- ..: يا شيخ، أريد أن أعيش حقيقتي
- ألم يكرمكِ الدين؟
- يا شيخ ؟
- لمَ أرهقتموني بأوزاركم؟!
- أنا هنا من أجلكم من أجل .... إنقاذكم !
- زمن طويل جداً يا شيخ....
- حسناً، ..
..: يا شيخ، أريد أن أعيش حقيقتي
- وما المانع ؟
- العالم !
- ما ذا فعل بكِ العالم ؟
- - العالم قمعي، خلع يدي ووضعها مكان رأسي، خلع رأسي ووضعه في بطني، فقأ عينيّ ووضعها في أصابع قدمي، وخلع إحدى قدميّ ووضعها مكان يدي، العالم يرفضني، يلفظ طبيعتي، شوّهني، حوّلني مسخاً ..
- أعوذ بالله ! اتقِ الله يا امرأة ..
- وهل قلت ما يُغضب الله ؟ حين رفضت قيوداً سننتموها أنتم باسم الدين، والدين براء ؟
يا شيخ الدين هذا مُبتلى في هذا الزمان، هل تعلم بمن ؟ بحامليه، بالمتحدثين باسمه، .. الدين مُصاب بمن مارس وصايته عليه رغم أنّه دين كامل الأهلية .. مُبتلى بمن يتحدث نيابة عنه بتحوير وتزوير وقد دس سمّ هواه في عسل حقيقته، بمن جرفته التيارات الأهوائية، مدعياً أن وادي الدين قد جرفه نحو سهل النجاة، يا شيخ ؟ أنا مخنوقة بحقيقتي التي لا تتنفس، والتي لا يُراد لها في هذا المجتمع أن تفعل ..
ألم يكرمكِ الدين؟
أجلسكِ في منزلكِ محفوظة مرفّعة، مخدومة موقرة، رفض الاختلاط، حال بينكِ وبين الرجال، جعلكِ جوهرة مصونة ودرة مكنونة، لا ينظر إليكِ من في قلبه مرض !
- فأنزلتم بما فعلتم مهابة على الرجل في قلبي ، جعلتموني أظن أن هذا المخلوق مُقدر متى ما وُجد أن يُعشق، وأنّ همي الوحيد كامرأة_ في داخلها نفس كبقية النفوس جُبلت على حبّ الممنوع_هو التزاوج به وحبّه وعشقه، حتى وإن كان من كوكب مختلف عن كوكبي، حتى وإن كنت أحلق في سرب غير سربه، ولغتي لا تشبه لغته، فمع شحّ الخيارات، جعلتموني لا أفكر بإن كان يناسبني أم لا، علي أن أقبل به قسراً، لأن فلان جاره يراه يصلّي، ولأن زميله في العمل يراه خلوقاً، حسناً من زميله ومن جاره؟ هل هم يشبهوني ليناسبني ما ناسبهم؟ ما تعريف مصطلح الخُلق لديهم؟ وكيف يعرّفون الصلاة ؟ لأعلم هل أنا وهما نقف على نفس الأرض أم أنهم على أرض غير أرضي ؟!
فكان للحظ في مستقبلي الدور الأول والرئيس، ضخمّتم حضوره، رغم أنه كلما قلّت نسبة الحظ كلما زادت فرص النجاح، ثقافة دينية علمنيها ربي ورسولي" إذا عزم أحدكم على الأمر فليصلي ركعتين" أي دين عظيم هذا ... اسأل وتفحّص واعلم وادرس واختبر وحاور، قبل ماذا؟ قبل أن تستخير خالقك، الأول والآخر، الآمر والناهي، الخالق والعليم ..
قوانينكم جعلتني أنظر إلام هو ليس خيار بذاته ك خيار، فما يجب القبول به هو في النهاية ليس خيار، حتى وإن كانت صيغة السؤال: هل تقبلين به زوجاً ؟
- حسبي الله ون
- قبل أن تصرخ يا شيخ، وتنعتني بالمتحللة أريد أن أخبرك أمراً هاماً، أرجوك أن تسمعني ؟
أنا والله أصلي صلواتي الخمس، ولا أفوّت وتري لا في حل ولا في سفر، وأقرأ وردي من القرآن، وأحب الله ورسوله فلا حقيقة سواهما، ولا أرى في هذه الأرض نبع يستحق الورود سواهما، لا أرى في الله سوى أنه سبحانه رب لا يستطيع الإنسان إنكاره مهما علا عتوّه وبلغ سلطانه، ولا يستطيع إشراك أحداً بألوهيته مهما بلغت مواهب الشريك وعظم جبروته، وأرى في رسولي الرسول السماوي الحقّ الذي لا يزل بيانه ولا تتناهى حكمته، أرشد ورشّد، وجّه فنجّى، نمّى وسمّى، يسّر ورغّب، رهّب فحبب .. ماذا أقول وبياني لا حول له ولا قوة جُرّد من كل شيء أمام سحرهما ..
