- وصية أمّ لابنتها في يوم زفافها
- ابنتي الحبيبة :
- ابنتي و حبيبتي :
وصية أمّ لابنتها في يوم زفافها
ابنتي الحبيبة :
اليوم تستقبلين دنياك الجديدة ، دنيا الحياة الزوجية ، التي سمعتِ عنها كثيرا ، و لم تعرفي منها إلا مثل ما يعرف الواقف على شاطئ البحر من أسرار أعماقه . اليوم تغادرين البيت الذي تربّيتِ فيه ، وتودعين الأهل الذين عشتِ بينهم ، وغدا أو بعد غد تعلمين أنّ : بين أحلامك الوردية ، التي بَنَت لك بيتا كبيوت الصِّدِّيقات في الجنّات ، لا كَبَدَ فيه ولا متاعب ولا مشكلات .. وبين الواقع بونا شاسعا و أمدا بعيدا ! ولا تعجبي يا ابْنَتي ؛ فإنّ الخيال يطير بألف جناح و جناح ، و الواقع يمشي في الأرض على رجلين !
غدا يا بْنَتي تعلمين أنّ طباع زوجك ليست كطباعك ، و طريقة تفكيره ليست بالضرورة كطريقة تفكيرك ، وأنّ بيت زوجك قد يوافق بيت أهلك في شيء ولكنه يختلف عنه - لا محالة - في أشياء . وهذا يا بْنَتي أول امتحان في الحياة الزوجية ، وهو امتحان تنجحين فيه إذا علمتِ أنّ الاختلاف آية من آيات قدرة الله تعالى ، و مظهر من مظاهر حكمته ، و أنّ آيات الله تزيد في إيمان المؤمنين بها و تُعلّمهم الحكمة . و من الحكمة أنْ تُقرّب الزوجة المسافة بينها وبين زوجها ، وأن تحمل نفسها على التطبُّع بطباعه ما دامت طباعا رضيّة سويّة . ولا تُصدّقي قول من يقول : " زوجك على ما عوّدته ".. كلا بل له أخلاق هو مستمسك بها ، وطباع يصعب تحويله عنها ، وطريقة في التفكير والتعبير تخالف طرائق الآخرين .. وهيهات هيهات أن يكون – كما قد يقال – عجينا تشكّلينه كما تريدين ، أو طينا تصيّرينه قالبا لما تشتهين من أخلاقك ، وطباعك ، وطريقة تفكيرك وتعبيرك . .
إنّ طباع النّاس تختلف كما تختلف بصمات أصابعهم ، وإذا كانت البنت تختلف – اختلافا كثيرا أو يسيرا – عن أمّها التي ولدتها ، فكيف تتفق في كلّ شيء مع زوجها الغريب عنها ؟! هيهات ! ولا يضير الزوجة يا بنتي ولا يضرّها أن توافق زوجها . وإنّما يضيرها ويضرّها أنْ توافقه فيما يجوز وما لايجوز ، أو تطيعه طاعة عمياء ولو عصت ربّها ، أو تتطبّع بطباعه وإنْ كانت طباع سوء .. وأعيذك وزوجك أنْ تكونا أو يكون أحدكما كذلك . ومَنْ كان كذلك مِن الشّباب جدير إذا طلب الزّواج ألا يُزوّج ، وإذا استفتح الأبواب ألا تُفتح له .
المرأة المسلمة يا بْنَتي تتقرّب إلى الله تعالى بحسن تبعّلها لزوجها ، وإنْ كانت لا تُذيب شخصيّتها في شخصيّته . وهي لاتنسى أنّ زوجها – كما قال نبيّنا - هو جنّتها ونارها ، وأنّه عليه الصلاة والسّلام لو كان آمرا أحدا أنْ يسجد لأحد لأمر المرأة أنْ تسجد لزوجها ! فاحذري أنْ ينقطع ما بينك وبين زوجك أو ينكسر ، واستبْقي بينك وبينه ( شعرة معاوية ) ، وكان يُرخي إذا شدّ النّاس ويشدّ إذا أرخَوا ؛ حتّى لاينقطع ما بينه وبينهم .
كوني يا بْنَتي سَكَنا لزوجك وسَكينة ، وأمْنا وطُمأنينة . خذي منه أحسن ما عنده ، واجعليه – بلباقتك وحكمتك – يأخذ أحسن ما عندك ، وأعينيه على الثّبات في مواقف الحياة .. وإذا غضب فلا تغضبي ، وإذا خرج فودّعيه بدعاء ، وإذا دخل فاستقبليه بابتسامة ، وإذا وقع بينك وبينه نزاع فلا ترفعي صوتك فوق صوته . وإيّاك أيّاك أن تُعَيّريه بأخطائه ، أوتذكري أهله أوأحدا منهم بما يكره ، أو تُنكري ما سبق له من الإحسان إليك ، وإلا كنتِ ممن يكفرن العشير ، اللواتي أخبر البشيرُ النّذيرُ أنّهنّ أكثر أهل النّار ! والعياذ بالله تعالى .
