزالي كتبها لأحد تلاميذه جوابًا عن سؤاله .
وتغابى أبو محمود ، وهو ينظر إليه لا يحير جوابًا .. فأضاف يسار قائلاً :
- لقد ذكر لي أنَّها رسالة صغيرة ورثتها عن أبيك رحمه الله .
فهز أبو محمود رأسه وقال :
- لا أظن أن لدي مثل هذه الرسالة .
وسكت قليلاً ثم أضاف :
- سأنظر في الكتب ، لعلي أجدها .
وتوارى أبو محمود قليلاً ثم عاد يحمل كتابًا كبيرًا ضخمًا ، فتناوله يسار وأخذ يقلب صفحاته وقال :
- هذا كتاب إحياء الدين ، بخط الناسخ عماد الدين السمرقندي ..
ثم رفع رأسه وأخذ يوضح :
- إن الذي أريده .. رسالة صغيرة قليلة الصفحات عنوانها (( أيها الولد )) كتبها الغزالي رحمه الله لأحد تلاميذه .
فتبسم أبو محمود وقال متعذرًا :
- أنت تعلم إني لا أحجب عنك شيئًا مهما كان عزيزًا ..
ثم رجع إلى الوراء وقال :
- سأعود للبحث عنها مرة أخرى ..
وقبل أن يذهب ، وقف وقال بلهجة أقرب إلى الرجاء :
- إن هنا من يرغب في مقابلتك .. إذا سمحت ؟
فتبسم يسار وقال :
- ليتفضل ..
وتوارى أبو محمود مرة أخرى ، بينما استمر يسار يقلب صفحات الكتاب الكبير ، ويقرأ بعض التعليقات والحواشي التي دوَّنها بعض النساخ عليه .
ودخلت سرشير .. تمشي على أطراف أصابعها ، بثوب طويل أبيض رفراف ، وشعر أسود طويل مجدول ، وعينين كحيلتين ، ووجه كالورد ، دخلت وهي في حالة رغيبة رهيبة ، وخطوات مقبلة مدبرة ، ونظرة شهية حيية ..
دخلت سرشير .. حتى إذا توسَّطت الغرفة رفعت صوتها بالسلام .
ولم يكن يسار قد شعر بها وهي تدخل ، ولكنه عندما سمع صوتها رفع رأسه عن الكتاب ..
والتقت العينان .. عيناه المغسولتان بماء الوضوء ، بعينيها النجلاوين الكحيلين ، فغضَّ بصره وعاد ينظر في الكتاب المفتوح بين يديه وقال :
- ما الذي جاء بك ؟
فجلست مطرقة كأنها بين يدي مؤدب ، وقد تدلَّت الضفائر السوداء على صدرها ، وعقد اللؤلؤ احتضن جيدها ، والتفت الأسورة الذهبية بشوق حول معصميها.. وغطى الثوب الأبيض قدميها.
ثم رفعت رأسها ، تمنَّت لو نظر إليها ، لو عاد ينظر إليها مرة أخرى .. فقد رأت في صفاء عينيه ونظراته ، وفي وجهه الذي تزينه اللحية ، نورًا أخَّاذًا لم ترم مثله في وجوه الرجال الذين تعرفهم .
ودون أن يرفع رأسه عن الكتاب ، قال مرة أخرى :
- ما الذي جاء بك ؟
ولكنها لم تجب ، وبقيت تنظر إليه بخشوع .. كلا .. ما هذا بشرًا .. آه لو كان جميع الرجال مثل يسار ..
ونسيت المهمة التي جاءت من أجلها ، كانت تريد أن تأسره فإذا بها أسيرة بين يديه .. أسيرة دون أن يدري آسرها بها !!
وانتظر يسار أن تجيب ، وأراد أن ينهي المقابلة بأسرع وقت فقال :
- لقد ذكرت في رقعتك بأن لديك مشكلة ..
وبدت حزينة أسيفة ، كأنها ندمت على ما أقدمت ..
ورفع رأسه يريد حثها على الكلام فقال :
- ألا تريدين أن تتكلمي ؟
والتقت العينان مرة أخرى.. نظرة بريئة متسائلة، ونظرة حزينة لوجه فتاة كأنه وجه طفلة جميلة.
واستحثَّها يسار :
- تكلَّمي ..
ولكنها انفجرت بالبكاء ، واحتضنت وجهها بكفَّيها ، ثم أسرعت تغادر الغرفة .
ما الذي أبكى الجارية ؟ ما هي المشكلة التي تعاني منها والتي لم تستطع البوح بها ؟ ولماذا تريد أن تعرضها عليه دون غيره ، وهو لم يعرفها ، ولا سمع بها من قبل ؟!!
وانتظر أبو محمود ساعة ، ثم دخل وهو يحمل بيده الرسالة التي سأل عنها يسار ، وقال وهو يناوله إيَّاها :
- أهذه التي أردت ؟
وتناولها شاكرًا ، وأخذ يقلب صفحاتها ، وينظر فيها ثم رفع رأسه ينظر إليه بامتنان زائد وقال :
- إنها هي .. لا أدري كيف أشكرك .
وتبسَّم أبو محمود وهو يتصنع الخجل وقال :
- بل أنا الذي أشكرك .. لأنك تكرمت علينا بهذه الزيارة .
ونهض يسار وهو يشد على يد أبي محمود وقال :
- سأعيدها لك بعد يومين .
قال أبو محمود ، وهو يحتفل به ويوصله إلى الباب :
- أرجو أن تقبلها هدية ..
ثم أضاف :
- ليتك تزورنا كل يوم .
قال أبو الحسن الورَّاق : ومضى يسار إلى بيته ، وفي الطريق أخذ يفكر في أمر الجارية ، ماذا تكون هذه المشكلة التي أحزنتها وآلمتها وجعلتها لا تستطيع الكلام بها .. واستحضر صورتها الجميلة وهي تدخل ، وصورتها وهي تنظر إليه حزينة أسيفة ، وصورتها وهي تبكي .. إنه لم ير في حياته فتاة في مثل جمالها ، بروعتها ، بفتنتها .. لقد وقفت على دكان أبي على الأصفهاني ، وكلمته بالفارسية ، يا لعذوبة صوتها وروعة نغمتها ..
وقبل أن يصل إلى البيت ، تذكر حديث الشيخ ، ويوسف الصديق ، وخيَّل إليه كأنه يسمع الشيخ يحذره ، فأسرع الخطو .. وطرق باب بيته ، وفتحته أخته الصغيرة سناء .. ونظرت إليه بعينيها الصافيتين ، وجهها البدري ، وابتسامتها اللطيفة الهادئة .. وسألته ؟
- أين كنت إلى هذه الساعة ؟
فاحتضن وجهها الصغير بيديه ، ثم ربت على شعرها الكستنائي وقال :
- هل صليت العشاء ؟
ونفرت من تحت يده ، كما ينفر الطائر ، وقالت :
- نعم .
وشعر يسار لأول مرة ، أن قلبه قد تكدَّر قليلاً ، فأسرع يتوضأ .. ثم وقف يصلي .

شمـ الأمل ــس
شمـ الأمل ــس
بنات لا تزعلوني ردوا علي بالله كم وحده دخلت ولا رديتوا علي...
شجعوني اول مشاركة لي

إنه صدى الحياة قصة جميلة حتما ستعجبك
قصة حب مع الايام روعه