- عندما ركبت السيارة شاهدت علامات تعجب على وجه كل من في السيارة....
- اسمح لي يا محمد أن أكمل فلن تستطيع أن تكمل أنت بعد الآن...
- كلام وكلام وكلام... لا نعلم من نصدق... توجهنا إلى الله بالدعاء...
السلام عليكم ورحمة الله وبركا ته..
سوف اذكر لكم قصة واقعيه حدثت لأبنت عمي حين فقدت ابنها الأكبر..
ويعلم الله أن هدفي من هذه القصة هو أولاً الدعاء لوالديه بالأجر والثبات..
وثانياً أخذ العضة والعبرة..
وأبدأ بعرض أحداث هذه القصة نقلاً عن عمات * حمودي*..
...................
اسمحوا لي بجزء من وقتكم... وجزء من منتداكم الغالي...
اسمحا لي يا عمتي الحبيبتَين.. سأروي قصتي بنفسي... سأحكيها ليعرفها الجميع...
اسمحا لي بأن أكتبها بقلمي وخطي... وساعداني في روايتها....
اسمي محمد.. طفل لم أتجاوز السابعة من عمري... أدرس في الصف الثاني الإبتدائي... في مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم...
طفل كبقية الأطفال... أحب اللعب وخاصة بالألعاب الإلكترونية... أعيش مع والدي وأخوتي في بيت بالقرب من منزل جدي....
عبد الوهاب هو أخي من الرضاعة... صديقي وأنيسي وابن عمتي...يصغرني بأربعة أشهر... نحب بعضنا منذ صغرنا... متفاهمين ويحب كل منا الآخر..لم نتشاجر قط في حياتنا...
هذه نبذة موجزة عني... وسأبدأ معكم رحلتي في المرض... عافاكم الله منه...
في شهر رمضان المبارك من سنة 1427 ه... سمعت أن أعمامي سيقضون إجازة العيد في ربوع القصيم بين الأهل... فحاولت بأبي أنا و إخوتي بأن نذهب جميعاً معهم... وافق أبي فاستعدينا للذهاب... جلسنا هناك مدة أسبوع تقريباً... ثم عدنا للرياض...
وفي يوم السبت الأسبوع الثاني من شهر شوال... ذهبت مع أمي إلى المستشفى لأني كنت أشكوا من ألم في أذني... كشف علي الطبيب... وبعد ذلك صرف لي الدواء المناسب لإلتهاب الأذن...
في صباح يوم الأربعاء... جاءت أمي الغالية لتصحيني من النوم للذهاب إلى المدرسة... شكوت لها من ألم في جنبي الأيمن من رأسي وعيني... لكن أمي ظنت أنها حيلة مني حتى لا أذهب إلى المدرسة... ذهبت إلى المدرسة... وعند الظهر انتظرت السيارة حتى تنقلني إلى المنزل وكنت أشعر بتعب شديد...
عندما ركبت السيارة شاهدت علامات تعجب على وجه كل من في السيارة....
لا حظنا وجه محمد قد تغير... انتفاخ في الجهة اليمنى من وجهه... وعينه بارزة وكأنه حبة برتقالة... كان هادياً... وحرارته مرتفعة... ويشعر بصداع...
عدتُ إلى المنزل... تفاجأت أمي بمنظري... جاء أبي وأخذني إلى المستشفى (( مدينة الملك فهد الطبية ))... وكان ذلك بعد العصر مباشرة... أجروا لي الفحوصات اللازمة والتحاليل...وانتهيت منهم عند الساعة التاسعة مساء تقريباً...
وكانت النتيجة ميل بالوجه...
لم تقتنع أمي ولا جدتي بما قيل... سمعت امرأة بالمستشفى تطلب من أبي أن يذهب بي إلى مستشفى الجامعي...
