- مقدمه
مقدمه
اتصلت بنا إحدى النساء وقبل أن تعرفنا على اسمها قالت : لدي سؤال كثيرا ما يحيرني ، وليتني أجد الإجابة عليه في مجلتكم ومجلتنا إشراقة. وقد توجهت الى اشراقة لأنها تستطيع أن تقدم لنا الحلول لمشاكلنا الاجتماعية والأسرية الخاصة منها والعامة، خاصة وأن حلولها تطرح بمفهوم إسلامي ، وطبعا قلت لها : تفضلي يا أختي بسؤالك المحير هذا، قالت: السؤال متعلق بالحياة الزوجية وبالعلاقات الجنسية بين الزوجين ... لماذا تلعن الملائكة النساء إن هجرت الزوجة فراش زوجها أو أبت معاشرته ( حتى ولو كانت على التنور) ، حيث ورد عدة أحاديث في هذا الصدد ، بينما لا تلعن الزوج إذا هجر زوجته في فراشها وبدون سبب.
وبعد أن ودعت وأنهت المكالمة ، وقفت برهة عند سؤال السيدة المشتكية وقلت في نفسي... خاصة وأن كرامة المرأة لا تسمح لها بأن تطالب زوجها - إن أعرض عنها- بحقها بالمعاشرة الزوجية ، علما بأن تجاهلها وتجاهل مشاعرها ورغباتها ما هو إلا طعن في أنوثتها ، ولا أبالغ لو قلت إن الطعن في الأنوثة يكون أشد على الزوجة من الكلام الجارح الذي يوجهه الزوج لزوجته أثناء جدال بينهما.
أجل ، سؤال السيدة قادنا وفتح أمامنا بابا سوف ندخله - بإذن الله- لنخوض في موضوع العلاقات الزوجية الحميمة لما لها من تأثير كبير على الحياة الزوجية والأسرية، خاصة وأنه كثيراً ما يحدث خلافات بين الزوجين بسبب عدم فهم الطرفين ( الزوج والزوجة) ما لهما وما عليهما من حقوق نحو بعضهما البعض،وما ينتج بسبب تلك الخلافات من سلوكيات سلبية تؤثر على الزوجين خاصة وعلى المجتمع عامة. وحتى نكون على بينة من الأمر توجهنا الى نبع الإسلام الصافي ، الذي لم يقصر في طرح تلك الموضوعات ، فوجدنا أن ديننا الحنيف قد فسر لنا كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالعلاقات الزوجية الخاصة وكيفية التعامل معها ، حتى تتحقق الأهداف السامية والمقدسة من مؤسسة الزواج.
وقد كان لنا حوار حول هذا الموضوع مع فضيلة القاضي الشرعي عدنان عدوي، علما بأن القاضي الشرعي هو أعلم الناس بمثل هذه المشاكل والتي تصل إليه من خلال تأدية رسالته المهمة في المحكمة الشرعية. هذا بالإضافة الى القصص التي جمعناها من بعض أصحاب التجارب ، ليكتمل أمامنا بإذن الله ملف العلاقات الزوجية الخاصة.
إشراقة: فضيلة القاضي الشرعي عدنان عدوي، كيف تفسر لنا العلاقة الزوجية الحميمة بمفهومها الشرعي ؟
القاضي عدوي: قال الله تعالى { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون }.
إن من آيات الله العظمى أن خلق من نفس واحدة الزوجين : الأنثى من الذكر ، وهناك هدف ، لماذا خلق الله الأنثى من الذكر ومن أي موضع؟ خلقها من الموضع الذي بجانب القلب ، أي أن المرأة تكون قريبة الى قلب الرجل.
وقال { لتسكنوا إليها } والسكن طبعا لا يتم عن طريق الزوج وحده، وإنما يتم عن طريق الزوج والزوجة.
وحتى يتم السكن بشكله الصحيح ، وتتم السكينة والهدوء والانسجام، يجب أن يكونا زوجين متوافقين متلائمين ، والتوافق يتم بين الزوجين إذا كان هناك تفاهم بينهما في أغلب الأمور ولا نقول في كلها.
قال أحد العلماء في أحد تفاسيره : إن السكن ، أن يسكن الزوج بزوجته عن طريق إشباع غريزته الجنسية، وفسر علماء آخرون أن السكن هو السكن من متاعب الحياة الدنيا.
لقد كلف الله تعالى الزوج بعبء القوامة ، وهو الكسب والعمل على إنشاء البيت والإنفاق ، وتهيئة المسكن والظروف الملائمة، وبالمقابل جعل على الزوجة حقا لزوجها وهو عندما يحضر الى البيت يجب أن تهيء له السكن والسكينة.
وهناك تشبيه بليغ جاء في القرآن الكريم يصف العلاقة الزوجية الحميمة وهو { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } والوصف باللباس له هدف ومعنى كبيران ، لأن اللباس هو أقرب شيء للجسم ويستر العورة ، فالزوج يستر عورة زوجته والزوجة تستر عورة زوجها.
وفي موقع آخر تتجلى آيات الله بالوصف الدقيق للعلاقة الزوجية التي تجلب السكينة والطمأنينة { ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما }.
التوافق الجنسي بين الزوجين
يحدثنا فضيلة القاضي عدوي عن أهمية التوافق الجنسي بين الزوجين في الحياة الزوجية فيقول: " لقد أعطى إسلامنا العظيم لكل من الزوجين حقوقا وواجبات لا بد أن يدركها الزوجان جيدا حتى يتم التوافق والانسجام بينهما وفي الآية الكريمة { ولهن مثل الذي عليهن } .
وحتى يتم التوافق بين الزوجين يجب أن يكون التفاهم بينهما في أغلب الأمور ، ولا أقول كلها ،لكن أهم الأمور هو التوافق والانسجام في العلاقات الجنسية، لأن عدم الانسجام بين الزوجين ينجم عنه أضرار كثيرة ومتشعبة ، بداية بالخلافات والمشاكل الزوجية وانتهاء بخراب البيوت فمنها ما يؤدي الى الطلاق ، وبعضها يؤدي الى الخيانات الزوجية، أو حتى البحث عن زوجة أخرى مما يخلق مشاكل كبيرة داخل الأسرة التي لا تتقبل تعدد الزوجات كحل للخلافات بل تزيدها تعقيدا ، وكل هذه الأمور بلا شك تساهم في زعزعة أركان الأسرة واستقرارها.
ويضيف فضيلته: مثل هذه الخلافات منتشرة جدا في مجتمعنا وهذا ما لمسته من خلال عملي في المحاكم الشرعية، بأن عدم التوافق الجنسي هو أكبر الأسباب للخلافات الزوجية وقضايا النزاع والشقاق والطلاق.
نعم ، إن الزوجين لا يصرحان في البداية عن السبب الرئيسي لخلافاتهما لكن إذا بحثت جيدا في حيثيات القضية وسألتهما أسئلة مبطنة عن العلاقة الجنسية بينهما ، يتضح في كثير من الأحيان أنها هي السبب الرئيسي لخلافاتهما.