وأقسم أنّي محجبة لا أظهر من فتنتي شيئاً ولا أقرب الزينة ما ظهر منها وما فتن، لا زينة في ردائي وأغطي وجهي في بلدان خليجية أبشع ما في رجالها أعينهم، وفي بلد عُرفه لا يمنع المرأة كشف وجهها من أن تكون مكنونة، لا أرى سوءا من كشف وجهي، في بلد الرجل ينظر فيه إلي كصديق لا ك غنيمة !
يا شيخ ؟
لا تظنني غبية إلى الدرجة التي أنادي فيها بمبادئ هي ستكون سبب نهاية هذا العالم، وتقنيا أنا كفرد في هذا العالم أي أنني سأكون سبب نهايتي، أنا لست مجنونة لأنهي عالما أنا فيه بيدي، أنا لا أنادي بفساد العالم، فلا تناديني بالفاسدة أوتستسهّل نعتي بالفاسقة والمنحلة ؟
أنا أنادي بترك الدين يتنفس على حقيقته ومجراه، لا على تعريفكم المفضل لمصطلح "الدرة المكنونة " ، أنا حين يعترض طريقي النادل في المطعم يسألني عن طلبي، أتلعثم !
تعلثم العروس الجديدة الخجولة حين يسألها زوجها أمراً، أتيّبس، أرتبك، يسخن جسدي، فأكرهني وأمقتني حدّ الاستفراغ، كم أردت للساني أن ينطلق بلباقة وعفوية تامّة، وإجابات جيدة وكأنّه مخلوق عادي مثله مثلي ، ولكني ما استطعت، في كل مرة أحاول فيها، أفشل، لأنني " درة مكنونة " ...
حين يناقشني المحاضر في قضية ما أملك حجة فيها وبيانا جامحا، إلا أن لساني تعقده عقدة العيب والخطأ، فأتبلّم، وأضطر إظهار المسايرة بامتعاض، رغم إمكانيتي في دحض حججه وإلجامه حجراً، قد يتعدى على خالقي ربّي حبيبي بإنكاره، إلا أني لا أستطيع الدفاع عنه، أموت قهراً وأبكي في جوفي، لأني تربيّت على ثقافة تكتمني، وتسكتني في جميع المواقف، ولأني في كل تعاملاتي مع الرجال كان هناك من يتحدث بلساني، ويعزلني في ترسانة : "لا تسمعين لا ترين لا تتكلمين " ..
القوقعة التي تكنني خنقتني إلى الدرجة التي نقص فيها الهواء، فعجز المخ عن تغطية كل أجزائه، فآثر أن يقتصر على الأهم، وزّع ما يملك على مناطق تهدد العيش، وترك مناطق الرفاهية كالنطق واللغة ..
جذذتم إبداعي، وخنقتم تفوقي بحبل الدين، فتدلت جثته عبرة لمن حدثتها حقيقتها بالتفوّق !
هو نفس الدين الذي سمح لصفية بنت عبد المطلب أن تشد وثاقها وتحز رأس اليهودي، هو نفسه الذي أظهر عائشة أم المؤمنين بتفوّق على رجال في علم الحديث، هو نفسه الذي شرّف أسماء بنت أبي بكر بلقب ذات النطاقين، هو نفسه الذي لم يُنكر ويشجب على خولة بنت الأزور ركوبها الخيل وقتالها، هو نفسه وربّي ، الدين يا شيخ لا يتغيّر ..
إذا جلست بمكان يجلس فيه الرجال، تسري النار في عروقي حتى أنهض، أنظر إليهم وأشعر أني في غابة من الوحوش، من الممكن أن ينقض علي أحد منهم في أي وقت، فكيف إن بادرني أحد منهم بسؤال مدفوع بحسن نواياه لا سمح الله، فتلك كارثة نفسية سرعان ما تتحوّل إلى عضوية، أختنق، يتهيّج قولوني، تعلو المطارق في رأسي"أووه إنها الشقيقة"..، أعود إلى منزلي محبطة ثائرة، وروحي بين جنبيّ تقعقع : لمَ فعلتم بي كل هذا ؟
لمَ أرهقتموني بأوزاركم؟!
ألأنكم عجزتم عن السيطرة على أنفسكم، ركنتموني في المنزل أصافح الروتين في كل يوم وليلة، وحتى مشاكلكم عودتموني أنكم تواجهونها بظهوركم وأنتم تدلفون مع الباب، وأنا علي إما الصبر أو الأخذ على عاتقي مهمة تغييرها، ويا ويل من اختارت الخيار الثاني، فقد أوسدت روحها في لحدها باكراً !