في اليوم التالي (( يوم الخميس )) ... ذهبت مع أبي إلى الجامعي... أجروا لي الفحوصات... كان الألم يزداد وعيني يزداد فيها الإنتفاخ... شعرت بالنعاس ونمت...
كنت أتعجب عندما أرى جدتي وأمي وعماتي يبكون... أشعر بأني مصاب بمرض خطير... لا أعلم ما هو...
جلست في المستشفى مدة طويلة كنت لا أشتهي الطعام... بقي أخوتي عند أعمامي... أما أنا وأبي وأمي فكنا نتردد على المستشفى والقراء للرقية...
بقينا على هذا الحال مدة ما يقارب الثلاثة أشهر... نزل فيها وزني كثيراً... عملوا لي
أشعة عرفت بأنها ليست باليسيرة لما بدى على أمي من قلق وتوتر...
عند الظهر اتصلت على زوجة أخي أسألها عن نتائج الأشعة... فهي الفيصل في أمر محمد... وسنعرف عن طريقها ما هو نوع الورم... فأجابتني بصوت الصابرة والمحتسبة بأنه النوع الخبيث....
ومما زاد فينا الألم انه قد بدأ معه منذ ما يقارب الخمسة أشهر من قبل اكتشافه.. (( تقريبا في الإجازة الصيفية ))...
مضت الأيام وبدأت العلاج بالكيماوي... نقلنا إلى مستشفى التخصصي للأبحاث ومنها لمستشفى الأورام للأطفال... هناك شاهدت الكثير من الأطفال من هم على شاكلتي... كنت أرقد خمسة أيام أتعاطى فيها الكيماوي... حتى أنهم فتحو لي فتحة في صدري ووضعوا لي جهازاً كي يضعوا فيه الكيماوي...
كنت أخرج بعد الكيماوي متعب لا أقوى على السير... حتى أني أصبت بفترة لا أقوى على المشي ولا الوقوف... كان أبي يحملني لكل مكان أريده.. أحضر لي عكازين لأحاول أن أسير حتى لا تكسل رجلي... لكني لم أستطع استخدامها كثيراً...
كنت أغلب وقتي مستلقٍ في الفراش...
كنت أتعاطى الدواء كل ثلاثة أسابيع...
أحضر لي والدي كل ما أتمناه من ألعاب... زارني في مرضي الكثير... كنت أستغرب من ردة فعل الجميع... لماذا يحضرون لي الألعاب؟؟... لماذا يلبون ما أطلب؟؟؟
كانت الكمامة على فمي طيلة الوقت لأن المناعة كانت تنخفض مع استخدام الكيماوي... واخاف أن أصاب بأي عدوى...
أخذ محمد جرعات الكيماوي مدة 3 أو 4 أشهر... بدأ الآن بالمشي مرة أخرى.. عادت إليه حيويته ونشاطه...
استمر على القراءة والعلاج... حتى أن الأطباء قالوا أنه من الفئة المستجيبة للعلاج وكان هذا خبر مفرح....
صدم أخي في بداية مرض ابنه بقول الطبيب.. بأن ما فيه من مرض هو من أشد الأنواع وأخطرها سريعة الانتشار وشرسه...
أيحمل هذا الطبيب ذرة رحمة في قلبه... أم أنه امتلك الشهادة ومعها نزع الإنسانية...
في يوم الأربعاء 14/3/1427ه... قرر جدي أن نذهب للبر... علنا نغير ونبتعد عن أجواء الحزن... كنت أشعر بصداع رهيب وألم فظيع... لا أستطيع معه الحركة أو المشي بمفردي...
وصلنا للمكان بعد صلاة المغرب... كان والدي متعباً... والقلق بادٍ على وجهه...
لم أستطع أن أجلس معهم أو ألعب مع أبناء عمتي... كان الهواء شديداً... ولم أتناول شيئاً منذ مدة طويلة (( عدة أيام فالطعام لا يبقى بجوفي )).. جلست في السيارة حاولت أن أنام... لكن الألم يزداد.. بدأت اضرب رأسي بيدي علّ الألم يخف... لكن دون فائدة.. فتحت عمتي (( ... )) الباب وجلست عندي تقرأ علي وتسليني... لكن ألمي قد غطى علي...