ولا تُكْثري يا بْنَتي من العتاب ، بل أقلّي منه ، و تَخَيّري له الأوقات المناسبة ، و اجعليه سببا لاستدامة المودّة .. وإلا وَسّع رقعة الخلاف ، كالملح يُطيّب الطعام و إلا يفسده إفسادا . واعلمي يا ابنتي أنّ الخلاف اليسير يكبر ويعسر إذا انتشر ؛ فلا تُطلعي على خلافاتك مع زوجك أحدا ، ولا تبوحي لصديقاتك بشيء منها ، ولا تُظهري أهلك – ولا أمّك – على كلّ صغيرة وكبيرة ؛ فإنّ الرّجل – وإنْ كان على خُلُق ودين – ليس مَلَكا مُبَرّأ من العيوب و النّقائص ، بل هو بشر يخطئ و يصيب ، ويغضب و يرضى . ولا يليق بزوجة أن تشوّه صورة زوجها في عيون أهلها إلا إنْ آذاها بما لا يمكن السكوت عليه ، وأصرّ على ذلك إصرارا . ومَنْ كان كَمَنْ وافقتِ عليه خُلُقا و دينا جدير ألا يقع في ذلك إنْ شاء الله .
ثمّ إنّ الزّواج السّعيد ياابْنَتي ليس في المظاهر الكاذبة ، كما أنّ السّعادة ليست في الملابس الفاخرة ، أو الحليّ الثمينة ، أو الكلمات المعسولة ، أو النّزهات والسّهرات .. كلا إنّما ذلك في التّفاهم والتّراحم ، والوئام والسّلام ، والتّعاون على البرّ والتّقوى .. حتّى إذا وَهَبَ الله تعالى مِن فضله الزّوجين أبناء كانوا فخرا لأبيهم وأمّهم ، وذخرا لبلادهم وأمّتهم .
واعلمي يا بْنَتي أنّ أحقّ النّاس بِحُسن صحابة المرأة زوجُها ، وإنْ كان أحقّ النّاس بحُسن صحابة الزّوج أمَّه وأباه ، ولا تنسي أنّك اليوم زوجة وغدا إنْ شاء الله أمّ . فأطيعي زوجك يُطِعْكِ أبناؤك ، وثقي – وفقك الله - أنّ الطريق إلى قلب الزوج طاعته وحسن التبعُّل له ، لا معدته كما يُقال ، وإنْ كان الاهتمام بطعامه أمرا ذا بال . ومن طاعة الزّوج وحُسْنِ التبعل له أنْ تُكرميه أمام أهلك و أمام أهله ، وألا تفشي له سرّا ، وألا تذكريه في غيابه بما يكره ، وألا تستقبلي في بيته من لايحب . و من طاعته وحسن التبعل له أيضا أن تشاركيه أفراحه و أتراحه ، وتُقدّري ما يقدّر ، وتهتمّي بما يهتمّ ، و تتلهّفي على رجوعه إذا غاب ، وتسارعي إلى استقباله إذا حضر . ومن ذلك كذلك ألا تقع عيناه منك إلا على أجمل منظر ، وألا يشمّ منك إلا أطيب ريح ، وألا تُجيعيه بسبب كسل أو إهمال .
إنّ حق الزوج على زوجته يا بْنَتي ليس انتقاصا من شخصيتها ، وطاعة الزوجة لزوجها ليس غضّا من كرامتها ، كلا بل ذلك حق له عليها ، كما أنّ لها هي حقا عليه .. وكلّ مُيسَّر لما خُلق له ، والسنبلة المُثقَلة بالحَبّ هي التي تحني رأسها وتتواضع ! و إذا كانت طاعة الزوج استجابة لطاعة الله فهي طاعة لله ، كما أن سجود الملائكة لآدم كان طاعة لله . ومن أطاع الله تعالى و تواضع له يَسَّر أمره ، ورفع قدره ، وأعلى مكانته .
ابنتي و حبيبتي :
إنّني لشديدة الفرح بزفافك إلى زوجك ، وإنْ كنتِ بضعة منّي ، وملء سمعي وبصري .. ولكنّها إرادة الله ، وسُنّة الحياة . ولو استغنت امرأة عن الزّواج لاستغنت عنه بنتُ أكرم خلق الله على الله ، فاطمة البتول صلّى الله تعالى على أبيها ورضي عنها . فاحمدي الله يابُنَيّتي واشكريه ، ثمّ أحسني إلى زوجك وأطيعيه ، وبرّي أهله كما تبرّين أهلك ، وكوني لحماتك كما تحبّين أن يكون زوجك لأمّك ، وتأسيّ بخير نساء العالمين أمّهات المؤمنين ، واذكري قول خاتم النّبيّين : " أيّما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنّة " .
بارك الله لك يا بْنَتي ولزوجك وجمع بينكما على خير، ووهب لكما من فضله ذرّية طيّبة مؤمنة ، تهتدي بهدي الإسلام ، وتقتدي بخيرالأنام
والحمدُ لله ربّ العالمين .
في يوم الجمعة 27/ صفر/ 1431ه الموافق 12/2/2010م
نجاح بلتاجي