أما كنتم قادرين على أن تربوني على أن أكترث لهذا الرجل كأنّه زميلة، كُتب له أن يعمل معي في مؤسسة الله الكونية، نؤدي أنا وهو نفس المَهمة في عبادة الله وعمارة هذه الأرض، أقسم أني قادرة على هذه التصورات وأن مخي يستطيع أن يفهم الأشياء كما هي وكيف يجب أن تبدو، لمَ تفضلون دائما حكمة درء البلاء وسد الذرائع، ومن يستطيع أن يجزم بقدوم البلاء من هذا الطريق، وهل للدين مناظير لأعتد بمنظوركم وثمّة من يخالفكم أيضاً من منظور آخر وباسم الدين ؟
لم جزّأتم الدين . وفرّقتموه شيعاً ؟
الدين الشيء الوحيد الذي من غير الممكن أن يتعدد أو يُؤول ..
يا شيخ، لا خير في دين لم يستطع أن يوازن بيني وبين مطالبه، الله حين أنزل هذا الدين أنزله بما يتواءم مع طاقات خلقه، وحدود مقدرتهم، الله لم ينزعنا من حقيقتنا كما تفعلون،
يا شيخ هل تدرك ما معنى أن هذا الدين بدأ من رجل واحد فقط والآن هو يحكم مليار ونصف، لماذا ؟
وبنى بيوم من الأيام حضارة شهدها أهل السماوات والأرض، من رجل واحد فقط _ عليك الصلاة والسلام يا حبيبي_
لأن رسالته كانت جهورية واضحة: أنا هنا لأجلكم، لتكونوا بي أفضل، أقوى ، أنجح ، أنبل ..... أتمم أخلاقكم، أشذبكم، أفتش عن قواكم فأهذبها وأوجهها، اتجه نحو ضعفكم بحنو ورأفة ورحمة، أشرع أمامكم باب التوبة وأرغبكم بترك الممنوع، أشرح لكم ما ينبغي فعله وما لا ينبغي، وما الذي ينتظركم في الحالتين، أنبذ ثقافة جاهلية دندنت حول الاستعباد والقمع والكبت، وأترك مساحة لكم تختارون ما الذي يناسبكم، لأن الوقت لا يتسع للقمع، فأنا أحمل رسالة، مسؤول عن نشرها بأسرع وقت ممكن وبأكبر قدر ممكن، فإذا قمعتكم حيّرتكم بأنفسكم، فتطول رحلة البحث عن ذواتكم ومعرفة قواكم وضعفكم، واختيار أهدافكم، ثم تموت حضارتي قبل أن تبدأ !
أنا هنا من أجلكم من أجل .... إنقاذكم !
الحضارات لن تبدأ إلا من جيل يعي من هو؟ وأين يقف؟ ومتى يبدأ ؟ وكيف ؟ وإلى أين يتجه ... أمّا أن نربّي جيل متضعضع، متذبذب بين ما يريده الآخرون ويريده هو، حائر بقوته وضعفه وما يجب عليه أن يفعل .. فهذا يعني أن زمنا طويل الذي ينتظرنا لنسترجع حضارتنا !
زمن طويل جداً يا شيخ....
والدتي بعدما استقل أبناءها و" طلعت على المعاش" أصبحت في كل يوم تتسمّر أمام القنوات الدينية والوعظية، وأحبّ فيها هذه الاستماتة لأجل الدين، ولكن أتضايق كثيراً من صراخهم في وسط الوعظ والانتحاب الشديد، أنزعج من ذلك الذي يزجي للأمة آراءه الشخصية باسم الدين قائلا: زوجوهم وهم صغار تنحل المشكلة؟ كيف يا شيخ؟ الصغيرة لما تتزوج تذهب لبيت زوجها وهي تظل تحتاج أم فبتعتبر حماتها أمها، وهنا تكون انحلت المشكلة، ستكون مؤدبة مطيعة ..
حسناً، ..
وهل حل المشكلات في الطاعة فقط ؟ ما الرابط بين الأدب والطاعة، ألكي أكون في نظر زوجي والآخرين مؤدبة ينبغي أن أكون مطيعة؟ وأنا متى يؤذن لي أن أبدأ في البحث عن ذاتي وأعيش حياتي بدلا من أن أعيش حياة الآخرين، وهل حقاً أحتاج إلى إذن في ذلك ؟
من أعطاهم هذه المشروعية ؟
أرجوكم، لا تقولوا الدين ، فتنفرون أهله ومحبيه، فضلاً عمّن لا يدينون به ..
يا شيخ : لا تقتنع بكلامي، أنا لم أتصل لإقناعك فهذا لن يحدث قبل دهور، ولكن اتصلت فقط لأجل أن أخبرك أنّي مشفقة على الدين، لأنّكم تهددون الدين من حيث تريدون حمايته ...
وأن ثمّة فرق بين الرعاية وبين الجناية؟ وسأظل في نظركم تلك المرأة التي مشت على يديها فرأت العالم مقلوباً ورأيتموها مقلوبة
.
.
.
يا مكتب الطيران، تذكرة من فضلك نحو اللاشيء !
بنت أحمد - الساخر