بعدها دخلت عمتي (( ... )) وبدأت ترقيني بصمت... كان الألم يشتد وأطلب منها أن تصمت... بعدها دخلت في نوم عميق...
أسمع أصواتاً حولي... وأشم رائحة الطعام اللذيذ... لكن شيئاً منه لم يدخل إلى جوفي...
فأخذني والدي ووالدتي وذهبنا إلى مستشفى التخصصي للأبحاث... لأن جرعة الكيماوي لهذا الشهر قد تأخرت عليها أكثر من أسبوع فالمستشفى لا يوجد به سوى 28 سرير.. وسريري قد احتاج إليه طفل آخر ووضعوه له...
ذهبت لقسم الطواري.. شاهدت حالة من الذهول من قبل الأطباء...وضعوا لي المغذي بسرعة وأجروا لي الفحوصات اللازمة... وبعدها نمت نوماً عميقاً...
اسمح لي يا محمد أن أكمل فلن تستطيع أن تكمل أنت بعد الآن...
تعجب الأطباء من إهمال مستشفى الأورام... فالطفل في حاجة للتنويم وإجراء الفحوصات...
عند الساعة الثانية فجراً ليوم الخميس... جاءت لمحمد نوبة تشنج مفاجأة... وكانت أمه بقربه... نادت على الأطباء... جاؤا بسرعة وعملوا له الإسعافات... وتحسنت حاله قليلاً... وبعدها عند الساعة الخامسة فجراً... جاءت لمحمد النوبة الثانية من التشنج... جاء الأطباء سريعاً... عملوا له الإسعافات لكن بعدها دخل في غيبوبة لم يستيقظ بعدها أبداً... عندها شعر والداه بنهاية طفلهم...
عند الساعة الخامسة والنصف اتصل أخي على البيت.. لم أعرف صوته فقد تغير كثيراً... وقال أن حالة محمد أحسن من ذي قبل... وهو نائم الآن... وسننام عنده...
لم أكثر من الأسئلة... لكني شعرت بشيء غريب...
في اليوم التالي (( الخميس ))... جاءت خالتي وابنتها (( جدة محمد وخالته )) من الحجاز... وبعدها جاءت خالته الثانية من الشرقية...
عندها عادت بنا الذكريات إلى ما قبل أكثر من سنتين...إلى وقت عزاء عمي الغالي... رحمه الله تعالى... تعوذنا من وساوس الشيطان.. وتوكلنا على الرحمن وسلمنا أمرنا له...
في المستشفى أجروا لمحمد عملية سريعة لوضع أنبوب في الرأس ليسحب الماء الزائد...
جاء يوم الجمعة... بدأت أسمع تمتمات وكلمات لا أريد أن أصدقها...
حمودي في طريقه للموت الدماغي...
لم أحاول أن أتعب نفسي وأصدق ما يحدث... الطفل مريض... الورم قد ضغط على الأجزاء الداخلية من المخ... لقد انتهى... وضعه خطير... احتمال فشل كلوي... ربما انتشر المرض في جسمه...
كلام وكلام وكلام... لا نعلم من نصدق... توجهنا إلى الله بالدعاء...
في صباح يوم السبت لم أستطع النوم فذهبت مواصلة إلى المدرسة... القلق يقتلني.. عند الساعة التاسعة والنصف جاءت إلي المشرفة... وقالت أن أخي ينتظرني عند الباب... لم أنتظر حتى تنهي كلامها... ولم أستمع لباقي حديثها...
كنت أطير من شدة الركض.. لم أتحمل وأصبر حتى أخرج لأخي... حاثته عن طريق الهاتف النقال...
أبا رهف... ما بال محمد؟؟ هل أصابه مكروه؟؟؟
فقال.. تعوذي من الشيطان... محمد على أحسن حال... سيجرون له أشعة بعد قليل ليروا مقدار الضرر الذي في جسمه...
لم تقنعني تلك الأقاويل...خرجت مسرعة وركبت السيارة... كانت أختي في المقعد الخلفي للسيارة...
سألت أخي... أرجوك قل لي الصدق... والخبر الصحيح...
فقال.. ما بالك هكذا؟؟ أين الصبر والإحتساب؟؟ أين التوكل على الله؟؟
فقلت.. هل مات محمد؟؟
فقال.. ألا ترين أنه سيكون بأحسن حال من الآن؟!!
نعم لقد مات محمد...
لا أعلم هل ما نزل علي هو سكينة وصبر... أم أنه من هول الفاجعة... لم أبكي.. بل كانت الدموع تنزل بصمت...
مات محمد... هل يعني ذلك أني لن أراه مرة أخرى... وصلت للبيت... كان الحزن يخيم على أرجاء المكان..
كيف سأقابل زوجة أخي... ماذا سأقول لها..؟
دخلت ووجدتها تبتسم لي والألم والحزن يعتصر قلبها... سقطت في حضنها وأخذت أبكي... لن أنسى ما قالته لي (( ..... لا تبكي... حمودي مرتاح الآن ))
بعد هذه الكلمات لم أستطع أن أتمالك نفسي... بكيت وبكيت وهي تصبرني... لله درك يا أم محمد... ثبتك الله وكملك بالدين...
بعدها تجمع الأهل والأحباب للعزاء...
الكاتبه // عمة محمد ...
محمد... حبيبي الغالي... لقد تجمع بعدك الأهل والأحباب... تجمع الجيران والأصحاب... تجمع الناس في بيتنا أتعلم لماذا؟؟!
ليصبرونا على فقدك.. ليعزوننا على فراقك...
أتعلم يا محمد أن الكثير ممن جاء للعزاء من رجال ونساء.. لم نعرفهم... والكثير من الإتصالات التي تصلنا لا نعلم من هم... فقد رأوا الخبر في الصحف واتصلوا على أباك... البيت ممتليء بالناس...
محمد.. هل تذكر ... لقد اتفقت مع والدتك بالتناوب عليك بالقراءة... لكنك لم تمهلنا... اختارك الله ... ورحلت...
لم أكن أعلم أن يوم الأربعاء سيكون آخر يوم لقاء معك...
لم اكن أعلم أن ساعات فراقك قد بدأت بالعد التنازلي...
محمد... الكل قد فقدك... أخوتك يسألون عنك... ويريدون رؤيتك...
آه... كم اشتقت أن أضع يدي بين يديك.. كم اشتقت أن اسمع صوتك.. وضحكاتك...
لكن الحمد لله على قضاءه وقدره...
محمد.. أتعرف آل فلان... لقد أخرجوا القنوات الفضائية من دارهم...
أتعرف فلانة.. لقد تابت من سماع الاغاني ومعازف الشيطان...
كل هذا كان من تأثرهم من سماع قصتك... بعدهداية الله سبحانه وتعالى...
محمد ها أنا أنفذ رغبتك.. وأنشر قصتك... علها تصل إلى قلوب واعية.. فتفهم الرسالة..
محمد... جلست أفكر في قصتك ووضعك... فقبل سنة من الآن لم تكن تشكو من أي علة أو مرض... وهذه حالك الآن...
فإلى متى الغفلة... الصحة لاتدوم...
فأين أنتم يا أصحاب العقول اللبيبة... الموت باب وكلنا سنلج منه فاستعدوا...
جعلك الله شفيعاً لوالديك... وجمعنا بك في مستقر رحمته مع النبين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً... وموتى المسلمين أجمعين والقارئين...
آمين